أدب الرعب والعام

رحلة إلى الصحراء

بقلم : امل شانوحة – لبنان
للتواصل : [email protected]

رحلة إلى الصحراء
فنظرت الى حيث اشار , فرأيت منزلاً حجرياً ..
قام بعض اصدقائي بدعوتي لقضاء ليلةٍ في البرّ , كهديةٌ منهم على خطبتي لقريبتي .. و رغم انني لا احب المبيت في الصحراء , لكني لم استطع الرفض بعد الحاحهم عليّ .. و باليوم المحددّ .. ارسلوا لي التوجيهات على جوالي : حيث كان عليّ ان اتوغّل في الصحراء , بعد مسافةٍ معينة من الشارع الرئيسي ..و رغم قلقي من الضياع هناك (خاصّة بأنها المرّة الأولى) الاّ انهم وعدوني بأنهم سيجدونني , لكيّ نكمل سوياً نحو المكان الذي نُصِبت فيه الخيمة..

و بالفعل !! تعمّقت داخل الصحراء , حتى بدأت انوار الشارع خلفي بالإختفاء … ثم صار الطريق مظلماً , لا يُرى الاّ انوار سيارتي .. فأحسسّت وقتها بأنني اضعت الطريق .. فتوقفت و خرجت من السيارة محاولاً ايجاد شبكة ارسال لجوالي , لكن دون فائدة ! و بعد ان فقدت الأمل , عدت اليها .. و قد صمّمت على العودة الى منزلي , و الإعتذار لاحقاً من اصحابي .. لكن كانت هناك مصيبةٌ اخرى في انتظاري .. فالسيارة انغرزت في الرمال ..و لم تفلح محاولاتي لإخراجها من هناك , حتى بعد ان وضعت بعض الأحجار تحت الدواليب .. و بعد ساعة من المحاولات اليائسة .. اطفأت السيارة و اغلقت نوافذها , خوفاً من ان تتسللّ اليّ : حية او عقرب .. و لم يبقى امامي الاّ الدعاء الى الله , بأن يجدني اصحابي .. ثم استلقيت على الكراسي الخلفية لأنام قليلاً , الاّ ان الحرّ (داخل السيارة) منعني من ذلك.. و كان الزمن قد قارب منتصف الليل ..

و بينما انا اتقلّب يميناً و يساراً , سمعت طرقاً على نافذتي الخلفية .. فقمت فزعاً لأرى رجلاً عجوزاً , لديه هيئة البدو (ذو لحيةٍ بيضاء و ثيابٍ رثّة , يحمل بيده عصاه الخشبية).. كان يسألني : مالذي احضرك الى هنا ؟! .. فخرجت من السيارة و سلّمت عليه , ثم اخبرته قصتي بإختصار … فأقترح عليّ ان اذهب معه الى منزله .. فنظرت الى حيث اشار , فرأيت منزلاً حجرياً (صغير الحجم) .. فتفاجأت لأني لم اره من قبل , رغم انه يبعد عن سيارتي بضعة امتارٍ فقط ! و قبل ان استفسر منه , تركني و ذهب بإتجاه منزله ..فما كان عليّ , الاّ ان اغلقت نوافذ سيارتي و اقفلتها , ثم اسرعت بالّلحاق به ..

و بعد ان دخلنا الى بيته (الذي هو عبارة عن غرفة و صالة) .. وقفت امام تلك الغرفة , فلم اجد فيها سوى فِراشٍ قديم على الأرض , و بجانبه ابريق ماء ..امّا الصالة : فقد فُرشت ببساطٍ مُهترىء , و في احدى الزوايا يوجد صوفِ خروف .. و قد سمح لي العجوز ان انام في غرفته .. ثم سألني ان كنت جائعاً , و قد كنت بالفعل .. لكني بصراحة , خفت ان يُحضر لي ثعباناً او ضبّاً مشوي , فهو يعيش منعزلاً عن العالم ! فشكرته ثم دخلت الغرفة , و اغلقت بابها ..

و بعد ان وضعت غترتي فوق الوسادة القديمة , استلقيت على فِراشه .. و صرت افكّر بهذا العجوز .. كيف يعيش وحده بالصحراء ؟! و من استطاع بناء هذا المنزل في بقعةٍ معزولة كهذه ؟! الم يكن اسهل عليه لو عاش في خيمة ؟! ثم صرت افكر بأصحابي : هل تراهم يبحثون عني , ام ظنوا بأنني لم البّي دعوتهم ؟! و بعد وقتٍ من التفكير , غلبني النعاس …فنمت .

لكني استيقظت بعدها (و الظلام مازال حالكاً) و انا لا ادري كم نمت , لأني نسيت جوالي داخل السيارة .. و كنت مُجبراً للعودة الى النوم , عسى بذلك ينتهي هذا الليل الطويل .. لكني سمعت شيئاً ….. نعم !! انه نفس الصوت الذي ايقظني قبل قليل ..انه صوت يُشبه القرمشة , قادمٌ من خارج المنزل ! ..ففتحت النافذة .. و شعرت على الفور بتغير الجوّ , حيث صار يحمل معه نسماتٍ باردة ..و لأنني مازلت اعاني من نزلة برد , أخذت غترتي (من فوق الوسادة) و لففتها حول وجهي ..ثم اخرجت رأسي من النافذة , لأرى على اقصى يساري .. الرجل البدوي , و هو مُنحني داخل حفرة بالأرض .. لا يظهر منه سوى حدبة ظهره , و يبدو انه مشغول بإخراج شيءٍ من هناك ! …

هآقد قد سحبه (بعنف).. لكن ما هو يا ترى ؟! … آه يا الهي !!! انها عظام يدٍ بشرية !.. ماذا سيفعل بها ؟! … ماذا ! انه يأكلها !! و من هول الصدمة , صرخت بعلوِ صوتي : جني !!!!!! .. فسمع صراخي .. فالتفت اليّ , و كم افزعتني نظرته .. فقفزت على الفور من النافذة , و ركضت كالمجنون بإتجاه سيارتي .. لكني سقطت فجأة ! ..اللعنة !! ليس الآن ..فنظرت الى قدمي , فوجدت يداً زرقاء تمسك بها من داخل الأرض .. يا للهول ! جنيٌ آخر..و هنا سمعت صراخ العجوز (من بعيد) و هو ينادي : لا تدعوه يهرب !!!!!

و اذا بالجن (بألوانها المختلفة و اشكالها المرعبة) تخرج من كل مكان , من تحت تربة المقبرة (التي لم ارها من قبل) ! و بعد ان افلّتُ قدمي (بصعوبة) من بين يديّ تلك الجنية .. عدت و ركضت بكل ما اتيت من قوة , بإتجاه سيارتي ..ثم دخلت اليها .. و صفقتُ بابها (بقوّة) , و اذّ بي اسمع , صراخاً مخيفاً يصمّ الآذان ! و يبدو ان اصابع ذلك الجني (الذي كان يزحف خلفي مباشرةً) قد علِقت ببابي ..لكنه بعد ان صرخ بألم , اختفى فجأة !

اما عن باقي تلك المخلوقات المريبة : فكان بعضها يطير و يحطّ فوق سطح سيارتي , اما الآخرون فكانوا يهزّون السيارة (بعنف) و هم يطرقون بأيديهم على زجاجها ..اما احدى الجنيات : فقد اكتفت بالتحديق اليّ (بعينيها البيضاوين) من نافذتي الأمامية ! فأغمضت عينايّ , و صرت ادعو الله , و انا احاول جاهداً تحريك هذه السيارة الملعونة !! و اذا بي اسمع صوت تكسّر زجاجي الخلفي , لأجد مارداً ضخماً (رمادي اللون) يحاول ادخال رأسه من تلك الفتحة .. و بهذه اللحظة !! اغميّ عليّ من اثر الرعب..
.. امّا ما حصل بعدها .. فقد استيقظت (و انا مازلت داخل سيارتي)و الوقت لا يزال ليلاً .. اما عن تلك المخلوقات المخيفة و كذلك المنزل و المقبرة , فقد اختفوا جميعاً !

فأدرتُ وجهي (بسرعة) الى الخلف , لأجد ان زجاج سيارتي الخلفي سليماً تماماً ! فهل كنت احلم ؟! هل معقول ان حرارة السيارة اثّرت عليّ , و جعلتني اهلّوس .. حقاً لا ادري ! لكن كلّ ما اردّته في تلك اللحظة : هو ان ابتعد عن تلك المنطقة الملعونة قدر الإمكان .. فحاولت للمرّة الألف , ان ادير سيارتي .. فإذا بها تتحرّك , و بسهولة ايضاً ! فهلّلتُ فَرِحاً , ثم اسرعت للعودة الى منزلي ..و في طريقي نحو الشارع العام , انتبهت الى نورٍ بعيد من جهة يميني .. و خيّل اليّ : بأنها ناراً اشعلها اصدقائي بالقرب من خيمتهم ..فانحرفت بسيارتي بإتجاه ذلك الضوء الأحمر (البعيد) .. و انا ادعو ربي : ان لا تكون لقبيلة اخرى من الجن !

و ما ان صرت على بعد امتارٍ منها , حتى اتضح ان ظني كان بمحله .. و فور ترجّلي من السيارة , هجم عليّ اصحابي و هم يحمدون الله على سلامتي .. فقد كانوا على وشك الإتصال بالشرطة , بعد ان يئيسوا من ايجادي .. ثم جلسنا حول النار ..و اسرع احدهم بتسخين طعامي من جديد .. اما انا ..فقد كنت اجلس بهدوء , و انا شارد التفكير ..و مرّت الدقائق ..لم استوعب حديث ايّاً منهم , فقد كان عقلي يحاول تذكّر كل ما حصل .. لكن فجأة ! انتبهت على ضحكاتهم , و هم يشيرون الى شعري (بعد ان نزعتُ غترتي) .. و قال احدهم ساخراً : من الحلاّق الغبي , الذي صبغ رأسك بالصِباغ الأبيض ؟ فقلت : ماذا ؟! عن ايّ شيءٍ تتحدثون ؟!

فالتقط احدهم صورة لي (من جواله) ثم اراني اياها , و قد ارتعبت من منظري الشايب ! لكني لم اردّ اخافتهم , لذلك وافقتهم بأنها غلطة حلاّق .. و رغم انني شاركت ضحكاتهم , الاّ ان قلبي كان يرتجفّ بشدة في تلك اللحظة : لأني ايقنت ان ما حصل معي قبل قليل , كان حقيقياً ! .. و بعد دقائق .. اعطاني صديقي الصحن , الذي فيه قطعة من الخروف (بعد ان سخّنه على النار) .. اما اصدقائي الإثنين , فقد اعتذروا لعدم اكمال السهرة معي , و دخلا الى الخيمة ليناما ….

و جلس صديقي الثالث بجانبي , يُقشّر التفاحة .. و بعد لحظات , عمّ الهدوء .. فجلست آكل قطعة اللحم , و انا افكّر بقبيلة الجن … لكن قطع تفكيري صديقي , بعد ان امسك بيدي (بقوّة) ..و آثار الدهشة و الخوف بادية على وجهه ! …فسألته : ما بك ؟! .. فقال بصوتٍ يرتجف : لما تأكل العظام بدل اللحم ؟! ..و قبل ان اعيّ لما يقوله , لاحظت على الفور , الدماء التي كانت تخرج من اصبعه (بعد ان جرح نفسه بالسكين) .. و هنا شعرت بشعورٍ غريب , و صرت احدّق بإمعان في تلك الدماء ! …

امّا ماذا حصل بعدها ؟ … فمازلت الى اليوم , احاول التذكّر ! فقبيل الفجر بلحظات .. وعيتُ لنفسي داخل الخيمة , و انا غارقٌ بين بركة من الدماء و اشلاء صديقايّ .. فقفزت فزعاً من مكاني , و اسرعت للخارج .. لأرى صديقي الثالث , و هو مطعون بسكينٍ في قلبه .. و ترقد جثته الهامدة , بالقرب من النار التي انطفأت !.. و هنا !! سمعت ضحكات رجلٌ يقف ورائي , فالتفت اليه .. لأجد ذلك العجوز و من خلفه , افراد قبيلته من الجن : كباراً و صغاراً , رجالاً و نسوة (بألوانهم و اشكالهم المختلفة) ! .. ثم قال لي (بفخر) : احسنت !! لقد نجحت بالإمتحان .. و اهلاً و سهلاً بك بيننا .. لأنك منذ اليوم , لم تعدّ بشريّاً !!!.. ثم هللّ الجميع (الجن) فرحاً ..

و هآ انا احفر قصتي هذه , داخل هذا الكهف ..عسى ان يقرأها احدكم ,و يساعدني على الهرب من عالمهم المخيف !

تاريخ النشر : 2015-07-27

guest
32 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى