أدب الرعب والعام

عجائب شهرزاد-3 و الأخير

بقلم : **ياقوت الشرق** – مصر

اتت شهرزاد لتلقي فيه مسك الختام للحكاية

و حلّ صباح يومٍ جديد .. لتُلقي شهرزاد فيه مسك الختام للحكاية ..و لتسدل ستار النهاية..و كالعاده باشرت من حيث انتهت , و قالت بعد ان تنهّدت :

و جاء اليوم الموعود ..حيث اجتمع الشاهد و المشهود ..و الملك و اعوانه قعود.. لتبدأ مراسيم التمجيد .. و هاهو ياسين يحدّق من بعيد .. حتى بدأت المصارعة .. و دخل رجلٌ ضخم الجثمان , قويّ البنية , مفتول العضلات .. صوته كالزئير .. قبضته كالمطرقة.. معقود الحاجبين , لا يعرف الرحمة..

و صار كل من يتحدّاه يُلقى صريعاً , مُرمى بعيداً على ارضيّة الحلبة , كورقة الشجر الذابلة عندما تسقط في الخريف من اغصانها .. صار يهزم الواحد تلوّ الآخر .. يقضي على هذا , و يقتل ذاك ! حتى عجز ايّ احد عن المثول امامه و مصارعته ..

و قبل اعلان فوزه .. قفز ياسين للحلبة امام دهشة الجموع !

و الكلّ يتساءل : تُرى ماذا يستطيع ان يفعل هذا الشاب النحيف , امام هذا الغول ؟!

ثم نظر له مفتول العضلات ساخراً , و قال :
-اذهب الى امك يا صغير , فهذه الحلبة للكبار !!
فردّ ياسين بثقة : اذاً ارني افضل ما عندك !!

و بدأت الجولة الأولى ..و اصبح ياسين يتفادي القبضة تلوّ الأخرى ..و بسبب مرونته الفائقة , لم تمسّه قبضة المصارع قطّ .. فتعجب المصارع و الحضور !

و كان بين الشهود رجلاً , يُخبر صديقه برأيه بياسين :

-انه حتماً يتقن (الجودو) .. و هو فن يُسمى بالأسلوب المرنّ .. لا يعتمد على قوّة البنيّة , بل على الرشاقة و قوّة التركيز .. و اخطر ما في هذا الأسلوب : انه يستخدم قوّة الخصم ضدّه ..و يوجّه عادةً المقاتل ضربته القاضية , بعد استنزاف قوّة خصمه .. فهو اسلوب تراثي قديم , لا يتقنه سوى القلّة..

و في الحلبة .. و بطرفة عين , و بعد اجهاد الخصم .. حققّ ياسين ضربته القاضية .. فألقى عدوه صريعاً على حلبة النزال !

فهتف الحشد متناسيّن ما بهم من همومٍ و احزان , مسرورين بهزيمة ذلك الضخم ..

فابتسم جامان و رحّب في سريرته بياسين ..

فسأل احدَ حرس الحاكم , ياسين (بصوتٍ جهوري) :
-ان الحاكم يبارك لك , و يسألك عن اسمك ؟!!

فأجاب : اسمي وليد !! و جئت من الشرق البعيد .. راجياً من الحظ ان يجعلني لسيدي جامان , احدَ العبيد !!

فأعجب جامان بجوابه الذكيّ , كما بقوّته ..

و كانت المكافأة : ان توّجَ و نال شرف ان يُضمّ للحرس العشرة المقربين من الحاكم جامان ..

و عيّن ياسين ليكون الأقرب لجامان , الذي هتف قائلاً :
-و الآن حان موعد تقديم القربان !!

و اذّ بفتاةٍ تُخطف من منزل ذويها , بعد ان خبّأوها ..و تجرّ كالشاة التي تُقاد للمذبحة , لتنال حتفها !..

و بعدها علت الصيحات !! و هاهي السكين ترتفع , و ينعكس بريق الشمس على معدنها المسنون .. ليهبط على رقبة الفتاة المسكينة , التي سرعان ما اختفت امام مرأى العيون .. و عمّ الصمت المكان !

سكت الجميع ! و كأن السيف سقط على السنتهم , بعد ان اعتلت وجوههم الدهشة !

و قطع هذا الصمت , صراخ جامان الذي ملأ الأركان , و هو يقول بغضب :
-من يجرؤ على فعل هذا ؟!!

-لا يوجد سوى الأمير ياسين .. حتماً هو ياسين !!
قالها احد الحضور .. فهاجت الحشود .. و جنّ جنون جامان !! و أمر جنده بالبحث عن الفتاة و الأمير ياسين بكل شبرٍ بالمدينة..

و في هذا الوقت ..كانت سفن جند ياسين قد رست على شاطىء المدينة ..و صعد الجُند ذاك السلّم المتصل بالسماء , حيث تقبع مدينة جامان .. و هناك .. تغلبوا بشجاعة على خطوط الدفاع .. و بات جيش جامان يسقط الواحد تلوّ الآخر ..

و شاع نبأ الخسارة بأرجاء المدينة.. فبدأ جامان ينادي بغضبٍ و قلق على حرّاسه المقربين .. لكن لم يستجب لندائه , سوى حارسه الجديد (وليد) !
فكلّفه جامان على الفور : بأن يأتي بياسين حياً او ميتاً ..

لكن وليد ظلّ بمكانه و لم يستجب له ..فكرّر جامان أمره بتعجّب !

فاقترب وليد منه خطوتين , و همس له قائلاً : ((ياسين امامك يا جامان))..

ففزع جامان ! و اسرع يستدعي شياطينه , لعلّها تنجيه منه .. بعد ان ادرك بأن حرّاسه العشرة اصبحوا في عداد الموتى ..

لكن ياسين كان قد استلّ سيفه , ليطيح بسرعة برأس ذلك الجبّار !! و بهذا يكون انهى امره و خلّص شعبه من شرّه ..

فمات جامان موتة البعير..و هكذا يموت الشرير , ليذهب للسعير..

مهلاً !! لم ينتهي الأمر بعد .. فقد تسبّب ما فعله ياسين من اخفائه للقربان (بواسطة صديقه الجني راشيّل) غضب الشياطين .. فصارت الضربات تأتيه من كل مكان , من حيث لا يرى و لا يعلم ! فكيف له ان يجابه عدواً لا يراه ؟!

و امتلأ جسد الأمير بالرضوض و بعض الكسور .. و هو يحاول جاهداً ان يهتدي لمكيدة , يتغلّب بها على تلك القوى الخفيّة العتيدة ..

و اذّ به يتلقى ضربة قويّة , القته على قارعة الطريق .. فزاغت انظاره الى قارورة مغطاة بفلّين : تحوي داخلها قارباً صغيراً , يبدو انها لعبة لأحد الأطفال , اضاعها في هذا المكان .. و قد انتبه عليها , بعد ان لمع زجاجها بنور الشمس , عاكسةً الوان الطيف ..

و هنا !! اهتدى ياسين لخطةٍ حكيمة..

فصرخ بأعلى عقيرته و قال :
-و هل تظنون انفسكم اقوياء , ايها الشياطين ؟!! انتم حقاً اغبياء , و كل من قدّسوكم اغبياءً ايضاً !! فأنا وحدي استطعت خداعكم ..و انا من قتلت جامان و اوليائكم !! فأين كنتم ؟!! لقد بقيتم مكتوفي الأيدي .. ضعفاء !! مهزومين !!

فصرخت احدى الشياطين بغضب :
– اسكت يا هذا !!!

لكن ياسين اكمل كلامه المستفزّ :
-انتم عاجزين عن اتفه الأشياء !! حتى انني اتحدّاكم : بأن تخرجوا هذا القارب الصغير من القارورة !!

و فتح غطاء القارورة , ثم رفعها الى الأعلى .. فاشتعلت الشياطين غضباً و غروراً .. و تسابقت لدخول القارورة..

فانتهز ياسين الفرصة .. و اسرع بإغلاق عنق القارورة بالفلّين , ليحبسهم جميعاً في داخلها ..

و كانت اتته هذه الفكرة الذكية , بعد ان تذكّر مقولة ابيه حاكم بلاد الشرق ..اذّ يقول : (احذر يا ولدي من الغرور , فالغرور يؤدي للهلاك).. كيف لا ؟ و هو المسكن الوحيد للغباء

و هاهي الشمس تشرق بنور ربها , بعد ان انقشع الظلام ..و هبطت مدينة السماء نحو الأرض بهدوء ..و حلّت الطمأنينة ..و عاش سكّان المدينة في سلامٍ و وئام , مهلّلين بالنصر ..مُستنشقين هواء الحرية..

و في عصر ذلك اليوم .. اعدّ ياسين عدّته , بعد ان اخذ ميثاق من سكان المدينة : على الاّ يمارسوا السحر بعد اليوم , ايّاً كانت الأسباب ..

و بعد ان ابحرت سفنه .. القى ياسين زجاجة الشياطين بعرض البحر , بعد ان كان وضعها في صندوقٍ مُحكم الأغلاق.. ثم توجّه الأمير عائداً الى وطنه , بعد ان حقّق مبتغاه ..

و هناك ..كان ينتظره شعبه , مهلّلين بنصره الجديد.. و نشره للعدل و السلام ببقعة اخرى من بقاع الأرض..

***

و بعد شهور .. اقترب ياسين من والده الحاكم , و قبّل يده مودّعاً .. بعد ان اعدّ عدته لرحلة اخرى , لمدينة اخرى يعمّها الظلم و الظلام..

و هذه هي يا اصدقائي , شيم ياسين ..و شيم حكّام عالم الأحلام..

**النهايه**

تاريخ النشر : 2016-01-19

guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى