تجارب ومواقف غريبة

كرهتني دون سبب ولكنها أنقذتني

بقلم : Patricia – سوريا

نقلني والدي لمدرسة أخرى لكن لم أستطع تجاوز ما حصل

أنا فتاة أبلغ من العمر 21 عاماً , سأخبركم بقصتي التي حصلت معي قبل ست سنوات . هذا الحدث كان علامة فارقة في حياتي غيرت بي الكثير لدرجة إني لم أتخيل أن تتغير شخصيتي هكذا .

أنا فتاة كأي فتاة لدي صديقات وأحب مدرستي لتواجد صديقاتي فيها وليسَ حباً أو شغفاً بالدراسة , كنت كما يقال العقل المدبر والمدير (للشلة ) وعددهن 7 وكنت مزهوة فخورة بنفسي ولقدرتي على التأثير على باقي الطالبات في صفي ( باستثناء الطلاب الذكور ) , المهم في يومٍ من الأيام دخلت مديرة المدرسة على صفنا وكان بصحبتها طالبة جديدة على المدرسة أنتقلت من مدرسة ما لظروف ما لا أعلمها , المهم كانت المديرة تتحدث مع المُعلمة ومن ثم قالت لنا المديرة : هذه الفتاة جديدة على المدرسة وأسمها سيلفانا عاملوها بلطف لتتأقلم معكم سريعاً وتمنت للطالبة أن تكون من المجتهدات في المدرسة وغادرت المكان .

أثناء هذا كله لاحظت نظرات الفتاة لي كانت غريبة جداً مع أني لم أكن أعيرها أهتماماً فكلما أدرت وجهي عنها وأعدته إليها كانت تنظر بنفس الطريقة ولم يتزحزح نظرها عني إنشاً واحداً مع العلم أنه لايوجد أي معرفة مسبقة لي مع هذه الفتاة ولا أخفيكم شعرت بالخوف لا أعلم لما لكني لم أشعر بالراحة أبداً لوجودها وأخفيت ذلك بأبتسامة صفراء .

عندما أرادت أن تجلس في أحد المقاعد لم يكن هناك مقعداً خالياً سوى بجانبي , أتت بنظراتها تلك وقفت قربي ونظرت إلى الطلاب قائلة من يبادلني مكانه .؟

هنا شعرت بغضب عارم ورغبة قوية بضربها من شدة غيظي .

إحدى الفتيات وأسمها فيولنتا وافقت وبادلتها المقعد . فجلست فيولنتا بالقرب مني وقالت لا عليك تبدو فتاة غريبة الأطوار .

ومع توالي الأيام أزدادت هذه الفتاة عداء لي دون سبب وأقسم على ذلك كانت متجهمة وترفض وجودي في أي مكان أنا أتي أليه وهي موجودة , أو أكون بمكان و يطلب منها أحدهم أن تأتي كانت ترفض بشكل غريب .!

قررت أن أتحدث معها لكن صديقاتي كانوا يرفضون الأمر ويقولون أنها لا تستحق الأهتمام أصلاً, قلت لهم طبعاً من هي أصلاً لا شيء وضحكنا , لكن في قرارة نفسي لم يكن الأمر كذلك كان شيئ ما يدفعني للسؤال بفضول لم أشعر به في حياتي ,, قررت أن أسألها بعيداً عن أعين صديقاتي , شجعت نفسي وذهبت إليها وسألتها لما تعامليني هكذا دون عن كل الفتيات.

قالت لي وبكل برود : لا مشكلة لي معك أنا لا أعرفك حتى لكن لا أريد أن تكوني صديقتي لم أشعر بالراحة لوجودك أشعر بشيء يطبق على صدري عندما أراك ..!!

وفي مدة لا تتجاوز الشهر أستطاعت أستمالة أعز صديقاتي لها وأصبحوا أصدقاء مشتركين فيما بيننا ( أصدقاء لعدوتين بلا مبرر ) .

توالت الأيام وأعتدت على وجودها ورفضها لوجودي إلى أن أتى ذلك اليوم الذي لن أنساه ما حييت …

كانت السماء تمطر بشكل غزير جداً وأنقطع التيار الكهربائي في المدرسة مما أضطر الإدارة لألغاء باقي الدروس والعمل على عودة الطلاب لبيوتهم عبر الأتصال بأولياء أمورهم ليأتوا ويأخذوهم , إذ لم يكن في مدرستنا تلك نقل خاص للطلاب . وفعلا بدأ أولياء الأمور بالتوافد لأصطحاب لأبنائهم , وبقي عدد لا بأس به في الأنتظار .

وبعد ساعة واحدة لم يتبقى سوى 16 فقط والإدارة تنتظر إخلاء المدرسة بالكامل ليعودوا لبيوتهم هم أيضاً , في كل مرة كان يأتي والد إحدى الطلاب كانوا يقفزون فرحا : والدي .. والدي

كنا ننظر من النوافذ ونراقب المغادرين على أمل أن نغادر أيضاً , بعد وقت أتى والد سيلفانا ورأته من النافذة لكنها لم تكن سعيدة كانت نظرتها أشبه بنظرة ريبة سيارة والدها أشبه بباص صغير كهذا الذي نشاهده في الأفلام نوافذ أمامية فقط والباقي مغلق لا نوافذ فيه , المهم حملت أغراضها لتنزل وألتفتت إلينا وقالت : سيارة أبي تتسع من تريد أن ترافقنا لنوصلها لم يجب أحد ورد البعض بأن أبائهن قادمون ولا يمكن أن يغادروا دون علمهم , نظرت سيلفانا لأصدقائنا المشتركين قالت ألن تأتوا تردد البعض منهن والبعض يتعذر لها , قالت لا يجب أن تأتوا معي نحن أصدقاء ولن يغضب والديكم لهكذا أمر , همست إحدى صديقاتي بأذني أتريدين أن تذهبي معها قلت بغضب لا بالطبع.

قالت أهدئي حسنا سنبقى إلى أن يأتي أحد أهالينا , وقفت سيلفانا عند الباب وقالت هيا ومن ثم أختارت بكل ثقة جميع صديقاتي السبعة وأقسم أنها نظرت إلي نفس النظرة التي نظرتها إلي في أول يوم لها في المدرسة .

ذهبوا معها بعد نقاش قصير وبألحاح منها حملوا حقائبهم مستعدين للمغادرة , عدت بنظراتي إلى النافذة أنتظر والدي وأدعوا أن يكون تأخيره خيراً لي وله , وعندها شعرت بأحد وقف خلفي مباشرة ألتفت وإذا بها هي سيلفانا قالت لي : لم تكوني لتودي الذهاب معنا لا تعلمين ربما لا نلتقي غداً وأدارت ظهرها مغادرة وبصراحة شعرت بالراحة لأنها مغادرة لكنها ألتفتت إلي مجدداً عندها شعرت بالرعب مرة أخرى مثل المرة الأولى تماما .

غادرت المكان تنهدت وقلت في نفسي أخيراً ذهبت .

,,,

بدأ ما تبقى منهم يغادر وبقيت وحيدة مع الإدارة أخيراً أتى والدي وغادرت المدرسة كنت في السيارة في حالة صمت وأرى شفاه والدي تتحرك ولا أستطيع أن أسمع شيئاً , أدرت وجهي لزجاج السيارة وأخذت أفكر كيف سأمضي باقي السنة الدراسية مع هذه الفتاة , فكرت وفكرت أن أخبر أبي أني أريد الأنتقال من هذه المدرسة لكن في كل مرة كانت تتدحرج تلك الكلمات على شفاهي كنت ألتزم الصمت كأن أحدهم أمسك بلساني .

وصلنا للمنزل ذهبت لغرفتي لأرتاح وأبدل ملابسي لم أستطع أن أفتح كتاباً ولم أستطع تناول طعام الغداء تظاهرت بالنوم عندما أتت أمي لتناديني , خرجت من غرفتي عند المساء ,, تناولت طعام العشاء مع أهلي , وعدت لغرفتي ومجدداً لم أستطع أن أفتح كتاب مازال تفكيري متشابك بصوت الفتاة ونظراتها وبتفكيري بكرهها لي , ولا أخفيكم كرهت المدرسة وتمنيت أن لايأتي الصباح ربما تجدوني أبالغ بردة فعلي لكن أجزم لو كان أي أحد مكاني لتصرف مثلي ولأصبحت حالته كحالتي وأكثر كنت متماسكة قدر المستطاع .

شعرت بالتعب فذهبت لفراشي وأثناء نومي أستيقظت في منتصف االليل لا أعلم لما لكني كنت كما من نام دهراً لا أشعر بنعاس لأجدد النوم أبداً , جلست في سريري بصمت ولا يخترقه سوى أصوات حفيف الأشجار وشدة الرياح في الخارج , لا أريد للصباح أن يأتي لا أريد رؤية وجه تلك الفتاة مطلقاً .

هذا ما كنت أفكر فيه , لم أعلم كيف عدت للنوم حينها , أمي توقظني : هيا ياكسولة الساعة السابعة والنصف هيا لمدرستك الطقس أفضل وأنقشعت الغيوم , هيا يا أبنتي ,

رفعت رأسي عن وسادتي وأقسم بأني شممت رائحة كريهة جداً ولا أعلم لما قلت لأمي : ما هذه الرائحة تشبه رائحة الموت .. وصدقوني لا أعلم لما قلت هذه الكلمة ولما شبهت الرائحة برائحة الموت وأقسم بأني لم أقل مثل هذه الكلمة من قبل.

نظرت أمي إلي بأستغراب وقالت لا توجد رائحة أخذت تشم في أرجاء الغرفة وفتحت النافذة وقالت ليس هناك رائحة كريهة , هيا أستعدي للذهاب للمدرسة لا تضيعي الوقت.

أستعديت ببطء وغادرت غرفتي لغرفة الطعام لأنهي فطوري الصباحي مع عائلتي كالعادة وأثناء تناول الفطور كعادته والدي خرج ليحضر صحيفة اليوم من الصندوق البريدي المخصص للصحيفة .

عاد وهو ينظر إلي ولأمي قالت أمي ماذا هناك ؟ .

قال والدي حادث سير مؤسف لطالبات المدرسة التي ترتادها أبنتنا .

وقفت أمي قالت ماذا بصوت مرتفع أنا لم أكن أشعر بشي حينها أنظر إليهم فقط .

جلس أبي ليقرأ الخبر وقال كما أذكر ولست دقيقة : طالبات مدرسة لقوا حتفهم أثناء مغادرتهم أحدى المدارس بحادث أصطدام مروع بأحدى الشاحنات أودى بحياتهم جميعاً .. حصيلة الضحايا 10 … 8 طالبات والسائق والد أحدى الفتيات , وسائق الشاحنة .

عندما أنتهى والدي رمى الصحيفة على الطاولة مصدوماً ونظر إلي ألتقط الصحيفة مجدداً وقال هل هم أصدقائك يا أبنتي , نظرت إليها قرأت أسماء الضحايا أذكر بأني شعرت بدوار ولم أشعر بشيء بعدها , عندما أستعدت وعيي وجدت نفسي في إحدى المستشفيات , والدتي موجودة الحمد لله قلت يا أمي أريد الخروج كانت تنظر إلى النافذة ألتفتت إلي وركضت نحوي تبكي بحرقة وقالت أشكر الله أنك أستعدتي وعيكِ كنا نشعر بقلق بالغ عليكِ هل أنت بخير الآن.

قلت نعم يا أمي أخرجوني من هنا.

قالت لا يجب أن تبقي هنا بعضا من الوقت وربما لأسبوع.

قلت لا .

قالت لن تخرجي حتى تتحسني بالكامل لقد أصابك أنهيار عصبي ولن تخرجي ما لم يسمح طبيبك بذلك , ساد الصمت مدة وتذكرت لما أنا هنا وماذا حصل , سألت أمي هل أنا أحلم أم أن فعلاً أصدقائي ماتوا , لم تقل شيئاً أحتضنت رأسي فقط عرفت أنه لم يكن حلما.

قلت لها يا أمي يجب أن أخرج أليس كذلك أليس واجباً أنا أشارك في مراسم الدفن والعزاء .

قالت يا أبنتي دفنوا منذ أسبوعين أنتي هنا منذ 18 يوماً ,,

مضت الأيام وخرجت من المستشفى ذهبت لأهاليهم وعزيتهم جميعاً ووضعت الزهور على قبورهم .

لم أعد لتلك المدرسة بعد ذلك اليوم رفضت الذهاب إليها بشدة , نقلني والدي لمدرسة أخرى لكن لم أستطع تجاوز ما حصل كانت تأتيني نوبات بكاء شديد ووجوه صديقاتي لا تبارح نظرتي كيف ما أدرت وجهي أراهم حتى سيلفانا كارهتي بينهم .

غادرنا تلك الدولة بسبب سوء حالتي النفسية وعدنا لدمشق , عندها بدأت نفسيتي تتحسن مع الوقت وبدأت أغوص في دراستي وأصبحت متفوقة فيها كنت أهرب إليها من ذاكرتي , ألفت وجوهاً جديدة وحياة جديدة وذاكرة باقية بكل ما تحمل من الماضي لكنها أقل ألماً , الآن أدرس في الجامعة , و لم أنسى ولن أنسى أي شيء يتعلق بما حصل لكن تكيفت معه مع الوقت.

بعد زوال الألم النفسي سألت نفسي عدة أسئلة ولم أجد جواباً ..

الأول _ هل سيلفانا أنقذتني من الموت بكرهها لي

الثاني _ ماذا لو كنت صديقتها وذهبت معها ألم أكن سألقى حتفي معهم

الثالث _ هل سيلفانا كانت تدرك أنها كانت تنقذني من الموت بتصرفاتها معي

الرابع _ هل كانت تشعر بأقتراب موتها بقولها ( لن تودي أن تكوني معنا ربما لا نلتقي غداً)

الخامس _ والأهم لما كانت تكرهني بلا سبب وتتحاشاني كأني أحمل مرض معدي وأنا حتى في أحلامي لم ألتقي بها هل هي إرادة الله لينجيني من موت لأفكر فيه وأخذه درساً لي وفرصة لي لأعدل ما أخطئ به في حق الآخرين ,,

 

وفي الختام آسفة للإطالة وأني لم أدخر دمعة واحد في وصفي لما حصل معي ولم أكن دقيقة بالكامل هناك تفاصيل كثيرة تحاشيتها منعاً للإطالة أكثر من هذا بكثير أحتاج لكتاب لرواية ما حصل معي

سيلفانا هذه الفتاة الرائعة أدعوا لأن يرحمها الله ويرحم صديقاتي الأوفياء والذين قضوا معها , تغيرت وجهتي للحياة وأصبحت أكثر عقلانية وهدوء وأدب وأخلاق وتميز في دراستي وفي أختياراتي وبحبي لله وبثقتي به وبما يخبئه لي وكل ما يحصل معي بقادم الأيام .. أحمد الله عليه وأشكره , كان درساً ربما شديد القساوة وشديد الألم لكن الحمد لله.

——————-

ملاحظة : المدرسة كانت مختلطة ولكني ركزت على من تدور حولهم قصتي ولم يكن بينهم ذكور.

تاريخ النشر : 2015-10-18

guest
38 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى