أدب الرعب والعام

شبح المرأة صاحبة المنجل

بقلم : رشيد بوسكورة – هولندا

شبح المرأة صاحبة المنجل
يقال أن شبحها لا زال يظهر أحيانا ..

بعد سفر طويل وشاق وصل شفيق المولع بالأشباح إلى قرية الهجهوجية ، وجد في استقباله أحد سكان القرية الذي أعطاه بغلة وقال له ستوصلك حتى مكان إقامتك ، إنها تعرف الطريق جيدا ، ستجد هناك إبني أحمد و سيريك غرفتك .

وضع شفيق كاميرا التصوير الحديثة حول عنقه وركب فوق الدابة واضعا حقيبته أمامه . انطلقت البغلة وشفيق ينظر يمينا وشمالا يحاول التعرف على طبيعة هذه القرية التي سمع عنها كثيرا وارتبط اسمها بامرأة اسمها الهجهوجية ، يقال أن شبحها لا زال يظهر أحيانا . كان شفيق بالكاد يرى الطريق أمامه بسبب طبقات الضباب الكثيفة ، لكن كانت ثقته كبيرة في البغلة التي تبدو في خطاها متمكنة من معرفة الطريق . في منتصف الطريق تقريبا وقرب غدير ماء وقع ما لم يكن في الحسبان ، سقطت حقيبة شفيق على الأرض ، نزل ليأخذها لكن البغلة أكملت الطريق مسرعة ، وبقي شفيق تائها وسط الطبيعة الموحشة التي تعمها طبقات الضباب الكثيفة ، حاول اللحاق بالبغلة لكن دون جدوى .

مشى بضعة أمتار ليجد أمامه طريقين ، لم يعرف أيهما سيسلك . حاول تهدئة أعصابه ، فهو المغامر الذي يلهت وراء الأشباح ويتتبعها يعتبر ما حصل الآن يدخل في إطار اللعبة ، وإن كانت هذه البداية ، لكن يبقى كل شيء ممكنا وكل شيء مقبولا ، إنها لذة المغامرة والمجهول . بدأ الوقت يزحم شفيق ، فالليل بدأ يبسط ظلمته ، سلك الطريق الأولى ليجد نفسه متوغلا في الغابة ، تساءل مع نفسه ، هذه هي إذن الغابة التي يظهر فيها شبح المرأة صاحبة المنجل الكبير أو الهجهوجية … أنا لا أخشاها ، أنا شفيق مكتشف الاشباح ، يمكن أن أخاف من قاطعي الطريق ، من الذئاب .. لكن الأشباح مهنتي .

توغل كثيرا في الغابة ، فما كان عليه إلا أن تسلق شجرة وجلس فوق غصن سميك لكي يتجنب أذى الحيوانات المفترسة من ذئاب و خنازير برية ،أما حقيبته فتركها في الأسفل وكاميرا التصوير لا تفارقه لازال يحملها حول عنقه فهي راسماله في مهنته ، لا يجب أن يضيع أي فرصة فأية ثانية مهمة بالنسبة إليه، كما أنه اعتبر ما حصل له حسنة ، ربما تظهر الهجهوجية بالقرب منه فيكون تصويرها من أعلى الشجرة صيدا ثمينا رغم الضباب فإنه يثق في آلة التصوير آخر طراز .

ابى شفيق إلا أن يبقى مستيقضا فغفوته ولو لثانية قد تشكل خطرا كبيرا فهو فوق شجرة وليس فوق سرير ، كما أنه لا يجب عليه تفويت تصوير شبح المرأة صاحبة المنجل الكبير .. سرح بمخيلته يفكر في كل ما سمعه عن هذه المرأة العجيبة ….

في أيام (السيبا) أو الفوضى كانت الهجهوجية المرأة البشعة تظهر في كل مرة تغزو فيها إحدى القبائل قبيلتها ، عندما يستولي الرجال على خيرات القبيلة من محاصيل زراعية وأموال وحلي ويغتصبون الحسناوات من النساء .. تخرج الهجهوجية صاحبة المنجل الكبير من الغابة بسرعة البرق وتغرس منجلها في رأس أحدهم ممن يريد خطف النساء أو اغتصابهن ، ثم تعود بنفس السرعة مختفية بين أشجار الغابة ، حتى نساء ورجال القبيلة لا يعرفون سرها أو مكانها .

انتشر خبر الهجهوجية بين القبائل و أصبح يضرب لها الف حساب ، بل أحيانا كثيرة شكلت بعض القبائل تحالفات ضد قبيلتها ،الشيء الذي أضعف قبيلة الهجهوجية ، لكن الأهم أن رجال هذه القبائل أصبحوا عند الغزو لا يفكرون في الفوز بالحسناوات بقدر ما يفكرون في أي من الرجال سينقص .. أي من الرجال سيغرس المنجل الكبير في رأسه اليوم .. كل رجل يقول في نفسه ربما أكون أنا . وهكذا فوتت عليهم لذة جني الأموال و كسب الجميلات .

مرت السنوات وفي كل غزو ينقص رجل من الأعداء ، وترجع الهجهوجية متسللة كالأفعى بين أشجار الغابة بحيث لا يعثر على أثرها لا الاعداء ولا بعض الفضوليين من قبيلتها الذين يحاولون فك لغز هذه المرأة الحديدية صاحبة المنجل والتي حيرتهم لسنوات . حتى في موسم الحصاد كان ضعفاء القبيلة يجدون الزرع في الصباح محصودا بطريقة منظمة ،و السر في ذلك بطبيعة الحال منجلها الكبير .

في احد الايام اغتاظ زعيم إحدى القبائل التي تتباهى برجالها ذوي البنية القوية والمدربين على فنون الغزو والقتال ، هذا الزعيم كان معروفا بجبروته ومكره ، حيث احس بالإهانة من طرف هذه المرأة التي اذلت رجاله ، فقرر غزو الهجهوجية بنفسه ، لكن هذه المرة ليس من أجل الخيرات والنساء ، لكن بهدف واحد ألا وهو القبض على صاحبة المنجل .

وصل يوم الحسم ، في الطريق كان الزعيم يسب رجاله ينعتهم بالجبناء ، يقهقه بصوت عال .. ويقول لقد هزمتكم يا نساء القبيلة .. نعم انتم نساء القبيلة ، اليوم ساغتصب من منعتكم من اغتصاب النساء .. ها ها ها (يقهقه) .. رغم بشاعتها ستنجب لي رجالا اشداء يعوضونكم أيها الجبناء .. هاهاها .. رجالا أقوياء يعوضون من يرافقني الآن من النساء . لم يقوى أحد على الرد على هذا الزعيم المتسلط ، كانوا بعد كل متر يقطعونه يزداد شوقهم لمعرفة نتيجة النزال ، نزال وياله من نزال ينتظر الزعيم .

وصلوا إلى قبيلة الهجهوجية ، بدأ القتال عنيفا ، كانت خطة الزعيم ومساعده رمي الشباك على الهجهوجية بخفة حتى لا تسلم جرتها هذا اليوم . مر الوقت والهجهوجية لم تظهر بعد ، رجال قبيلتها أبانوا عن قتالية كبيرة لأن الأعداء كل اهتمامهم وتركيزهم منصب عن متى تظهر صاحبة المنجل . بدأ الزعيم يفقد أعصابه ، وفكر في استفزاز الهجهوجية ، اتجه إلى خيمة النساء ، مكث هناك مدة طويلة الشيء الذي دفع برجاله إلى تفقده ، دهشوا حينما وجدوه مدرجا في دمائه ، وجرح كبير في رأسه …

نعود الان إلى صديقنا شفيق .. كانت ليلة طويلة قضاها فوق الشجرة ، في معظم أوقاتها فكر في قصة الهجهوجية وفي لغزها ، ليلة لم تكن كباقي الليالي ، لم يفكر يوما أنه سيبيت فوق شجرة .. نزل من الشجرة يحاول الوقوف بصعوبة ، فالليل بأكمله قضاه جالسا أو مقعرا فوق الغصن السميك . أخذ حقيبته ومشى لا يعرف أي اتجاه سيقصد ، في الطريق ومن حسن حظه التقى براع أغنام أدله على الطريق .

وصل شفيق إلى المكان الذي سيقيم فيه ، التقى بالرجل وابنه ، قالوا له لقد بحثنا عنك في كل مكان فحكى لهم ما وقع له مع البغلة ، وتوغله في الغابة .

ارتاح هاوي الأشباح من تعبه ، كان يقضي معظم أوقاته ليلا ونهارا باحثا عن شبح الهجهوجية الذي مازال يخرج بين الفينة والأخرى . في أحد الأيام وعلى مقربة من الوادي ، رمقت عيناه حسناء جميلة تسقي الماء ، فتن بجمالها وأخذ آلة التصوير وصورها من بعيد ، اقترب من الفتاة وسألها من تكون هذه الجميلة صاحبة الشعر الأسود والعينين الجميلتين ؟ توترت الفتاة وقالت له انا من سكان القبيلة ومخطوبة ، من فضلك هذه أول مرة وآخر مرة تقترب مني.

عاد شفيق إلى غرفته ، نظر إلى صورة الفتاة الجميلة ، احس وكأنه أصبح متيما بهدا الوجه الملائكي الجميل .

في صباح اليوم الموالي عاد إلى الوادي ، كانت الجميلة هناك ، هذه المرة لم يمتلك نفسه ، وضع يده على كتفها وأراد تقبيلها ، نهرته وجرت مسرعة ….

عند المساء وجد بعض الرعاة شفيق جثة هامدة وآثار جرح عميق في رأسه .

تاريخ النشر : 2015-06-03

guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى