أدب الرعب والعام

ملكة الخفافيش

 
بقلم : محمد حمدي – مصر
للتواصل : [email protected]

 

وحلقت في السماء يحيط بها خفافيشها

أعرفكم بنفسي أنا نادر ابلغ من العمر 27 سنة اعمل ممرضاً في مستشفى واسكن مع أمي وأبي ليس لقلة المال بل لمراعاة شؤونهما ولأكون قريبا من محل عملي والاهم لأكون قريبا من خطيبتي.

فخطيبتي جميلة جدا بشكل يفوق الخيال لدرجة إنني استغرب أحياناً أنني خطيبها ويبدو اني قد حسدت نفسي إذ طلبت لقائي في يوم من الأيام واخبرتني انها تريد فسخ خطوبتنا بحجة اني بدين وانها تبحث عن فتىً رشيق غيري ووضعت الخاتم أمامي وتركتني ورحلت.

كان وقع الصدمة شديدا على لدرجة انني اكتأبت لأسبوعين ولم افارق غرفتي بتاتا، وعندما خرجت منها كنت عازما كل العزم على فقدان وزني حتى تقبل خطيبتي السابقة العودة لي، فامتنعت عن الطعام بتاتا لأيام ولم أستسلم ابدا مهما استبد بي الجوع واتبعت حمية قاسية فكنت آكل اقل الطعام وما ان انتهي حتى اذهب وافرغ كل ما في بطني حتى اصبحت عادة عندي فبعد كل وجبة اذهب لأتقيأ حتى صرت افرغ ماء المريء أيضا والذي بسببه صرت أتقيأ دماً من وقت لآخر.

وبعد شهر على اتباعي لهذه الحمية صرت أقرب ما يكون لحماً على عظم ضعيف بشدة لدرجة لا توصف لكن حتى هذا لم يمنعني من اكمال حميتي الغذائية القاتلة وفي أحد المرات وبعد افراغ ما في بطني ذهبت للنوم وحلمت بحلم عجيب فقد كنت في إحدى حدائق مدينتي وحدي تماماً والسماء تمطر بغزارة شديدة – مما بدا طبيعياً للوهلة الأولى – ولكن ما لبث الأمر ثواني حتى تحول قميصي الابيض الى أحمر كالدم وقد بللت تماما من المطر فرفعت اصبعي اتذوق ذاك المطر الأحمر فإذا بي أجده دماء، صدمتي كانت شديدة لدرجة أني هلعت وفزعت وبدأت اصرخ وابكي كالأطفال وفجأة مد أحدهم يده إلى وانتهى الحلم على ذالك.

استيقظت مفزوعا بشدة لكن الأمر الغريب أنني ولسبب ما كنت اشعر بطعم الدم في فمي مما اثار ذعري فهرعت إلى المرآة واذا بي أجد وجهي وملابسي مغرقة بالدماء ووسادتي ملطخة به ايضاً، هدأت من روعي واستنتجت أني تقيأت فقط وأنا نائم. ولكن ذاك الكابوس المزعج استمر بالتكرر لأسابيع وأسابيع.

في أحد الأيام استحممت وتجهزت للذهاب لعملي وأنا في طريقي قابلتني هند وهى احد زميلات عملي بالمناسبة، التي استنكرت على شكلي وأبدت قلقها الشديد حول ما قد افعله بنفسي اذا استمررت هكذا ولكني لم اكن مهتما بها او بكلامها فحاولت التملص منها وتحججت بتأخري عن موعد دوامي فإذا بها تقول: انت تفعل هذا لأجلها اليس كذلك؟ لأجل ان تعود لك خطيبتك؟ لماذا تتعذب من أجلها إنها حمقاء ليس إلا فكيف لها ألا تتقبلك كما انت فأنت رائع كما كنت.

نظرت إليها بغضب شديد وتركتها واكملت طريقي دون الالتفات لها حتى لكنها نادتني وقالت: أنا آسفة لم اقصد أن أتدخل فيما لا يعنيني لكن دعني اخبرك بشيء سوف اتبع نفس حميتك المقيتة تلك حتى تتوقف عن الجنون الذي تقوم به وإن لم تفعل فاعلم أني أحملك مسؤولية ما سيحدث لي.

مرت أسابيع طويلة منذ هذه الحادثة وكل أسبوع أرى التغير بادٍ على هند فهي بالفعل بدأت بالذبول ولكن في آخر مرة رأيتها لم يكن فيها روح حتى لا تكاد تقوى على السير كانت تمشي ببطء شديد وتتكأ بجسدها على الجدار وتكاد تجر قدماها جر فذهبت لها بسرعة لأساندها وقد كانت تبدو كجلد على عظم دونما أي أثر للحم فقط عظام وجلد مع عيون غائرة يحيط بها السواد والانتفاخ مما يدل على قلة الغذاء . لكنها ما ان رأتني حتى شعرت أن روحها قد عادت لها وقالت: أترى كل هذا بسببك.

قلت: أنا اسف حقا انا اشفق عليكي لكن للأسف لا اعلم ماذا جرى لي لم اعد اكل اى طعام الا وأتقيؤه لدرجة انه صار يؤلمني دخول الطعام في جوفي اعذريني انا اقوم باقصى ما في وسعي.

نظرت لي وابتسمت ابتسامه خافتة وقالت: تعال تعال اريد ان اريك شيئا.

ولم اشعر بها إلا وهى تسحبني بل الامر اشبه بأنها تجرني جراً وراءها حتى وصلنا إلى كوخ خشبي صغير مؤلف من غرفة واحدة صغيرة جدا فتحت الباب ودخل ودعتني للدخول.

دخلت ببطء اقدم قدماً تارة وأؤخرها تارة اخرى وكلي قلق مما قد أرى في الداخل فقد كان قلبي مقبوضاً بشكل لا يوصف لكني لم استطع جرحها فكل ما هي فيه بشكل أو بآخر أنا السبب فيه.

دخلت إلى داخل الغرفة وإذا بي أجد أن سطح الغرفة كله ملئ بالخفافيش النائمة فلم استطع تمالك نفسي ووقعت على الارض واصطدمت ببعض القضبان الحديدية التي أثارت جلبة شديدة فأيقظت الخفافيش التي بدأت باصدار اصوات مزعجة فهممت بالركض خارج الغرفة لكن هند توسلتني وقالت: ارجوك يا نادر ابقى لا تقلق انها غير مؤذية بتاتاً انها كائنات لطيفة لا تؤذي أحد لا تقلق ابداً لا تقلق، اشارت لأحد الخفافيش وقالت: هذا سامر وهذا كريم وهذا سعيد وهذا عصام وصارت تعددهم لي بأسمائهم ومن ثم مددت يدها لأحدهم فصدمت مما رايت اذ كانت يدها كاملة مليئة بما يشبه الثقوب الصغيرة المزدوجة لنقل كعضات مصاصي الدماء.

اقترب ذاك الخفاش المدعو بسعيد الى يدها ومن ثم غرس انيابه فيها فهرعت اليها ابعده عنها لكنها صرخت في وقالت: لا لا توقف لا تؤذه إنه جائع إنه يريد فقط بعض الطعام نعم هكذا يا سعيد اشرب اشرب اكمل غداءك.

قلت لها: من أين جلبتي هذه الخفافيش فهذا النوع مصاص الدماء لا يسكن في دولتنا كيف أحضرتيه إلى هنا.

قالت لي: وما أدراني أنا فقط وجدتهم وأنا ارعاهم.

ثم نظرت إلى سعيد واستمرت في حثه على الشرب

وقفت أتامل بذهول سعيد وهو يمتص الدماء من يدها وما ان انتهى حتى قالت: هل ارتويت يا سعيد جيد جيد انا هنا معكم لا تقلقوا سأطعمكم جميعا انتم أطفالي الصغار.

واذا بسعيد يقفز من يدها ويقع على الارض ويبدأ بالقفز اتجاهي ومن المفاجأة خانتني قدماى مرة اخرى فوقعت على الارض واذا بي أجد ذاك اللعين على ساقي يقترب من وجهي فضربته بيدي واسقطته على الارض.

فصرخت هند وقالت: أأنت مجنون أهكذا تعامل من ساعدوك ففي النهاية أنت وبفضل هؤلاء على قيد الحياة حتى الآن.

سألتها لها باستغراب يشوبه رعب: ما … ماذا تققص … صدين .. أ أ أ نا لا افهمك؟

قالت: لقد دفعني خوفي عليك – وحبي لك (قالتها بصوت خافت جدا ) – بان أسمح لأطفالي الصغار بامتصاص الدماء كل ليلة وإرسالهم لك في بيتك ليسقوك إياه – فهو ملئ بالغذاء – وانت نائم.

قلت وأنا استنكر بشدة: أجننتي بالتأكيد أنتي مجنونة صغارك اتقصدين تلك الخفافيش لا هذا أكيد لقد جننتي وماذا تقصدين بالدماء ؟ اتقصدين دماءك؟

قالت وهى ترفع سعيد عن الارض وتقبله : من دمائي نعم من دمائي انا فأنا الآن بداخلك أجري في عروقك فأنا اعشقك .. أنا وانت واحد ثم ضحكت بشكل هستيري.

والآن هذا يفسر كل شئ قلتها في نفسي ونظرت اليها برعب شديد كأني انظر إلى شيطان ثم تركتها ووليت الفرار خارج الغرفة بأقصى ما لدى من قوة. لكنها لم تتركني وبدأت بملاحقتي من شارع لآخر حتى وصلت إلى قضبان سكة الحديد فمررت من عليها بسرعة ونظرت خلفي لأجدها تتسلق الحاجز الذي انهكها الصعود من فوقه وبدأت تمشي بتثاقل اتجاهي وما هي إلا لحظات حتى كان أحد القطارات يمر مصطدما بجسدها الضعيف الذي تحول لأشلاء فالذراع في مكان والقدم في مكان آخر والدماء تملأ المكان. كان منظراً بشعاً حتى بالنسبة لممرض معتاد على منظر الدماء.

لكن الرعب لم ينتهي هنا فقد سمعت صوت هند وهى تنادي علي وتقول : نادر نادر نادر .. كررتها بطريقة مزعجة لا اعلم كيف كانت تكررها فلقد فصل رأسها … وبعدها وجدت الخفافيش تحلق فوق رأسي وبدأت تهبط باتجاه الدماء وتلعقها بشره ثم بدأت مجموعات كبيرة منها تجمع أشلاء هند وتأخذها باتجاه الحديقة. لم اعرف كيف ولماذا لكني ركضت إلى بيتي واختبأت تحت غطائي.

وما هي إلا ساعات حتى هبط الليل بوشاحه الأسود الداكن مغطيا به أرجاء الكون وعندها لم تتوقف الأصوات استمررت بسماع اصوات الخفافيش المزعجة التي كنت اشعر بأنها تنخر في أذني كالمسمار وكأن ايقاع اصواتهم كان يقول : نادر نااااااادر دمااااااء .

واذا باسراب كبيرة من الخفافيش تبدأ بالاصطدام بزجاج الشباك بقوة مهولة فصرت اصرخ وأقول : اتركوني ماذا تريدون مني انا لم افعل شيء .. هي من قتلت نفسها اتركوني لحالي ماذا تريدون مني.

وما هي إلا لحظات حتى رأيت أسراب من الخفافيش تخرج من تحت سريري وخزانتي ومن بين ملابسي وفجأة تذكرت شيئا أنني لم أرى الرأس الخاص بهند ربما هذا ما تبحث عنه الخفافيش ولا تستطيع إيجاده لذا لا تتركني بسلام.

لذا ذهبت إلى المكان الذي اعتقدت اني رأيت الرأس طارت إليه بعد الحادث وما ان وصلت حتى سمعت صوتها نعم لقد سمعته لقد كانت هند تقول: نادر انقذني يا ناادر.

فبدأت بالتقدم وكلما مشيت زاد صوتها قربا حتى وجدتها امامي حسنا لنقل وجدت رأسها أمامي ولكن لا صوت يصدر منه فتحاملت على نفسي ومددت يدي لامسك الرأس فإذا به يتحول لرأس خفاش عملاق بشكل لا يوصف ونما له جسد بحجم البشر وبأجنحة أطول واكبر من اجنحة النسور وحلقت في السماء وحولها يحيط بها خفافيشها وقالت : نادر اريد دماءك نعم اريدها انقذني كما انقذتك يا نادر اعطني دمك وهجمت هى وخفافيشها على. وحينها فقط فقدت الوعي.

أفقت من غيبوبتي لأجد نفسي في المشفى واهلي محيطون بي وكلهم يطالعونني بنظرة غريبة والتي عرفت سببها لاحقا عندما نظرت في المرآة لأرى وجهي وكل جزء في جسدي ملئ بالثقوب الصغيرة كالتي كانت على يد هند وطالبوني بتفسيرات لكن لم استطع أن احكي لأحد عن ما حدث فادعيت الجهل فأنا لا اريد الذهاب للمصحة العقلية ومن يومها لم ارى او اسمع اي شيء عن هند وخفافيشها مرة أخرى. إلا انه ومن فترة لأخرى كانت تجد الشرطة بعض الجثث وهى خالية من الدماء تماماً لكن لا احد يعرف من القاتل .. حسنا لا أحد إلا أنا لكني بالتأكيد لن اخبر أحد.

 

تاريخ النشر : 2015-07-11

guest
55 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى