أدب الرعب والعام

عالم مزدوج ( ج 1)

بقلم : شيطانة منتصف الليل – كوكب الظلام

عالم مزدوج ( ج 1)
كنت أرتعب من أشكالهم المخيفة .. حتى أن خصلا من شعري أصبحت بيضاء

عالمي مزدوج .. هكذا يمكنني أن أقول … فأنا تائهة بين عالمين .. انقسمت و تهت بينهما و لم أعرف إلى أي عالم أنتمي .

كله بدأ منذ طفولتي ، منذ أن أبصرت عيناي الحياة و أنا أتمتع بقدرات تفوق المألوف ، منذ طفولتي و أنا أراهم .. أرى مخلوقات غريبة الشكل ، و بعضها لها أشكال جد مرعبة !! لم يمر يوم لم أرهم فيه ، أكون وسطهم ، محاطه بهم من كل الجهات ، أفهم كلامهم و لغتهم و كل ما يقولونه ، كنت أرتعب من أشكالهم الغريبة و المخيفة حتى أن خصلاً من شعري أصبحت بيضاء من شدة الخوف .

والدي لم يكن إلى جانبي ، أمضيت سنوات عمري الطويلة و لم أره أو أسمع صوته ، بل حتى لم أعرف اسمه !! ولطالما سألت أمي عن والدي فكانت لا تجيبني و تكتفي بالصمت ..

كبرت و أصبحت بعمر الرابعة عشر و أنا لا أزال أسأل عنه ، هل يعقل أنني فتاة غير شرعية ؟؟ هل أنا ابنة … أوه ، أتعبتني تساؤلاتي و حيرتني منذ طفولتي .
و لكن السؤال الأهم يبقى .. لماذا أراهم ؟ لماذا أنا محاطة بهذه المخلوقات التي لا يراها أحد غيري ؟!
و قدراتي .. نعم ، لدي قدرات أجهل كيف حصلت عليها !! لطالما شكوت حالي لأمي لكنها كالعادة كانت تكتفي بالصمت ، و عيناها مليئتان بالدموع .

كنت أعيش مع أمي و أخوالي ، أخوالي كانوا قساة و أشدهم قسوة كان خالي الكبير ..
و كلما غضبت يتكسر كل شيء حولي ، و يهتز البيت بأكمله و كأنه حدث زلزال ، لم أكن أسمح لأي أحد بأذيه أمي ، أذكر أن ان خالي غضب من أمي ذات يوم و ضربها أمام عيني ، فنظرت له بحقد ، تقدم نحوي و هو يحاول أن يفرغ غضبه علي فقال :
لماذا تنظرين إلي هكذا .. ها ؟ هل يعجبك ما نحن فيه ؟ هل يعجبك ما فعلته أمك ، جلبتك إلينا و لم نعرف حتى أباكِ .. هل أنت مسرورة ؟
تقدم كثيراً و أراد ضربي ، و عندما رفع يده في الهواء كسرت !!!… سقط على الأرض أمامي و هو يتلوى و يصرخ من الألم ، سمعت صوت تكسر عظامه ، كانت أمي تنظر الي و هي تبكي و كأنها تترجاني أن أتركه ..
أتى بقية أخوالي و أسعفوا خالي و عندها تيقنت أني أمتلك قدرة على إيذاء الشخص الذي أمامي إن أراد أن يمسني بسوء ..

ذهبوا كلهم للمشفى و بقيت لوحدي في المنزل ، كنت محاطة بهؤلاء الذين يطلق عليهم اسم ” الجن” .
كانوا محيطين بي ، و ينظرون إلي بخوف ، و استغربت لأني لم أكن أخاف منهم أبداً ، فبعد عمر الثامنة تعودت عليهم .. و بينما هم حولي سمعت واحداً منهم كان يقول لجني آخر بجواره : يا لها من قوية ، إنها تستطيع التحكم بقدراتها كثيراً ، أكيد هي الآن تستحق أن تعتلي عرش أبيها .. نعم ، يجب أن تعتلي العرش و تحكم مملكتها .

عندها نظرت إليه فبادلني النظر بخوف ، سألته : ماذا تقصد ؟ عن أي عرش تتحدث ؟ ماذا تعرف عن أبي .. من يكون هاا ؟؟! و رغم غضبي إلا أنه لم يجبني فقط قال : اعذريني جلالتك ، لكن أعتقد أنه لم يحن الوقت بعد حتى تعرفي ، استغربت كثيراً و سألته : عن ماذا تتحدث أنت .. أجبني لم يحن الوقت لأعرف ماذا ؟؟ أجبني !!
لكنه اكتفى بالصمت .. عندها من شدة غضبي فصلت راْسه عن جسده ، ففر كل الجن من حولي ، فازداد غضبي و كنت أطلق طاقة تخرج من كل مكان مني ، فدمرت البيت و كسرت كل شيء .. و بعد أن نفست عن غضبي جلست وسط الحطام أبكي كالأطفال ، لا أعرف ماذا يحدث لي .

عادت أمي مع أخوالي و كانت يد خالي مربوطة إلى كتفه ، فاستغربوا مما حدث في المنزل و سألوني إن كنت بخير لكني لم أجبهم والتفت إلى أمي و سألتها :
ماذا يحدث معي يا أمي ؟ ، بالله عليكِ أجيبيني ؟ لكنها لاذت بالصمت ، و بعد أيام و كانت يد خالي قد شفيت جمعتنا أمي حولها وبدأت بالتكلم :
لم يأتِ الوقت المناسب يا ابنتي حتى تعرفي ، هذا ما كان في وصية جدك والد والدك ، لكني تعبت من أسئلتكِ و نظراتكِ الموجهة إلي و بما أنكِ الحفيدة الوحيدة لجدكِ و الوريثة للعرش يجب أن تعرفي بكل شيء ..

ثم أكملت و الدموع تنهمر من عينيها : كنت في صباي أتمتع بجمال فائق يثير غيرة جميع نساء الحي مني ، و في السابعة عشر من عمري تقدم الكثير لخطبتي من والدي ، لكنه كان يرفض حتى أكمل دراستي ..
كنت أشعر طوال الوقت أن هناك من ينظر إلي من خلف زجاج المرايا ، كنت أحس أني مراقبة من أحدٍ ما ، هذا الأمر جعلني أشعر بخوف دائم ..
و بعد فترة أصبح يظهر لي في أحلامي رجل في ريعان شبابه ، كان يرتدي زي سلاطين العثمان ، و كان له هيبة و وقار قال لي بأنه عشقني من المرآة ، و ظل بعدها يأتي بشكل شبه يومي .

مضت سنوات و هو معي ، أراه في كل مكان ، كانت الهدايا من ذهب و الماس و أحجار كريمه تأتي إلي منه ، في الحقيقة حتى أنا أصبحت أعشقه ، و عندما بلغت العشرون ، تقدم شاب ثري لخطبتي بعد أن رآني في السوق مع أبي ، كان شاباً مؤدباً و وسيماً ، قال أنه أحبني منذ أن رآني لأول مرة ، لكني رفضته ..
أبي وافق و أجبرني عليه ، عندها ظهر لي ذلك المخلوق الذي يحبني و كنت قد عرفت أن اسمه ” آيزامارد” ، كان غاضباً ، لم أره يوماً هكذا أبدا ، كان شكله مرعباً ، هددني إن لم أفسخ هذه الخطوبة فسوف يقتل خاطبي و يأخذني عنوة و لا يعيدني إلى أهلي ..

من وقتها و أنا أقول لأبي بأني لا أريد الزواج لكنه رفض ، فاضطررت أن أخبره بالحقيقة ، فأخذني لأتعالج عند الشيوخ ، لكنه كان متمسك بي ، كانوا يقولون أنه قوي جداً ، عندها عرف خطيبي بكل شيء لكنه لم يتركني أبداً ، بل استمر بالرغم من الجن الذين كانوا يؤذونه ليلاً و نهاراً ..
حل يوم الزفاف سريعاً ، و ظهرت فجأة في وسط الزفاف نار خرجت من الأرض ليخرج منها موكب عرس ضخم جداً ، و وقف الحشود على الجانبين و ظهر ” آيزامارد” ، كان بكامل وقاره ، يلبس لباس الملكي ، و يحمل سيفه في غمده ، الكل ارتعب و دهش ..
صاح بصوت عالي : أريد عروستي ..
و نظر إلى خطيبي و فصل رأسه عن جسده ، و أنا لفت حولي النار و أخذني لعالمه ..

بقيت معه طيلة فترة حكمه ، لم أستطع معرفة شيء عن عائلتي ، لم يدعني يوماً أزور عالم البشر .. و بعد فترته عادت مشاعري نحوه و أصبحت أحبه أكثر من الأول ، ثم أنجبت منه ابنتي مريم … و نظرت إلي ثم أكملت :
كانت ابنتي رضيعة عندما كان زوجي يخوض معارك للحفاظ على حكمه ، لكنه غي إحدى المرات خرج ولم يعد ، و بعدها أرسل أمراً يقضي بإرجاعي أنا و ابنته إلى عالم البشر .

عدت إلى منزلي … أبي كان قد توفي من شدة الحزن علي علي ، و وجدت إخوتي الأربعة ، رأوني و أنا أحمل ابنتي بين يدي ، و لم أفصح لهم عن أي شيء ، و من قتها و أنا عار على إخوتي لأنني لم أجرؤ على إخبارهم بالحقيقة ، ثم وصلني خبر وفاة زوجي عن طريق أحد الجن ، فطردت من عالمهم و لم أستطع العودة …
سكتت أمي و حل الصمت على الجميع ، قطعه خالي الكبير فجأة ، فقد تقدم نحو أمي و ضربها قائلاً : إذاً فقد جلبتِ ابنه الشيطان إلينا ، كانت هذه الشيطانة بيننا كل الوقت و نحن لا نعلم ، نهضت و دفعته عن أمي ، فجرني من شعري و بقية أخوالي يحاولون منعه ، لكنه طردني .. !! طردني خارج منزلي ، و لم يسمح لي بالعودة .

بكيت كثيراً ، لم أعرف أين سأذهب ، و كيف سأعيش ؟ بقيت أمشي بالطرقات على غير هدىً ، لقد حرمت من رؤية أبي طوال عمري ، لأكتشف أشياء لا يصدقها العقل عنه ، و الآن أمي .. أمي حرمت من رؤيتها ، جلست تحت المطر و أنا خائفة و جائعة لم اعرف ماذا أفعل ، أو ماذا أكون !! إلى أي عالم أنتمي .. إلى عالم البشر أم عالم الجن .. فكلا الطرفين لا يرغبان بي ، الله وحده يعلم بحالي .
عدت لأمشي بالشوارع كالمتشردة إلى ان صادفت بطريقي امرأة عطفت علي و أخذتني ، أو هكذا ظننت ، لكني تفاجأت من حقيقتها …

تلك المرأة كنت أراها دائماً في طفولتي ، تأتي إلي و تلاعبني ، و منذ أن بلغتالسابعة من عمري توقفت عن المجيء ، لا أعرف لماذا ؟!
لكنها هنا أمامي الآن ، تقدمت نحوي و ضمتني إليها و الدموع تملأ عينيها ، كانت كما كنت أراها بطفولتي ، نفس تلك العينين الخضراوين الحنونتين ، و نفس تلك اليدين اللتان ضمتاني إليها بحنان يشبه حنان الأم .

أخذتني إليها .. مشينا في طريق طويل ، إلى أن وصلنا إلى غابة ، عندها رأيت عربة سوداء ضخمة ، يجرها حصان أسود شكله غريب فقد كان ضخماً ، و له عينان حمراوان .
خفت و استغربت ، فقالت لا تخافي .. عندها ركبنا و تحركت العربة ..
صمت لدقائق ثم سألتها بكل تلهف و فضول : من أنت ؟؟ عندها ابتسمت و الدموع تملأ عينيها : أنا .. أنا عمتك يا حبيبتي ..
استغربت كثيراً ، عمتي ؟ إنها عمتي و لا أعرف حتى ما اسمها ؟!! عندما رأتني في حيرة قالت أنا عمتك ” يوقاترا ” ، ثم أزاحت الستار قليلاً لأرى العربه تطير !!! هل هذا حلم أم ماذا يكون ؟؟ هل أنا أتخيل ؟!!
قالت عمتي : من الآن و صاعداً سوف تعيشين معنا في قصرك في عالم الجن ، و لن تعودي أبداً إلى عالم البشر ، و هذا قرار نهائي .

خفق قلبي و أجبتها : عمتي لكن أمي … أمي هناك … لا يمكنني تركها ، خالي سوف يقتلها ، يجب أن آتي بها معي ، رجاءً عودي بالعربة ، عودي رجاءً عمتي .
أجابتني بغضب و قد أصبحت عيونها حمراء وتغير صوتها :
أنت لن تعودي أبداً ، إن قتل ذاك البشري أمك فسوف يقتلك أنت أيضاً ، و أنت وريثة العرش الوحيدة ، لن تعودي ..انسي أن نصفك الآخر بشري ، أخي أخطأ كثيراً بزواجه من بشرية .

عندها بكيت كثيراً و أنا أترجاها ، إلى أن وصلنا

هبطت العربة و نزلنا لأرى حشداً كبيراً في استقبالنا ، كان قصراً كبيراً مرصعاً بالذهب أمامنا ، و تحيط به مساحة خضراء واسعة ، و عندما مشينا تنحى الحشد على الجانبين ، و انحنوا أمامنا ، كانت أشكالهم غريبة جداً ، بعضهم له جمال خلاب و هم أشبه بالبشر ، و بعضهم الآخر قصار القامة أو ضخاماً كالعمالقة …!!
دخلنا إلى القصر و هم يرحبون بنا ، كانوا ينادونني بالسلطانة … حقاً ذلك شيء غريب ، كأني عدت آلاف السنين إلى الوراء ، حيث كان يحكم السلاطين العثمان ..!! فالكل كان يرتدي ملابس عثمانية قديمة ، و يحملون الخناجر بأيديهم !!

مشيت مع عمتي و أنا مندهشة مما أراه .. قصرٌ كبيرٌ جداً ، حيطانه مزخرفة بكل قطع الأحجار الكريمة ، إلى أن وصلنا إلى القاعة التي يتوسطها العرش .. كانت جداً ضخمة ، و كرسي العرش أمامي مصنوع من الذهب الخالص ، مع نقش عثماني مزخرف بالفضة ، عندها أمسكت عمتي بيدي و اتجهت بي نحوه و كان الكل مجتمعين في القاعة ، التفتت إليهم عمتي وقالت :
اليوم ، و بعد سنين طويلة عادت إلي ابنة أخي ، عادت إلينا وريثة العرش الوحيدة ، عادت إلينا من ستحكم من بعد وفاة أبيها ، و ستكمل عنه مسيرته .
عندها هتف الكل قائلين : فلتحيا السلطانه ” مريم ”

كان قلبي يخفق ، كنت لست بوعيي أبداً هل ما يحدث حقيقة ؟ هل أنا فعلا سلطانة الجن ؟!!
عندها أخذتني عمتي إلى غرفتي ، كانت غرفةً ملكيةً واسعة .. و قالت لي : عزيزتي ” مريم ” أنت الآن واحدة منا ، لا تفكري بالبشر يا ابنتي ، البشر حقودين و بلا مشاعر ، يتبعون غرائزهم وشهواتهم ، و كل ما تطيب له أنفسهم . لسنواتٍ طويلةٍ و البشر يؤذننا عن طريق السحر ، يحرقونا و يستخدمونا لفعل كل ما هو بشع ، نسينا السلام بسببهم ، عرفنا فقط الحرب و الدماء …. نحن أخيار يا ابنتي ، ابليس هو الذي يعين البشر ، هو و أبنائه ..
أنت الآن منا ، لقد فقدناك منذ سنوات طويلة ، و الآن الله أعادك إلينا بعد سنين من الحرمان ، والدك لم ينعم برؤيتك ، أما الآن فأنت هنا .. سوف تكملين مسيرته ، سوف تعتلين عرشك عندما يحين الوقت ، عندها سوف تبقين هنا للأبد ….

وقع كلامها كالصاعقة علي ، أنا لم أعرف حتى نفسي من أكون ، كنت أحيا حياة عادية حتى انقلب كل شيء و تغير ، و الآن كما حرمت من رؤية والدي سوف أحرم من رؤية والدتي ، أحس بأني أتخبط في الظلام ، و لا أعرف ما يخبئه لي المستقبل .

يتبع …

تاريخ النشر : 2016-08-06

guest
93 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى