أدب الرعب والعام

الكتاب من الجحيم

بقلم : مصطفى جمال – مصر

احمرت عيناه و اسود جسده و ظهرت مخالبه المشتعلة و ظهر قرناه

يومٌ كئيبٌ آخر ، الأمطار تهطل بكثرة و البرق و الرعد يخيفان المارة و الضباب انتشر في كل الأرجاء ، عاد إلى البيت كئيبا كعادته و رمى سترته السوداء على الكرسي و جلس ينظر إلى القمر و كأنه ينتظر شخصاً ما ، و هنا أُطفئت الأضواء من تلقاء نفسها و أُشعلت الشموع ترحيباً بهذا الشيطان الأسود عند الباب ، و قال الشيطان ..

– هل يمكنني أن ادخل ؟؟
– الشاب : أنا لا أعرف لماذا تستأذن قبل الدخول ، أنت شيطان بعد كل شيء .
– الشيطان : أنا شيطان و لست مقتحماً .
– الشاب : ماذا تريد مني ، لقد قلت لي منذ عشر سنوات أنك ستحقق لي خمس أماني صحيح ؟
– الشيطان : أجل ، لكنك لن تستطيع تغيرها .
– الشاب : بل يمكنني أن أبدلها .
– الشيطان : و ماذا تستطيع أن تفعل فأنت مجرد فانٍ ، مخلوق من طين و أنا شيطان عظيم مخلوق من نار !
– الشاب : يمكنني فقط أن اكتب رسالة إلى سيدك اخبره فيها بما كنت تخطط .
– الشيطان في عقله ” انه بعد كل شيء إنه نصف بشري ، أظن أنه ورث أساليب التحديد منهم لكنه لم يرث المشاعر ”
– الشيطان متوتراً : ح…حسنا لكن لا تخبر سيدي و سأحقق لك عدد لا متناهي من الأماني لكن يوجد بعض الاستثناءات و لن استطيع أن أحققها لك الآن ، لكن كما اتفقنا ستساعدني في خطتي للوصول إلى مجلس الشياطين الخمسة ؛ لكي أكون الشيطان السادس ، حينها يمكنني أن أحقق لك كل شيء .
– الشاب : أريد أن امتلك المشاعر .
– الشيطان : لكن هكذا لن أصل إلى المجلس !!
– الشاب : أعطني مشاعر مؤقتة .
– الشيطان : حسناً سأعطيك مدة سنة واحدة ، أظن أنها تكفي و السنة الجديدة ستبدأ غداً ، سأعطيك المشاعر غداً
– الشاب : غداً سأقابل بعض البشر لأختبر المشاعر .
– الشيطان : حسناً أنا سأذهب الآن
– و قبل أن يذهب قال للشاب : لكن احترس فبعض المشاعر مؤلمة .
***
1/1/2016

استيقظ الشاب لكن هذه المرة شعر بألمٍ في ظهره و ببعض التعب ، حينها علم أنه حصل على المشاعر ، ذهب إلى المحل القديم بجانب منزله ، قام الشاب باستدعاء الشيطان و أخبره أن يحوّل هذا المحل المهجور إلى محل مليء بالكتب ؛ لأنه يريد أن يحوله إلى مكتبةٍ للكتب القديمة ، فقام الشيطان بهذا دون نقاش ؛ لأنه خائف من أن يخبر الشاب سيده بالذي ينوي عليه .

ذهب الشاب ليبحث عن مساعدين لكي يساعدوه في المكتبة و لكي يجرب المشاعر فعلّق الإعلانات و طلب من الشيطان أن يضع إعلان كبير في أكبر ميدان في المدينة و في أكبر الجرائد ، لكن لم يأتي إليه أي أحد فأحسّ بالألم و اليأس و قال في عقله ” المشاعر معقدة فعلاً ، فأنا حتى الآن لم أشعر بأي شيءٍ جيد ، لكنها ليست بهذا السوء الذي وصفه الشيطان “
و فجأة دخلت عليه فتاة جميلة تبدو كالملاك ، بدت له و كأن وجهها يشع نوراً ، أحس ببعض الحرارة تتخلل جسده و قالت له بصوتها الملائكي البريء : المعذرة أنا أريد أن أعمل عندك كمساعدة في المكتبة ؛ فأنا أحب الكتب القديمة .. أحس بحرارة تتخلل جسده و بدئ يشعر بالسعادة فوافق بسرعة و طلب منها أن تأتيه في الغد لكي تعمل ، فوافقت الأخيرة .

أتى اليوم الثاني و ذهب و هو سعيدٌ لمقابلتها ، قام بفتح المكتبة و انتظرها حتى أتت ، قال لها : المعذرة آنستي أنا لم أعرف اسمك !! .. قالت بصوتها الرقيق : اسمي سارة ، أنا أيضاً لم أتشرف بمعرفة اسمك !! قال لها : اسمي يوري ، سكتت قليلا و قالت : اسمك غريب هل أنت من خارج البلاد ؟ قال لها لا ، لكن أبي أجنبي .

انتهى اليوم و قبل أن تذهب الفتاة قال لها يوري : أليس بيتك قريب !! اسمحي لي أن أوصلك لمنزلك آنستي .. فقالت له : حسناً لكن نادني مدام . أحس ببعض الغضب و الحزن لكنه كتم مشاعره ، ذهبا إلى سيارته السوداء التي طلبها من الشيطان سابقاً و بعد أن أوصلها إلى بيتها عاد إلى بيته و قام بمناداة الشيطان بأعلى صوته فظهر الشيطان بسرعة و قال

– الشيطان : ماذا بك ؟؟ لا تصرخ هكذا .
– يوري بأعلى صوته : أريدك أن تقتل زوجها .
– الشيطان : ماذا !! لكن هذه أمنية ممنوعة و إذا عرف أحدهم بأني فعلت هذا فإني سأموت .
– يوري : أنا من سيجعل حياتك قصيرة إن لم تفعل هذا.
– الشيطان : هل أحببتها أم ماذا ؟؟ لقد حذرتك و قلت لك أن المشاعر مؤلمة .
– يوري : اقتل زوجها و إلا قتلتك .

فوافق الشيطان مرغماً ، و ها هو زوجها يحترق بنار سوداء و زوجته تصرخ بأعلى صوتها ، حتى الماء لا يريد إطفاء هذه النار فهي نار من أعماق الجحيم ، مضى أسبوعان و لم تأتي سارة ، اتصل يوري بها فقالت له أن زوجها قد مات ، فأظهر لها حزنه ، أظن أن المشاعر قد جعلته ممثل جيداً .

مضت ثلاثة أسابيع على مقتل زوجها ، اتصلت سارة بيوري لتخبره بأنها لم تعد تستطيع العيش في منزلها لأنها ترى فيه الكوابيس و ترى زوجها في كل مكان ، عرض يوري عليها أن تقيم في الشقة التي تعلو المكتبة فوافقت و باعت بيتها القديم ، في كل يوم تكبر العلاقة بين يوري و سارة و الشيطان يحقق الأمنيات مجبوراً .

كان يوري يريد أن يتزوج سارة فطلب يوري من الشيطان أن يجعل سارة تحبه فقال الشيطان : لا أستطيع فالأمر صعبٌ جداً حتى على أكبر رتب الجن .. و قبل أن يذهب الشيطان سأله يوري : لماذا تختفي بسرعة لما لا تبقى قليلاً ؟ لكن الشيطان اختفى دون أن يجاوب عليه ، أحس يوري بالانزعاج منه و غضب كثيراً لدرجه أن الكتب سقطت من على الرفوف في مقر الشيطان ، كان المساعد الشيطاني ليوري جالساً على عرشه كأنه ينتظر شخصاً ما .

بعد يومين و أثناء تحدث يوري مع سارة دخلت فتاة جميلة تلبس السواد و قالت بأنها تريد كتاباً قديماً لونه أسود و عليه علامة فضية على غلافه عبارة عن كلمات لاتينية و عبرية و رومانية و عربية .. فتح يوري عيناه محدقاً فيها مستغرباً من الوصف ثم قال بنبرة خشنة : لا يوجد عندي مثل هذا الكتاب الآن ، أنا أطلب منك الخروج ..

استغربت الفتاة من نبرته ثم نظرت على يوري بابتسامة تبدو شريرة و خرجت و كأنها ترسل ليوري رسالة و قد فهمها يوري ، في اليوم التالي أتت الفتاة لطلب العمل لكن يوري رفض و أصبحت تأتي كل يوم لطلب العمل و يوري يرفض حتى جاءه الشيطان و اخبره بان يجعل تلك الفتاة تعمل لكي تدخل الغيرة جسد سارة و بعدها تعترف بحبها له .

في اليوم التالي وافق يوري على أن تعمل الفتاة في المكتبة و سألها عن اسمها فقالت : اسمي زينب .. و بدأ يوري بالادعاء بحب زينب لدرجة أنه أحبها حقا ، في عرين المساعد الشيطاني ليوري كان الشيطان ينتظر قدوم شخص ما لتدخل زينب و هي ترتدي ملابس سوداء كسواد الليل تشبه ملابس الرهبان ، فيقوم الشيطان لتجلس زينب من ثم تطلب زينب من المساعد الشيطاني أن يغري يوري لكي يعجب بها لكي تصبح هي زوجته فينحني الشيطان و يقول : أمرك يا مولاتي .

ثم يذهب الشيطان إلى يوري ليغريه ، قال الشيطان ليوري : لقد اكتشفت شيئا خطيرا ، أن سارة تعمل عند وريث إبليس لتمنعك من الوصول إلى والدك ، فيقول يوري : كيف عرفت هذا ؟؟ قال الشيطان : كنت أشك بها فذهبت للتجسس لأكتشف أنها تتكلم مع اللورد ” باثن ” لاتفاق على هزيمتك ، يجب أن تقضي عليها قبل أن تقضي عليك ..

هذا ما قاله قبل اختفائه ، قال يوري داخل عقله : يجب علي أن أتأكد أولا قبل ان اقتل سارة ؛ فانا اعرف ان هذا الشيطان لا يقول الصدق أبدا ، في اليوم التالي كان كلا من سارة و زينب في المكتبة و قال يوري امام الجميع : زينب لا طالما أحببتك و أريد الزواج منك .. و فجأة ابتسمت زينب ابتسامة تدل على الشر و السعادة في آن واحد ، تفاجأت سارة و طلبت الرحيل لأنها لا تشعر بالراحة فوافق يوري .

بعد أن حل الليل اقفل يوري المكتبة و ودع زينب بكل حرارة لأنه سيتزوج بعد أسبوع ، و هو ذاهب أحس بشخص يتبعه فظن بأنه أحد أتباع ” لوسيفار ” فتوقف يوري و بدأ بالتحول إلى شكله الحقيقي ، احمرت عيناه و اسود جسده و ظهرت مخالبه المشتعلة و ظهر قرناه ، و عندما أدار رأسه تفاجأ باللورد ” باثن ” قال يوري بصوت مخيف : ماذا تريد مني أيها الحقير ؟؟
قال اللورد باثن : أريدك ان تأتي معي إلى دائرة النار و اذا رفضت يوجد جيش من عبدة الشيطان موجودين في كل مكان هنا أتفهم ؟؟ فوافق يوري لكن قبل أن يذهب ظهر تابعه الشيطاني و قال ليوري : لا تذهب معهم فهو سيرسلك إلى سارة ، إنهم يريدون استغلال دمائك .. لكن يوري لم يستمع إليه و قال له : إذا كان كلامك صحيح فأنا أريد الذهاب إلى هناك لأتأكد من صحة كلامك..

لم يستطع المساعد الشيطاني منعه فقال : حسناً سأذهب أنا لكن تأكد أني حذرتك من الذهاب معهم .. لكن قبل ان يذهب قال يوري : لا لن تختفي هذه المرة بل ستأتي معي ..
ثم ظهر ماردان و أمسكا بالمساعد الشيطاني ثم ذهب يوري و مساعده مع اللورد باثن و كانت توجد ابتسامة شريرة على وجه يوري ، وصلا إلى دائرة النار في بضع ثواني و عندما وصلوا كانت سارة جالسة على عرش وراءه تمثال للوسيفار و يوجد صفوف من الأشخاص يلبسون ملابس سوداء كملابس الرهبان يمسكون بالمشاعل .

دخل يوري ثم قال لها : تبدين جميلة بملابس الرهبان السوداء .. ثم اطلق ضحكة قوية اهتز المكان كله بسببها ثم احمرت عيناه و قال لها : الان ماذا تريدين مني ؟؟ أن ادمر هذا المكان باكمله ؟؟ قالت سارة : اريد ان نقوم بصفقة ، اريدك ان تحضر لي كتاب أبيك مقابل ان اقتل زينب .. فقال لها : أنت تعرفين أن السفر إلى الجحيم يحتاج كأسا من دماء نصف بشري و نصف شيطان ..
قالت : و لهذا طلبت هذا منك ، لانك اقوى جنسك ، لان دمائك مميزة عن البقية .. قال لها : تقصدين ابي ، حسنا .. ثم قامت سارة برسم نجمة خماسية و كتبت بعض الحروف العبرية و اللاتينية و العربية .. ثم قامت باخذ السيف الاسود الموجود على التمثال و قامت بجرح يوري لينزف دماء حمراء شديدة السواد ، و ملأت كأسا منه و سكبته على النجمة لتفتح بوابة سوداء مشتعلة ثم قفز يوري و المساعد الشيطاني إلى الحفرة و اصبحا يسبحان في الحمم حتى وجدا ليليث .

اخبرتهما بصوت مخيف : من انتما وماذا تريدان ؟؟ فقال يوري : اريد ان اقابل ابيذهبت ليليث .. دون ان ترد عليه فقال له المساعد الشيطاني : انا ابنها ، يمكنني ان اقنعها .. فقال يوري مستغربا : كيف تكون ابنها و هي لا تعرفك ؟؟ فقال : الشيطان ليليث هي ام لوسيفار و انا اكون ابنها من شيطان آخر ، لكنها قتلته ثم ارسلتني إلى الأرض مثل بقية الشياطين لهذا هي لا تتذكرني ..
فذهب المساعد الشيطاني إلى ليليث ليقنعها و دار بينهما هذا الحديث

– الشيطان : امي الشخص في الخارج هو يوري
– ليليث : انا اعرف .
– الشيطان : اذا لماذا قمتِ بطرده ؟
– ليليث : لانه ابن زوجي من بشرية فانية ..
– الشيطان : الا تريدين ان يكون ابنك من مجلس الخمسة ؟؟
– ليليث : اجل .
– الشيطان : و يوري هو الطريق إلى المجلس ارجوكي ارشدينا إلى مولاي ..

فوافقت ليليث و هي مرغمة غاضبة ، ظلو يغوصون في اعماق الجحيم حتى وصلوا إلى عرش الملك الأعلى للشياطين و عندما وصلوا إلى القصر دخلوا و كان مكان موحش مظلم مليء بالتماثيل المخيفة و كان في نهايته عرشا يجلس عليه اسوء ما يمكنك رؤيته ، اقترب يوري منحنيا و قال سيدي ابليس هل تعرف من انا ؟؟ فرد ابليس : اقترب يا بني و قل لي ما تريده ؟؟ ابتلع يوري لعابه ثم قال : اريد الكتاب فقام ..

ابليس و اهتزت الارض و قال : انا لم اعطي الكتاب إلى لوسيفار و اعطيه لك !! اذهب و لن اعطيه لك .. فرحل يوري لكن الشيطان لم يذهب فلقد امره يوري بان يسرق الكتاب لانه الوحيد الذي يمكنه أخذ الكتاب ؛ لانه الابن الاصغر لليليث و اصغر الشياطين سنا فيمكنه الاقتراب دون ان يراه ابليس ، و عندما كان ابليس يراقب المجلس اغتنم الشيطان الفرصة و سرق الكتاب و استطاع ان يخرج من الجحيم بمساعدة ليليث ، ثم قدم الكتاب إلى يوري .

فقال يوري لسارة : انت البشرية الوحيدة التي تستطيع استخدام الكتاب لانها من قامت بالخطيئة مع الشيطان و اعطاها الاوامر بان تاتي في الغد برفقة الكتاب .. و عندما رحل يوري قال له الشيطان : لماذا تريد قتل سيدتي زينب ؟؟ قال له الست تريد الذهاب إلى المجلس ، لكي تكون من المجلس عليك ان تقتل واحدا من المجلس ..

فقال له الشيطان : و ما علاقة هذا بزينب ؟؟ قال له : لان زينب هي ليموناي و هي عضو في المجلس اذا قتلتها و ارسلتها إلى أعماق الجحيم ستصبح عضوا في المجلس ، حينها سترسلني إلى أبي .

في اليوم التالي و آخر أيام ديسمبر أتت سارة إلى المكتبة و كانت زينب في انتظارها و كانت ابتسامة بادية على وجهها ، كشفت زينب عن شكلها كالأفعى ثم انقضت على سارة ثم نطقت سارة بالتعويذة في الكتاب لتحبس ليموناي لتحترق ليموناي و تذهب إلى الجحيم ، حينها أصبح المجلس ينقصه شخص ، لم يكن هناك خيار غير اختيار المساعد الشيطاني لكن فجأة جاء يوري وقال لإبليس أن هذا الشيطان هو من سرق الكتاب ، فنظر إليه كل من في المجلس فاستدعو اللورد بيليل إله الجحيم ليحدد مصيره ، و كان مصيره الموت حرقا .. فمات الشيطان مصدوماً من الخيانة .
بالنهاية جلس يوري على عرشه في المجلس و بجانبه سارة و هم يضحكون ، لقد أصبحت سارة قائدة الطائفة و أصبح يوري عضوا في المجلس و علت ضحكات ابليس كامل الجحيم ..

النهاية

تاريخ النشر : 2016-03-19

guest
21 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى