أدب الرعب والعام

جريمة حب

بقلم : كوريا الخطيرة ياسمين – الجزائر

ضحية الحب !

نحن البشر نتكون من عنصرين ألا و هما الجسد والروح ، الجسد يجسد الروح فهو المظهر ، أما الروح فإما أن تكون شراً أو خيراً ، و مشاعر ناس تنبع من الروح ..

ميسون فتاة جميلة تبلغ من العمر 23 عاماً ،  يحبها الناس من حولها لأخلاقها و حسن نيتها ، تدرس المحماة بالجامعة و هي مجتهدة و متفوقة ، عائلتها ذات نفوذ – أقصد أنهم أغنياء – ، والدها مقاول و لديه الكثير من المشاريع والناس تعرفه جيداً ،  فالغني غالباً ما يكون معروفاً لدى الجميع  وهذا يرجع لطبيعة عمله و طبيعة ظروفه المادية ..
 
ميسون تعيش في عائلة يملؤها الحنان وهي البنت الكبرى فيها ، لديها أخت تصغرها بعامين ، لم ينقصها شيء فكل طلباتها مجابة ، لا تحتاج إلا لشيء واحد ؛ الحب ..

 تعرفت ميسون على شاب يدعى محمد في نفس سنها ، مهذب و يدرس المحماة أيضاً ، وسيم و مجتهد و علاماته ممتازة إلا أنه يختلف عن ميسون في شيء و هو المال ،  صحيح أنه يمتلك كل شيء إلا أن عائلته مستورة و الحمد الله ..
 
ميسون و محمد أحبا بعضهما كثيراً لدرجة الجنون ، غيرة ، حنان ،  احترام  و عطف ، هكذا تبادلا كل المشاعر و لم يكترثا لفارق الطبقة الاجتماعية بينهما ، غير أن ميسون أحبته لقلبه وحنانه و إنسانيته و شجاعته و أخلاقه.

عاشا لحظات حب لمدة عام كامل و أكملا الدراسة بنجاح و توفيق ، كلاهما اجتازا الاختبارات ،  صحيح أنهما في نفس العمر إلا أن الحب كان أكبر منهما ، ميسون لم تكن ترى شاباً غير محمد و هو لم يكن يرى فتاة غيرها ، كانا يتكلمان بالهاتف من الصباح إلى المساء كحال غالب العشاق ، و  يلتقيان في مواعيد غرامية حال المحبين ..

لكن ليس لكل قصة حب نهاية سعيدة ، ليت كل قصص العشق تنتهي بالزواج والعيش تحت سقف واحد و إنجاب الأولاد و لا يكسر هذا الحب إلا الموت ، هذا يحصل في الأفلام والمسلسلات فقط و قليل ما تحدث معجزة كهذه في الواقع،   لست أقول أنه من مستحيل ذلك ، و لكن هنا صعب حقا أن تنتهي قصة الحب بنهاية سعيدة ، فكل شيء بالمكتوب وكما يقدر الله لنا سنعيش ، فلن نستطيع أن نغير الواقع مهما حدث و مهما ثابرنا في إكمال حياتنا ..
 
ما جعلني أتكلم هكذا هو الفرق بين العاشقين ، غني وفقر !!  كقصة سندريلا و الأمير ، لكن من السندريلا في  القصة ؟  نعم إنه محمد " الرجل السندريلا "

محمد يعرف أنه من الصعب أن يتزوجا ، لكنه وعد ميسون بأن يكوّن نفسه و يصبح محامياً معروفاً و قضياه ستصبح مشهورة في جميع الأنحاء و سيجمع المال الكثير ،  و ما جعله يقطع هذا الوعد أنه يعرف طبع عائلة ميسون ، فهم لا يزوجون ذريتهم إلا لمن هم في مثل طبقتهم  – أغنياء –
 
ميسون أصبحت في سن الزواج فقد أنهت دراستها وهي محامية معروفة وهذا بفضل معارف والدها ، أما محمد كحال معظم الشباب ، عاطل عن العمل و هو لا يملك معارف كالتي يملكها والد ميسون ليتوظف سريعاً ..  لكنه جاهد في البحث عن العمل و بشهادته ..
 
والدا ميسون قررا أن يزوجاها لابن والي الولاية لكنها لم تقبل وعارضت والداها وقالت أنها تحب شخصاً آخر ، ميسون أخبرت محمد بالخبر الصاعق فقرر أن يأخذ والديه إلى منزل ميسون و يطلب يدها رسميا .. استقبل والدا ميسون عائلة محمد مع العلم أن عائلتها لا تعرف بفقر محمد وعائلته  و لكن عند الجلوس والاستماع لمعرفة أهله و اطلاعهم على أنه خريج محماة ولازال يبحث عن عمل وعن حال العائلة و أطلعهم على أفكاره بأنه سيفتح مكتب محماة ويقوم بالدعاية لعمله ليصبح محامي متدرب بعدها إلى محامي معروف وقضياه تشهر قابلوه  بالرفض ، صعق محمد بالأمر وتمالك نفسه
وعاد للبيت مع والداه خائبا حزينا محطم القلب ..

حاول والداه أن يواسياه فنظر إليهم بابتسامة قلب مجروح  و ذهب ليتصل بميسون ليجدها تبكي هي الأخرى محطمة ، و كلمها بنبرة حزن بأنه لن يفشل ويعود كما أراد والداها – غني وذو نفوذ –  ، و ليرفع من معنوياتها وعدها أنه سيصبح محامي مشهور فقط إن صبرت معه ، فقالت أنها لن تتركه مهما حدث ومهما اعترضا طريقهما  ستبقى إلى جانبه ..

كل شيء طبيعي لكن والدا ميسون لديهم خطط لإبعاد ابنتهم عن المحامي الفقير فقررا أن يزوجاها غصبا وقوة رغما عنها وعن حبيبها  ، بعد أسبوعين من مقابلة عائلة محمد وعائلة ميسون قام والدا ميسون بالتحضيرات لخطبة ابنتهم دون علمها و في ذالك اليوم استقبل أهلها الوالي وزوجته والابن وهناك عرفت ميسون بالأمر  لتصعد والدتها وتخبرها أنها إن لم تقبل به فتصرفات والدها لن تكون جيدة اتجاهها وسيؤذي محمد ..
 
خضعت ميسون لواقع الأمر ،  والخطبة قد تمت وحددوا يوم الزفاف بعد شهر ، محمد ليس له أي علم بالأمر ، و بعد خطوبتها لم تكلمه ، كان يتصل بها أملا أن تكون بخير لأنها على غير العادة أن تختفي ويكون هاتفها مغلقا لمدة أسبوع ، حتى وسائل التواصل خاصتها قامت بإلغائها ..
 
تساءل محمد عن الذي حدث ولماذا قد يحدث هذا ؟ هو لم يرها لكنه دائما ما يمر بالقرب من منزلها و يراها تركب السيارة مع ابن الوالي ، تساءل عن سبب القرابة بينهما حتى تصعد معه بالسيارة ، أو ما هو نوع العمل بينهما ؟

اقترب محمد من المنزل ليرى أختها خارجة منه فنادى عليها ليسألها سبب تغير أختها  فردت عليه أن يسلك طريقا عكس طريق الحب و أن يتبع عقله لا قلبه لأن أختها ستتزوج بعد عدة أيام ،  ذعر محمد كثيرا و أخبر أختها أن تتصل ميسون به ليتكلما في الأمر

وبالطبع قد فعلت ميسون لكنها ترددت كثيرا قبل الاتصال به ، لكنها قررت ألا تكون جبانة وتتصل فرد عليها بأسئلة كثيرة ..
لماذا فعلتي بي هذا ؟  قلتي أنك ستصبرين معي لنتخطى كل شيء !!  لقد تركتي حبنا من أجل المال …  هكذا كان حديثه
لكنها اكتفت بعبارات جارحة لمحمد ، لقد جرت الأمور هكذا وانتهى .

أقفلت الهاتف ومن قهره أعاد الاتصال ليجده مغلقا ، حزنه أدى به لشرب وتعاطي المهلوسات لأنه لم يكن ينتظر هذه الأمور ..  

بعدها محمد ذهب لبيتها وراقب تحركاته وانتظرها ، خرجت ميسون مع أختها فتتبع خطواتهما إلى أن وصلا إلى مكان خالٍ ليفاجئها بحاله كالمتسول ، أو بالأحرى كمن ليس له بيت هائما في الشارع  وحالة السكر بادية عليه وأنه ليس في وعيه ..
أخبرها أن تهرب معه و أنه يعلم أن زواجه سيتم رغما عنه ، أخبرها أن يهربا لمكان بعيد ليبدأ من جديد
وليبحثا عن الحب الذي ضاع منهما ..

ميسون لم تقبل و أخبرته أن يبتعد عنها و أنها قبلت بالزواج لأنها أرادت ذالك و أنها اكتفت من الانتظار والعيش في الأوهام ، أخبرته أن الأمور تسير هكذا في الحياة ، كلامها جارح وقاسٍ  مما جعل ردة فعل محمد وحشية و تخرجه عن نطاق السيطرة و يتجرد من إنسانيته ليطعنها بسكين في الصدر وبكلمات جارحة قال لها : لن تكون حبيبة أحد غيري..
 رمى سكينه وهرب تاركا أختها تصرخ بأعلى صوتها ، موقف جارح  و صعب !! لكن كيف و لماذا ؟

ميسون لفظت أنفاسها الأخيرة في المشفى و محمد سلم نفسه للشرطة معترفا بجريمته قائلا أنه اقترف جريمتين لا واحدة ألا وهما الحب والقتل

و أمام القضاة هدد بأنه سيقتل والداها ويقتل نفسه وليس نادما على فعلته لأنهم حرموه من ميسون و وقفوا في طريق سعادتهما و أغلقوا كل الأبواب في حياتهما ليكملوا ما بدؤوه ..

محمد حكم عليه ب 20 سنة في السجن لارتكابه جريمة مع سبق الإصرار والترصد ، جريمة اعترف بها وليس نادما عليها ، كان من المفترض أن يكون هو المحامي الذي يدافع عن المحكومين .. لكنه الآن هو المجرم و ينتظر محامياً ليدافع عنه !! .. حقا هو مجرم حب ..

عانت عائلة ميسون بعد فقدان ابنتهم البكر وندموا على تقبل العلاقة من بادئ الأمر ، أما أهل محمد  قد تملكهم الحزن على ابنهم الخلوق الذي لم يكن ليؤذي نملة ، فكيف على اقترافه جريمة دفعه قلبه لفعلها ؟

أمثال أهل ميسون يجب أن يتعلموا من هذه الحادثة و أن يتمموا على خير و يسهلوا الأمر لا أن يصعبوه ، وعلى الإنسان أن يترك مشاعره أحيانا ويشغل عقله و يبتعد عن الأمور التي تؤذي ، و أن يفكر مرتين قبل أن يتخذ قرارا يودي بحياته و حياة من حوله ..

 

تاريخ النشر : 2016-07-15

guest
37 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى