أدب الرعب والعام

الأيام التعيسة

بقلم : نور الفارسي – تونس
للتواصل : https://www.facebook.com/nour.fersi.1

كنت في غاية الحزن واليأس عندما قابلت ذلك الرجل

اليوم الأول :

لا أريد العيش وحدي ، ما الذي يحصل لي يا إلهي ؟ هل حقا سوف أستطيع مواجهة الحياة بدون أمي ، هل سوف أستطيع حتى العيش أصلا وهي ليست موجودة معي ، ما الذي سوف أفعله في حياتي البائسة ، تبا لماذا كتب لي القدر العيش في هذا العذاب أين العدالة الإلهية يا ربي ، لماذا أنا بالذات الذي أخسر أمي أما الآخرين الذين في مثل عمري يعيشون حياة عادية ويتمتعون بحب و حنان أمهاتهم . أتمنى لو أجد حتى شخص واحد يستطيع فهمي.

 

اليوم الثاني :

لم أذهب اليوم للمدرسة و لم أنقل أغراضي حتى للعيش في منزل خالتي فأنا رافض لهذه الفكرة فهنا العيشة أفضل من العيش مع زوجها المغفل و أطفالها المزعجين لكن الى متى سوف أضل هكذا من سوف يتكفل بمصاريفي , لا بأس سوف أجد حلا نهائيا في ما بعد لكني أفضل الوحدة و العزلة الآن فهي ملاذي الوحيد , آه لو أستطيع الاستيقاظ من هذا الكابوس المزعج . تبا لو كان أبي موجودا معي في هذه المحنة .

 

اليوم الثالث :

الطقس جميل اليوم ربما لو خرجت قليلا للخارج للتمشي سوف يتحسن حالي و عسى ان أتأقلم على العيش بدون أمي .

كدت أنسى فعند رجوعي للمنزل قابلت رجلا قد رأيته من قبل في جنازة أمي بدا لطيفا معي فقد حدثني حول فترة صغره ، لقد فقد هو الأخر أمه في مثل سني ، لقد أحسست بالارتياح تجاه هذا الشخص بالرغم من أنها أول مقابلة بيننا .

اليوم الرابع :

اليوم هو أول أيام العطلة الصيفية وهي أيضا أول عطلة بدون أمي يوم هادئ مثل غيره من الأيام .

خرجت من المنزل في العاشرة مساء وأثناء عودتي وجدت رجلا نائما في سيارته خلته ميتا لكني طرقت على نافذة السيارة فأستفاق الرجل ….انه الرجل الذي تحدثت عنه بالأمس , طلب مني أن أسمح له بالمبيت في منزلي لم أستطع أن أدير له ظهري فسمحت له بذلك لقد أحسست أنه يحاول التقرب مني .. وفي هذه الأثناء بينما أنا أحاول كتابة مذكراتي التعيسة ينام الرجل في الغرفة المجاورة لغرفتي .

 

اليوم الخامس :

يوم حار جدا أفقت على صوت موسيقى كلاسيكية شغلت بواسطة هذا الرجل .

– صباح الخير

– صباح الخير يا ولد هيا أعد نفسك بسرعة سوف نذهب في رحلة صغيرة بسيارتي و خذ القليل من المال معك فأنت تعرف أنني لا أملك و لا قرش .

– إلى أين؟

– لا أعرف هيا أسرع

ترددت في الأول لكن بعد ذلك وافقت لم يعد لدي ما أخسر بعد أمي الحنونة علي المخاطرة على فعل شيء يكسر روتين حياتي و ينسيني و لو قليلا في معاناتي .ابتدأت الرحلة توقفنا لمدة نصف ساعة للفطور فأنا أتضور جوعا و في تلك الأثناء تحدثنا قليلا و أخبرني العديد من الحكم و النصائح المفيدة فبرغم أن حالته كانت مزرية لكنه كان حكيما .

قبل أن يحل الظلام قررنا أن نخيم في مكان ما بجانب الطريق في وسط الغابة و غدا في الصباح نكمل مسيرتنا.

 

اليوم السادس :

الساعة العاشرة صباحا أفقت على صيحات الرجل تطلب مني النهوض من النوم .. اغتسلنا قليلا من النهر المجاور للغابة ثم قررنا أن نكمل مسيرتنا لكن للأسف حصل شيء لم يكن في الحسبان .. تعطلت السيارة فور خروجنا عن الطريق الرئيسي في مكان ليس فيه تغطية ولا أثر للحياة فيه , مكان خالي من البشر .

وقفنا ساعات طويلة ننتظر سيارة تمر من هنا لكن لا فائدة .

– أنا خائف ما الذي أقنعني للذهاب معك أنا أكرهك كل هذا حصل بسببك .

– أنا لست خائف , وفر قوتك سوف تحتاجها و حاول السكوت قليلا دعني أفكر في حل .

حلّ الظلام و نحن مازلنا عالقين في هذا المكان الموحش ما الحل يا إلهي .

 

اليوم السابع :

لم أذق طعم النوم بالأمس أعتقد أنني سوف أمرض أحس يتعب شديد . بعد يوم طويل من المشي قررنا أن نرتاح ثم أخذنا نتبادل أطراف الحديث

– هل لديك أسرار أيها السيد الغامض ؟

– هل لديك أنت ؟

– نعم لدي الكثير ؟

– مثل ..؟

– أضن أنني أحب صديقتي في الدراسة .

ضحك علي ثم قال :

– احذر من أن تعطي قلبك لأي امرأة فهي تستطيع أن تحطمك بكل سهولة .

– حسنا . لم تتحدث أنت عن أسرارك .

– ربما في يوم خر يا ولد .

 

اليوم الثامن :

لم يبقى لنا أي طعام أنا أتضور جوعا و أخر قطرة ماء أكملتها أنا الآن حتى النهر الذي اغتسلنا منه صار بعيدا عنا .

جلسنا على الأرض فاقدين الأمل أضن أن هذا أخر يوم في حياتي و في هذه الأثناء وقعت علي صاعقة من الصدمات المتتالية …

– أنظر يا ولد سوف أحكي لك كل شيء لكن أرجوك سامحني لا أعرف لماذا أحس بأن هذا اليوم الذي يجب أن أحكي لك فيه كل شيء .. أولا أسف لأنني أتيت بك الى هذا المكان الذي ممكن أن نخسر فيه حياتنا و نتعفن هنا و لا يسمع بنا أحد فأنت لا تستحق المشاكل فكل همي هو أن أتقرب منك .. ثانيا أنا أسف على تركك منذ أن كان عمرك سنة واحدة لقد حدثت خلافات كثيرة بيني و بين أمك و لم أجد أي حل إلا هجركم و العيش وحدي لكني أحببتك كثيرا و لم أنساك, كل دقيقة كنت أتخيلك بين عيني و لم تفارق صيحات بكائك أذني .. عشت كل هذه السنين وحدي حتى صارت حالتي هكذا .. أنا إنسان فاشل و غير قادر على تحمل المسؤولية و كل مرة أخذل الناس الذين من حولي .. لست أتوقع منك أن تسامحني لكني أردت منك أن تعرف الحقيقة و أريح نفسي من هذا العذاب .

لم أعرف ماذا أفعل لم أتحدث معه لم أنطق بكلمة حتى خطفني النوم .

 

اليوم التاسع :

– أفق بسرعة , أفق بسرعة , أفق إني أرى شاحنة آتية .. أفق .

استيقظت مسرعا أحسست أنني أحلم و أخيرا سوف نغادر هذا المكان .. لكن لسوء حظنا أنها شاحنة قطاع طرق جردونا من ملابسنا و نقودي الباقية و كل شيء حتى نظاراتي الطبية .. كانت هذه العصابة تتكون من رجلين ملامحهم مرعبة و بعد نهبنا قرروا قتلنا و عندما أخذ المجرم مسدسه باغته أبي بطعنة في قلبه فسقط ميتا …… للأسف أصيب أبي بطلقة قاتلة من قبل الرجل الأخر فأخذت صخرة بكل سرعتي و ضربته بها على رأسه ففقد الوعي .. ذهبت مسرعا لأبي الملقى على الأرض يتعذب .

– لا تخف يا أبي ان اصابتك ليست خطيرة .

– لا تكذب علي هيا خذ الشاحنة و أتركني هنا قبل أن يستفيق الرجل الأخر هيا تشجع قليلا .

– لا مستحيل أن أتركك هنا أرجوك لا تمت أنت أيضا و تتركني وحيدا لا أريد العيش وحيدا أرجوك ..

بعد إلحاح طويل منه وافقت و لحسن حظي علمتني أمي كيف أقود قليلا .

أعطاني قلادته ليكون دائما معي .. ثم ودعته بنظرات مليئة بالحزن و البكاء ..

– سامحني يا بني ……أحبك .

تاريخ النشر : 2015-12-06

guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى