أدب الرعب والعام

جارتي في القبر

بقلم : عاصم – مصر

جارتي في القبر

كنت أجلس كالعادة يومياً مُتّكأ في قبري , مُلتحِفاً بكفني الذي بُليَ من طول الدهر ..و إذّ بباب القبر يدقّ !

فمددّتُ يدي أفتحه بمشقّةٍ بالغة .. فمنذ سنوات لم يُفتح القبر , بعد إن دُفنت فيه ..

و كان هناك إمرأه تقول لي :
-هل يمكنك أن تدخلني ؟

فسمحت لها .. فدخلت تحبو .. ثم جلست امامي , و قد بدا عليها طول السهر ..
فسألتني مباشرةً : ما أسمك ?

فأجبتها : عاصم .. ثم ردّدت عليها السؤال : و أنتِ ?
فقالت : انا شيماء ..

-و من أين أتيتِ يا شيماء ?
-أنا جارتك , من القبر المجاور

-لقد ظننت بأن هذه المدافن ستبقى خالية للأبد
-أأفهم من هذا , إنك تشكو الوحدة ؟

-بالطبع !! فقد متّ منذ سنين , و بقيت هنا لوحدي ..و أنتِ متى جئتِ ?
-لقد دفنوني منذ أيام فقط , و قد سمعت أصواتاً قادمة من قبرك , فخرجت لعلّي أجد من يؤنس وحدتي .

-و كم كان عمرك يا شيماء حين متِّ , و كيف كان ذلك ?

-حسناً سأجيبك .. (تمازحه) .. مع إنه ليس من الّلائق أن تسأل سيدة عن عمرها .. أنا في الخامسة و العشرون , و قد متّ في حادث سيارة .

-أنا آسف لكِ .
-لا عليك .. و ماذا عنك ؟

-كنت حينها في الأربعين من عمري , و قد متّ منتحراً .
-اوو ! هذا مؤسفٌ حقاً .

-لا تأسفي , فقد إنتحرت تدريجياً .
-شيماء (بدهشة) : و كيف يكون هذا , سيد عاصم ?!

-لا تستغربي .. فقد كنت أحب فتاة , ماتت جرّاء سرطان الدم ..فأسودت الدنيا في عينيّ , و عزمت على اللحاق بها .. و بحكم خبرتي العملية , فقد كنت طبيباً ..
أستخدمت عقار يسمى ( …الصوديوم ) كنت أصفه كثيراً لحالات السرطان , و لبعض اليائسين الذين لا امل من شفائهم .

-شيماء بصدمة و بسخرية : إذاً أنت قاتل ؟! .. يا سلام !! انه لشيءٍ مُطمئنٌ بالفعل
-و لما انت قلقة ؟ فأنا لا استطيع اذيتك , لأننا اساساً ميتون

-آه صحيح ! ..لا ادري لما كلامك وتّرني
-عاصم : و مع هذا , يبدو انك ما تزالين منزعجة ؟!

-هذا ليس بسببك , لكني مازلت الى الآن لا أصدّق بأنني متّ ! و بأن اهلي تركوني مدفونة بهذه الحفرة الضيقة البائسة ! .. آه كم اودّ ان ارى أصدقائي ..و كل متعلّقاتي من هاتفٍ و حاسوب و تلفاز .. و بالتأكيد لا يمكنني نسيان حبيبي

-عاصم : حسناً , هوني عليك .. ستعتادين على هذا .. إنها مسألة وقت فحسب ..أما عن أشيائك , فلعلّي أستطيع تدبير بعضاً منها من أجلك.

-شيماء متفاجئة : أحقاً ؟!! عاصم , يالك من رجلٍ نبيل .
-شكراً لكِ ..و الآن هل جاءكِ ملائكة العذاب , ام ليس بعد ?

-شيماء بقلقٍ و خوف : نعم , لكن لم يبدأ حسابي .. فقد أخبروني : بأنهم سينظرون في صحفي و مجلّداتي , ثم سيأتون إليّ بعد أيام ..أنا مرتعبة حقاً .

-و لما انت فزعة , هل كنت من الأشقياء ?!

-شيماء : إممممممم , ليس فعلاً ..و لكن هناك أشياءً فعلتها كانت محرجة حقاً , و اخرى قبيحة ..كما ان حسناتي ليست بالشيء الكثير الذي يجعلني أفخر بها !

-و ماذا اقول انا .. إنه لأمرٍ مفزع !
-شيماء : طيب و ماذا فعلوا بك عندما قدموا اليك ?

-عاصم بحزن : اُفضّل ألاّ أتحدّث عن هذا الآن .
-حسناً لا عليك … آه تذكّرت !! هل علمت شيئاً عن موعد النفخ في الصور و القيامة ?
-هذه اموراً غيبية يا شيماء , لا احد يعرفها

-انه لأمر مربك و محيّر , و مضجر أيضاً إلى أبعد حدّ … لكن أخبرني يا عاصم , كيف تقضي يومك هنا ?
-عاصم : إنا اقوم ببعض …….

و إذّ بباب القبر يُفتح ! و يُجَرّ عاصم من قدميه الى خارجه .. بحيث تزامنت صرخته مع صرخة شيماء الفزعة , التي هزّت لها جدران القبر ..
فزمّت عليها كفنها و هي تنوح , واضعةً رأسها بين ركبتيها .

تاريخ النشر : 2016-02-28

عاصم

مصر
guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى