أدب الرعب والعام

الضاحك

بقلم : علي محمد محمد – ليبيا
للتواصل : [email protected]

الضاحك
ولا يسعني إلا أن اضحك واضحك واضحك ..

اتخذت مجلسا لي في الطائرة التي كانت متجهة الى بلد بعيد قررت ان أسافر اليه هربا من ذكرياتي ومن حياتي الرتيبة وأوضاع البلد المأساوية التي نعيشها , كنت أتمنى في قراره نفسي أن تسقط الطائرة لتنتهي حياتي فلم يعد لها أي معنى …. وأن يكون الفضاء الواسع هو قبري …. فالحرية التي لم أحصل عليها حيا كنت أتمني ان احصل عليها حتى لو كان الموت هو الثمن ….. أختلست النظر الى ركاب الطائرة كان هناك شاب وفتاة يبدو أنهم قد تزوجوا حديثا وهم في رحلة شهر العسل ….

وذلك العجوز البدين الذي يلهث من التعب ترافقه زوجته التي يبدو أن الحزن قد ولد معها ويأبي أن يفارقها بالتأكيد سيذهب الى ذلك البلد في رحلة علاج … سيصرف الكثير من الأموال في سبيل أن يعيش مزيدا من السنوات حتى وان قضاها وهو يلهث.

وذلك الرجل الذي يرتدي بدله أنيقة ونظارات شمسية غالية الثمن يبدو كرجل أعمال وهو يسعى لعقد صفقة قد تكون أخر صفقة في حياته المزيفة فهو من حركاته ورأسه الشامخ يضن بأمتلاكه للمال قد أصبح محور الكون .

أقلعت الطائرة … بدا الكل مرتاحون لإقلاعها …. يتحدثون ويشربون المشروبات التي قدمتها مضيفة تمشي كالآلة قد غطى وجهها أصباغ رخيصة وهي تبتسم أبتسامة مدفوعة الثمن .

وبعد مرور أكثر من ثلاث ساعات على الرحلة بدا الأمر وكأن خلل ما قد طرأ على أحد محركاتها , بدأت في الاهتزاز بعنف … تساقطت الاكواب , نظرات الذعر والرعب على وجوه الجميع ألا أنا ….

بدا ذلك العجوز في اللهاث بشدة فالسنين التي كان ذاهبا ليشتريها يبدوا أنها قد نفذت وحانة ساعة النهاية أما زوجته فأخذت تنتحب بصوت عال وأزداد الحزن تشبثا بها .

أما الفتي والفتاة فكانا مضطربين فرحلة شهر العسل تحولت الى كابوس مميت

ويبدو ان العسل قد نفذ قبل لن يتذوقوا طعمه

حتى تلك الآلة بدت مضطربة رغم تظاهرها بالتماسك كي لا تخيف الركاب ولم تستطع الاصباغ الرخيصة أخفاء اضطرابها

ورجل الأعمال فقد توازنه وأخذ ينتحب كفتاة صغيرة مرددا لا لا اريد ان اموت

وقد تسرب من تحت قدميه سائل اصفر نتن الرائحة بعد ان بلل سراويله …. لا أعرف حتى الآن ما صلة هذا السائل بالخوف

شيء ما شتت انتباههم وحول خوفهم الى دهشة .. ذلك الشيء هو أنا .. لأنني أخذت أضحك وأضحك ….

هل تعلمون لقد نجونا جميعا من تلك المحنة ولم التق بأحد من أفراد تلك الرحلة رغم انني لازلت اسمع أحيانا لهاث الرجل العجوز وصراخ رجل الأعمال المذعور …. وأحيانا يخيل إلي بأنني قد لمحت في أحد الشوارع في المدن الغريبة التي زرتها تلك المضيفة التي تمشي كالآلة والأصباغ لم تعد تخفي تجاعيد رسمها الزمن علي وجهها الجامد الملامح واختفت الابتسامة لأن الثمن لم يعد يدفع ولازلت أضحك الى هذه اللحظة …. لماذا .. لأنني عشت حياة طويلة , لقد تجاوزت التسعين والموت يسخر مني ويخرج لي لسانه هازئا وأنا اسخر من نفسي ولا يسعني إلا أن اضحك واضحك واضحك ..

تاريخ النشر : 2015-11-29

علي فنير

ليبيا
guest
39 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى