أدب الرعب والعام

سر الخلود

بقلم : بائع النرجس – مصر
للتواصل : [email protected]

لا تفكري في شيء غير سعادتنا الأبدية

) الموت لك أيها الفاني المتسلل الى قبري , الموت سيكون خلفك يطاردك حتى في نومك وستأكلك التماسيح وستجرى خلفك أفراس النهر ولن يكون لك وقت لتودع أهلك بل ستموت في الحال وسيكون هناك ألف صوت من أصوات المعذبين مثلك أخرج بسلام ولا تندس قبري وإلا انتظر لعنتي وعقابي فلن تدوم حياتك طويلا) .

 

مصر الفرعونية

ترسل الشمس أشعتها الذهبية إلى أرض مصر لتلتمع قمة الهرم الأكبر الذهبية وتزداد الأهرام تألقا بسفوحها البيضاء الناصعة بسبب هذا الحجر الجيري وهناك داخل المعبد الجنائزي وقف شاب جميل الطلعة متناسق الجسم وقد غطى جسده من الأسفل بهذا الرداء المصنوع من الكتان , كانت ملامحه هادئة وقد زادته عيناه الزرق وسامة , وقد جلس على حافة بركة صناعية انتشر فيها نبات البردي . وبعد ثواني دخلت عليه فتاة تتبختر في مشيتها بدلال واضح وقد إرتدت ثوب كشف عن أعلى كتفيها وإنسدل شعرها المستعار على كفتيها وقد رسمت بالكحل عيونها السوداء اللامعة كعادة كل المصريات في ذلك الوقت وزينت فمها باللون الأحمر فبدت وكأنها زهرة قد تفتحت توا … اقتربت منه حتى وقفت أمامه وقالت له :

– (توا) لماذا بعثت بتلك الرسالة ؟

لم ينظر لها بل وقف بعيدا عنها وقال لها بصوته العذب الذي أذاب قلبها فأصبحت كالأسيرة له :

–  هل تعرفين مقدار حبي لك ؟

لم تعلق بل دق قلبها بعنف وكأنها تنتظر حديثه بشغف المحبين وأتبع هو وقد إقترب منها وأخذ ينظر الى عينها

–  وتعرفين أنى لا أستطيع أن أعيش معك وأنت ملك للمهندس والطبيب والفكلي (مرن بتاح(.

هتفت هي بسرعة مقاطعة إياه وقد رسمت على وجهها إبتسامة عريضة :

–  سأهرب معك ونرحل لبابل فأنا أسمع عنها الكثير وعن حدائقها الغناء و……

وضع (توا) إصبعه على فمها برفق وقال وهو يقترب بأنفاسه الزكية منها قائلا بهمس :

– (تيتي) لن أهرب وأنا خاوي الوفاض لقد قررت أن أسرق هرم الملك قبل أن أترك البلاد.

بهتت (تيتى) مما يقول حبيبها وكادت أن يغمى عليها وإتسعت عيناها وقالت وهى في قمة الذهول غير مصدقة ما يقول :

–  أتعنى حقا ما تقول ؟ أتعرف حجم المخاطرة التي ستقحم نفسك فيها ؟.

فطبع قبلة رقيقة على خدها الملتهب وقال :

–  لا تفكري في شيء غير سعادتنا الأبدية وأنتِ برفقتي في أحضاني الدافئة.

سرحت (تيتى) بخيالها بعيدا وهامت فى دنيتها الوردية ولكنه جذبها إليه بقوة قائلا :

–  أريد أن تسرقي الورق الهندسي الخاص بالهرم من سيدك , هذا هو دورك وبعد أن نستولي على الكنوز نهرب ويكون موعدنا يوم الاحتفال العظيم بـ (حابي).

كانت (تيتى) كأنها مسحورة لم تتفوه بأي كلمة بل هزت رأسها علامة بالإيجاب في صمت عجيب , كانت تحبه لأقصى الحدود ولم تفكر ولو للحظة كيف ستسرق الورق الهندسي من سيدها ؟.

***

سريعا مرت الأيام ونجحت تيتي فى مهمتها وأصبحت الأوراق الهندسية في يد (توا) , وها هو بين أربعة من الرجال في ذاك البيت البسيط وقد أخذ يشرح لهم كيف سيتسللون للهرم من أسفله وليس من الباب الرئيسي وأن معشوقته (تيتى) ستحضر لهم الطعام كل يوم وأنهم من الغد سيذهبون إلى إحدى مقابر العمال ومن هناك سيحفرون حتى يصلون إلى هرم الملك , صحيح أنه سيتطلب وقت وجهد كبير لكن بريق الذهب كان يعمى عيونهم عن كل المخاطر . كان الرجال الأربعة ما هم إلاّ مهندس ونجار ونحات وخبير في الأفخاخ , كل رجل منهم كان له دور خاص ومهم في عملية السرقة وبدونه لن يتم شيء .

وفى اليوم التالي كان الجميع يتسللون الى مقبرة أحد العمال , وكانت عبارة عن غرفة بسيطة تحت الأرض , وقف الجميع ينظرون الى المهندس وهو ينظر الى الأوراق الهندسية ويرسم على الأرض خطوطا متقاطعة , ثم أشار الى الحائط الشرقي وقال لهم :  

–  يا رجال سنحفر هنا أسفل هذه الحائط وسيقوم (كاى) النجار بتدعيم السقف بالقطع الخشبية وكذلك جدران النفق الذي سنصل من خلاله الى هرم الملك.

تحفز الرجال وأخذوا يحفرون بهمة ونشاط وهم يحلمون بكنوز الذهب التي لا تعد وتحصى .. وكيف لا وكل الملوك يأخذون معهم كنوزهم في حياتهم الأخرى ..

ومرت الأيام وحتى الشهور وهم على قلب رجل واحد وما زال لديهم هدف واحد , ومر فصل الصيف ولم يكشف أمرهم بعد أو يسمع دقات معاولهم البسيطة تحت الأرض فخطتهم لم تخطر ببال أحد أبدا , ومر فصل آخر ولم يصلوا للهرم بعد , وكاد أن ينهار النفق عليهم أكثر من مرة . وكانت (تيتى) تأتى إليهم بالطعام والماء دون أن يراها أحد . رسم (توا) كل شيء بدقة ولم يترك شيء للظروف , وفى يوم أثناء حفرهم وجدوا أمامهم حائط صخري فعرفوا أنهم وصلوا إلى هدفهم أخيرا وزادت همة نحات الصخور فلقد اقتربوا على بعد خطوة من تحقيق هدفهم . وبعد يوم نفذوا داخل الهرم ووصلوا الى أحد السراديب وهم يحملون الشعلات , كانوا في قمة سعادتهم وأخذوا يسيرون بداخله , كان سرداب صاعد وما وصلوا لنهايته حتى كانوا أمام مفاجأة , كان الطريق مغلق باب حجري مكون من أربع صخور متداخلة , دقت القلوب مرة أخرى وخيم الصمت عليهم وحان دور خبير الأفخاخ وتقدم ليفحص الباب الصخري جيدا وقال :

–  لابد أن نحطم هذا الباب فلا يوجد أفخاخ خلفه إنما غرفة أخرى.

وبسرعة تقدم النحات وعمل بجهد حتى حطم الباب , فدخلوا الى غرفة أخرى صماء لا مداخل فيها ولا نوافذ , أخذ الكل يبحث ويدق الحوائط حتى يأسوا جميعا , ولكن (توا) نظر الى السقف وقال :

–  الطريق من الأعلى , أنه حجر من الكوارتز أشد الأحجار قساوة عند المصريين .

وحاول الجميع زحزحة الصخرة ولكنها كان تزن عشر أطنان , وبسرعة فكر المهندس كيف يزيح هذه الصخرة ثم طلب من النجار إحضار عمود من الخشب طول متر ونصف لوضعه بشكل عمودي أسف الصخرة وبالدق عليه من الأسفل سترتفع وهنا يمكن زحزحتها للخلف , ونفذت الفكرة بناجح , وصعدوا ليصلوا إلى سرداب آخر ولكنه هابط , ووصلوا إلى صخرة أخرى من نفس النوع ونجحوا في زحزحتها عن الطريق , ووصلوا الى غرفة كبيرة ولكنها صماء أيضاً وكانت هناك صخرة كبيرة جدا تصل خمسين طن , وهنا تبدد الآمل في داخلهم للحصول على كنوز الملك وقال المهندس بيأس :

–  يبدو أن هذه هي النهاية يا رجال.

جلس (توا) على الأرض وأخذ يفكر ماذا يفعل الآن ؟ كيف يدخل الى حجرة الدفن فلا يفصله عنه الا حائط من الصخر وكاد عقله يتوقف عن التفكير , وفجأة صرخ النحات قائلا :

–  وجدتها ! ..

أنصت الجميع له وهو يقول بحماس شديد :

– سنحضر بعد الكار الأسود (النفط) ونشعله بجانب الحائط وبعد فتره نسكب عليها الماء فتصبح أكثر سهولة في الكسر والتحطيم , هكذا نفعل دائما في المحجر عندما نريد قطع صخرة كبيرة , فليخرج (توا) ويحضر لنا الكار وسننتظر هنا.

لم يضيع (توا) الوقت وترك أصاحبه .

وبعد أن خرج توا نظر النحات لرفيقيه ثم قال :

–  يا رجال عندي فكرة .. الآن لم يبقى بيننا وبين هذا الكنز إلا حائط ونصل إليه وبعدها نقسم الكنز علينا جميعا.

قاطعه المهندس قائلا :

–  هات ما لديك وأدخل في المفيد.

–  أريد أن نتخلص من (توا) وعشيقته , فلندفنه هنا بين هذه الحوائط ونقسم الكنز علينا وساعتها سيكون نصيب كل منا أكبر

ساد الصمت بينهم وكأنهم يفكرون في الأمر ثم قال النحات مرة أخرى:

–  ها ما رأيكم ؟

رد عليه خبير الافخاخ بسرعة وقد إلتمعت عيناه على نحو غريب :

–  أنا معك

وهنا رد الجميع في نفس واحد  :

–  كلنا معك

مرت ثواني من الصمت وكأنهم يفكرون كيف سيتخلصون من (توا) وعشيقته , وقبل أن يتكلم أحدهم دخل عليهم صاحبنا وهو يحمل حقيبة من القماش أخرج منها الكار فتلقفه النحات واشعله بجوار الحائط ومر وقت كثير وأطفأ النار ثم سكب الماء بسرعة على الحائط وتصاعدت الأبخرة وأمسك مطرقته وأخذ يحطم الحائط فإذا بالصخور تتحطم بسهولة فواصل طرقه على الحائط حتى صنع فتحة تكفى لمرور جسد أحدهم وأمسك (توا) الشعلة ومد رأسه ونظر الى الداخل وصرخ صرخة فرح وقال :

 – أخيرا سنصبح أثرياء .. لا أحد سيكون مثلنا

تسلل هو الى الدخل وأخذ يناول الكنوز لهم عبر تلك الفتحة حتى أخلى الغرفة تماما ولم يبقى غير تابوت الملك الذي أخذ يحاول زحزحة غطائه , فصرخ فيه المهندس وقال له  :

 – تباً لك يا رجل أجننت ! .. ألم تقرأ ما عليه من كتابات ؟ .. لقد كتب : ( الموت لك ايها الفاني المتسلل الى قبري والموت سيكون خلفك يطاردك حتى في نومك وستأكلك التماسيح وستجرى خلفك أفراس النهر ولن يكون لك وقت لتودع أهلك بل ستموت في الحال وسيكون هناك ألف صوت من أصوات المعذبين مثلك أخرج بسلام ولا تدنس قبري وإلا انتظر لعنتي وعقابي فلن تدوم حياتك طويلا) .

ضحك (توا) بسخرية وقال بتهكم :

–  هل تؤمن بذلك ؟ إنها خرافات مصريين , يبدو أنك نسيت إننا لسنا مصريين أصلا , فنحن لا نؤمن بذلك , كله كلام فارغ حتى يخيفوا اللصوص فقط , دعك من هذا الهراء وساعدني لإزاحة الغطاء حتى نصل للكنوز المخبأة في مومياء الملك.

وفعلا أزاحوا الغطاء وما فعلوا ذلك حتى هبت ريح لا يعرفون من أين أتت فتراقصت شعلاتهم على إثرها ودب شيء ما في قلوبهم وأخذوا ينظرون الى بعضهم البعض , ولكن (توا) نظر الى مومياء الملك وحاول أن يفك شرائط الكتان , لكنه أحس أنه عمل ممل فسكب الكار على المومياء وأشعل النار , وما أن فعل ذلك حتى سمع الجميع أصوات مفزعة وكأنها أصوات لأناس يعذبون , ومرت دقيقة ثم صمت كل شيء فتابع الجميع (توا) وهو يجمع الجعرانين والتمائم الذهبية من مومياء الملك المحترقة وقارورة صغيرة بها سائل أحمر وضعها في إزاره بدون أن يلاحظ أحد , ثم خرج من الفتحة , وهنا قال لهم وهو يبتسم إبتسامة عريضة :

–  لابد أن نشرب نخب هذا الكنز وقد أحضرت زجاجة شراب في حقيبتي و….

لم يفكر أحد في حديثه وكأنهم لا يسمعون , بل أخذوا يفكرون كيف سيتخلصون منه ؟ , وفى هذه الأثناء ملأ (توا) الكؤوس الذهبية بالخمر ومدها لهم , فتناول كل واحد منهم كأسه بصمت وفي رأسه تتصارع الأفكار , وفجأة هتفت المهندس وهو يهب واقفا وقد جحظت عيناه واحمر وجهه وقد أمسك برأسه :

–  ماذا فعلت أيها الخائن ؟

هنا لاحظ الباقيين أن (توا) لم يتناول كأسه ودب الفزع بينهم وساد الهرج والمرج وفى ثواني كانت هناك ثلاث جثث تقف وسطهما (تيتى) التي ظهرت فجأة من ظلمة السرداب وهى تبتسم في جذل قائلة :

–  أحسدك على ذكائك الخارق

ثم نظرت الى الكنز الذي أمامها وقالت وهى تعبث به

–  ماذا سنفعل بكل هذا الذهب ؟

أجابها وهو يخرج الزجاجة الصغيرة من إزاره :

– أنا لا يهمني الكنز أنما يهمني شيء آخر.

نظرت الى الزجاجة الصغيرة وقالت له بإندهاش

–  ما هذا؟

فرفعها لعينه وقال بلهجة تشبه الشيطان :

– إنه أعظم سائل في الوجود وقد جئت من بلادي من أجله وخاطرت بحياتي حتى أحصل عليه .. إنه سر الخلود.

فسألته وهى تنظر الى الزجاجة بشغف :

–  ومن أخبرك بأمرها ؟

–  لقد عرفت بأمرها من كاهن الملك بالصدفة , ومن ساعتها كنت أحلم باليوم الذي سأحصل عليها وقتلت جميع الرفاق حتى لا يعرفون ذاك السر.

أمسكتها منه وأخذت تتأملها وفجأة جحظت عيناها وظهر خيط من الدم على صدرها فإستدارت ببطء وقد استقر خنجر ماضي في ظهرها فقالت بكلمات متقطعة :

–  لما فعلت ذلك؟ فأنا ……. أحبك

ووقعت الزجاجة منها وهي تحاول أن تستند عليه ولكنه ابتعد عنها قبل أن تسقط على الأرض وكانت صورة وجهه وهو يبتسم آخر ما رأته قبل أن تظلم الدنيا أمام عينها , وهنا قال :

–  سامحيني يا محبوبتي كان لابد أن تكون العملية نظيفة حتى النهاية.

***

قبل أن ينقل الكنز قرر أن يشرب سر الخلود , ومرت ثواني أحس أن جسده ينتعش وأنه يزداد قوة , وفجأة حدث شيء غريب , لقد أحس بألم رهيب في ذراعاه وقدماه فنظر إليهما ووجد أن الدم يهرب منهما متحولا إلى ما يشبه أذرع وأرجل المومياء .. فصرخ في فزع :

–  لالالالالالالالا … ليس هذا هو الخلود ..

وفى الثواني التالية أخذ جسده كله يتحول الى مومياء وقد فارق الحياة بعدما عرف سر الخلود.

تاريخ النشر : 2016-03-30

guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى