أدب الرعب والعام

بيتي المسكون

بقلم : إلينا – فلسطين

بيتي المسكون
نظرت بتردد لأرى من الذي دخل ..

أشعر بوحدة شديدة ، فلا أحد يزورني بسبب تلك الإشاعات الغبية التي لا أساس لها من الصحة .
يقال أنه في هذا المنزل الذي أسكنه كان هناك فتاة تعيش فيه في مثل عمري ، لكنها انتحرت بإلقاء نفسها من الشرفة ، ولا أحد لحد الآن يعرف سبب انتحارها ..

ويقال أيضاً أن شبحها لا يزال يتجول في هذا المنزل ، لكني أسكن في هذا المنزل منذ ولادتي ولم أشهد شيئاً ، ولا ذلك الشبح المزعوم !!
فجأة سمعت صوت الباب ، يبدو أن أحدهم يحاول فتحه ، ارتعبت كثيراً ، وذهبت لأختبئ في المطبخ ، ثم سمعت صوت فتح الباب ثم صوت وقع الاقدام ، نظرت بتردد لأرى من الذي دخل ، فرأيت لصاً يضع قناعاً على وجهه ، ويمسك سكيناً في يده ، فخفت بشدة .
أخذ اللص يتجول في المنزل ، و دخل غرفتي وفتح الخزانة وأخذ يعبث بأغراضي ..
فصرخت فيه قائلةً :
أخرج من غرفتي ، لا تعبث بأغراضي ، اتركها.. أخرج وإلاااا … وما إن رآني حتى صرخ و من خوفه سقط على الأرض ..
واو ، لم أكن أعلم أني مخيفة لهذه الدرجة ، وبدأ بالتراجع زحفاً و أنا أتقدم ناحيته وأقول : لا أحد…لا أحد يحق له العبث في المنزل ..

وقف مرعوباً وبدأ بالصراخ : شبح .. شبح ! النجدة .. شبح !
ثم خرج من المنزل يركض كالمجنون ..

شبح ؟!! .. ماذا يقصد ؟! .. نظرت حولي ولم أرَ شيئاً ، أين هذا الشبح الذي رآه !!
ضحكت على نفسي وقلت أنه مقلب لا محالة ، حتى يستطيع الهرب قبل أن اتصل بالشرطة ، لكني مع ذلك رفعت سماعة الهاتف وطلبت رقم الشرطة ..
رد علي أحدهم ، سألته :
– هل هذا قسم الشرطة !؟
– نعم سيدتي كيف نستطيع مساعدتك ؟
– لقد أتى لص قبل قليل لمنزلي لكنه هرب بعد اكتشافه وجودي بالمنزل .
– هل يمكنك إخبارنا بعنوانك ؟
– طبعا إنه (…شارع…حي ال…المنزل رقم ..)
– ماذا ؟ لا مستحيل !
– هل هناك مشكلة ؟
– هل هذه مزحة من نوع ما ؟
– ماذا ؟
– إذا كانت مزحة فهي ليست طريفة بتاتاً (وأغلق الخط )

ماذا ؟ ما الذي يحدث اليوم ؟ هذا غريب ، لا بأس لن أدعهم يزعجوني .
جلست على الأريكة قليلاً أحاول استرجاع ما حصل ، والكثير من علامات الاستفهام تدور في ذهني ، وفجأة فتح الباب مجدداً .. من هو هذه المرة ، لربما قد عاد ذلك اللص ..
اختبأت خلف الأريكة و اختلست النظر إلى الباب ، فرأيت مجموعة تتكون من فتاتين و شابين يدخلون إلى المنزل و ينظرون في أرجائه ..

بقيت متخفية لأرى ما الذي سيفعلونه ..!!
جلسوا جميعاً على الأرض و قال أحدهم ولنقل أنه الشاب رقم 1 :
– يا إلهي إن الدرج طويل جداً ، و المصعد معطل ما هذا الحظ لقد تعبت ..
ردت عليه فتاة أخرى من المجموعة لنسميها فتاة 1:
– لكننا قد وصلنا في النهاية و المكان لا يبدو مخيفاً ، بالعكس إنه يبدو مرتباً .
شاب 2 : وهذا ما يثير الحيرة !! فكيف لبيت مهجور من زمن طويل أن يكون بهذا الترتيب ؟! ثم مرر إصبعه فوق المكتب بجانب الباب ونظر إليه وقال :
– انظروا حتى الغبار الذي من المفترض أنه سريع التكون غير موجود .

لكن مهلاً ما الذي يقصده بقول لم يسكنه أحد منذ سنين طويلة فأنا هنا !! أوه صحيح لا بد أنهم قد نسوا وجودي بسبب انعزالي ، لا يهم .. الآن لنرى ما يخططون .

فتاة 2 : حسناً .. هل أحضر كل منكم ما طلب منه ؟ وأخرجت ورقة من حقيبتها .
الجميع في آن واحد : نعم .
فتاة 2 : حسناً .. لنرى ، شموع سوداء .
شاب 2 : أحضرتها .
فتاة 2 : طبشور أحمر .
شاب 1 : أحضرتها .
فتاة 2 : و أخيراً أهم عنصر ، صورة للضحية .
و أخرجت من حقيبتها صورة لفتاة شابة و وضعتها مع باقي الأغراض .

نظرت جيداً للصورة ، و ليتني لم أفعل ، إنها أنا …إنها أنا …أنا تلك الشبح …أنا هي … أنا الميتة !!!
لا .. لا هذا لا يمكن .. لكن كيف ؟ أنا لم … أنا لم … لا هذا مستحيل هل أنا … ميتة ؟!!
هذا يفسر كل شيء … هه … إذاً أنا الشبح ، أنا ميتة منذ 7 سنوات لا مستحيل !

وفيما أنا وسط تفكيري و إنكاري لحقيقتي ، أطفئت الأنوار فجأة ، نظرت فكان أحد الشابين قد أطفأها و انضم للمجموعة ، كانوا جميعهم يجلسون على الأرض يشكلون مربعاً في جلوسهم ، و يمسكون بأيدي بعضهم ، وكان في الوسط نجمة خماسية مرسومة بالطبشور الأحمر ، و على كل زاوية من زواياها واحدة من الشموع السوداء .
قالت الفتاة 1 : أيتها الروح المسجونة في الظلام ، من أصبح قلبها حطام ، لم تنعم روحها بالسلام ، اظهري لنا الآن ..

بعد قولها لهذه الكلمات أضاءت النجمة ، وشعرت بشعور غريب بيدي ، فنظرت إليها لأراها ، بدأت بالتلاشي ويدي الأخرى أيضاً ، وجسدي كله ..
أغمضت عيني لأفتحهما و أرى نفسي أطفو فوق تلك النجمة و أربعتهم ينظرون إلي باندهاش ممزوج بالخوف ، نظرت الفتاة 2 إلي وقد ترقرقت عيناها بالدموع .. لا بد أنها خائفة للغاية ، كيف لا و هي ترى شبحاً أمامها ، أنا متاكدة من أنها …
– إنها أنتِ (قالت الفتاة 2 وهي تبتسم والدموع قد وجدت الطريق للهروب من عينيها)
ماذا ؟ إنها تبتسم !
– لا أصدق بأنني أراك فعلاً ، لقد اشتقت إليك كثيراً يا أختي ..

يا … يا أختي !! هل كان لدي شقيقة ؟ لكني لا أذ…كر ، لقد لاحظت الآن ، أنا لا أذكر أي أحد من حياتي ، كنت أوهم نفسي فقط أنني أتذكرهم ، حتى أنني لا أذكر ما هو اسمي لكن كيف لم انتبه ،طبعاً لم أفعل فلا أحد نادى على أسمي منذ زمن لذا لم أعرف .
– ماذا ألم تذكريني يا آيرا ؟ إنها أنا لونا شقيقتك الصغرى ، أنا …
قاطعتها الفتاة 1 قائلة : لا تتعبي نفسك يا لونا ، فالأشباح لا تتذكر شيئاً من حياتها بعد موتها ، حتى أنها لا تعرف أنها ميتة إلا إذا تم تذكيرها ، ونحن هنا لنذكرها .
– لكن كيف ؟
– ألا تريدين مساعدة أختك وتحريرها ؟
– طبعاً أريد !! أليس هذا سبب مجيئنا من الأساس ؟
– نعم إنه هو ..
ثم أنزلت الفتاة 1 رأسها وبدأت تتمتم بكلمات غريبة غير مفهومة ، وفجأة بدأت تصرخ بتلك الكلمات والمكان يضيء أكثر و أكثر ، لدرجة أننا لم نعد نرى شيئاً ، فتحنا أعيننا لنجد أنفسنا بمكان أسود ، نظرت الفتاة 1 للونا وقالت لها : الآن ..
وبدأت لونا تحادثني ، أنا أختها .. الميتة :
– قبل وفاتك بمدة ، تركناكِ أنا وأبي و ذهبنا للتسوق ، قلت لنا أنك تشعرين ببعض التعب و لم تقبلي الخروج معنا .. ماذا حدث بعد ذلك ؟ أخبرينا ..

وبعد كلامها هذا بدأت الخلفية السوداء بالتلاشي من الوسط ، لتكبر بقعة التلاشي حتى يذهب كل هذا السواد ، لأرى نفسي في غرفتي ، واقفة أمام المرآة أنظر إلى نفسي ،ثم أفتح الخزانة ، و آخذ صندوق المجوهرات الذي أهدتني إياه أمي قبل وفاتها ، لكن لحظة كيف أتذكر أن أمي من أهدتني إياه ؟
قالت لونا :
– هذا الصندوق ، آه كم كنتِ تحبينه فقد كنتِ متعلقة جداً بأمي وكان هذا الصندوق أكثر شيء غال على قلبكِ .

ثم أخذت منه عقداً و لبسته ، خرجت من الغرفة و رأيت أختي و رجل ما يستعدان للخروج ، فتمنيت لهما قضاء وقت ممتع ..
– هذا الرجل هو والدنا (قالتها لونا وهي تشير بيدها عليه )
إذاً هذا الرجل هو والدي !!
و بعد أن خرجا من المنزل دق جرس الباب و كانت هناك امرأة واقفة خلفه ، لم أعرفها لكن أختي صرخت : هذه سيلينا .. كانت جارتنا في المنزل المقابل !!
المهم .. أدخلتها و رحبتُ بها ..
و بعد أن جلست سألتني :
– يبدو أنك وحدك في المنزل ..
– نعم أبي و أختي خرجا للتسوق
– ههه ..
– لم تضحكين ..؟
– لا .. لا شيء ، بيتكم جميل ..
– نعم ، أحب تصميمه كثيراً .
– أوه .. ما هذا العقد الجميل الذي يزين رقبتك ؟
– إنه ذكرى من أمي ..
– هل لي أن أراه ؟
– بالطبع .. و رأيت نفسي أنزع العقد و أعطيه للمرأة التي أخذت تتفحصه بإعجاب واضح .. ثم قالت فجأة :
– تعالي نخرج للشرفة ..
– الشرفة ؟ لكمن الحر خانق ، و لايوجد أحد في الشارع من شدة الحر ..
– لكني أريد رؤية شرفتكم هل تمانعين ؟
– لا أبداً ، تفضلي ..
و رأيت نفسي أتجه مع تلك المرأة نحو الشرفة ..
فجأة ندهت عليَّ سيلينا و قالت :
– تعالي و انظري .. يا إلهي ..
وما كدتُ أقترب وأطل بجذعي من حافة الشرفة لأرى الشيء الذي جعلها تصرخ حتى دفعتني و سقطت هاويةً نحو الأسفل ..
فأخذت سيلينا تضحك وتقول .. الآن تخلصت منكِ .. لقد جعلتِ زوجي يجنُّ بكِ …الآن سيعود إلي ..
ثم نظرت إلى العقد الذي كان لايزال بيدها وقالت :
– هه .. لقد أصبح العقد لي ..
صرخت أختي قائلة :
كنت أعرف ان أختي لم تنتحر .. قلت ذلك للجميع لكن لم يصدقني أحد …يا إلهي

انتهى شريط الذكريات و عرفنا الحقيقة .. و بدوري أنا أيضاً استطعت تذكر كل شيء .. تقدمت من أختي وقلت و أنا أغالب دموعي :
تذكرتكِ أختي وتذكرت كل ما حصل معي .. عليَّ الذهاب الآن ، أريد منكِ إظهار الحقيقة عن طريق ذلك العقد ، فقد كان محفوراً عليه اسمي من الداخل ، إذا كانت سيلينا لاتزال تحتفظ به فسوف تستطيعين الإيقاع بها .. وبذلك تظهر الحقيقة للناس و أرتاح ..

و انبثق ضوءٌ أبيضٌ في المكان ، أخذ يجذبني نحوه .. فاتجهت إليه حيث سأجد هناك الراحة الأبدية ، و الهدوء .. والسلام .

تاريخ النشر : 2016-07-20

إلينا

فلسطين
guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى