أدب الرعب والعام

جريمة البيت المهجور

بقلم : حمزة عتيق – فلسطين
للتواصل : [email protected]

جريمة البيت المهجور
جريمة البيت المهجور

كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل , عندما كان رائد الطفل الصغير على سريره يتقلّب عاجزاً عن النوم .. ترك سريره الدافئ و توجه نحو النافذة ليستمتع بمنظر السماء و هي تتلألأ بنجومها الجميلة , و فيها البدر يضيء ظلمة الليل الحالك ..

جلس رائد يتأمّل هذا المنظر الخلاّب , و يقول في نفسه :
-ليتني كنت مكان هذه النجوم , مُعلقاً بالسماء …

عندها قطع تسلّسل أفكاره انعكاس لظلّ رجلين يقوم أحدهما بإطلاق النار على رأس الآخر , من نافذة المنزل المجاور المطلّة على غرفته ! فما كان من رائد إلاّ أن توجه مُسرعاً نحو غرفة أبيه و أمه , و صار يطرق الباب بقوة و هو يبكي , ليخرج والديه مُسرعين على صراخ ابنهما الوحيد .

-الوالد : ماذا هناك يا بني , هل أنت بخير ؟!
-الوالدة : أرجوك يا صغيري , قل لي ما بك ؟!

-رائد و الدموع تملأ عينيه : لق … لقد رأيت رجلاً يُطلق النار على شخصٍ آخر في المنزل المجاور !
-الوالد : لكن يا بنيّ , المنزل المجاور مهجور منذ زمن ..كما أننا لم نسمع أي صوتاً لعيارٍ ناري 

-رائد : صدقني يا أبي , لقد رأيته ..أنا لا أكذب !!
-الوالد : حسناً يا بنيّ , سأبلغ الشرطة .

-الوالدة بغضب : لا تبلغ الشرطة !! قد يكون مجرد كابوس .
-رائد بإصرار : صدقيني يا أمي , لم أكن أحلم !!

-الوالد : حسناً بنيّ ..ما رأيك أن أذهب أنا و أنت , لنتأكد من المنزل المجاور ؟
-الوالدة : لا !! لن تذهبوا في هذه الساعة المتأخرة من الليل .
-الوالد : بلى سنذهب .. هيا بنا

ذهب والد رائد مصطحباً ابنه إلى المنزل المجاور , و كان الظلام يعمّ المكان

-الوالد : يا بنيّ .. جميع أنوار المنزل مطفأة , فكيف رأيت ما حدث ؟!
-رائد : لقد لمحت نوراً خافتاً من النافذة المطلّة على غرفتي , و منها رأيت ظلّ الرجلين .
-الوالد : حسناً اذاً , لنقرع الجرس .

و يقوم الوالد بقرع الجرس اكثر من مرة , لكن لا مجيب ..

و بعد قليل .. يعود مع ابنه لمنزلهما , و هو يحاول تهدئة روع الصغير..و من ثم ساعده على النوم .

***

في صباح اليوم التالي .. يذهب رائد إلى مدرسته الموجودة في الحيّ المقابل لمنزله .. اما الوالدان فقد ذهبا لعملهما .. فالأم كانت تعمل مدرسة لغة انجليزية في مدرسة ابتدائية , اشتهرت فيها حوادث اختفاء بعض الطلاب مُؤخراً ! اما الأب فكان يعمل موظف أمن في إحدى الشركات التجارية .

تصل أم رائد إلى المدرسة , لتجد رجال الشرطة في كل مكان !

يتقدّم المحقّق حمزة من أم رائد , و يعرّف عن نفسه اولاً , ثم يبدأ بطرح الأسئلة :
-المحقّق : هل تعملين في هذه المدرسة ؟
-أم رائد : نعم , أعمل كمدرسة للغة انجليزية

-هل تعرفين طالب اسمه سعيد مروان ؟
-نعم أعرفه , فهو من طلابي … ما الأمر حضرة المحقّق ؟!

-لقد أتانا بلاغ , بأنه لم يعد منذ البارحة إلى منزله .
-اذاً عليك ان تسأل المسؤول عن توصيل الأولاد لبيوتهم .. فأنا البارحة انهيت عملي باكراً , و عدّت فوراً الى منزلي
-بالتأكيد سنسأل الجميع ..على كلٍ , شكراً لك .

بعد ذهاب أم رائد يلتفت المحقق إلى مساعده الذي كان يقف بجانبه , و يقول له :
-اذهب و تحقّق من أقوالها .
المساعد : حاضر سيدي .

و بعد قليل .. عاد المساعد , فسأله المحقق :

-هآ , ماذا وجدت ؟
-المساعد : سيدي إنها تقول الحقيقة ..فقد عادت البارحة باكراً إلى منزلها .. كما علمت أيضاً بأن طلابها يحبونها كثيراً , و كذلك المعلمات .
-المحقق : حسناً .. لنذهب لمنزل الطفل المفقود سعيد , و نتابع من هناك التحقيقات .

***

في الثامنة مساءً .. ذهب رائد إلى غرفته و تمدّد على سريره لينام , و فكره مازال مشغولاً بحادثة الأمس :

-هل حقاً ما رأيته البارحة , ام كان مجرّد حلم ؟! ..لا !! انا متأكد بأنني كنت مستيقظاً .. حسناً .. سأجعل منبّه ساعتي يوقظني بعد منتصف الليل .. لعلّي أرى شيئاً آخر , و أثبت لوالديّ بأنني لم اكن أتوهم

في الساعة الثانية عشر و النصف , رنّ المنبّه .. فاستيقظ رائد و أطفأه سريعاً كيّ لا يزعج والديه ..و بعد ان غسل وجهه , عاد إلى غرفته و وضع كرسيه أمام النافذة .. و جلس ينتظر حلول الساعة الواحدة , على نفس توقيت البارحة

و مرّ الوقت , و لم يظهر شيء بعد .. فقال رائد : سأنتظر نصف ساعة أخرى ..

و أصبحت الساعة الواحدة و النصف , لكن لم يحدث ايّ شيء ! فخاب ظنّ رائد .. و قبل ان يقوم عن كرسيه , لمح ضوءاً خافتاً من نافذة المنزل المجاور ..عندها قفز رائد فرحاً , لكن ما لبث ان تجمّد في مكانه !

رائد يكلّم نفسه بفزع : ما الذي رأيته للتوّ ؟! البارحة رأيت رجلاً يطلق النار على آخر ..و اليوم أرى ولداً في مثل عمري يحاول الهرب , لكن هناك شخصاً أغلق فمه و سحبه للأسفل ! ما الذي يحدث هناك ؟! عليّ ان أخبر والدي فوراً … لا لحظة !! لن أخبره , بل سأقوم انا بالإتصال على الشرطة .. نعم !! هذا هو الحلّ الأمثل .

و يذهب رائد مسرعاً نحو الهاتف , و يتصل بالشرطة .
-سيدي الشرطي .. هناك ولداً صغيراً في المنزل المجاور لبيتنا , و اظنهم سيقتلوه ان لم تحضروا حالاً !! اسرعوا رجاءً !!
-الشرطي باهتمام : و هل تستطيع ان تعطيني عنوان منزلكم ؟

و بعد ان اعطاه رائد عنوان سكنه , اقفل سماعة الهاتف و هو يقول في نفسه :
-لا انا لن أنتظر قدوم الشرطة , سأذهب و أستكشف الأمر بنفسي .

***

المحقّق حمزة الذي لا يزال ساهراً في مركز الشرطة , يتطلّع على نتائج تحقيق اختفاء الأطفال الصغار .. فيدخل عليه الشرطي و يقول له : لقد وردنا اتصال من طفلٍ صغير , يدّعي : بأن طفلاً في المنزل المجاور لمنزله , قد يقتل الليلة !

-المحقّق : و لماذا نصدّق طفلاً صغيراً ؟ ربما كان يحلم
-الشرطي : برأيّ ان نذهب , سيدي .. فربما كان الطفل على حقّ !

يفكّر قليلاً , ثم يقول :
-المحقق : لن يضيرنا التأكّد من الأمر .. حسناً اذاً .. جهّز العناصر لكيّ نذهب الى هناك .

***

في هذه الأثناء .. كان رائد قد ارتدى معطفه , و أخذ معه الكشّاف يدوي .. ثم خرج من منزله بهدوء , متوجهاً نحو المنزل المجاور .. و بعد ان وصل إلى هناك .. سلّط الضوء على النافذة المطلّة على غرفته , لكنه لم يرى شيئاً …

و فجأة !! يُمسك شخصٌ مجهول برائد من الخلف , بعد ان وضع منديلاً مخدّراً على فمه .. فغطّ رائد في نومٍ عميق .. و قبل ان يحمل الصبي , سمع اصوات سيارات الشرطة قادمة من بعيد ..فترك رائد مكانه , و فرّ هارباً .

وصل المحقق حمزة و أفراد الشرطة إلى منطقة بيت رائد , و قاموا بقرع الجرس ..
ففتحت أم رائد الباب قائلة و هي تقاوم النعاس : ماذا هناك ؟!

-المحقق : هل هذا منزل الطفل المدعو رائد ؟
-الأم بفزع : نعم هو ! ما الذي يجري ؟!

و هنا يأتي الأب وهو يتثاءب و النعاس يملأ عينيه : ما الأمر ؟!
-المحقق : أين رائد الآن ؟!

-الأب باستغراب : نائمٌ في غرفته طبعاً
-المحقق : امتأكدون أنه نائم ؟ لأنه وردنا اتصال منه قبل قليل , يقول فيه : بأن طفلاً سوف يقتل في المنزل المجاور .

-يضع الأب يده على رأسه , و يقول بدهشة : يا إلهي ! أقام فعلاً بالإتصال بكم ؟! ياله من ولدٍ متهور .
-المحقق : المهم الآن , ان نسمع اقواله .. ناده لي لو سمحت
-الأم بقلق : لا !! انا التي سأراه .

ثم تذهب الأم إلى غرفة رائد , لكنها لا تجده .. فتركض بسرعة نحو المحقق , قائلة بفزع :
-ابني ليس في المنزل ! اكيد ذهب إلى المنزل المجاور .. رجاءً ابحثوا عنه !!

و يسرع المحقّق و معه الشرطين و ابو رائد الى المنزل المجاور .. و هناك يجدوا الولد نائماً قرب عتبة المنزل المهجور ..فيضع المحقّق يده على رقبة الصغير ليتحسّس النبض .. و بعد ان تأكّد من نفَسِه ايضاً.. مسح فم و انف الولد بمنديل , ثم اعاده الى جيبه .. و طلب من والده ان يعود بإبنه الى المنزل , ليكمل نومه في فراشه

-الأب بقلق : هل عليّ ان آخذه الى المستشفى ؟ فربما يكون في خطر !
-المحقق : لا داعي لذلك … اذهب مع ابنك , و انا و رجالي سنقتحم هذا البيت و نفتّشه

و بعد ان دخلوه .. كان المنزل خالياً من ايّ اثاث , ما عدا سجادة كبيرة في منتصف الصالة ..و كان الغبار يعمّ المكان ..

و هنا يتفاجىء المحقق بدخول ام رائد و زوجها الى المنزل المهجور ..
-لما قدمتما ؟
-الأب : ربما لديك اسئلة حول هذا البيت , و نحن نعرف القليل عنه
– الأم : و رائد نائمٌ الآن , فأحببنا المساعدة

و رغم ان المحقق تضايق من تدخلهم , لكنه كان يحتاج لمساعدتهم .. فذهب نحو نافذة الصالة , و قال للأم :
-هل هذه النافذة المطلّة على غرفة ابنك رائد ؟
-الأم : نعم هي .

-المحقق : طيب ماذا عن هذه الرائحة الكريهة ؟!
-الأم : آه .. هذا بسبب الثغرة الموجودة في المطبخ , و منها يتسرّب ماء المطر .. و لذلك عبق المكان برائحة الرطوبة .
يذهب المحقق ليتفحّص المطبخ , ليجد تلك الثغرة في سقف المطبخ .

-المحقق : طيب …منذ متى و هذا المنزل خالٍ ؟
-الأب : منذ مدة طويلة , كما ترى
-المحقق : نعم .. يبدو أن المنزل مهجور بالفعل .

ثم يذهب المحقق إلى الباحة الخلفية للمنزل , ليجد بعض الحجارة المصفوفة بشكلٍ منتظم في وسط الباحة .. فيأمر المحقق رجاله بالإنسحاب بعد ان اعلن بأن المنزل فارغ , و لا يوجد حوله أيّة شكوك .

و ينسحب رجال الشرطة , و يعود الوالدين إلى منزلهما .

***

عندما كان رجال الشرطة في طريقهم للمركز , يقول المحقق للشرطي : توقف هنا !!
-الشرطي : لماذا يا سيدي ؟!
-المحقق : لأننا ابتعدنا بما فيه الكفاية عن المنزل , فلن يلاحظ أحد وجودنا الآن

-الشرطي : و هل من جديد , سيدي ؟!
-المحقق بعصبية : ألم تلاحظ أيها المغفل ، أن المنزل بأكمله مليء بالغبار باستثناء السجادة في وسط الصالة ، يبدو أنها وضعت حديثاً .
-الشرطي : و ما المشكلة في ذلك , سيدي ؟!

-المحقق : افهم أيها الغبي !! كيف لمنزلٍ مهجور منذ مدة , ان تخلو السجادة من أيّ ذرة غبار ..أنا متأكد بأنه يوجد شيءٌ تحتها .. كما أن الطفل رائد لم ينم من تلقاء نفسه , فلقد تمّ تخديره بمادة الكلوروفورم ، فقد شممّت رائحته على المنديل الذي مسحت فيه فم الصبي ..لكني لم اخبر والده , كيّ لا يقلق عليه .. هذا عدا عن الأحجار المصفوفة بترتيب في باحة المنزل , و التي اثارت شكوكي !

-الشرطي : إذاَ لماذا أمرتنا بالإنسحاب , سيدي ؟!
-المحقق مبتسم : لنوقع بالفأر داخل المصيدة .. هيا لننزل هنا , و نعود للمنزل مشياً على الأقدام .. و اخبر الجميع باللاسلكي ان لا يثيروا أيّة جلبة
-الشرطي : حاضر سيدي .

***

يعود المحقق إلى المنزل و معه أفراد الشرطة ، و يدخلوا بخفّة الى المنزل المهجور .. و هناك يأمر رجاله برفع السجادة عن الأرضية , لتتأكّد شكوكه بعد رؤيته لبابٍ سري يؤدي إلى قبو المنزل .. فدخل لوحده الى هناك , و طلب من عناصره إعادة السجادة الى مكانها السابق .. و أن يجدوا لهم مكاناً يختبئون فيه , و أن يخبروه باللاسلكي في حال استجدّ شيء

و هناك , اضاء المحقق كشّافه ليستكشف المكان ..و كان القبو عبارة عن غرفة كبيرة مليئة بالأشلاء البشرية ! حيث وجد رؤوساً لأطفال , و أيدي و أرجل مقطّعة في كل مكان ! كما وجد جثّة رجلٌ بالغ , تم أطلاق النار عليه في رأسه .. و تفاجأ اكثر عندما وجد طفلاً صغير مُكبلاً بالحبال , غائباً عن الوعي في احدى زوايا القبو المعتمّ ..

فقام على الفور بفكّ وثاقه ..و بعد ان تأكّد من أنه مازال على قيد الحياة , صفعه صفعةً خفيفة على وجهه , ليستيقظ على إِثرِها الولد ..
الذي ما ان رأى المحقق حتى بدأ بالبكاء , و قال بفزع :
-لا تقتلني .. رجاءً , لا اريد ان اموت !!

فحاول المحقق تهدأته و اخبره انه شرطي , و بأنه قدم لإنقاذه.. ثم سأله :
-المحقق : من أنت ؟! ما اسمك ؟

و قبل ان يجيب الولد , سمع المحقق صوت معاونه يتكلم من اللاسلكي
و يقول له بصوتٍ خافت :
-هناك رجلاً مشبوهاً يقترب من المنزل , خذّ حذرك سيدي .

فأقفل المحقّق اللاسلكي , و طلب من الطفل ان لا يصدر ايّ صوت , او ان يقوم بأيّ حركة تفضح مكان اختبائه ..ثم اسرع المحقق و اختبأ خلف الجدار , منتظراً قدوم هذا الشخص المجهول لكيّ يقبض عليه ..

و دخل هذا الشخص الى المنزل .. ثم ازاح السجادة , و نزل الى القبو السريّ .. ليتفاجأ بضربةٍ مُباغتة من خلف رأسه , قادمة من عصا المحقق , فيسقط الرجل مغشياً عليه .. يقوم بعدها المحقق بتكبيل يديه بالأصفاد .. ثم يخرج مع والطفل الى خارج القبو .. ليدخل رجاله الى القبو .. و يأخذوا الرجل المكبّل معهم الى المخفر

اما المحقق فأخذ يفتّش جوال هذا الرجل عن آخر الرسائل .. فوجد فيها :
-لا تأتي الآن .. فقد أتت الشرطة
اما الرسالة الأخيرة فكانت : يمكنك القدوم الى المنزل و إكمال عملك , فقد ذهبت الشرطة

***

و بعد حضور بعض المحققين من القسم الجنائي .. قال المحقّق لمعاونه :
-اكمل انت الإشراف على رفع بقايا الجثث , اما انا فلديّ مهمة صغيرة عليّ إكمالها .

ثم ذهب إلى منزل الطفل رائد ..و طرق على الباب , ففتح له الوالد قائلاً له :
-ارى ان المنطقة امتلأت برجال الشرطة و الإسعاف , فهل جدّ جديد ؟!
-المحقق : ستعرف لاحقاً .. الآن نادي لي زوجتك , لو سمحت

و بعد ان جلس المحقّق في الصالة .. أتت الزوجة مستغربة :
-زوجي اخبرني انك تطلبني , فماذا هناك سيدي ؟!
-المحقق بابتسامة لئيمة : أنتِ رهن الاعتقال !!

-أم رائد بدهشة : و لماذا سيدي ؟!
-المحقق : لتهمة خطفك للأطفال , من المدرسة التي تعملين بها .

-أبو رائد بصدمة : ماذا تقول , يا حضرة المحقق ؟! هذا مستحيل !!
-أم رائد : انا لم أفعل ذلك .. هذا اتهامٌ ظالم !!

-المحقق : بل فعلتِ !! و لدينا الأدلة على ذلك .
-أم رائد بسخرية و تحدٍ : أحقاً ؟! اذاً هات ما عندك .

-المحقق : منذ اللحظة الأولى التي قابلتها بك , شككّت بأمرك ..فعند سؤالي لك عن الطالب سعيد , و إخبارك بأنه مختفي منذ البارحة , لم تبدي اهتماماً للموضوع , هذا أولاً .. اما ثانياً : عندما حضرنا لمنزلك لكيّ نسألك عن رائد , و بعد ان عدت من غرفته , اخبرتنا على الفور بأنه في المنزل المجاور ، فلما لا يكون في الحمام مثلاً .. ثم عند قدومك مع زوجك الى هناك , اخبرتنا عن الثغرة الموجودة في المطبخ , رغم انه لم يدخل احد على ذاك البيت منذ مدة طويلة .. فما ردّك على كل هذه الأدلة ؟

فأجابت ام رائد بثقة :
-اولاً : انا لم أهتم لموضوع سعيد , لأنني ظننت بأنه ذهب إلى مكانٍ ما ، و ستجدونه لاحقاً .. اما عن اخباري لك : بأن ابني في المنزل المجاور , فهذا لأنه ذهب مع والده البارحة , بعد ان لمح ظلّ رجلٍ هناك .. اما عن ثغرة المطبخ , فجارتي السابقة التي كانت تسكن مع عائلتها في ذلك المنزل , فقد اخبرتني عن الموضوع قبل رحيلها , و بأنها ضاقت ذرعاً بتلك الرطوبة

فيقول أبو رائد لزوجته بحزن و صدمة :
-لكننا و منذ ان سكنا هنا , و ذاك البيت مهجوراً .. فلما تكذبين علينا ؟!

فسكتت زوجته بضيق , و هي تنظر الى زوجها بنظرات عتاب .. فأكمل المحقق كلامه :

-المحقق : سنعود الى هذه النقطة فيما بعد .. و الآن اعيدوا عليّ ما رآه رائد البارحة ؟
-أبو رائد : رأى ظلّ لرجلين يقوم أحدهما بإطلاق النار على الآخر .

المحقق يقول في نفسه : إذاً جثة الرجل البالغ الذي وجدته في القبو , كان لذلك الظلّ

ثم عاد المحقق و قال لأم رائد : يا سيدة , لا مجال للإنكار .. فحتى لو على فرض انه كان لديكم جيران هناك , فيمكننا ان نفتّش معمل مدرستك , و سنجد حتماً مادة المخدّر المفقودة من هناك , و التي تستخدمينها في تخدير الأطفال .. و يمكننا البحث عن بصماتك داخل المنزل المهجور .. كما ان هناك دليلاً قاطعاً آخر على ادانتك ..

ثم يخرج المحقق هاتف المجرم من جيبه , و يقول لها :
– هذا جوال المجرم الذي قبضنا عليه قبل قليل , و سأقوم بالإتصال الآن على الرقم الذي أرسل منه آخر رسالتين له

و إذّ بهاتف الزوجة (الموضوع فوق الطاولة) يرنّ , فينظر إليها المحقق قائلاً بلؤم :
-و الآن !! هل مازلتي تنكرين جريمتك , يا سيدة ؟!!

فتنهار أم رائد جاثية على ركبتيها , و هي غارقة في دموعها :
-أقسم لك يا سيدي , أنهم يجبرونني على فعل ذلك .. فقد هدّدوني بقتل ابني رائد , إن لم أفعل .. و قالوا أنهم يعرفون عنوان اهلي ايضاً , و سيقتلون جميع احبائي ان أخبرت الشرطة .. و الله هذا ما حصل , انا لا اكذب !!

-المحقق : سوف نكمل التحقيق معك في المخفر
-أبو رائد يقترب من زوجته معاتباً : عليك اللعنة !! كم عائلة حرمتيها من اطفالها ..قولي كم ؟!!

و هنا يتصل المحقق باللاسلكي .. و بعد قليل , يدخل اثنان من الشرطة و يقيدا ام رائد ..

و في وسط هذه الضجة , يستيقظ رائد و يقترب من والديه , و هو يقول بخوف و دهشة :
-ماذا هناك يا أبي ؟! لما الشرطة تأخذ أمي ؟!

فيحضن ابنه و هو يبكي : سوف تذهب أمك في رحلةٍ صغيرة يا حبيبي , لا تقلق .. ستعود قريباً 

***

في صباح اليوم التالي ..و بعد الإنتهاء من التحقيق مع المتهميّن طوال الليل .. تبين أن أم رائد كانت تخدّر الطفل فور خروجه من المدرسة , ثم تضعه في سيارتها و تقوم بتسليمه إلى الرجلين اللذين بدورهما ينتظران حلول منتصف الليل ..

و يقوم أحدهما بحمل الطفل و ادخاله من السرداب السرّي الموجود في الباحة الخلفية ..بينما يقوم الآخر بتغطية المدخل بالحجارة .. ثم يدخل الأخير من الباب الأمامي للمنزل , و يغلق الباب خلفه..

و اعترف المجرم : بأن ادخال الأطفال المخطوفين من السرداب هو طريقة أسلم , لأنه غير مرئي بالنسبة لنوافذ المباني المجاورة بخلاف مدخل البيت المكشوف للجميع .. كما انهم حفروه للهروب منه , في حال تم كشف جريمتهم و تطويقهم من قبل الشرطة

و تبين أيضاً أنهما يتاجران بالأعضاء , داخل السوق السوداء .. و أن الطفل الوحيد الذي تم إنقاذه , هو نفسه الطفل سعيد الضائع منذ يومين

و أما عن الظلّ الذي رآه رائد في الليلة الأولى , فهو كان ناتج عن شجارٍ وقع بين المجرمين ..فقام أحدهما بإطلاق النار على الآخر ..و ان سبب انعكاس صورتيهما الذي ظهر لرائد في عتمة الليل , هو بسبب المصباح اليدوي الذي كان في يد القاتل .

أما عن الظلّ الذي رآه في المرة الثانية : فكان ظلّ الطفل سعيد و هو يحاول الهرب من القبو السرّي .. لكن المجرم استطاع الإمساك به , و سحبه من جديد الى الداخل ..و كان سبب انعكاس الصورة هذه المرة : هو بسبب الضوء الخارج من القبو ..

كما تبين أيضاً أن أم رائد : هي من خدّرت طفلها رائد لتعيده إلى السرير , و تخبره في اليوم التالي أنه كان يحلم … لكن قدوم الشرطة المفاجىء جعلها تتركه مكانه .

أما رائد و الذي يجهل مصير أمه .. فكان كل يوم يسأل والده عنها , و هو يبكي بشوق لفراقها 

فيرد والده عليه بحزن : سوف تعود لنا , يا عزيزي .. ستعود قريباً !

تاريخ النشر : 2016-02-19

حمزة عتيق

فلسطين
guest
88 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى