أدب الرعب والعام

نار الانتقام -2-

بقلم : الأمير الحزين – مصر
للتواصل : [email protected]

نار الانتقام -2-
نحن دائما سنظل معك ولن نتركك أبدا

ذهبت واستلقيت على الفراش وأنا تنتابني أسئلة لا أول ولا آخر لها , هل اعيدت القصة من جديد , هل كل النساء بهذا الشكل , هل لعنة والدي قد اصابتني بعدما قتل والدتي ، هل هذا الشخص الذي ظهر لي كان روح والدي الذي مات في السجن بسبب خيانة زوجته , أي أمي , أم كانت روح الانتقام تريد أن تثأر من الخائنين ؟ لا اعلم …

حاولت ان انام ولكن لم يغمض لى جفن ، وظلت الاحداث والمناظر تراودني عندما قمت بتكبيلهم وضربهم وحرق اجسادهم وتهشيم رؤؤسهم بالمطرقة ، بل واكثر من ذلك لقد فعلت ما هو ابغض , لقد قمت بتقطيعهم إلى اجزاء ، ولكن كانوا يستحقون اكثر من ذلك , انهما خائنان ملعونان .. لماذا اشعر بتأنيب الضمير .. لماذاااااا ؟ …

ومرت ثلاث أيام لا آكل ولا انام ولا افعل شيء سوى الجلوس على الاريكة وانا انظر في كل انحاء المنزل واتذكر ما فعلتهم بهم …

كم الساعة الآن .. إنها منتصف الليل , سوف اخرج من المنزل بالسيارة قليلا ، وبالفعل خرجت من المنزل ورحت أجوب الطرقات على غير هدى , لا اعلم اين اذهب , ولا اعلم ماذا افعل … بقيت اجوب الشوارع والطرقات لمدة ساعتين وانا افكر ماذا سيحدث بعد ذلك واوقفت السيارة في منتصف الطريق واسندت رأسي على اريكة السيارة ، وسمعت صوت ينادى ، استيقظ ، استيقظ ..

من ؟ .. من ينادى ؟  ..

انه ذلك الرجل المسن ، وترجلت من السيارة وذهبت نحوه وقلت له من أنت وماذا تريد ، لقد فعلت ما طلبته منى لم لا ترد ، وظل صامتا لا يتحدث وينظر الي نظرات تنم عن السخرية والحقد ، لم لا تتحدث ؟ .. تكلم أنت السبب …

لكنه راح يضحك .. هاهاهاهاهاهاهاها .. وظل يضحك بطريقة بشعة ..

لماذا تضحك , ماذا فعلت بي ايها الشيطان , فأدار ظهره لي وذهب من دون أن ينبس بكلمة . حاولت ان ألحقه ولكنه اختفى وركبت السيارة وعدت إلى المنزل وذهبت الى الفراش لأحاول ان أنام ولكني لم اقدر ، احس كأنها مازالت عليه , فذهبت الى الاريكة لأنام واخذت قرصي مهدئ حتى انام …

– حبيبي ..

– نعم يا حبيبتى ..

– استيقظ ..

– ماذا هناك ؟ ..

– انه صديقك على الهاتف يقول انه قادم على العشاء .

– حسنا ياحبيبتى …

……..

– أهلا صديقي لماذا تأخرت هكذا ؟ ..

– بسبب الطريق ..

– تفضل لنأكل ، أنا أتضور جوعا …… هل أعجبك الاكل ؟

– انه رائع

–  سوف اذهب يا حبيبى اعد لكما المشروب

– حسنا يا حبيبتى

……….

– خذ تناول مشروبك يا حبيبى

– شكرا لك

– ما هذا ؟ .. احس اننى متعب ، رأسي يؤلمني ، ماذا تفعلون ؟ .. لم قيدتم يداي وقدمي هكذا ! ولم تحملين المطرقة ؟ ..

– الا تتذكر ماذا فعلت ، لقد قتلتنا ، لقد قطعتنا الى اشلاء ، وحان دورنا ان نفعل كما فعلت .

– ما هذا انا لم افعل شئ ، ماذا تفعلون ، لا لا لا لا ابتعدوا عنى ابتعدوا عنى …

………

يا ألهي انه كابوس لعين ، كم الساعة الآن ؟ .. انه الصباح ، سأحاول ان اذهب الى العمل ، اعلم انني لم اذهب لمدة اربعة ايام وسوف اتعرض الى توبيخ من رئيس عملي ، ولكن يجب ان لا اثير الشك .

وذهبت الى العمل وجلست على مكتبي شارد الذهن ، عندما يحدثني احد لا ارد عليه ، اني اموت ببطء .

– اين كنت خلال الاربعة ايام ؟ لما لا تجيب ؟

– ماذا اسف لم اسمعك

–  ربما يجب ان تذهب الى المنزل لترتاح ، الارهاق ظاهر على وجهك . هذا ما قاله لي رئيسي في العمل ، فقلت له لا أسوف ابقى انا بخير ، ولكن نظرته لي كانت تنم على انه يعلم شيء ما ، واصدقائي في العمل ينظرون لي بتعجب أيضا ويتهامسون مع بعضهم ، هل يعلمون شيء ؟ ولكن كيف ؟! ، لا احد يعلم ماذا فعلت ، هل رأني احد ، ولكن كيف ، لالالالا … سوف اجن بالكامل .

تركت المكتب والعمل وذهبت ركبت سيارتي وسرت بسرعة قصوى لا اعلم اين اذهب ووجدت نفسي في المكان الذي دفنتهم فيه ، لا اعلم لماذا حضرت الى هنا ، فنزلت من السيارة ووقفت انظر في كل جهة من المكان ، ولكنى سمعت اصوات ……

– لماذا ، لماذا فعلت هذا بنا ؟

– من انتم ؟ .. من يتحدث ؟ .

– هل نسيتنا بهذه السرعة ؟

– اصمتوا ،اصمتوا .. ما هذا الصراخ العالي .. يا ألهى توقفوا ..

وجريت نحو السيارة وركبتها وانطلقت باقصى سرعة وانا ينتابني الخوف الشديد وعدت الى المنزل ، كم كرهت هذا المنزل وكرهت كل اركانه ، ذهبت وجلست على الاريكة ووجدت الهاتف يرن ، ليس هاتفي ، انه هاتفها ، نظرت الى الرقم ، انه نفس ذلك الرقم المجهول الذي ارسلت له الرساله ، كيف يعقل هذا ، رميته من يدي وانا مذهول .. كيف ؟ .. لقد قتلته ، لقد قتلت الاثنان معا ، كيف يرن على هاتفها ، ثم توقف الرن وأتت رسالة الى الهاتف تقول : ( سوف اقوم بزيارتك عما قريب مع تحياتي يا حبيبة قلبى ) ..

من يكون هذا ؟ .. ما الذي يحدث هل كانت تخونني مع شخص اخر غير صديقي ….

كنت ذي قبل اعاني من الشك والآن انا اعاني من الحيرة ، الحيرة تقتلني ، لا اعلم ما هو الصواب وما هو الخطأ ..

ان باب المنزل يدق ، انها الشرطة ، من اخبرهم ؟ ..

وذهبت لأفتح الباب وإذا هي جارتنا التي تسكن امام منزلنا تسألني عن زوجتي ، فقلت لها انها ليست في المنزل ، تزور احد أقاربها .. طبعا أنا الوحيد – في قرارة نفسي – أعلم انها ليس لها احد سوى خالتها التي تعيش في مكان يبعد عنا مسافة كبيرة .

خالتها ! .. هل يعقل ان تكون هذه الرسالة من خالتها ؟ لا مستحيل غير معقول هذا غير ممكن ، أنها خائنة أنا اعلم ذلك ، أنا لا اعلم اي شيء …..

ومر أسبوع على هذا ، تمر الايام كأنها دهر ، لا اعلم اذا كنت نائم ام مستيقظ ، اسمع صوتها في جميع ارجاء المنزل ، احس بها ، تضحك ، تبكى ، تناديني ، ماذا فعلت ، ألا تعلم ماذا فعلت …

من انه هذا العجوز اللعين ، أين أنت … هاهاهاهاهاهاهاها … اوقف هذه الضحكات اريني نفسك ..

– انا هنا ..

– اين ؟ ..

– أنا هنا في بيتك، في عقلك .. في قلبك .. في روحك ، انت شيطان .. شيطان ، وتوقف الصوت ، وتوقف كل شيء ، اصبح المكان هادئ لدرجة هدوء الموت ، نعم الموت ، الموت الذي يسوده السكينة ، كم اتمنى ان اموت ، ولم لا لقد مات كل شيء حتى روحي قد ماتت ، اتمنى لو عاد بي الزمن حتى افكر ألف مره قبل ان اقوم بفعلتي الشنيعة هذه ، ولكن هم السبب هم من قاموا بخيانتي ، كنت مغمورا بالسعادة بعد حياتي التي كانت كلها مأساة …

وفي هذا الوقت تركت المنزل ، سرت في الطريق على قدمي لا اعلم اين اذهب ماذا افعل ، هل اذهب الى الشرطة واعترف بما فعلت ؟ ولكن سوف يقوموا بسجني كما فعلوا مع والدي ، لا بل اكثر سوف يقوموا بأعدامي على ما فعلت ، يا ألهي اطلب منك الرحمة ، أن ترحمني ..

ولكن امثالك لا يستحقون الرحمة ، انت قاتل ، بل اكثر .. انت وحش ويجب ان تموت مثلهم ، نعم يجب ان اموت مثلهم ، ولكن كيف ، بالسم ، نعم السم هو الحل ، فأشتريت سما من الصيدلية وذهبت الى المنزل ووضعته في الماء ، وهذه هي النهاية ، نهاية ماذا ، من ؟ من يتحدث الي ؟ ..

– هل نسيتني ؟

– انه أنت ماذا تريد ، هل تعتقد انك سوف تقتل نفسك ..

– ولم لا افعل !

– انك جبان لا يمكنك ان تفعل ذلك ..

– فعلتها مرة وسوف افعلها مجددا ..

– انك ساذج ليس انت من فعل ذلك .

– ومن سيكون غيري فعل ذلك ؟

– انا من فعل ذلك

– من انت ؟

– لقد قلت لك من قبل أنا هو انت .

– لا غير معقول

– بل معقول .. أنا ماضيك الاسود ، انا جانبك المظلم ، انا توأمك الشرير ..

وهنا وجدت هذا الرجل الطاعن في السن ينظر الي فصدمت .. انه أنا ، نعم انه أنا ، حاولت ان امسك به وإذا هو ينقض علي ويقوم بضربي عدة ضربات اسقطتني ارضآ ، حاولت ان اقف ولكنه كان اقوى مني بكثير فوضع قدمه على رقبتي وكاد ان ينزعها من شدة ضغطه عليها ، ونظر لي نظرة تنم على السخرية وقال : هل تعتقد انك سوف تتغلب على ماضيك البائس ، سوف تحيى وسيظل ماضيك معك لن يفارقك ابدا .. وبدأ بالضحك بطريقة هستيرية ، وانا بدأت افقد الوعي واختفي مجددا .

لقد اصابتني لعنة الماضي الاليم الذي كنت اظن انني هربت منه ولكن كان معي دائما ، لماذا لا يفارقني لماذا ، لماذا ، واحضرت المطرقة التي هشمت بها رأسهم وبدأت حينها بتحطيم المنزل وبتكسير كل شيء يذكرني بها ، واحضرت صورنا وقمت بأحراقها وجلست الى جانب الحائط وظليت ابكي ، ابكي مثل طفل صغير ، حياتي سوداء لا طعم لها ، لا معنى لها .

وتركت المنزل وكان قرب الفجر وجريت في الشارع مثل المجنون ، الى ان وصلت عند قبر والدتي وصرت اصرخ عنده ، هيا اخرجي من قبرك ، ايتها الخائنة ، انتي السبب في كل هذا ، انتي من القيتي علي هذه اللعنة ..

– من يتحدث ؟ ..

– إنها انا

– من انتي ؟

– انا والدتك

– والدتي!

– نعم ياشبيه ابيك … ورأيتها تقف خلفي وتنظر الي وتبتسم ابتسامة خبيثة ، ووجدت زوجتي هي الاخرى تقف بجانبها وصديقي و….. انه ذلك الشيطان مجددا ..

قلت لهم ابتعدوا عنى اتركوني ، انتم خونة ، خونة ، وهم ينظرون الي ويضحكون ، يضحكون بصوت عالي ، وظلوا يلتفون حولي وانا خائف ، خائف جدا ، ماذا يريدون ، يريدون قتلي ، وركعت على الارض وهم ينظرون لي ويحملون معهم المطارق والسكاكين يريدوا ان يفعلوا بي ما فعلته معهم ومن هول ما رأيت اغشى علي .

وفى الصباح الباكر وجدت احد الاشخاص يوقظني ويقول لي ماذا حدث لك ولماذا انت نائم هنا ؟ ، لم احدثه وذهبت الى مركز الشرطة وذهبت الى الضابط وقلت له عن الجريمة التي اقترفتها واخبرته عن كيف وضعت لهم المنوم وعن ربطهم وضربهم وكويهم بالنار وتهشيم رأسهم وتقطيع اوصالهم ودللته على المكان الذي وضعت الحقائب فيه ، وحفروا ، واخرجوا الحقائب ووجدوا اجسادهم المقطعة وأخذوهم الى المشرحة اما انا فقد تم التحقيق معي واخبرتهم عن كل ما مررت به وتمت احالتي الى المصحة العقلية …

***

الضابط : كيف حال المريض يا دكتور ؟

الدكتور : من ؟

الضابط  : الذي قتل صديقة وزوجته وقطع اطرافهما

الدكتور- هذا المريض ، نعم ، للاسف انه يعانى من مرض يسمى انفصام الشخصية الحاد ، ويبدو انه قد تعرض لحادث منذ طفولته ادى الى خلق نوع من انواع الحالة الوهمية مما جعله يعتقد بأمور ليس لها اساس من الصحة فجعله يشك ان كل من حوله خائن ويجب ان يموتوا وان ماضية يطارده ويريد الثأر منه

الضابط : وهل سوف يبقى هنا مدة طويلة ؟

الدكتور : يبدو ذلك ، ربما عام او اثنان او اكثر

الضابط : تبين من التقارير ان صديقه كان يعانى حالة من العقم بعد تشريح جثته وان زوجته كانت حامل في شهرها الثاني وان الرسالة النصية في موبايلها كانت مرسلة من خالتها ، وقالت إحدى جاراتها في التحقيق انها كان تواعدها أن تصطحبها إلى محل ملابس ولكنها قالت أن زوجها سوف يأتي من العمل مبكرا ولا تستطيع وقالت ايضا خالتها فى التحقيق انها اتصلت بها في منتصف الليل واخبرتها ان زوجها يعاملها معاملة جافة وارسلت لها رسالة فيما بعد تقول : ( انا انتظرك بفارغ الصبر يا حبيب قلبي واتشوق الى لقائك عما قريب) بمعنى يبدوا انه قد تعجل في قتل زوجته وصديقه ، وفعل بهما ما فعل ، ولكن السؤال هنا هل يمكن ان يصل الشك الى حالة الجنون لدرجة ان يحول انسانا الى وحش كاسر يريد ان يقتل كل من حوله حتى احبائه ؟..

وبعد كل هذا ماذا كسبت ؟ .. لا شيء .. قتلت من احب واصابني الجنون واصبحت وحيدا بين اربع جدران ..

– لا لست وحيد ابدا .. فنحن دائما سنظل معك ولن نتركك أبدا … هاهاهاهاهاهاها …

***

( الحب الخالص والشك لا يجتمعان، فالباب الذي يدخل منه الشك يخرج منه الحب )

ألكسندر دوماس

تاريخ النشر : 2015-12-06

guest
22 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى