تجارب من واقع الحياة

قطاع الطرق

بقلم : محمد مكي – السعودية

انطلق الشاب مع عائلته في رحلة ترفيهية بالسيارة

قبل عقدين من الزمن وقبل أن تطبق أنظمة مراقبة الخطوط الطويلة بأجهزة الرادار وتشيع تكنولوجيا الاتصالات بين العامة ، توجه الشاب ذو العشرين ربيعاً برفقة والدته واخواته البنات الثلاثة اللاتي يصغرنه … بعد ان انتهوا من دراستهم راغبين في تغيير الأجواء وقضاء أجازتهم الصيفية في قريتهم التي تبعد حوالي 800 كم عن المدينة ولنسيان الحزن الذي خيم عليهم بعد وفاة والدهم منطلقين بالسيارة التي خلفها لهم الأب إلى طريق قريتهم ومسقط رأس والديهم باتجاه الجنوب ..

الرحلة طويلة إلى القرية ولكن العائلة مجتمعة تحت سقف السيارة يتبادلوا الحديث والذكريات الجميلة عن والدهم وكل واحد يحكي موقفاً أو حواراً دار بينة وبين والده معتقداً انه كان الأقرب إلى قلب ابيه ، والام تحكي حكايتها منذ ان تزوجت وهاجرت مع زوجها من قريتهم الى المدينة طلباً للرزق وكيف انجبتهم ومدى فرحتهم بكل مولود وكيف كانت حالتهم وكيف تحولت الى الافضل بفضل الله ثم بفضل جهد أبوهم رحمة الله عليه ، حكايات تثير الضحك وأخرى تشعرهم بالحزن والبكاء أحياناً ..

في الطريق الطويل يوجد محطات لتعبئة الوقود والتزود بالطعام الخفيف والماء والعصائر .. الخ ، ومن سافر براً مع نساء عليه أن يعي تماماً أنهم أكثر المخلوقات مللاً على الطرق الطويلة فلا تزيد مطالبهم إلا في هذه الحالات !! ..

في إحدى المحطات وقف الشاب بسيارته الصغيرة و المحملة بعائلته ينتظر انتهاء عامل المحطة من سكب الوقود داخل الخزان ، فوقفت بجانبه سيارة من نوع جي أم سي البك آب (شاحنة حمل صغيرة) وبداخلها يجلس رجلان ذوي ملامح مريبة جداً ، فنظر إليهم ووجه لهم التحية مؤشراً بالسلام ، فلم يكترثا له وتجاهلاه تماماً رغم انهما أمعنا النظر فيه وفي سيارته و في الركاب كمن يستكشف شيئاً ما !!

انطلق الشاب مرة اخرى في طريقة وكانت الساعة تقترب من صلاة العصر ، وبعد عدة كيلومترات نظر في المرآة الى الخلف فرأى تلك السيارة خلفه مباشرة وتقترب منه أكثر فأكثر ، امر طبيعي جداً ففي الطرق الطويلة المزدوجة عليك أن تتنحى قليلاً لترك المجال لمن يأتي من الخلف لتجاوز سيارتك خاصة إن كنت تسير بهدوء ، بالفعل تنحى الشاب الى اليمين قليلاً مؤشراً لمن خلفه كي يتجاوزه ، ولكن سائق السيارة التي بالخلف اقترب منه حتى باتت المسافة بينهم قريبة جداً وشبة ملتصقا بهم وقد أبطأ سائقها سرعته وكأنه يريد أن يتبع الشاب واسرته ولا يريد تجاوزهم !! فبدأ الشاب يقلق من هذا التصرف الغريب ولكنه حاول ان يهدأ كي لا يثير الرعب بين من معه في السيارة وبداء يزيد سرعته شيئاً فشيئاً ، ومن يتبعه يزيد السرعة ايضاً !! ، وكلما زاد الشاب في سرعته كلما اقترب منه سائق الجي ام سي حتى تأكد الشاب انهم يتبعوه هو .. ولا يعلم السبب !!

بدأت الام تشعر ان ابنها يسير بسرعة وعيناه تنظران الى الخلف كمن يخشى شيئاً ما !! ، فسألته : لماذا تسرع يا بني ؟ على مهلك ! فلم يرد عليها واخذ يزيد في سرعته حتى بدأ الامر يثير حفيظة كل من معه وبدأ الرعب يسري إلى قلوبهم ، فنظرت احدى اخواته الى الخلف فرأت السيارة التي تتبعهم ، فصاحت بصوتها متسائلة : لماذا يتبعنا هؤلاء ؟؟

فنظرت الام الى الخلف ونظرت الى ابنها وهو في قمة التوتر ، وبدأت الاصوات تعلو بينهم والام تدعو الله وتبكي خوفاً على ابنائها حتى لمح الشاب سيارة اخرى تتقدمهم فأسرع قليلاً الى ان تداركها واصبح قريباً من السيارة التي في الامام ، فنظر خلفه فلم يجد السيارة التي كانت تتبعهم وكأنها وقفت او تنحت عن الطريق !!

استمر الشاب في السير بسيارته قرابة الساعة بعد أن هدأت الامور وهدأ الجميع وعاد الاطمئنان لهم ، فتقدم مسافة تزيد عن 100 كم تقريباً واصبح لا يرى خلفه تلك السيارة ومرت من خلفه عدة سيارات اخرى وتجاوزته فشعر بالاطمئنان و بأن الامر قد انتهي ولم يعد هناك حاجة الى القلق ، بعد قليل طلبت منه والدته التوقف لصلاة العصر ، فرفض الشاب خوفاً من اي مفاجئة اخرى إلا انها اصرت عليه بالتوقف ، وهو رافض تماماً ان يتوقف خوفاً عليها و على اخواته البنات من اي مكروه ولكنها كانت مصرة بشكل عجيب !! ونزولاً عند رغبتها توقف الشاب بسيارته ولكنه قال لأمه إذا كنت مصرة على النزول من السيارة فأنزلي لوحدك وسأبقى انا واخواتي داخل السيارة ننتظرك حتى تنتهي من صلاتك ، فوافقت الام ونزلت من السيارة وتركت بابها مفتوح وفردت سجادتها متوجهتاً الى القبلة وكبرت للصلاة .. وبعد ان ركعت الركة الاولى ، والشاب يراقب القادمين من الخلف فإذا بتلك السيارة تقترب منهم بكامل سرعتها ، فصرخ في امه : اسرعي يا امي لقد عادوا يطاردونا !! .. اركبي السيارة بسرعة .. اركبي يا امي !! ولكن الام كانت في وضع السجود فلم تسمع صراخ ابنها او انها سمعته ولم تجبه لأمر لا يعلمه الا الله سبحانه ، فاقتربت السيارة منهم حتى باتت على مسافة قريبة جداً منهم وكأنها تريد الاصطدام بهم .. فوقع الشاب في حيرة من امره ، ماذا افعل ؟؟ هل اترك امي وانجوا بنفسي وانقفذ اخواتي البنات ام اقف لأدافع عن عائلتي مهما كانت النتائج ؟؟!!

فلم يحس الا وقدمه تضغط على وقود السيارة منطقاً بكل قوته وسرعته هارباً تاركاً امة تواجه مصيرها !! منجداً اخواته البنات و ناجياً بنفسه وهن من خلفه يصرخن به ممسكات بكتفه يرجونه ، ماذا تفعل عد الى امنا لا تتركها لوحدها ، عد وانقذ امنا .. واحدةً تصرخ واخرى تبكي و الصراخ يملاً اذنيه ، ولكنه ربط جأشه وتقدم مسرعاً يبحث عمن يساعده في ورطته ، وبعد مسافة طويلة تدارك سيارة اخرى كانت قد تجاوزتهم وهي من نوع جيب وبداخلها رجلان وعائلتهم فأشار لهم بالتوقف ، فوقف السائق ونزل الشاب يهرول نحوهم مستنجداً بالرجلان وحكي لهم القصة وهو يبكي ، فمد السائق يده تحت مقعده واخرج مسدساً وقال للشاب … هيا بنا تقدمنا ونحن خلفك ..

عاد الشاب بسيارته والرجلان في الجيب يتبعانه حتى وصلوا الى المكان الذي ترك امة فيه ، فلم يجدها ووجد سجادتها وقد تمرغت في التراب وكأن احداً قام بجر من كان عليها بعيداً عن قارعة الطريق وآثاراً تشير إلى المكان الذي سحبت إليه الام ، فتتبع الأثر هو ومن معه حتى تفاجأ بأمه ملقاة خلف صخرة وقد جردت من ملابسها تماماً وآثار هتك عرضها بوحشية ظاهراً على جثتها قبل أن يتم ذبحها ونحرها كما تذبح الشاه …

لو كنت مكانه فماذا عساك أن تفعل ؟؟

——————————–

المصادر : قصة سمعتها قبل فترة طويلة في المذياع .

تاريخ النشر : 2016-01-08

guest
59 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى