أدب الرعب والعام

أشباح الشاطئ

بقلم : محمد حمدي – مصر

أشباح الشاطئ
أقسم أني رأيته بعيني هذه .. رأيت الشبح وجثته المتعفنة

أنا إياد طالب جامعي عمري 23 عاماً، في فصل الشتاء توجهت أنا وثلاثة من أصدقائي (يوسف وأحمد ومحمد) إلى إحدى الشواطئ البعيدة عن مسكننا لنزيل ما لحق بنا من تعب وقلق وتوتر من ضغط الدراسة.

قد يقول البعض هل جننتم فصل الشتاء والمصيف كلاهما لا يجتمعان أبدا! …

لكن حسنا شتاء = أناس قليلون ، فلا نريد ازعاجاً من الأطفال ، كما أن الشتاء هو الفصل المثالي لركوب الأمواج القوية.

كانت الرحلة عادية جداً، وبعد مرور 6 ساعات من القيادة المتواصلة، حل الظلام ولذلك ولنحافظ على سلامتنا قررنا أن ننام داخل السيارة على جانب الطريق رغم أننا كنا بمحاذاة الشاطئ لكن وللأسف فأقرب فندق هنا يبعد ساعة أخرى والكل كان مرهقاً من اثر مطبات الطريق والاهم كما قلت لنحافظ على حياتنا من جنون سائقي الشاحنات الذين لا يرحمون.

***

استيقظت في منتصف الليل على منظر غريب، فلقد رأيت شيئاً اسود بهيئة رجل في الأربعينات من عمره يخرج من البحر المقابل لنا ببطء، فتساءلت في نفسي وقلت: ما الذي يفعله هذا الرجل في هذه الساعة ؟.

لكن الغريب لم يكن هذا فحسب ، إذ بدأ جسم الرجل يشع بلون اخضر خافت جداً مما أظهر معالم وجهه.

لقد كان وجهه .. لا ليس وجهه فقط .. بل جسده كله متحلل ومتعفن ومتآكل فكنت أستطيع رؤية عظام قفصه الصدري وعظمة فخذه اليمنى بوضوح، كما أن وجهه كان فاقداً فكه .. تخيلوا رجل بدون فك سفلي ولحم وجنته يتساقط على الأرض.

لكن لم ينتهي الرعب هنا، لقد استمر في الاقتراب من السيارة ببطء شديد، ومن شدة خوفي لم استطع النطق أو الحركة، وما هي إلا لحظات حتى مر بجانب نافذة السيارة، ونظر إلي لأرى تجويفين مكان عينيه، ثم أشاح بوجهه بعيدا وأكمل الطريق.

ما إن ابتعد بضع خطوات حتى أطلقت صرخة أيقظت جميع أصحابي وصحت بهم : شبح !! .. أقسم أني رأيته .. انه شبح ..  اللعنة اخرجوا انظروا إليه انه هناك.

خرج الجميع لينظروا حيث أشرت ولكن لا احد كان هناك … فقط ظلام.

قال يوسف بنبرة غاضبة : أتمزح معي يا إياد ، أيقظتنا في هذه الساعة لتقوم بهذه الخدعة السخيفة .. ألا تكبر أبداً.

قلت بصوت مرتجف: أقسم أني رايته أقسم لقد مر من أمامي .. أنا لا أمزح أنتم تعرفونني متى مزحت هكذا.

ضحك أحمد ضحكة عالية وقال: هناك دائماً أول مرة … لكن أرأيت هذا ما تناله جراء مشاهدتك لأفلام الرعب وقراءتك الدائمة لقصص الجن والأشباح.

نظر إلى محمد ثم قال: يا شباب اهدؤوا قليلاً … لا تقلق يا إياد ربما فقط مجرد هلوسات بسبب إرهاقك لا تقلق.

قلت: لكن يا محمد .. فقاطعني يوسف قائلا: لا تكمل .. توقف نحن مرهقون ونريد النوم .. لا تتكلم الآن لا نريد رؤية كوابيس.

ثم دخلوا جميعاً إلى السيارة مجددا لكني بقيت للحظات أحدق في الظلام الذي ابتلع هذا الشيء الذي مر منذ قليل ثم دخلت السيارة كالآخرين.

***

في اليوم التالي تناسى كل منا الموضوع تماماً وبدأ أصدقائي بالسباحة في الماء وركوب الأمواج، لكني جلست على ما يشبه المقهى بجوار البحر لا افعل شيئاً سوى التحديق في أصدقائي فلا أعلم ما قد يحدث إذا نزلت الماء وقابلني ذلك الوحش مرة أخرى.

خرج محمد من الماء واقترب مني وقال: هيا يا رجل الماء بارد قليلاً لكنه منعش.

قلت: لا أريد إفساد الرحلة لكني خائف وأريد العودة الآن بعدما رأيته.

قال محمد: صدقني يا إياد ما هو إلا مجرد حلم غريب فأنت أعلم أن الجثث المتعفنة لا تتحرك وحدها ما هذا إلا تأثير أفلام الزومبي عليك.

صرخت في وجهه وقلت: اللعنة أقسم أني رأيته بعيني هذه رأيت الشبح وجثته المتعفنة.

اقتربت الفتاة التي تعمل في المقهى وقالت: معذرة على تطفلي لكن هل قلت أنك رأيت شبحا؟ .. هذا ليس غريباً هنا فالكثير ابلغوا أنهم رؤوا أشباحاً تخرج من البحر أو تجلس على الشاطئ .. الكثير من الأحداث المميتة حصلت هنا .. أترون تلك الأمواج هناك لقد سبق وابتلعت أشخاصا كثر والغريب أن جثثهم لم تطفوا أبدا .. أنا بنفسي رأيتهم عدة مرات فما إن يحل الليل حتى يبدؤون بالخروج من البحر بل ويتجولون حول الشاطئ.

حينها أطلق أحمد صرخة عالية فارتعبت وقفزت بشدة ولكن احمد ضحك بشدة وقال: كم أنت جبان.

نظرت له بحنق شديد ولم أتكلم لكن محمد قال: متى جئت إلى هنا يا رجل لم أرك تخرج من الماء.

قال احمد: منذ لحظات تعمدت التسلل لأخيف هذا الجبان.

واستمر بالسخرية مني فلطالما كان كذلك لكني تجاهلته كالعادة.

ثم جاء يوسف أيضاً لينضم إلينا وليرى ماذا نفعل، لكن الفتاة ابتعدت عنا وذهبت بعيداً ، لذا ناداها يوسف وقال: عصير البرتقال لو سمحتي .. لكن ما إن رأى وجهها حتى شرد ذهنه تماماً واستمر في السؤال عنها والنظر إليها.

لكني قلت له: استسلم أستسلم لن تستطيع الكلام معها حتى.

نظر إلى وقال : أتتحداني ؟ .. سنرى ! .. محمد تعال معي.

قال محمد: لا لن آتي اذهب وحدك لم تجرني معك في هذه الأشياء.

استمر يوسف بالتوسل لمحمد حتى وافق .. فمحمد هو الأطيب قلبا والألطف بيننا.

قال أحمد بعد أن غادرا: إنه أحمق بالكامل سوف يُرفض رفضاً قاطعاً .. انظر فقط انظر.

ولكن على غير المتوقع ما إن كلمها يوسف حتى ابتسمت واستمرا في تبادل الكلام بل وصل الأمر أنها ضحكت على نكتة قالها.

استمر الحال هكذا ليومين، كل يوم يكلمها وتكلمه وأنا جالس على المقهى لا اقترب من البحر ..

وعندما اقترب وقت رحيلنا أراد يوسف أن يأخذ صورة معها للذكرى فإذا عاد السنة القادمة يريد أن يراها مرة أخرى. لذا وقفنا جميعا أمام البحر وهى في المنتصف بجوار يوسف والتقط محمد لنا الصورة.

حينها قال أحمد والذي أعتقد انه بدأ يشعر بالغيرة: حسنا يا يوسف دعها تكمل عملها أنت تلهيها هكذا قد تضرها بهذا الشكل.

ابتسمت الفتاة ابتسامة خافتة وقالت: لا تقلقوا ففي فصل الشتاء الزبائن قليلون فلا أكون منشغلة وهذا جيد لأنه .. وعندما لا أكون منشغلة أرى الكثير من الأشياء.

قال يوسف: أي نوع من الأشياء.

قالت بخبث: أشياء من خارج عالمنا لا تمت بصلة لعالم الأحياء وكلها مرئية بالنسبة لي فكما تعلمون هناك حياة أخرى أنا متأكدة من ذلك فما أراه بالتأكيد يأتي منها. الكثير من الناس ماتوا هنا وأنا استطيع رؤيتهم جميعاً .. استطيع رؤية هيئتهم الميتة .. صمتت لبرهة ثم قالت: الكثير من راكبي الأمواج ماتوا هنا .. احذر يا يوسف أنت أيضاً ….. فأنا أراهم خلفك.

سرت رعشة في جسدي ونظرت باتجاه يوسف لأرى ما خلفه وهو أيضا استمر في التلفت علًه يرى شيء وقال : ماذا ترين خلفي ماذا ترين؟؟؟ ..

قالت وهى تتركنا وتذهب باتجاه الكوخ ( المقهى ) : لا شيء .. لا تهتم بتاتاً لا شيء ! .

ضحك احمد وقال: أحسنت الاختيار يا أحمق.

***

بدأت الشمس بالغروب فأشعلنا بعض النار قريبا من البحر للتدفئة لكن يوسف كان مرتبكاً وخائفاً ومنِكمش على نفسه لا يتكلم.

حاولت التخفيف عنه فقلت: يا رجل احمد كان يشتعل غيظاً منك لقد كان يحترق من الغيرة.

قال احمد: أغار ! .. من ماذا ؟ .. وأطلق ضحكة خفيفة ثم تابع قائلا : إنها غريبة الأطوار يا رجل .. لما قد أغار!.

أضاف محمد: لا تقل أنك قلق وخائف مما قالته الفتاة .. لقد كانت تمزح معك فقط .. ت م ز ح.

قال يوسف بصوت واهن ووجه شاحب: لا ليس هذا ما يقلقني أنا فقط متعب اليوم بشدة سأذهب للنوم .. ثم توجه للسيارة.

بدأنا بالتكلم عن يوسف قليلا وكل أبدى قلقه بما أصابه. ثم قلت : الجو أصبح بارد هيا يا شباب لنذهب للسيارة.

لكن فجأة رأينا يوسف يركض بأقصى سرعة لديه باتجاه البحر وبدأ يسبح مبتعداً عن الشاطئ فجرينا وراءه وسبح احمد وهو أفضل سباح بيننا خلفه حتى امسكه وقيده. لكن يوسف لم يتوقف عن المقاومة محاولاً الهرب من قبضة احمد.

صرخ أحمد فيه: هل جننت أتريد أن تقتل نفسك توقف عن المقاومة.

قال يوسف: دعني وشأني دعني وشأني دعني.

بعد ذلك أمسكناه أنا ومحمد أيضا وحملناه إلى الشاطئ وأجلسناه أمام النار واستمر في ترديد: برد .. يجب أن اخرج من هنا ..  برد.

قلت له : ماذا هناك يا يوسف ؟ ..

قال : لقد توسلت إلي .. لقد أخبرتني أن أأتي لأساعدها .. لقد أتت إليكم أيضا لما لم تتحركوا لما لم تفعلوا شيئاً .. لماذا لم تذهبوا لتساعدوها ؟.

قال أحمد : من تقصد أيها الأحمق ؟ .. لم يأتي إلينا أحد.

قال يوسف: المعلمة ألم تروها.

ثم وقف مرة واحدة وقال: الأمر جدي يا رفاق .. الأمر جدي ألا ترونهم أنهم يغرقون … كل الأطفال هناك في البحر انظروا انظروا … يجب أن ننقذهم.

نظرنا إلى حيث يشير يوسف ويا لهول ما رأينا .. كان البحر هناك فقط .. لا شيء مما يقوله .. لا أطفال ولا شيء .. فقط البحر والأمواج والظلام .. هل جنً صديقنا ام ماذا؟

صرخ يوسف: ألا ترونهم لقد أتت المعلمة إلي لقد طلبت المساعدة ، قالت أن الأطفال يغرقون ، تريد مساعدتي .. اللعنة ها هي تناديني مرة أخرى.

نظرنا للبحر ولكن هذه المرة .. لم نرى شيئاً أيضا .. فقط بحر.

قال محمد: اهدأ يا يوسف لا أحد هناك .. لا احد .. اهدأ.

قال يوسف بغضب: كيف أهدأ أنهم هناك ألا ترونهم إنهم يغرقون نعم يغرقون ……… لااااااااا .. لقد غرقوا ألا ترى جثثهم إنها تطفو هناك .. لا لا لا.

وبدأ في البكاء بهستيرية بكاء طويل لا يتوقف.

ثم أضاف : ها هم الصيادون .. ها هم يحاولون انتشال الجثث من البحر .. اللعنة أنها جثث كثيرة .. انظروا لكن ما زال هناك أحياء .. المعلمة تتوسلني .. اتركوني دعوني اذهب.

ثم بدأ في الركض لكنني أعقته وأوقعته أرضاً.

وظللنا نردد: أنه جن وأنه قد فقد عقله.

بعد ذلك بدأ يوسف بالهذيان لذا حملناه بالقوة ووضعناه داخل السيارة وقررنا الانتظار حتى يحل الصباح.

كنت أول من استيقظ لذا نظرت للمقعد الخلفي لأطمئن على يوسف لكنه لم أجده .. أيقظت الجميع وبدأنا البحث عنه على طول الشاطئ لكننا لم نجده وبعد ساعات وجدنا مجموعة من الأشخاص يصرخون ويقولون يا رفاق تعالوا ساعدونا هنا لقد جرفت الأمواج جثة إلى الشاطئ.

ونعم كما توقعتم كانت جثة يوسف . وجاء رجال الإسعاف وحملوا الجثة وبقينا نراقب البحر وإذا بصوت يأتي من ورائنا ويقول: إذاً هكذا قد انتهى الأمر.

التفتنا لنرى الفتاة التي تعمل في المقهى ثم أكملت: قبل 20 سنة جاءت مجموعة من أطفال الحضانة بقيادة معلمتهم إلى هنا وقد ابتلعهم الموج .. الكثير من الأطفال ماتوا .. ولكن أرواحهم لم تهدأ استمروا بالظهور والتجول حول الشاطئ .. واستمروا بجذب الضحايا .. معلمتهم جرفت بسببهم أيضا .. ظهروا لها نعم لقد فعلوا .. ومن يومها الكثير من الضحايا ماتوا هنا وحتى الآن أرواحهم ما زالت تتجول عند المرفأ.

نظرنا إليها برعب وكل ما نفكر فيه هو ضرورة الخروج من هنا بسرعة

***

عدنا في نفس اليوم إلى مدينتنا وبعد عدة أيام من هذه الحادثة استدعاني أنا وأحمد صديقنا محمد وقال: أريد أن أريكم الصور التي التقطناها بعد أن حمضتها .. هناك شيء غريب حصل لها .. لقد تغيرت تعالوا.

بعد ذلك عرض علينا الصور وقد كانت عادية أنا بجوار احمد …. وصورة أخرى أحمد متعلق برقبتي ، كانت صورا عادية لكن ما إن أمسكت بصورة كانت ليوسف فقط رأيت شيئا مرعبا بصدق .

وهذا ما رايته: يوسف يضع يده عند خصره وخلفه الشاطئ يرتدي شورت السباحة فقط ولكن من حوله من ورائه ومن جنبه يمسكون به من يده وقدمه ورقبته رأيت صورا لجثث أطفال متعفنة .. نفس المنظر في كل صورة التقطناها له.

قال محمد بصوت مرتجف: ربما أشباحهم هي من سحبته إلى الشاطئ ربما فعلا ظهروا له كما قالت تلك النادلة.

حينها قلت: صحيح أين صورتنا مع تلك النادلة لما لا أراها أين ذهبت ؟.

نظر إلى محمد وعليه علامات الرعب وقال: رميتها لقد رميتها كلها حتى النيجاتيف منها رميتها لا تسألوني لماذا لكني فعلت.

قال احمد: هذا لا يبرر ولا يوضح شيء مما تقوله اخبرنا ماذا هناك لماذا رميتها؟.

وكأن أبواب الجحيم قد فتحت على أحمد فقد صرخ محمد فيه بعصبية وغضب وسرعة رهيبة : لا تسألني لا تسأل لا تسأل ألا تفهم لا أريد التذكر لا أريد أن أتذكر أو أفكر فيما رأيت أتفهم اخرس اخرس اخرررررس.

هذا كل ما فهمناه منه … لكن لم استطع استيعاب لما قد يحتفظ بصورة يوسف المرعبة تلك ويرمي صورة النادلة … ماذا رأى حقاً ؟ .. من هي تلك الفتاة ؟ .. حتى الآن محمد لم يقل شيء عن ما رأى.

تاريخ النشر : 2015-08-10

guest
44 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى