أدب الرعب والعام

المرايا

بقلم : علي فنير – ليبيا
للتواصل : [email protected]

المرايا
عالمٌ لا توجد فيه مرايا تعكس ظاهر الأشياء فقط

بداخل كلٍ منا قلبٌ ينبض بالحب ، يدّق و يدّق حتى آخر يومٍ من حياتنا و أحياناً ينبض هذا القلب بالكراهية ، تلك هي طبيعة البشر ، لم يكن ذنبها أنها وُلدت قبيحة المنظر وسط عالمٍ يقدس الجمال و لا يشعر بالتفاؤل إلا برؤية ما هو جميل  ، أمست تمقت النظر إلى المرايا ؛ لأنها لا تعكس جوهر الأشياء ، فهي مجرد سطح بارد لامع يعكس ظاهر الأشياء فقط .

يا ليت المرايا تعكس ما بداخلنا من جمال ، لكان رأي المحيطين بها مغايراً تماماً ، كانوا سيقولون عنها أنها جميلة رقيقة و حساسة كزهرة جميلة تفتحت في فصل الربيع و هي تراقب لأول مرة شعاع الشمس يتسلل إلى وريقاتها و تشعر بالنسيم العليل يداعبها فتتمايل فرحة .

نبض قلبها بالحب فأحبّت ابن عمها الذي لم يبادلها الحب يوماً ، فمن سيعشق فتاةً قبيحة المنظر و إن كانت تحمل كل مشاعر النبل في العالم ؟ اصطلت بنيران الحب من طرفٍ واحدٍ ، حبٌّ بلا أمل ، عاشت في عالم الأحلام و نسجت القصص و صدقتها ، أحياناً تحلم بأنها ترتدي الثوب الأبيض ، ثوب الزفاف و ابن عمها يبتسم لها بودٍّ و محبةٍ ، و قد اختفى كل القبح من على وجهها ..

تحلم و تحلم و تتمنى أن لا تستيقظ من هذا الحلم إلى عالمها الواقعي القاسي و المرير ، مرّت الأيام و تزوج ابن عمها بفتاةٍ جميلةٍ ، و مع هذا لم تتوقف لحظةً عن حبه ، قلبها ينبض بالحب و لن يكون إلا قلباً محبّاً رغم قسوة العالم الذي يقدس الجمال و لا ينظر إلى داخل النفوس ليكتشف جمالها الحقيقي ..

كانت أمها توهمها بأنها جميلة و أنها ستتزوج يوماً ما من فارسٍ يأتي على جوادٍ أبيضٍ لتعيش معه في سعادةٍ ، و لكن السنين مرّت و لم يأتِ الفارس المنتظر حتى مشياً على قدميه ، ماتت الأم و مرّ الزمان و ها هي ليلى قد أصبحت عجوزاً تجرّ ذكرياتٍ جميلةٍ و أخرى مؤلمة ، للأسف لم تتزوج ، كم تمنت أن تكون أنثى أخرى غير التي هي عليها و أن ينظر الناس إلى وجهها من غير أن يشيحوا بأبصارهم بعيداً ..

كم تمنت أن يرى الناس ما بداخلها من جمالٍ و أحاسيسٍ مرهفةٍ و لكن العالم بأكمله تحول إلى مرايا ضخمةٍ تعكس الأشياء من الخارج فقط و بالتالي يُبنى الحكم على المظاهر الخارجية .. حانت ساعة الرحيل ، رحلت ليلى إلى عالمٍ أجمل من العالم الذي كانت تعيش فيه ، عالمٌ لا توجد فيه مرايا تعكس ظاهر الأشياء فقط ، إلى عالمٍ ستجد فيه السعادة التي فقدتها في هذا العالم ..

تاريخ النشر : 2016-04-09

علي فنير

ليبيا
guest
42 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى