أدب الرعب والعام

ليالي الرعب

بقلم : آلين سليمان بن حسين – السعودية
للتواصل : [email protected]

سأمضي آخر عمري بين عائلة اشباح غريبة !

تلك الليالي الماطرة ، لطالما ظنّناها ليالٍ جميلة يعمّها الهدوء و الإطمئنان !
نرتعش برداً و نلتصق بالمدفأة باحثين عن الدفء ، لا نفارق منازلنا خوفاً من أن نصاب بالمرض .. جرّبنا النوم تحت أكوام البطانيات متكوّمين على أنفسنا حتى لا يتسللّ البرد إلى أجسادنا الضعيفة .. و لكننا لم نجرّب النوم بهذه الطريقة حتى نبعث بالإطمئنان إلى دواخلنا ، محاولين إبعاد شبح الخوف عن عقولنا .. لم نجرّب النوم مرتعشين واضعين الوسادة على رؤوسنا ، آملين أن يتسرّب النوم إلى جفوننا ، محاولين الغوص في أعماق أحلامنا لنهرب من واقعنا المرعب .. لم نجرّب الهرب من مصيرنا إلى مصيرنا .. و لم نحاول الهرب من منازلنا بشتّى الطرق , و نحن ندرك تماماً أننا سنتجمد برداً في الخارج .. لا أظنك حقاً جرّبت هذه المشاعر المضّطربة , أتعلم لماذا ؟!
لأنك لو جرّبتها , لما كنت تقرأ هذه السطور الآن !!!

—–

– لا تنسَ أن تتأكّد من إغلاق الأبواب و النوافذ قبل أن تخلد للنوم , و لا تترك المصابيح مضاءة
قالتها , ثم صفعت الباب خلفها

“تباً !! مازالت تتحدّث إليّ , و كأنني طفلٌ صغير .. من تظن نفسها ؟”

17/1/1993

خرج كل من في المنزل : أمي و أختاي و أخي و زوجته و ابنتهما
..و بالطبع لم تنسَ أختي التي تكبرني بأربعة أعوام , أن تكرّر على مسامعي عبارتها المستفزّة : ((بأن أتاكّد من إغلاق المصابيح , و جميع المداخل قبل أن أخلد إلى النوم)) ..
تلك الحمقاء !! ألا تدرك أنني اصبحت ابن 28عاماً !

الساعة الآن تشير إلى ما بعد الواحدة صباحاً ، صوت تكّاتها المزعجة تثير الرعب في داخلي ، لا أعرف السبب !
على الرغم من أنني أعشق الجلوس وحيداً .. أحب الظلمة و الهدوء ، و اطمئن لحلول الليل ..
و لكن هذه الليلة مختلفة تماماً ! أشعر بخوفٍ رهيب .. أوصالي ترتجف ..
قد تكون هلاوس و وساوس ستزول عاجلاً .. سأخلد للنوم الآن ، علّني أهدأ قليلاً…….

18/1/1993

البرد قارص و المطر شديد .. الكهرباء قُطعت عن المنزل إثر العواصف القوية .. لا أستطيع سماع سوى حفيف أوراق الشجر , و قرع قطرات المطر على زجاج نافذتي .. و صوت احتكاك قلم الرصاص هذا بالورق ..كما أن هناك صوتاً غريباً يصدر من مكانٍ ما في المنزل , إنني اسمعه منذ البارحه ! إنه أشبه ما يكون بأنين ، ثم ضحكات مُجلجِلة ، يتخلّلها صراخٌ مرعب ! كما أنني أرى ظلالاً غريبة تمرّ بسرعة عجيبة ! أظنني عدت طفلاً حقاً ! فها انا أتوهّم وجود أشياء لا معنى لها..

19/1/1993

الأصوات ما زالت مستمرّة ، بالإضافة إلى أصوات أشدّ غرابة ! انا أشك في كوني متواجداً في منزلي ، قد أكون في غابة أو في حراج .. أو قد أكون في السينما , إنها أقرب مكان أستطيع نسب هذه الأصوات إليه.
افّ !! لقد تأخّرت أسرتي أكثر من اللازم ، انتظر عودتهم على أحرّ من الجمر

20/1/1993

بطريقةٍ ما , تغيرت مخططات أسرتي .. تلقيت إتصالاً منهم اليوم ، يُخبرونني فيه : انهم سيقضون هذه الليلة أيضاً في الخارج , معلّلين ذلك : بسوء حالة الطقس وخطورة الطريق ..
و قد يستمر غيابهم لعدة أيام أخرى , من يعلم ؟!
انقطعت الكهرباء مرّة أخرى اليوم ، و قد طال انقطاعها .. انا انتظرها بفارغ الصبر

21/1/1993

ما هذا الحظّ السيء ! أصواتٌ و أطياف تُلاحقني في كل مكان .. هَمِمْتُ بالخروج من هذا المنزل الكئيب , فوجدت الباب مُغلق بطريقة ما ! إنه يأبى أن يفتح ..و حتى النوافذ ، لطالما سئمت من تصليحها سابقاً , فهي هشّة و تنكسر من أدنى ريح تمرّ عليها , لكنها غدت اليوم أصلب من الصخر .. سحقاً لها !! هل تلهو معي ؟!

22/1/1993

أصبحت تشاركني السكن إمرأة غريبة ، جسدها رشيق و ملامحها فاتنة , لكنها تثير الرعب في نفسي ! ترتدي فستاناً أحمر اللون , أنيق و بسيط .. المشكلة إنها تسير بسرعةٍ جنونية ! حتى سيارتي لم تسرّ بتلك السرعة قطّ!!

23/1/1993

توجهت اليوم إلى المطبخ كالعادة ، لأخذ تفاحة أو برتقالة أسدّ بها جوعي .. أفضّل هذه الوجبة الصغيرة , على الجلوس على مائدة مليئة بألذّ أصناف الطعام
..تحسّست الطريق باحثاً عن الشموع ، فالكهرباء لم تعد منذ ذلك اليوم ! و انا كالعادة , وضعت الشموع في مكانٍ ما و نسيت أين وضعتها .. اهآ !! وجدتها أخيراً .. فقمت بإشعال أحدها ..
ثم أخرجت صحناً و وضعت فوقه تفاحة .. فتحت الدرج ، تناولت سكيناً و توجهت بمللّ إلى المنضدة لأشرع بتقطيع تفاحتي الحمراء .. لكن عندما رفعت السكين , تفاجأت بوجود مادة غريبة حمراء اللون على نصلها ! تحسّستها بإصبعي .. إنها لزجة ! كما أن رائحتها مقززة ، أدركت أنه دم .. و لكن من أين اتى ؟! فأنا لم أتناول قط أيّة لحوم , منذ خروج أسرتي .. كما أنني استخدمتها البارحة لتقطيع التفاح , ثم غسلتها جيداً و جفّفتها و وضعتها في الدرج ..لأجدها اليوم على هذا الحال!

24/1/1993

هناك صوتاً بشع يهمس في أذني طوال الوقت , أنفاسٌ مُقرفة أشعر بها على أذني و رقبتي .. من هذا السخيف الذي يهمس في أذني بطريقة مقززة ، و كأنني سأفهم حرفاً مما يقول ؟! إنه مُزعجٌ للغاية !! أشعر به الآن حولي ! ياربي ! متى سيتركني و شأني ؟ لقد سئمت وجوده !
انقطع اتصالي بأسرتي .. متى سيعودون ؟ ما هذه النزهة الطويلة ؟!

25/1/1993

نفذت الشموع التي لديّ .. ففتحت خزانة أخي باحثاً عن شموعٍ أخرى , و هالني ما رأيت ! إنها أشلاء شخصٌ ما ! .. شيءٌ مقزّز !! الدماء مُتناثرة في كل مكان بالخزانة .. كما قطع اللحم التي قُطعت بطريقة وحشية .. رائحة الخزانة تُشعرني بالغثيان .. أظنني جُننت حقاً ! فمن الذي يستطيع أن يدخل و يلقي بأشلاءٍ ملئية بالدماء , في خزانة موجودة بآخر المنزل ؟!
اووووف !! كم ازعجني هذا الطفل !! انه يلهو في أرجاء البيت منذ يومين .. كم تضايقني ضحكاته الصاخبة .. و الأسوء منها , صراخه المخيف !

27/1/1993

صوت تكسّر الصحون يزداد ..الكراسي تُجَرّ بطريقة مزعجة .. أظن ان إحساسي تبلّد بطريقة ما ! أشعر بوجود أشخاصٍ كُثر حولي .. ها هو قطي الصغير أتى ليسليني قليلاً ، يبدو ودوداً أكثر من المعتاد .. لحظة ! عيناه مختلفتان عما عهدت .. لقد أظهر صوتاً غريباً الآن ! سحقاً لهذا الهرّ !! ايريد أن يُصيبني بالجنون ..
امرأة غريبة تبتسم بطريقة مرعبة هناك ! إنها تقف بمحاذاة الجدار .. الإنارة تنطفئ و تعود بطريقة جنونية ! و انا الذي ظننت الكهرباء أشفقت عليّ فأنارت من جديد .. هآقد أراحتني الآن ، فقد انقطعت مرة أخرى ..و ربما نهائياً ! رغم انه لم يمضِ على عودتها سوى بضع دقائق !
و هذا الطفل أيضاً , انه يبتسم و يمدّ لي دبّه البني المحشو بالقطن , و الذي اقتُلِعَت إحدى عينيه ليحلّ مكانها خيوطٌ سوداء شكّلت الحرف (X) .. لا !! لن أرد عليه بالتأكيد ، لم أُجنّ بعد حتى أقدم على هذا التصرّف المتهوّر .. أرى انعكاس طفلة بالمرآة التي أمامي .. إنها قادمة نحوي , تحمل في يدها دُمية بلا رأس ..تناديني بصوتها الطفولي المخيف !
يا سلام ! هذا ما كان يُنقصني .. لم يبقَ سوى الجدّ و الجدّة .. لا أتعجب أيضاً لو ظهرت لي خادمتهم .. آخر ما توقعته أن أمضي آخر عمري بين عائلة أشباح غريبة !
لا !! لقد عاد ذلك الشخص الغريب من الأمس .. طوله الفارع يُثير الحيرة بداخلي , أيوجد حقاً مخلوق بهذا الطول ؟! إنه يقترب ! أشعر بظّله يغطّيني .. كيف اصلاً يستطيع السير في مثل هذا المنزل الصغير ذو السقف المنخض , و هو بهذا الطول الشاهق ؟! … تباً له !! ما الذي أتى به الآن ؟ ألم يكفيه ما فعله بي البارحة ؟ ما الذي يريده ايضاً ؟
و تلك الإمرأة ..انها تستمتع بتعذيبي نفسياً .. فهي تختفي في مكان , لتظهر في مكانٍ آخر .. قليلاً فقط و سأجدها في حضني !
صخب الأطفال يرتفع ، و كأنّي في حضانة ! لكن صوت ذلك الطفل تحديداً يجعلني ارتعش بلا إرادة مني !
هاهو أحدهم يشدّ كُمّ قميصي ! ما الذي يريده ؟ لن تأتيني جرأة لأنظر و استطلع ماهيته ….. حسناً ! سأختلسّ النـ …

…….

كان هذا آخر ما كتبه (إلمَرّ) في تلك الأوراق التي وجدها رجال الشرطة في غرفته ، بعدما قام أهله بالإبلاغ عن اختفائه , بعد عودتهم في اليوم الأول من شهر فبراير

و لسببٍ ما , لم يكتب (المرّ) في مذكراته ايّ شي في تاريخ
26/1/1993
او ربما كتبها .. لكنها اختفت معه !

و ضعت أخته الأوراق على مكتبه بهدوء , و تنهّدت بعمق
” يا ترى ماذا حصل في تلك الليالي ؟! “

تاريخ النشر : 2015-12-13

guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى