أدب الرعب والعام

لحظات !

بقلم : **ياقوت الشرق** – مصر

لما نتجاهل حقيقة الموت ؟

يرتجف بدني ، تضطّرب خواطري ، يضيق صدري و تتورّم اطرافي , أنه الموت لا محالة جاء ليصطحبني على بساطه السرمدي ، بعد مضيّ العمر و الذكريات..

و هاهو شريط حياتي يمرّ أمام عيناي : ضحكاتي ، دموعي ، احبابي ، أعدائي , نجاحي و فشلي , جميعها لحظاتٍ سُرِقت من رصيد عمري…

و انا الآن أجهّز ترحالي لأغادر عالمي , الذي عهدته منذ اللحظة الأولى لميلادي .. أنها حتماً قيلولتي الأبدية !

كم اشفق اليوم على عينايّ , اللتان تتقلّبان يُمنةً و يسرى في محاولةٍ يائسة منها لحشد أكبر قدرٍ من اللحظات الأخيره , لأصطحابها معي .. و كأنها لم تملّ طوال هذا الدهر , من كمّية الحشد و التخزين !

كم غريب أن يتجاهل الإنسان فكرة الموت , رغم انها اكثر الحقائق المؤكّدة التي ستحدث لنا عاجلاً ام آجل ؟!

فلو اقتنعنا من الوهلة الأولى ان حياتنا كرحلة قطار , ولوّ استوعبنا على الأقل تلك الحقيقة ! لتجهّزنا لما بعد وصولنا للمحطة الأخيرة.. و لأعددنا الأفضل لرحلة ما بعد الموت !

فالموت هو القانون السائد على الجميع , هو الحقيقة المطلقة .. و رغم بزوغها كالشمس , لكننا ننساها او بالأحرى نتناساها , و نحيا الحياة كما لا ينبغي لنا أن نحياها..و لا نذكر الموت كما ينبغي ان نُحيّ ذكراه , الواقعة حتماً لا محالة

كم يومٍ مرّ من عمري ؟..و كم شهر ؟..و كم سنة ؟!.. كم مرّة تذكّرت فيها انني كائن سيُفنى بعد مضيّ الأجل ؟!..لعلّها مرّاتٍ معدودة , قبل ان تُشغلني الحياة عن التفكّر فيها .

والآن !! و هآ انا ذا على فراشي , استعدّ للقاء هذا الشبح الخاطف كما صوّرتهُ دائماً لنفسي ..و تتأهّب روحي لهجران جسدي بعد سنين من الرفاق .. و اليوم سيفكّ الوثاق ..و ستلتفّ الساق بالساق .. و الى ربي سيكون المساق..

ماهي الاّ لحظات من الألم و الأنين.. تتبعها راحة ابدية ..”سرمدية خالدة”..

تراني ماذا أرى الآن ؟! بعد أن أصبح بصري حديد ! .. أنه نفق يشعّ منه ضوءٌ شديد.. تأوى إليه أرواح الموتى الأشباح..

لكن لما الخوف ؟! فلعلّ الأزهار على مشارفه و الزركشة العجيبة على أبوابه , و رائحة الطيب تنفذ منه ، و الطمأنينة تحويه ! كل هذا سيجعلك حتماً في شوق لسلوكه مع السالكين ..

مهلاً !! الم اتحرّر بعد ؟! .. كم انا متشوّقٌ للذهاب , متشوّقٌ لرحلتي الثانية و الأخيرة..

يااه ! انظروا هناك !! انهم يحلّقون كالطيور بلا اجنحة !.. يضحكون و يمرحون .. يبدون في سريرتهم مرتاحون !.. و بمن في الأرض غير مبالين !..يتراقصون بالعراء , بأثوابهم البيضاء و الخضراء السندسية ..و بأجسامهم المضيئة .. و بأصوات تكبيراتهم الشجيّة !..

لحظة ! .. هاهي ذا روحي في الطور الأخير من التحرّر , من ذاك الجسد المادي المعتمّ .. و مازال امامي لحظات من النبضات المتسارعة و الشهقات !!

آخ .. أيّ .. آآآه !!! …. نعم هاهي ..هاهي روحي تخرج !! .. سأحصل على الراحة الأبدية بعد قليل !

آآآآآآه !!!!
————

♡تحرّر الكيان عن الأبدان

♡أصبحتُ حرّاً بلا احزان

♡و تراقصت روحي بين الأكوان

♡ يمرّ بنفقٍ تخرج منه الألحان

♡تكبيرات و تهليلات تعبق بالوجدان .

تاريخ النشر : 2016-03-01

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى