أدب الرعب والعام

مشاعر

بقلم : البراء – مصر

و هوت بيدها على وجهه بصفعةٍ سمعها الجميع !

-انت قاسي !!

تردّدت هذه الجملة في رأسه كثيراً ، تردّدت حتى ظنّ أنه سيجنّ بسببها .. حاول أن ينفض كل هذا عن ذهنه , لكنه كان كمن يحاول مسك الماء .. هل رأيتم شخصاً أستطاع مسك الماء ؟ إذا رأيتم هذا الشخص , فلتحضروه إليه ، إنه على وشك ان يفقد عقله !.. كل هذا لأنه بدأ يدرك الأمر أخيراً .. إنه الضمير الذي بداخله ، لا بد من أن يكون كذلك

-أصمت أيها البائس !! كانت ستحزنني أنا و أنت .. قلت أصمت يا غبي !!
هذا كان هو , يتحدّث مع ضميره .. أتعتقدون أن ضميره سيصمت !

– أنت من حطّمت قلبها بلسانك الطويل , أيها القاسي المتغطّرس ..فحبها لك صادق !! و هي لم تفعل شيء يستحق ما قلته لها امام الجميع !
أما هذا , فكان ضميره

يفكّر قليلاً , ثم يردّ عليه بعصبية : حسناً حسناً .. سأعتذر لها غداً .. هل ارتحت الآن ؟!!

***

في اليوم التالي .. مشى في طريقه للعمل , و هو يفكّر في الكيفية التي سيبدو عليها الأمر ، بعد ان يعتذر لها عما بدر منه
-هل يا ترى ستقبل إعتذاري ؟!

و مشى وحيداً حزيناً , واضعاً يده في جيبه .. الهواء البارد يلسع وجهه بخبث .. ثم سمع صوت شيءٍ دعسه .. فنظر الى ما تحت قدمه : آه ! إنه الخريف …
الأوراق التي كانت كبيرة و خضراء في يومٍ ما , هاهي إنكمشت و صارت صفراء .. تماماً كعلاقته بها ..

و رغم إن الخريف ما زال في بدايته , الا ان الجوّ كان بارد ! فأيّ مخلوقٍ عاقل يرغب في ان يمشي بهذا الجوّ البارد و تحت هذه السحب المظلمة الكئيبة ؟! و الشمس التي لا تريد أن تطلّ بنظرها على مدينته البائسة , بل انها فضّلت الإختباء خلف السحب !

و هنا تذكّر بأن الخبراء (أو الذين يسمّون أنفسهم خبراء طقس) قالوا : أن هذا الأسبوع سيكون مُلبّداً بالغيوم .. نظر للسماء , و خطر له : بأنها تنظر نحوه بغضب , على ما فعله بصديقته ! ربما الشمس ايضاً غاضبة منه .. أهي مُختبئة بسبب غلطتي تلك ؟!

مرّت دقائق و هو على حاله , ناظراً إلى السماء .. كان على وشك أن يسألها : لما الجميع غاضبٌ مني ؟!
لكنه أدرك أنه كان يتخيّل .. فضميره هو الشيء الوحيد الذي كان يعاتبه , في الشارع الذي كان يمشي فيه ..
قال في نفسه : يالك من ضميرٍ نقيّ .. و مُتعب !!

***

وصل لمبنى عمله أخيراً .. و سبقته قدمه للدخول , و كأنها تسابقه للوصول اليها !
وصل للمكتب , لكنه لم يجدها … هي لم تأتي ! و ربما لن تأتي ..

جلس في مكانه المعتاد وسط المكاتب الأخرى .. بدأ يعمل ببرود .. أصابعه الباردة هي الأخرى , تركت بصماتها على لوحة المفاتيح .. مرّ عليه الرئيس .. رمى بمزحةٍ ثقيلة , ثم دخل مكتبه 
أما هو فسأل نفسه : أين هي الآن ؟! لماذا تأخرت هكذا ؟!

تنهّد ثم أخرج هاتفه , و همّ بالإتصال بها .. فأتاه الصوت : (( الرقم الذي طلبته مُغلق , او خارج التغطية))
وضع الهاتف جانباً بعصبية , و هو يفكّر : تباً !! هل كنت بهذه القسوة ؟!

و وسط أفكاره السوداء , سمع صوتها و هي تُحدّث صديقتها .. رفع نظره لينظر من فوق قطعة الخشب التي تفصله عن المكتب الذي بجانبه , و رآها .. تبدو حزينة !

بدأ بالتحرّك نحوها بتثاقل .. و كل خطوة كان يأخذها باتجاهها , كانت تزيد من سرعة دقّات قلبه ..

و هاهو الآن أمامها .. فنظرت اليه بنظرةٍ غريبة ! .. اما هو فبدأ يتكلّم معها بتلعّثمٍ و تردّد :
– هل …. هل ستقبلين إعتذاري ؟

أشاحت بنظرها عنه .. ثم عادت و نظرت الى عينيه بحدّية .. و قالت بعصبية :
– و هل تعتقد أنني سأفعل ؟!! أعني بعد إهانتك لي أمام الجميع بهذا الشكل المشين !!

تقدّم خطوة نحوها , و ردّ قائلاً بحرج :
– و هل كنت سأعتذر , لو لم أكن أحبك … أنا حقاً آسف .

فقامت و تقدّمت نحوه بدورها , و قالت بلؤم :
– و أنا لو لم أكن طيبة , لما كنت تركتك تقف أمامي هكذا ..و الآن عدّ الى مكانك .. قلت !! اذهب

فأدار ظهره بحزن , ليذهب ..لكنه تذكّر شيئاً , فاستدار مجدداً و قال :
– أنا آسف … انا آسف فعلاً .

ثم عاد الى مكانه .. بينما ظلّت هي واقفة في مكانها , تتابعه بنظراتها الغاضبة

***

مرّ شهرٌ كامل و هما على هذه الحال .. يعاملها هو بهدوءٍ و لطف , و تعامله هي بجفاءٍ و عصبية ..

جلس مكانه بانتظارها حتى تأتي .. سمع صوتها , فقام على الفور !! ذهب اليها و وقف أمامها ..
فنظرت له و قالت بلا مبالاة :
– أظن أننا تحدّثنا عن هذا من قبل .

أخرج العلبة من وراء ظهره , و وضعها على المكتب الذي أمامها :
– عيد ميلاد سعيد .

ثم أستدار و همّ بالرحيل .. لكنها أوقفته :
– إنتظر !!

لم يكدّ يستدير , حتى وجدها تعانقه و هي تقول :
– قبلت إعتذارك .
فاندهش كثيراً :
– أحقاً ؟!

كانت بداية جديدة , هكذا ظنّ هو .. لكنها نهاية لعلاقةٍ قديمة , و هذا ما أيقنته هي .

***

مرّت خمسة أشهر .. صار الآن يحبها فعلاً .. بل يعشقها .. حتى انه يجنّ , إذا مرّ يوم لم يسمع فيه صوتها .. لم يكن يعرف بأنها كانت تخدعه , و تريد أن تعاقبه على غلطته معها .. فالجرح لدى بعض النساء , صعبٌ شفائه .

و حين أتى اليوم الموعود ….. يوم الإنتقام !! .. وصل عمله , و مرّ عليها كعادته ..

كان على وشك أن يُلقي ببعض كلماته المعتادة , قبل ان يذهب لمكتبه .. لكنها أوقفته , حتى قبل أن يبادرها بالكلام ! و قالت له بأسلوبٍ إستفزازي :
– يجب أن أخبرك شيئاً … لقد كنت أخدعك ، طوال خمسة اشهرٍ الفائتة .. كنت أخدعك يا عزيزي ….ما رأيك الآن ؟

نظر اليها بذهول ! ثم ظنّ أنها تمزح .. فضحك :
– يا فتاة ! لوهلةٍ ظننتك صادقة .

ضحكت هي الأخرى بلؤم و سخرية و قالت :
– لم أكذب .. انا فعلاً لا أحبك … في الواقع .. أنا أكرهك !! و أردّت أن أردّ لك الصاع صاعين .. و أجعلك تشعر بالسوء الذي عشته بسببك

و هنا ! أدرك أنها جادة :
– مهلاً ! ظننتك تخطيت تلك المرحلة ؟!

فتقدّمت نحوه :
– لا !! لم أفعل .. و منذ اليوم , عليك ان تنساني تماماً !! أليس هذا ما قلته لي من قبل ؟

بدأ قلبه يخفق بسرعة :
– نعم … لكني لم اقصد …

تقدّمت نحوه أكثر :
– و الآن !! اغرب عن وجهي .

فبدأ يفتشّ جيبه بارتباك .. ثم أخرج علبة صغيرة من جيبه , و مدّ يده نحوها :
– لكن أنظري !! لقد أحضرت لك هدية .

فأخذتها منه .. و رمتها في سلّة المهملات بلؤم و عصبية , دون حتى أن تفتحها :
– مقبولة منك !! و الآن إذهب .

نظر لها بعيونٍ دامعة :
– هل كنت حقاً تخدعينني ؟!

(هي فكّرت بهذه الحيلة , لأنها ارتأت بأنه لا يوجد طريقة أفضل لإذلاله و احراجه امام الموظفين)

فوقفت أمامه و اجابته :
– نعم !! لكن مازال هناك شيئاً آخر .

و هوت بيدها على وجهه بصفعةٍ , سمعها الجميع ! و إهتزّ كيانه عند تلقيه الصفعة ..و كردّ فعلٍ طبيعي , تراجع جسده للخلف ..

و قد أدرك بهذه اللحظة أن علاقتهما انتهت .. فأستدار و هو يقول :
– لم … يكن هناك داعٍ …. كنت سأرحل …. بأيّة حال .

و رجع نحو مكتبه , يجرّ اذيال الخيبة .. لم تتركه الأعين , و لم ترحمه الهمسات هنا و هناك .. حتى جلس على كرسيه أخيراً .. تذكّر اليوم الذي أعتذر لها فيه .. كانت مشاعره حينها صادقة تماماً ! .. حبس تلك الدمعة التي كانت ستفرّ من عينه , و حاول أن يبدو هادئاً ..

و مرّت ساعات العمل ببطء شديد .. لم يرفع رأسه عن حاسوبه طوال الوقت , محاولاً بذلك تجنّب نظرات الشماتة من زملاء العمل .. و انتهى الدوام اخيراً .. فقام بهدوء.. و رأته يتجه نحو باب الخروج ، واضعاً رأسه في الأرض و هو يبدو في قمّة الحزن .. فرحت كثيراً ، لأنها حصلت على إنتقامها التي خطّطت له جيداً ..لكن لما تحسّ بحرقة في قلبها هكذا !

و بعد ان ذهب .. مدّت يدها الى سلّة المهملات , و إنتشلت الهدية منها .. وضعت الهدية أمامها و نظرت لها قليلاً , قبل أن تقرّر فتحها .. فوجدت بداخلها ورقة و خاتم ..
فتحت الورقة , و قرأت الكلمة المكتوبة بداخلها :
-هل تتزوجينني ؟

لم يذهب للعمل في اليوم التالي .. كانت تنتظره بشغف , لكنه لم يظهر !

أما هو ..فقد قضى يومه كاملاً في السرير حزيناً و مهموماً .. و امضى نهاره يتعارك مع ضميره من جديد :
-هل أنت راضي , يا ضميري الحيّ ؟!! هآقد أعتذرت منها , كما طلبت مني .. و الآن أنظر ما فعلته بي !! ما هو ردّك الآن ؟!!

لكن ضميره لم يستطع الردّ هذه المرّة ! فهو لم يملك الجرأة الكافية لذلك

***

ثم بدأ اخيراً يتعافى بمرور الأيام ..لكنه أصبح لا يُكلّم احداً , إلاّ إذا لزم الأمر بشدّة .. و أصدقائه في العمل نسوا كيف كان يبدو صوته ! لقد رحلت , و تركت في نفسه ندبة لن تزول مهما حاول ..

اما هي فقد كان قلبها يهتزّ في كل مرة تراه .. فهي لم تتعود أن تراه حزيناً هكذا , او بلحيته هذه !

فقد بدأ الندم ينهشها منذ اليوم الذي تلا صفعتها المتهوّرة … و الآن بات الشعور بالذنب لا يفارقها , بعد ان سكن كيانها ! إنه لمن المثير للدهشة أن تتحول مشاعر الكره و الغضب بين يوم و ليلة , إلى مشاعر شفقة و ندم و حزن !…

هذه حالتها .. أما هو : فحالته كانت اسوء بكثير .. فقد تحوّل بعد ذلك اليوم : من شخصٍ مرح و طيب , إلى شخصٍ بارد و لا مبالي , يكره كل شيء في الحياة !

فألمه أكبر من أن يحتمله أحد .. و قلبه الفارغ أمتلأ بمزيج من الألم و الحزن .. لكنه تحوّل مع الأيام إلى غضب و كره !

***

و مع مرور الوقت .. بدأت تدرك هي : أنها كانت تحبه حقاً ! أما هو : فبدأ يدرك أنه يكرهها بالفعل !!

كان كلما يراها ينظر اليها ببرود , و هي تقابله بنظرة ندم .. الى ان اتى يوم , لم تعد تستطيع فيه أن تجلس مكتوفة الأيدي .. و قرّرت الإعتذار له فور انتهاء العمل ..
كانت تنتظره و هي تراقبه من بعيد .. و ما ان انهى عمله و خرج , حتى لحقته و ركبت معه المصعد .. و الآن صارا لوحدهما هناك ..

فنظرت له و قالت بتردّدٍ و ندم :
– هل تقبل إعتذاري المُتأخّر ؟
فلم يردّ عليها .. و بدأ قلبها يخفق بقوة :
– أنا آسفة .. اعتذر لك

أغمض عينيه , و هو يتمنى أن يصل المصعد بسرعة .. ثم فتح عينيه مجدداً , و نظر اليها بقسوة :
– جيد !! الآن صرنا متعادلين .

أستجاب المصعد لأمنيته , و فتح مُعلناً وصولهم.. لكنها لم تستسلم و قالت :
– أنت قلتها !! تعادلنا .. فلنحاول ان ننسى الماضي .

لكنه لم يلتفت اليها و خرج بخطواتٍ مُسرعة لخارج المبنى , و هي تمشي وراءه .. ثم التفت اليها و قال بعصبية :
– و أنت قلتيها !! فلننسى الماضي … أنا لا اريد ان أعرفك … و انصحك الآن ان تتركيني و شأني , لأن يدي تريد حقاً أن تصفعك و بشدّة !!

بدأت عيناها تدمعان و صرخت :
– أنت أناني !! و قاسي .. و …. .

لكنها لم تكمل ! لأنه احتضنها بسرعة .. فانهارت باكية و هي تحضنه بشوق .. و بعد ان هدأت ، نظرت اليه بنظرة بريئة
– أنا احب… .

لكنه تركها فجأة !! و أكمل ليعبر الطريق .. فجرَت وراءه :
– و ماذا يعني هذا ؟!

ردّ بدون أن ينظر لها :
– يعني أنني خدعتك لمدة خمس ثواني !! لا تغضبي .. فقد خدعتيني انت لخمسة أشهر .

و على الفور !! أحسّت بألمٍ شديد يعتصر قلبها ، و أدركت أنها أذته كثيراً .. و بينما هو يبتعد عنها , تجمّدت هي في مكانها بمنتصف الطريق .. و لم تنتبه لتلك السيارة التي أطاحت بها .. و سمع هو صوت الإصطدام !! فنظر خلفه , فإذا هي ملقاة على الأرض و الدماء تغطيها .. لقد صدمها صاحب السيارة و فرّ سريعاً .. جرى نحوها بقلقٍ شديد ..و أتصل على الفور بالإسعاف 

في المستشفى .. كان ينتظر بفارغ الصبر نتائج الفحص :
فقدان ذاكرة مؤقت , و بعض الجراح التي يمكن أن تُشفى مع الزمن ..

تنهّد بارتياح , ثم اخرج جوالها من حقيبتها .. و أتصل بوالدها , و أخبره بتفاصيل الحادثة .. ثم تركها و رحل

***

خرجت هي من المستشفى بعد أسبوع .. كانت لم تستعد ذاكرتها بعد ، و قد نست جميع أصدقائها .. حتى هو نسته أيضاً .. لكنها كانت تتذكّر طبيعة عملها , كما تتذكّر مكان الشركة ..

ذهبت إلى هناك .. لتلقى ترحيباً كبيراً من الجميع , ما عداه هو !

عرفت في ما بعد : أن أحد زملاء العمل كان قد قدّم لها اجازة مرضية من المدير , اثناء تواجدها في المسشفى .. لكنها لم تعرف من كان !

و الآن هي عادت الى العمل , بدون أن تتذكّر أي شيءٍ عنه .. كل ما لاحظته : انه موظف صامت ، يكاد لا يتحدّث مُطلقاً ! و قد حاولت عدّة مرات أن تتجاذب معه أطراف الحديث , لكنه كان يردّ عليها بكل برود و عدم أكتراث !
بدا و كأنه يكرهها حقاً !

***

مرّت عدة أيام .. و بدأت تستعيد فيها ذاكرتها ببطء ..و صارت تتذكّر الأشخاص من حولها …

و انتهى بها الأمر لتتذكّر الجميع , ما عداه هو ! .. يا ترى ما خطبه ؟! … شيئاً فشيئا , بدأت تدرك وسامته .. و بعدها أيقنت بأنها بدأت تحبه !.. لكن شخصيته الباردة , تضايقها فعلاً .. صمته الدائم و برودة أعصابه ، اثارت في نفسها التساؤلات ..
و صارت تريد أن تعرف سرّه .. السرّ وراء حزنه .. و لما يعاملها هي بالذات بجفاءٍ كبير , بخلاف تعامله مع الآخرين ؟!

و أخذ الأمر منها وقتاً , حتى بدأت تدرك بأنه يكرهها ! .. نظراته وحدها كانت كفيلة بفهم ذلك ! و هذا ما زاد فضولها .. فهي تريد أن تعرف كل شيء عن ماضيه .. و لماذا يكرهها هكذا ؟! أفعلت له شيئاً , قبل أن تفقد ذاكرتها

و اخيراً تجرّأت و سألت زميلتها عنه .. فأجابتها بما ملخصه : أن تبتعد عنه ..

لكن إجابة صديقتها الغامضة لم تشبع فضولها .. فظلّت تلحّ عليها بالسؤال , حتى أخبرتها صديقتها بموضوع شجارها معه .. و عن تلك الصفعة التي شهدها الجميع ..

و هنا !! بدأت تتذكّر كل شيءٍ عنه .. نعم .. فقد تذكّرت كم ظلمته , و كم كانت قاسية معه ..

كما تذكّرت أيضاً يوم الحادث .. فقد اخبرتها الممرضة يومها : أن هناك شاباً أحضرها الى المشفى , و هو من اكمل اجراءات الدخول , قبل ان يرحل من هناك ..
-لا بد أنه هو !!

و أصبحت الآن رسمياً مُتعافية من فقدان الذاكرة .. و لم تستطع أن تجلس هكذا و هي تعلم أنه أنقذها من الموت .. إنتظرت حتى أنهى عمله .. ثم لحقته , و مشت بجانبه .. لكنه لم ينظر اليها حتى .. و بدأت السماء تمطر .. و بطبعه لم يعرّ الأمر أهتماماً .. أما هي فكانت ترتجف كقطة صغيرة .. و ظلاّ يتمشيان تحت المطر , حتى وصلا إلى منزله .. اخرج مفتاحه , و بدأ يعالج قفل الباب ببطء ..

فتح الباب ، و همّ بالدخول .. لكنها سبقته الى الداخل ! .. فوقف ينظر اليها بلؤم .. ثم دخل إلى غرفته .. و بعدها خرج و هو يحمل منشفة .. و رماها لها .. ثم عاد الى غرفته و أغلق بابه .. فوضعتها جانباً .. و انتظرته حتى خرج ..

ثم سألته :
– هل أنت من أوصلني إلى المشفى ؟
لم يُجبها .. فصمّمت اكثر لمعرفة الإجابة :
– أرجوك أخبرني !! هل انت من انقذتني ؟

و ايضاً لم يردّ ، فبدأت الدموع تجتمع في عينها .. تقدّمت نحوه بسرعة , و أمسكت يده و هي تنظر برجاء الى عينيه :
– أرجوك أخبرني ..

و بعد ان لامست يدها يده .. شعر بشيءٍ مُختلف .. أحسّ فجأة بأنه لم يعد يكرهها !… بل و كأن حبها عاد ليطرق باب قلبه من جديد ! هاهي تعاني الآن , كما عانى هو من قبل ! .. و قد كره أن يراها هكذا .. فطوّق يدها بيديه الإثنتين .. و قال بصوتٍ حاني :
– هل مازلتي تحبينني ؟

لم تجيب ..بل سحبته أليها لتعانقه بقوة , و هي تبكي بشوق .. و كان هو أطول منها , لذلك وقفت على أطراف أصابعها ..

في هذه اللحظة .. عمّ السكون ارجاء المنزل , إلاّ من صوت بكائها ..

و صوت دقّات المطر على الزجاج تتمازج مع دقّات قلبيهما , اللّذان اعلنا عودة الحب القديم .

تاريخ النشر : 2016-02-04

البراء

مصر - للتواصل: [email protected]
guest
47 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى