أدب الرعب والعام

النزوح

بقلم : غريبة الاطوار – سوريا

النزوح
حزمنا أغراضنا و خرجنا من المنزل ..

في صباح ذلك اليوم المشؤوم ..
حزمنا اغراضنا وخرجنا من المنزل ..

***
– مرحباً
– أهلاً
– من فضلك أخبرني ..لماذا تأخر انطلاق الحافلة ؟ ساعة كاملة تحت الشمس و نحن ننتظر ..
– المعذرة ..الحافلة لن تتحرك اليوم ، وإنما غداً
– لماذا ؟ ما الأمر ؟ لمَ تقول ذلك الآن ؟!
– هناك مشاكل في طريق السفر .. علينا أن ننتظر لتهدأ الأمور ، وبعدها ننطلق ، ربما غداً أو بعد غدٍ ..الله أعلم
– لمَ لمْ تقل لي ذلك من قبل ؟ .. حسناً .. (بضيق شديد) .. حسناً

***
– هيا لنتحرك من هنا ..
– ماذا هنالك أبي ، ما الأمر ؟
– لن تتحرك الحافلة اليوم ، علينا أن ننتظر إلى الغد أو بعد غد .. طريق السفر ليس آمناً الآن..
– (باستياءٍ شديد) أوف.. وإلى أين سنذهب ؟ لقد سلمنا المنزل و انتهى الإيجار ؟
– لا بأس ..سنذهب إلى الفندق ..

***
في صباح اليوم التالي ، صرخ أبي فينا قائلاً  :
– هيا بسرعة ..سنتأخر على الحافلة..
– أبي ..أرجوك انتظر ، لقد ضاع مني دفتر الذكريات ..لا أدري أين اختفى !!
– هيا يا ابنتي .. ليس هناك وقت ، الذنب ذنبك..
تدخلت أختي قائلةً :
– هيا لنذهب ألم تسمعي أبي ؟
– إنه دفتر مهم .. مهم جداً أتفهمين ؟
– هيا .. سوف يغضب بسببك
– (على وشك البكاء) حسناً..

***
وقف السائق قائلاً بأعلى صوته :
– هل الجميع موجودين الآن ؟ لا يوجد أحدٌ ناقص ؟ .. إذاً ننطلق في أمان الله ..

(الوداع .. أيتها المباني المنهارة ..
الوداع .. أيتها الشوارع المظلمة لانقطاع الكهرباء والمتسخة لعدم وجود عمال نظافة ..
الوداع أيتها المراكز المغلقة لنفاد المواد الغذائية ..
الوداع جيراني ..لقد استمتعت برفقتكم في هذا الوقت القصير .. ورحمة الله عليكم ..أعدكم بأننا سنلتقي في الجنة ..
الوداع فقط ..
لا أستطيع ان اقول سوى الوداع )

مرت 6 ساعات كأنها 60 ساعة .. فالمقاعد ضيقة ، والجو حار ، والعبوس يلفني من يميني و يساري ..

صدمنا السائق عندما أعلن قائلاً :
– أنا آسف .. أعتذر من الجميع .. سأتوقف الآن
تعالت الأصوات ..
– ماذا هناك ؟
– ما الذي يجري ؟
– ما الأمر ؟
– أأنت تمزح ؟

– لقد وصلني اتصال من الشركة .. الطريق ليس آمناً .. لقد قطعنا مسافة لا بأس بها .. سنكمل غداً لعلها تهدأ الامور ..

***
حزمنا أغراضنا وسط التذمر والصياح والبكاء .. ووسط هذه الضجة طغى صوت أبي آمراً :
– هيا لنذهب إلى فندق قريب
– أبي .. هذا ليس عدلاً .. نقودنا ذهبت في الفنادق ، كيف سنعيش بقية الأيام بلا..
– توقفي .. توقفي الآن ..هيا لنسرع قبل أن تمتلئ الفنادق ..

***
ما كدنا نصل إلى الفندق حتى قال لنا الموظف هناك :
– أعتذر .. المكان ممتلئ ولا يوجد أي غرفة فارغة ..
– من فضلك تأكد مجدداً .. المكان مقطوع في هذه الصحراء ، ولا مكان لنا سوى هذا الفندق..
– صدقني ليس هناك أي فرصة .. أعتذر مجدداً..

***
علت أصواتنا بالتذمر :
– أبي ..أين سنذهب ؟
– أبي أرجوك أين سنذهب الآن ؟
فصرخ بنا أبي :
– اصمتا قليلاً ..

عدت قائلة بأسى :
– أبي هل سنقف هكذا في الشمس عدة ساعات اخرى ؟
– لنتحرك ..
– إلى أين ؟
– لا أدري ..لنتحرك وحسب..
– أبي الأغراض ثقيلة جداً .. تعبنا ونحن نحملها من مكان لآخر ..
– اتركوا نصف أغراضكم هنا ، وبعدها نتحرك..
– ماذا ؟ مستحيل !!
تدخلت أختي :
– أنا سأترك أغراضي لم أعد أحتمل .. افعلي كما قال أباك ..
– هل أنت مجنونة ؟ لقد .. إنها أغراضي ماذا ؟!!
– إذاً سنتحرك الآن ..ابقي مع أغراضك عزيزتي ..
– هيا يا بنات .. لديكن 10 دقائق فقط .. سنذوب وتذوب معنا أغراضنا في هذه الشمس الحارقة..

***
– لا تبكي يا أختي .. سنشتري أغراضاً أجمل منها عندما نصل ..
– إلى أين سنصل ؟ أخبريني ..
– ألا تؤمنين بالله ؟ لن يدعنا هكذا صدقيني
– (بدموع حارة) و نعم بالله ..

– أمي أرجوكِ .. أنا لا أحتمل البقاء في هذا المسجد .. إنه مهجور وبلا كهرباء ولا ماء .. أريد ان أجلس والارض متسخة , أشعر بالنعاس الشديد أريد أن أنام ، كيف سأنام و..
– اسكتي .. اسكتي و إلا..
– أمي .. أختي ..كفى شجاراً وإلا سأطردكما إلى الخارج
– ماذا ؟ ما الذي تقولينه أنت ايضاً ؟
– أنا آسفة أمي .. لم أعد أركز حقاً ..اعذريني ..
– أمي أنا جائعة ..
– هيه ..كفى تذمراً .. ألا تشبعين تذمراً يا أختي .. لن تموتين من الجوع صدقيني ..على ضمانتي ..

***
في اليوم التالي ..
تفقد سائق الحافلة الركاب ثم قال :
– العدد مكتمل .. إذاً على بركة الله ..

بعد عدة ساعات ..
– ها قد وصلنا إلى الاستراحة .. لديكم 30 دقيقة وبعدها سنكمل مسيرنا ..
– هيا بنا أنا جائعة..
– دعيني يا أختي ..أشعر بالغثيان ولا أريد أن أتناول أي شيء
– معك حق .. أوه ما هذا الذي في وجهك ؟
– ماذا ؟ هل هناك شيء ؟
– انظري في المرآة..
– ( بأسى) يا إلهي !! ..لقد تشوهت بشرتي بسبب مناخ الصحراء .. انظري إلى كل تلك البثور .. يا لجمالي البائس
– أي جمال هذا ؟ وهل هناك من ينظر للآخر في هذه الظروف الغبية ؟!

بعد 6 ساعات أخرى .. وصلنا .. أخيراً ..

***
على الحدود وقف أبي يحادث الحرس :
– مرحباً
– اهلا ..أي خدمة ؟
– اسمي .. وهذه عائلتي .. لقد .. وهذه اوراقنا الرسمية ..
– أعتذر .. ممنوع الدخول الى هنا
– ماذا ؟
– كما سمعت ..
– إنه .. ليس لدينا مكان نذهب اليه .. هذا أقرب بلد إلينا .. ليس..
– (مقاطعاً) أرجو أن تحزم أغراضك و تذهب إلى فندق قريب ..لعلك تشعر ببعض الاستقرار .. سنغلق الحدود بعد قليل ..

***
– أخبرتكم .. اهدؤوا ..لا داعي للبكاء .. سنذهب الى فندق قريب
– أي فندق هذا يا أبي ؟ المكان مقطوع والفنادق بعيدة و أغراضنا ما زالت ثقيلة ..
– هيا لنتحرك .. دعوا أغراضكم هنا ..سنمشي مسافةً طويلة..
– ماذا ؟ أنت لا تبالي بنا حقاً ..إنها..
تدخلت أمي مقاطعة :
–  هيا يا ابنتي .. اسمعي كلام أبيكِ .. علينا أن نتحرك قبل أن يحل الظلام ..

– لقد نفدت البطارية في هاتفي .. لتخرج أحدكن هاتفها ..نريد بعض الضوء ..المكان شديد الظلام..
– أبي ..أريد الدخول إلى الحمام ..أنا مضطرة لهذا ..
– وهل هذا وقت مناسب يا ابنتي؟ انتظري قليلاً ..سنصل عما قريب ..

***
على باب إحدى الفنادق وقفنا بينما أبي حادث الموظف :
– حقاً ؟ إنه مكلف للغاية !!
– المعذرة ..هكذا هي أسعارنا ..
– حسناً ..احجز لي غرفة من فضلك ..

في اليوم التالي ..
– هيا يا بنات لنذهب مجدداً إلى الحدود .. علنا ندخل بمعجزة ..

بعد مرور 3 ايام ..
– لقد نفدت نقودي .. لم نعد قادرين على الإقامة في فندق ..
– ماذا ؟ أين سنقيم اذاً ؟؟!
– أبي أرجوك .. أرجوك يا أبي .. لقد تعبت ..لقد سئمت .. انظر إلي يا أبي ..
– و ما الذي بإمكاني فعله ؟ هاه ؟ أخبريني ..
– أختي .. انظري إلي ..انظري كيف أصبحت بشرتي الجميلة .. انظري إلى أظافري التي اعتنيت بها ..لقد أصبحت كمخالب الحيوانات ..
– هل هذا ما يهمك الآن حقاً ؟ لقد أصبحت تافهة يا ابنتي..
– أنت .. أنت ..
– (مقاطعاً) هيا بنا ..

***
بعد عدة ايام ..
– أبي .. أبي أرجوك ..انظر إلى أختي .. إنها لا تتحرك
– إنها متعبة من الحرارة المرتفعة لا أكثر..
– متى سنعبر تلك الحدود ؟ إلى متى سنستمر في هذه المحاولة الفاشلة ؟ لقد تعبت من النوم على الارض هنا .. أشعر بأن عظامي تتحطم .. لقد احترقت من هذه الشمس .. أريد أن أرتدي ملابس نظيفة ..أريد أن أستحم .. أريد..
– كفى ثرثرة .. انظري الى أختك إنها متعبة .. علينا أن نجد حلاً ..
– و هل تعتقد أنك ستجد حلاً .. أبي ..لقد مات الكثيرين في هذا المكان .. لا أحد يأبه لأمرنا .. لذا لا تحاول .. لا أحد سيهتم .. بمجرد أن تطلب منهم المساعدة سيقدمون لك بعض الخبز و الماء .. هذا فقط ما لديهم..

***
بعد مرور عدة ايام اخرى ..

– مرحباً
– أهلاً..
– يبدو لي أن وضعكم سيء للغاية.. أظن أن فتياتك الجميلات ليسوا بخير ..
– كما ترى
– إذاً .. أريد تقديم بعض المساعدة .. هل تقبل ؟
– آه هذا كرم كبير منك ..
– سأعطيك مبلغ … موافق؟
– أوه ..إنه مبلغ كبير .. لماذا ؟ أنا لا أدري كيف أشكرك ..إنه..
– (مقاطعاً) .. لا بأس جميعنا إخوة .. يوم واحد فقط ..حسناً ؟
– ماذا تقصد بيوم واحد ؟
– أعطني ابنتيك .. يوم واحد فقط ..

بهمس تحادثنا أنا و أختي :
– أوه ..انظري كيف هي نظراته ..
–  نعم ..لم أرتح إليه أبداً
– ولا أنا ايضاً..

صرخ أبي في وجه ذلك الرجل :
– اذهب من هنا.. الآن
– ماذا ؟ ما الذي تقوله أنت ؟
– اغرب عن وجهي قبل أن أفقد أعصابي ..
– ههه وهل يعجبك وضعك هكذا ؟ أيهما افضل أن تبقى هكذا مسجوناً على الحدود ؟ أم تأخذ مبلغاً محترماً تحسن به معيشتك ؟؟!

التفت إلينا أبي قائلاً :
– لنتحرك من هنا .. هيا 
ناداه ذلك الرجل  :
– أنت حر .. أنت الخاسر ..

***
عدة أيام اخرى ..
– أختي .. اخبريني .. هل ما زلت جميلة ؟
– (بدموع ) نعم .. نعم عزيزتي .. ما زلت جميلة .. كيف حالك أخبريني ؟ هل تحسنت حرارتك ؟
– إنني كما أنا .. لم أعد اشعر بشيء صدقيني
– لا تفقدي الأمل حسناً .. إنها فترة و ستمر..
– نعم .. مجرد فترة ..

و بالتأكيد ..ستمر 

تاريخ النشر : 2016-07-16

guest
48 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى