أدب الرعب والعام

اوهام في الجحيم

بقلم : ايلاف -العراق
اوهام في الجحيم
انتزع قلبي من صدري بمنقاره و ابتلعه
سكينٌ تقطّع كل جزءٍ من جسدي ، عظامي تصرخ من الألم ، أين أنا ؟! ..المكان مظلمٌ جداً ، مددّت يدي و بدأت أزحف على الأرض الباردة جداً , و كأنها منحوتةٌ من الجليد ..
أحسست أنني داخل إحدى الكهوف ..

لحظة ! هناك أصواتاً غريبة .. يبدو انني لست لوحدي هنا.. لكن ما الذي أتى بي إلى هذا المكان ؟!
حاولت أن أهدأ , و بدأت أحاول أن أتذكّر آخر الأحداث التي صارت معي..

هناك مثلاً قديم يقول : ((أن النار تبدأ من مستصغر الشررّ)) و هذا المثل صحيح , لكن الأصح أن هنالك أشياءً ليس لها تفسير على الإطلاق ..ايّ ليس لها أي سبب كيّ تحدث ..
مجرّد أنه مقدرٌ لها أن تحصل .. لكن كيف و لماذا ؟ فليس هذا مهماً , و لا يجب أن نسأل عنه 

اسمي أمين , و أنا في العقد الثالث من العمر .. أعيش في قريةٍ صغيرة , و أعمل محاسباً في إحدى المتاجر ..

و في يوم كنت عائداً إلى المنزل متأخراً , و كانت الساعة حوالي الواحدة بعد منتصف الليل ..و كان الجو بارداً لدرجة انني كنت أرتجف من شدة البرد ..

فحاولت أن أسرع الخطى كيّ لا أتأخر أكثر .. و كنت أسير بمحاذاة الطريق السريع الذي كان مظلماً تماماً , و قد خلت طرقاته من السيارات ..

و فجأة !! رأيت ضوءاً سطع في عيني ! إنها سيارة و كان ضوئها قوياً جداً ، و لا أعرف لما أحسست بحقدٍ تجاه الجالسين في تلك السيارة !!

فأمسكت بحجرٍ صغيرٍ و عندما اقتربت السيارة مني , رميتهم بالحجر .. لكن ما الذي حصل بعد ذلك ؟! حقاً لا أذكر !

فكل الذي أذكره أن السيارة تحوّلت إلى غرابٍ أسود كبير بحجم السيارة ، قبيح الشكل كأنه مخلوقٌ من الجحيم ..ثم حلّق الغراب في السماء ، و طار بعيداً حتى أخفى القمر وراء جناحيه !

و فجأة !! صرخ صرخةً مخيفة جداً ، كانت أقوى صرخةً سمعتها في حياتي , و يستحيل أن تكون صرخة غراب !
(أنا لن أنتظر !! يجب أن أهرب من هذا الشيطان !)

جريت بكل ما أوتيت من قوة , و الغراب يصرخ من فوقي و كأنه يناديني , ثم صرت أشعر به و هو يقترب مني تدريجياً .. و لمحت مخالبه الحادة من فوقي , فرفعت رأسي إليه و شعرت بأن قلبي سيتوقف من الخوف , خاصة حين قابلت عيناه , اللتان كانتا حمراوين بلون الدم و الشررّ تتطاير منهما ..

فحاولت الهرب منه ، لكني اصطدمت بحجرٍ على الأرض و بدأت أتدحرج كالكرة بسرعةٍ رهيبة ، حتى امسى جسدي مليئاً بالجروح و كان الألم فظيعاً ..

حاولت أن أقف بسرعة , لكن الغراب لم يعطني فرصة .. فهجم عليّ !! بمخالبه الكبيرة التي الصقتني بالأرض ..و آخر شيءٍ رأيته كان منقاره و هو يتجه ناحية رأسي ..
و من ثم حلّ الظلام ! و كل شيءٍ اختفى , و حلّ بداله الصمت و الهدوء !

ثم وجدت نفسي هنا ، في هذا المكان الغريب !
حتى الآن لم أصل إلى تفسير ! لماذا أنا هنا ؟

لحظة !! .. لقد بدأ المكان يشعّ بالنور ! لكنه ليس نور مصباح , إنما الجدران نفسها بدأت تشعّ بنورٍ خفيف !
على الأقل هذا جعلني ارى المكان الذي انا فيه , لكن للأسف ما رأيته جعلني اخاف اكثر..

فقد كان هناك ثلاث رجالٍ مرميين على الأرض , و يبدو من ملامحهم أنهم مرعوبين مثلي ! و كنا جميعاً داخل غرفة صغيرة , يشعّ من جدرانها نوراً يتراوح بين اللون الأحمر و الوردي ..

و كانت الغرفة فارغة , و ليس فيها قطعة أثاث واحدة .. بل الأسوء انها كانت غرفة من غير أبواب ! .. إذاً كيف دخلنا اليها ؟!

ثم تجمّعنا نحن الأربعة بوسط الغرفة , و جلسنا على شكل دائرة .. و كان الشيء المشترك بيننا هو أننا جميعاً خائفون , و لا نعلم كيف أتينا إلى هنا ..كما هناك شيئاً آخر نشترك فيه , لكنكم ستعرفونه عند نهاية قصتي

و بدأ أول شخص من الثلاثة بالكلام , و قد كان شاب في العشرين من عمره , و يبدو من طريقة كلامه أنه متعلّم تعليماً أجنبياً , كما واضحٌ من ملابسه و كميّة الخواتم الثمينة التي في يده بأنه غني ..و قال الشاب :

-اسمي سمير , و عمري عشرون عاماً .. هل تعرفون الذين يولدون و في أفواههم ملعقةٌ من الذهب ؟ أنا من هؤلاء الأشخاص .. درست في الخارج , ثم عدت إلى الوطن منذ حوالي سنة تقرياً .. و لا أعرف كيف أتيت إلى هنا ! لكني سأقصّ عليكم ما اتذكّره من احداث ..

يقولون أن الإنسان يشعر بميعاد موته قبل أربعين يوماً , و أنه يكون ميتاً في الأساس لكنه لا يشعر بذلك ..

كنت حينها عائداً من سهرةٍ جميلة .. سهرة من السهرات التي يكون فيها العديد من الأمور سواءً جيدة ام السيئة .. ليس هذا هو المهم ، المهم أني كنت أفرح و أرقص و استمتع بوقتي ..

و عندما عدت إلى المنزل , استلقيت على السرير و غرقت في نومٍ عميقٍ .. آه نسيت أن أخبركم , بأني أعيش بمفردي في بيتٍ كبير ..المهم نمت و استيقظت دون ان اعلم كم ساعة قضيتها في النوم ..

كل ما اذكره انني استيقظت على صوتٍ يناديني : يا سمير !! يا سمير !!

كنت اعرف صاحب الصوت .. إنه صوت والدي !! أنا متأكّد أنني سمعت صوت والدي ، لكن والدي ميت ! نعم هو ميت منذ حوالي سنتين ..

ثم سمعت صوت طرقٍ على الباب , فصرخت بصوتٍ عالٍ :
-من أنت ؟ من الذي ينادي ؟

لأسمع صوت والدي بشكلٍ واضح يقول :
-يا سمير !! افتح الباب , أنا أبوك
– أبي ! و لكن كيف ؟!

فأحسست بكل شعرة من جسمي تقف بسبب الدهشة الممزوجة بالخوف !

و سرت ناحية الباب الحديدي المغطّى بزجاجٍ ملوّن ، و الذي من خلاله استطعت رؤية الخيال الذي كان يقف خلف الباب ، و كان خيال يتحرّك بصورة غريبة ، و كأنه يتموّج كأمواج البحر !

مستحيل أن يكون والدي هذا الشيء ، أكيد إنه جني أو شيطان متجسّد بهيئة والدي .. و بدأت أتراجع الى الوراء بحذر , فبدأ هذا المجهول ينسحب من وراء زجاج الباب ..

لكنه لم يكن يبتعد , بل كان يزحف من تحت عتبة الباب ! …كان اللعين يدخل إلى بيتي !! ثم بدء يتجمّع من جديد و يتشكّل أمامي ! فحاولت أن اهرب , لكني أحسست بقدمي تجمّدت في مكانها !

-تباً !! لا أستطع الحراك !

و صار الخيال يتجسّم أكثر , حتى أصبح على هيئة والدي ! لكن ذاك لم يكن ابي , بل نسخة قبيحة عنه ..

ثم مدّ يده نحوي و قال : سمير هيا !! تعال إلى حضن أبيك ..

في هذه اللحظة أحسست بالدم يتجمّد في عروقي , و أحسست بدوارٍ و صداعٍ رهيب , ثم أغشي عليّ ..

و عندما فتحت عينايّ وجدت نفسي على سرير مستشفى , و جسدي متصل بأجهزة كثيرة ..و والدتي تجلس بجاني ، و على وجهها آثار البكاء .. فسألتها : ما الذي جرى ؟

فقالت : البارحة لم تجب على اتصالاتي المتكرّرة , فقلقت عليك ..و ذهبت فوراً إلى منزلك ..
و عندما دخلت , رأيتك ملقى على الأرض و كان مغشياً عليك .. فاتصلت على الإسعاف , الذين نقلوك إلى هنا .

ثم دخل علينا الطبيب , و كان يحمل بيده أوراقاً و تحاليل كثيرة .. و قال بصوتٍ يخلو من المشاعر :
-للأسف ! لديّ أخبارٌ سيئةٌ ..فقد اكتشفنا مرضاً نادراً في قلبك .. و اظن انك ..

فنظرت إليه و قاطعته قائلاً : هل تقصد أنني سأموت ؟!
قال : الأعمار بيد الله ، لكن الطب يقول أن لديك أسبوعاً و ستوافيك المنيّة .

فنزلت كلماته كالصاعقة عليّ و على امي المسكينة التي انهارت بالبكاء , بينما اكتفيت انا بالدهشة الناتجة من صدمة الخبر ..
و صرت اردّد في داخلي : أنا أموت !! هل حقاً ستنتهي حياتي قريباً ؟!

و في هذه اللحظة فهمت لما استطعت رؤية والدي المتوفي .. يبدو ان ما سمعته عن روح الإنسان التي تسبقه بأربعين يوماً , صحيحة ! .. يعني روحي التي سبقتني الى الموت , استطاعت بالفعل مقابلة روح والدي !

و هنا اقترب الطبيب مني , و قال :
-لكن يظلّ هناك أمل …

فأحسست و كأني غريق قُذف له طوق النجاة ، فأسرعت بالقول :
-و ما هو , يا الطبيب ؟ فالنقود ليست مهمة ، المهم أن أعيش !!

فقال لي : الحل الوحيد هو أن ننقل اليك قلباً حياً ، لكن هنالك مشكلة !! فمسألة الحصول على قلب من نفس فصيلة دمك صعبة للغاية , لكن لا تقلق لديّ حلّ .

قلت له : كيف ؟!
فقال : و هل أنت مستعد لدفع ربع مليون دولار ؟

فقلت : مستعد طبعاً !!

قال : حسناً اذاً !! فهناك أناساً يستطيعون جلب القلب الذي يناسب حالتك ، لكن هذا سيبقى سرّ بيني و بينك .. (و بحزم) .. افهمت !!

بالطبع فهمت قصده , فهو يبدو انه متورّط في تجارة الأعضاء مع عصابةٍ ما , تخطف الناس الفقراء او المشرّدين ليقتلوهم لاحقاً بعد ان يسرقوا أعضائهم ..
لكن كل هذا لا يعنيني .. المهم أن أعيش !!

فوافقت على اقتراحه .. و تمّ تحديد موعد العملية التي ستكون بعد ثلاثة أيام .. لكن ليس طبيبي من سيقوم بها , بل طبيب ثاني متخصّص بهكذا عمليات..

و كانت ليلة العملية , ليلة لا تنسى .. فقبل ان ادخل للعملية ..

نهضت فجأة ! على صوت طرقٍ على الباب , و سمعت صوت أناسٍ تنادي عليّ و كان صوتهم أجشّ و مزعج ..

فصرخت بأعلى صوتي :
-ابتعدوا عني !! ابتعدوا عني !!

لكن الأصوات التي تناديني بدأت بالإزدياد أكثر فأكثر , و فجأةً حلّ الصمت الرهيب على المكان ! و انطفأت الأنوار و اصبح المكان مظلماً ..

لكن بالرغم من هذا , استطعت بوضوح رؤية امرأة سوداء , وجهها كان محروقاً بشكلٍ فظيع , و ما تبقى من شعرها المحروق يتطاير في كل اتجاه ! ..

ثم طفى جسمها في الهواء , حتى استقرّت فوقي تماماً عند سقف الغرفة ..

يمكنكم تخيّل المشهد : أنا على السرير , معلّق بالمحاليل المتصلة بجسدي , و فوق رأسي شبح امرأة سوداء بوجهٍ محروق ..

و هنا !! مدّت يدها نحوي و كأنها تريد أن تسحبني معها !

فبدأ جهاز نبضات قلبي يصدر إنذاراً , بأن قلبي على وشك أن يقف ..و كنت حينها اشعر بأنني أموت فعلاً .. لكن فجأة عادت الأنوار ! و اختفى ذلك الشبح ..

و دخلت الممرضة و الطبيب المراقب الى غرفتي , يبدو انهم سمعوا ايضاً صوت الإنذار ..ثم اجرى الطبيب بعض الصدمات الكهربائية على قلبي ..

و ما هي إلا دقائق حتى عاد قلبي ينبض من جديد ..

ثم اخذوني سريعاً الى غرفة العمليات .. و آخر شيء اذكره هو الطبيب الذي وضع قناع التخدير فوق انفي .. و اذكر انني سمعته و هو يتحدّث مع الطبيب المسؤول عن عمليتي , و كانت اصواتهم لا تخلو من التوتر !

و من ثم حلّ الظلام عليّ من جديد .. و من بين الظلام ظهر فجأة ! غراب من نار ، يبدو و كأنه قادم خصيصاً لأجلي ..

حاولت أن أهرب منه , لكنه هجم عليّ و غرز منقاره في صدري .. و رأيته و هو ينتزع قلبي مني بمنقاره , ثم ابتلعه و هو غير مبالي بصرخاتي الفزعة , و كأنه يستمتع بتعذيبي ..

ثم اختفى كل شيء من حولي , لأجد نفسي هنا بينكم ! .. هذه هي حكايتي , و هذا كل ما أتذكّره ..

انتهى سمير من سرد حكايته , لكنه لم يقل ايّ شيء يمكنه أن يفيدنا !

… يتبع

اشراف :
حمزة عتيق

                         تاريخ النشر : 2016-03-12

guest
11 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى