أدب الرعب والعام

السترة

بقلم : الشيماء – مصر
للتواصل : [email protected]

السترة
فإذ بشيء أسود يتخذ شكل إنسان يزحف ببطئ و قد رفع رأسه للأعلى ليشم الهواء

بدأتُ أقفز السلم درجتين درجتين ، و أنا أتنهد بصعوبة من هذه المهمة الثقيلة على النفس و المخيفة في ذات الوقت رغم بساطتها .. يا الله لماذا أنا ؟؟ لماذا أنا بالذات عليّ تحمل مسؤولية العائلة بأكملها ؟؟ هل كل ذلك لأني الذكر الوحيد بين أربع إناث ؟ و هل علي تحمل تلك المسؤولية و إلا فأنا لا أستحق لقب رجل ؟؟ و كأن الرجولة تقاس بمثل هذه الأشياء !!
قطع تسلسل أفكاري صوت الهاتف .. أخرجته و أنا أعرف مسبقاً من المتصل ..

– ألو .. نعم يا جدتي !!
– هل وصلت يا ” ميدو ” ؟
– يا جدتي اسمي محمد و ليس ميدو !!
– هل تتكبر علي أيها الولد ؟ .. أجب على سؤالي الآن ، هل وصلت ؟
– أجل وصلت و أنا أمام الشقة الآن ..
– حسناً اسمعني جيداً .. ستجد الحقيبة بداخل الخزانة في الغرفة الثانية ، أحضر الحقيبة بأكملها و لا تطل المكوث في الشقة .. أنت تعلم .. بسم الله الرحمن الرحيم !!
– ( بغضبٍ و رعبٍ ) حاضر يا جدتي ، أرجو منكِ أن لا تذكريني !!
– لا أقصد أن أخيفك ، و لكن أنت تعلم أنه منذ أن كانت المرأة تقطن في الشقة و بعدها ماتت محروقة ، و الشقة .. بسم الله الرحمن الرحيم !!
– هل أعود أم ماذا ؟ أنا خائف الآن حقا !!
– لا تعد ، نحن  نريد أن نبيع الشقة و نتخلص منها في أسرع وقت ، سامح الله خالك ؛ لأنه السبب فيما نحن فيه الآن ، قلت له أن يخبئ الحقيبة في مكانٍ آمن لكنه لم يجد أأمن من الشقة المسكونة لذلك .. لكنه لاقى جزاء فعلته و أصابه الجنون
– و كأنك تتكلمين عن ابنك !! و أنتِ بكلامك هذا أخفتني أكثر من الشبح نفسه ، إلى أين تريدين أن تصلي ؟؟
– أنا أنبهك فقط أيها الولد .. المهم لا تنسى أن تسمي بالله قبل الدخول و إن سمعت صوتاً و أنت بداخل الشقة فلا تنظر ناحية الصوت .. أنت تعلم ما حصل لخالك !!
– جدتي !!
– نعم ؟؟
– اقطعي الاتصال قبل أن اقطع شريط حياتي و أرمي بنفسي من على سطح الشقة و بعدها أنضم للشبح بالداخل ..
– إلى اللقاء ..

***
قطعت جدتي الاتصال و بعدها وضعت المفتاح بباب الشقة و أنا أسمي بالله ، فتحت الباب فكانت الشقة معتمة و تفوح منها رائحة العفونة ، أخذت أتحسس بيدي الحائط لأجد زر الإضاءة ، و بعد أن وجدته أنرت الصالة و توكلت على الله ثم دخلت ..

كانت الشقة تتكون من أربع حجرات و صالة كبيرة تنتهي بمطبخ و حمامين ، كانت الشقة قديمة الصنع و بالتالي طرازها قديم كذلك ، ورثتها العائلة من والد جدتي و كنا نُأجر الشقة حتى وقت قريب ، تحديداً حتى وفاة تلك السيدة محروقة بالنيران .. من وقتها و الجيران يسمعون أصوات مخيفة تأتي من داخل الشقة ، و يوماً بعد يوم هجر الجميع مساكنهم خوفاً فأصبحت المنطقة شبه خالية و الشقة كذلك ، يجب علينا أن نستفيد منها رغم صعوبة الأمر ..

وصلت إلى الحجرة المقصودة ، فتحت بابها فأصدر صريراً مخيفاً جعلني أقفز مترين بالهواء ، سميت الله مرة أخرى و دخلت الحجرة المظلمة .. أنرت الضوء الباهت المخيف ثم فتحت باب الخزانة لأجد الحقيبة أمامي مباشرة ، تنفست الصعداء لأن المهمة شارفت على الانتهاء ، أخذت الحقيبة و أغلقت باب الخزانة و قبل أن أستدير سمعت من ينادي بصوت منخفض ..

– هنااااااااء

تجمدت في مكاني خوفاً و انتظرت قليلاً لأتأكد مما سمعت ، لم أتوقف بإرادتي لكن قدماي لم تحملاني .. عاد الصوت بنفس النبرة لكن هذه المرة بوضوح أكثر ..

– هنااااااااء

نعم لقد قالت هناء !! و لمن لا يعرف هناء فهي الابنة الوحيدة للإمرأة المتوفاة ، كانت مسافرة وقت الحادث و رأيتها أثناء العزاء ..
– هناء ، لماذا تركتني يا ابنتي ؟؟

استدرت ببطئ متجاهلاً جميع تحذيرات جدتي ، فإذ بشيء أسود يتخذ شكل إنسان يزحف ببطئ و قد رفع رأسه للأعلى ليشم الهواء .. ثم فتح فاه المحترق و قال بصوت مريع :

– أخيراً عدتي يا ابنتي ..

التصقت بالخزانة و الرعب قد أصابني بالشلل ، هذا الشيء مريع حقا ، إنه ليس بشرياً أو حتى حيواناً ، إنه شيء بشع لا يوصف .. كان أمامي مباشرةً و أدركت سبب زحفها ، ليس لأنها لا تملك قدمين ، بل لأن قدميها تحولا إلى فحمٍ أسود نتيجة الحريق .. وقفت أمامي و قد لاحظت أنها لا تراني بوضوح ، ثم همست بصوت كالفحيح :

– الموت بشع للغاية ، إنه بشع حقاً يا هناء ، خصوصاً الموت حرقاً ، لكني لم أكن أقصد حقاً ..

كدت أن أوضح لها أني لست هناء و لكنني لم أجدها فكرة مناسبة ؛ لأن فيها هلاكي غير أنني أبحث عن حنجرتي أساساً ، واصل الشبح أو المخلوق كلامه قائلاً :

– خطأ بسيط أضاع عمري كله ، نسيت الإبريق على النار و جلست أحيك لكِ سترة جديدة باللون الذي تحبينه ، تعمقت جداً بالحياكة حتى سمعت صوت انفجار أنبوبة الغاز ، حاولت الهرب و لكن النار كانت تحيط بي من جميع الاتجاهات ، لم ترحمني البتة و كان ألمها صعباً جدا يا ابنتي ، ظلّت النار تنهش لحمي مدةً طويلةً ، كنت أدعو على نفسي بالموت ، لكن يبدو أن الموت نفسه لا يريدني ، لفظت أنفاسي الأخيرة و بقيت روحي عالقةً بهذا المكان تنتظرك لتأتي ..

صمتت المرأة و احترمت صمتها مرغماً ثم أتبعت قائلة :

– لقد نسيت أن أريك السترة التي صنعتها من أجلك ، إنها محروقة قليلاً لكنها لا تزال جميلة ، انتظري حتى أجلبها لك .

و على الفور كسرت حاجز الصمت و حاولت أن أقلد صوت هناء قائلاً : طبعاً يا أمي ..

– شكراً لكِ يا ابنتي ..

ثم استدارت زاحفةً مرة أخرى لتخرج من الحجرة تاركةً بقاياها المتفحمة على الأرض ، لم أصدق ما حصل فجريت كالبرق نحو الباب خارجاً ، نزلت السلالم و لا أدري كيف نزلتها ، ثم ركضت إلى المنزل دون أن أستقل وسيلة مواصلات حتى .. فتحت باب منزلنا و ارتميت في حضن والدتي صارخاً ..

– إنها السترة يا أمي .. هي السبب ، إنها السترة ..

أخذت أمي تهدئ من روعي في حين خرجت جدتي تعضّ على شفتيها قائلة :

– أنت أيضاً يا محمد !! .. كل شخص يدخل الشقة الملعونة يخرج منها قائلاً ” السترة هي السبب ” ، هل الشبح خيّاط مثلاً ؟!  

تاريخ النشر : 2016-04-02

guest
22 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى