أدب الرعب والعام

الطالب الجديد

بقلم : اسيرة بين عالمين – اليمن

عينا الطالب الجديد تمتلئان بالحقد !

مملّ !… يومٌ مملٌّ آخر , لا شيء جديد .. استيقظ من النوم .. انزل لتناول الفطور مع والدايّ .. احصل على كمّ هائل من الإنتقادات .. اتوجّه للمدرسة .. و هناك تبدأ اسوء اوقاتي ! …صديقةٌ جبانة , تخاف من عمل ايّ مقلب بأحدهم ..معلمون : بعضهم مُجامِل , و اكثرهم قساة .. طلاّب في غاية السذاجة !! …و هكذا تستمر الحياة ..

لكن مهلاً ! ثمةُ شيءٌ مُثير للإعجاب ..انه طالبٌ جديد ….عيناه ! .. عيناه تمتلئان بالحقد .. تماماً مثلي !! .. لا يبدو طالباً عادياً .. لحظة ! الى اين يتوجّه هذا الأحمق ؟!.. ايريد الموت , ام ماذا ?! كيف يجرؤ على الإقتراب من المكان المخصّص لشلّة الأشرار (او بالأحرى الحمقى).. ياااه !! هذا مشوّق .. اكيد سيلقنونه الآن درساً لن ينساه ابداً ..على كل حال , هو استحق ذلك .. و الآن وصلت شلّة الحمقى ..اذاً العرض على وشك ان يبدأ .. الجميع توافدوا ليروا العراك المؤلم الذي سيحدث بعد قليل , و انا اولهم ..

و هآقد بدأ العرض … لكن لحظة ! ..مالذي يحصل ؟! .. اليس من المفترض ان تُكسر عظام الطالب الجديد ؟!.. كيف استطاع تجنّب ضرباتهم بهذه الخفّة , و بتلك السرعة ؟! ..لا ليس هذا فحسب ! بل انه ينهال عليهم بالضرب !.. ايّ نوع من الفنون القتاليه يجيدها هذا الأبله ؟ …حقاً بدأت اغار منه ! انه اول شخص يلقّن شلّة الحمقى درساً قاسياً ! ..لكن اليس غريباً ان يكون شخص بنيته ضعيفة هكذا , و يملك كل هذه القوة !?

من يهتم ؟ ..على الأقل جعلنا نستمتع قليلاً …..آه سحقاً !! بدأت اهتم لأمره ! ….لا , لا !! انه لا يستحق اهتمامي .. لحظة ! يبدو انني لست الوحيدة المهتمّة لأمره , فالجميع هنا اصبح مُعجباً به ! و اعتقد انه اثار اهتمام شلّة الحمقى ايضاً .. نعم !! لقد انتهى امره .. لأنهم بالتأكيد سينتقمون منه شرّ انتقام .. كيف لا ؟ و قد جعلهم محطّاً للسخرية , بعد ان كان يهابهم الجميع .
انتهى اليوم و عدّت الى منزلي .. كل شيء مازال كما هو , لا جديد !

جاء اليوم التالي ..انها اول مرّة اتلهّف للذهاب للمدرسة ..لا اعرف ما السبب ! لكن اشعر و كأن شيئاً ما سيحدث .. وصلت , و كانت الشائعات تملأ المدرسة حول الطالب الجديد ..البعض يقول : انه ابن للأشباح ! و البعض الآخر يقول : انه من عائلة السّحرة ! لكن الجميع اتفقوا على انه يعيش في احد المباني المهجورة !

لحظة ! مالذي يحدث هنا ?! ..فأجابتني صديقتي (الجبانة) : ان بعض الطلاب راقبوه بعد خروجه من المدرسه , و رأوه و هو يدخل الى مبنى مهجور .. فلحقوا به ليحذروه , بأن المبنى يعجّ بالظواهر الغريبه .. لكنه كان قد اختفى تماماً !
و قالت احدى الطالبات التي تعيش بالقرب من ذلك المبنى : انها رأته هناك ليلاً , و هو ينظر من خلال النافذة المكسورة !
فقلت في نفسي بحماس :
– واااو ! هذا شيق .. كم غموض هذا الشاب يحمّسني لإكتشاف سرّه الخطير .. فأنا لن اضيع على نفسي هكذا فرصة .. و طالما ان اهلي مشغولين اليوم .. فيمكنني التأخّر بالعودة الى البيت .. ممتاز !!

و بالفعل !! ما ان انتهت المدرسة , حتى انطلقت بإتجاه المبنى المهجور .. و بعد ان مشيت مسافةً طويلة .. وصلت اليه قبيل الغروب بساعة .. كان يبدو من الخارج , مكاناً كئيباً جداً ! …لكن لا يهم .. سأدخله الآن ….. كان ضوء الشمس الخافت , يدخل من بين شقوق الجدران و النوافذ المحطمة … و وصلت الى الدرج , الذي كان متهالكاً تماماً ! .. يا الهي ! اشعر و كأنه سينهار بأي لحظة تحت قدميّ … آاااه ! سحقاً لهذه القطه !! لقد افزعتني فعلاً .. انها تستحق العقاب .. هيا خذي هذا , ايتها الغبيه !! …لحظة ! مالذي افعله , أأضيع وقتي برمي القطة بالحجارة ؟! …الأجدر ان …اووووف ! كدت اسقط من فوق السلّم اللعين !! عليّ ان انتبه اكثر ….

و اخيراً !! وصلت للطابق الأول .. ما هذه الأصوات الغريبه ؟! ..انها تصدر من الغرفة المضاءة بآخر الممرّ ..هآ انا اقترب من الغرفة .. سأدخلها الآن ……. ماذا ؟! …مالذي تفعله شلّة الحمقى هنا ?! و لما الطالب الجديد مرمي على الأرض ؟! .. آه المسكين ! لقد قيدوه جيداً , و وضعوا الشريط اللاصق على فمه .. هآهم يقفون حوله , و هم يضحكون !

و هنا !! نظر اليّ زعيمهم بطرف عينه , ثم ضحك ساخراً :
– هل جأتي لتري بنفسك النهاية المأساويه , لهذا الأحمق ? …حسناً تعالي !! سنسمح لك بأن تشاركينا اللحظة .. لكن عليك ان تنسي ما سترينه بعد قليل , الى الأبد .. افهمتِ يا غريبة الأطوار !!
لم اهتم لكلامه , بقدر اهتمامي لمنظر الطالب الجديد الذي كان يشير لي بوجهه , و كأنه يطلب مني : ازالة الشريط اللاصق عن فمه ! .. فهل يريد قول شيء ؟! ..حسناً سأفعل , و أرى مالذي سيحصل

ثم فاجأت الجميع بأن اطلقت قدميّ للريح , متوجهة بسرعة ناحيته.. محاولةً تخطّي شلّة الحمقى دون ان يمسكوا بي , الى ان وصلت للطالب الجديد ..و بحركة سينمائية سريعه , نزعت الشريط اللاصق عن فمه ..و ما ان فعلت ذلك , حتى بدأ ينادي بصوت عالي بكلماتٍ سريعه غير مفهومه ! .. حتى ان شلّة الحمقى تجمّدوا في اماكنهم , و هم ينظرون الى بعضهم باستغراب , غير مدركين مالذي يقوله بالظبط .. و انا كنت مندهشة مثلهم !

و بعد دقائقٍ قليلة .. بدأنا نسمع شيء يشبه الهمّهمات و هي تصدر من الممرّ , و كأنها قادمة بسرعة جنونية باتجاه غرفتنا !
ثم صرخنا جميعنا بفزع , بعد ان رأينا تلك المخلوقات المخيفة و هي تطل برأسها من باب غرفتنا
– …م م م ما ..هذا ?!
– ما هذه المخلوقات الغريبة ?!! من اين اتت ?!
– هل هي اشباااح ؟!
و اذّ بها تطير في كل الإتجاهات ! و مالبثت ان انقضّت على افراد الشلّة الواحد تلوّ الآخر .. و بدأت بنهش لحومهم …. اللعنة !! انها تأكلهم بالفعل !
اما انا ..فقد تجمّدت في مكاني , و لم اقدر على التحرّك انشاً واحداً لهول ما رأيت !

و بعد ان غابت الشمس .. كانت شلّة الحمقى قد تحولت الى اشلاء متناثرة هنا و هناك ! اما انا .. فقد جلست على الأرض , بعد ان انهارت قوايّ .. ثم اختفت الأشباح فجأة ! .. و اذّ بالطالب الجديد (بعد ان تحرّر من قيوده) يقترب مني , و يقف امامي مباشرةً .. فرفعت نظري لأراه ينظر اليّ بعينين باردتين , ثم ابتسم ابتسامة لئيمة .. و خرج من تلك الغرفة , و كأن شيئاً لم يكن ! فرفعت نفسي عن الأرض بصعوبة ..

و ماهي الا ثواني ..حتى انطلقت بكل ما اوتيت من قوة , لأخرج اخيراً من ذلك المبنى الملعون ..و ظلّلت اركض و اركض ..و قد جعلني ارتباكي اتعثّر لأكثر من مرّة .. لكن لم يكن ببالي في تلك اللحظة , سوى الإبتعاد سريعاً عن تلك المنطقة ..و استمرّيت بالركض .. و حقاً لا اذكر كم مرّ عليّ الوقت و انا بهذه الحالة .. لكن اخيراً وصلت لمنزلي …. و تنفّست الصعداء و انا اقول :
– جيد !! اهلي لم يصلوا بعد ..
و صعدت فوراً الى غرفتي و اغلقت الباب ..و لا اعلم مالذي حصل بعدها !

تررررررن !!!!! …آه ..انه المنبّه .. سحقاً ! لما انام على الأرض ؟! .. يااااه !! قدمايّ تؤلمانني فعلاً ….. لحظة ! يا الهي تذكّرت … هل ما حصل بالأمس حقيقي ؟!
تسمّرت في مكاني و انا احاول تذكّر تفاصيل ما حصل البارحة ! و صرت اتساءل : هل تخيلت ذلك ؟ هل كان كابوساً ؟ و ظلّلت افكر حتى بدأ رأسي يؤلمني من التفكير .. ليقطع سرحاني , صوت امي تناديني للفطور .. فنهضت من مكاني و نزلت لتناول الفطور , فقد كنت متعبه و جائعه جداً

و بعد ان انتهيت .. ذهبت باتجاه الباب الخارجي , لأذهب الى مدرستي.. فنادتني امي :
– لماذا تعرجين ؟!
– ماذا ! .. آه نعم .. تعثّرت البارحة .. لا تقلقي .. لا شيء خطير
– الن تغيري ثياب الأمس , ايتها الكسولة ؟
فابتسمت لها ابتسامة خافتة , و خرجت من المنزل باتجاه المدرسة ..

و في الطريق , كنت اقول في نفسي :
جيد انني تركت كتبي في خزانة المدرسة , و الا لكنت تركتهم في ذلك المكان المخيف ! .. لحظة ! انا مالذي اقوله ؟ .. اصلاً لا شيء حصل البارحة , انا كنت اهلوس فقط ….. طيب اذا كانت تخيلات , فلما قدمايّ تؤلمانني هكذا ؟! … لا انا بالتأكيد اهلوس !! ..اصلاً لا وجود للأشباح ! ..ربما تخيّلت ذلك , لأن عقلي الباطن كان يفكّر بالأمر طوال الوقت… نعم !! انه كابوس .. مجرّد كابوسٌ سخيف !!

ثم وصلت الى المدرسة ….جيد !! الوضع هادىء !.. دخلت الى الفصل .. و كان كل شيء كما هو , لا جديد ! .. هاهم الطلاب يستعدون للحصة ..و هاهو الطالب الجديد يجلس في مكانه .. و هاهي شلّة الحم… لحظة ! اين شلّة الحمقى ؟!..ربما تأخروا عن الحضور , كما يفعلون دائماً … لأنه من المستحيل ان يكونوا …

و هنا !! يدخل المدير علينا , و يقول :
– صباح الخير ايها الطلاب .. لقد اتصلت بي الشرطة البارحة , و اخبرتني بأن عائلات زملائكم (سامي و خالد و يحي و سميرة و ريم) مازالوا يبحثون عن اولادهم منذ الأمس ! فأن كان ايّ واحد منكم يعلم اين ذهبوا , او مالذي حصل لهم ؟ فأرجو اعلام الإدارة بذلك , لنساعد عائلاتهم و الشرطة على ايجادهم .

و حينها تأكّدت شكوكي : بأن ما رأيته بالأمس كان حقيقياً !
فنظرت برعب الى الطالب الجديد الذي بادلني النظرات , بأعينه التي امتلأت حقداً و لؤماً , و كأنه يقول لي مهدّداً :
(ايّاك ان تتفوهي بأيّ كلمة , و الا ستلاقين نفس مصيرهم !))

* * *
و اليوم ..و بعد عشر سنوات من تلك الحادثة .. هآ انا اجلس في احد المقاهي , احتسي القهوه ..و اتذكّر ما حصل لي في ذلك اليوم المخيف .. فابتسم و اقول :
– على الأقل .. قتلت بعض المللّ

تاريخ النشر : 2015-12-26

guest
50 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى