أدب الرعب والعام

أشباح الماضي – الجزء الأول

بقلم : بائع النرجس – مصر

أشباح الماضي - الجزء الأول
وجدها هناك تقف و تبعث له بنظرات نارية تكاد تخترق جسده ..

هذه القصة ربما تكون حدثت في مكان ما أو لم تحدث على الإطلاق ، ليس هذا هو المقصود و إنما المقصود هو المتعة
و الرحلة إلى عوالم مجهولة ..

اربطوا الأحزمة فقد آن آوان السفر إلى الكلمة الراقية و المعنى الجيد ..

( أشباح الماضي)
نصيحة لأصحاب القلوب الضعيفة لا تقرؤوا هذه القصة
* * *
نحن البشر فى حياتنا اليومية كثيراً ما نفعل أشياء لا نندم على فعلها إلا بعد فوات الآوان
(كلمة من الكاتب )

* *
البداية ..

يقف عصام وسط قاعة المحكمة و هو يدافع بحماس عن موكله و كل الحضور يتابعه في صمت لطلاوة كلامه و قوة حججه و كيف لا ؟ و قد اشتهر بين زملائه المحامين بذكائه الحاد و أنه المحامي الوحيد بينهم الذى لم يخسر قضية من قضاياه رغم أن عمره لم يتعدى الأربعين ، كان منظماً في كل شيء بحياته و كان عملي لدرجة كبيرة و هو ابن الأسرة المتوسطة الحال و لم يتزوج بعد بل ما يزال خاطباً شابة جميلة و… و …

تصفيق حار بعد ما أنهى كلامه مما جعل القاضي يصدر حكماً بالبراءة لموكله و الإعدام لزميله على ما يبدو أنها قضية قتل و قد أخذت الكثير من الوقت ، و اليوم هو المشهد الأخير فيها ..

انطلقت الزغاريد فى القاعة و انطلق الصراخ و علت الهمهمات ، كان مشهداً اختلط فيه البكاء و الفرح أخذ البعض يهنئون صاحبنا الذى انتفخت أوداجه في زهوٍ و كأنه طاووس مزهو بريشه اللامع و أخذوا يمجدونه لذكائه و كأنه حرر أرض فلسطين ، و هو يكتفي بإلقاء كلمات بسيطة أو ابتسامة و كأنه يلقي منح على عبيده ، تمر دقائق على هذا الحال ثم يترك الجميع و يركب سيارته ليتجه إلى مكتبه في هذا الحي الراقي و بدخوله يسأل مديرة مكتبه قائلاً :
– هل هناك عملاء ؟
تجاوبه قائلةً و هي تقف و تعدل من نظارتها الطبية على أنفها :
– هناك سيدة عجوز تنتظرك
– إذاً أدخليها بعد خمس دقائق

يدخل إلى مكتبه يجلس على مقعده الوثير و ينفش نفسه و كأنه ملك يجلس على عرشه ، و قد أخذ ينظر إلى شهاداته العديدة المعلقة و يشطح بتفكيره ، و فجأة يدق الباب و تدخل السيدة العجوز ، كانت كبيرة في السن فقد تجعد وجهها و تحطمت أسنانها و ابيض شعرها الذي وضعت عليه وشاحاً ممزقاً يسمح برؤيته و قد ارتدت أسمالاً .. أخذت تخطو خطوات ثقيلة حتى وقفت أمامه في صمت ، اندهش هو منها و سأل نفسه :
– كيف لمديرة مكتبه أن تسمح لهذه العجوز بالدخول هنا ؟ فهو محامي الصفوة و …
قاطعت العجوز تفكيره قائلةً و هي تنظر بعينيه :
– تسأل نفسك أكيد عن سبب وجودي هنا ؟ و لكني لن أحيرك كثيراً ، فاليوم قد قتلت ابني الوحيد ..

هب من مكانه و هتف و قد اتسعت عيناه
– نعم ماذا تقولين ؟
– لا داعي لهذه العصبية فقد أطلقت سراح القاتل و حكمت بالإعدام على البريء ، ابني لم يقتل أحداً فهو ما لدي من الدنيا إبني بريء .
انحدرت الدموع منها ساخنةً و كأنها بركان ساخن و تابعت :
– لكن صدقني لن تفلت بفعلتك من الله ..

استعاد رباطة جأشه و عاد للجلوس و قال لها ببرود
– أنا محامي و أقبض المال لذلك ما لي أنا بإبنك ؟
– كان يجب عليك أن تتفحص القضية جيداً و تراعي الله فينا فنحن لم نفعل لك شيئاً و لكن لا تقلق إن انتقام الله أقرب ما يكون ..
قهقه ضاحكاً و طلب مديرة مكتبه لتخرج هذه العجوز في برود و لكنها استدارت قائلة :
– كل و اشرب و امرح .. لكن لن ترتاح أبداً .

لم يفكر بحديثها بل واصل عمله و نسي أمرها ، لكن المستقبل كان يحمل له المزيد من الأحداث …

تمر ساعات العمل سريعاً ليعود إلى منزله ليمارس باقي روتينه اليومي ، و تمر الأيام و ينسى صاحبنا ما كان من أمر العجوز ، و فى ليلة من ليالي الصيف الحارة يخرج من غرفته إلى الشرفة ليشعل سيجارة و يفكر ماذا يفعل بقضية ما كانت تستحوذ على كل تفكيره ، و فجأة لاحظ شخصاً ما يقف تحت عمود الإنارة في الجهة المقابلة من الشارع و ينظر إليه و كأنه يراقبه ، و بفضول دقق النظر فيه و فجأة تراجع للخلف و وقعت السيجارة منه و دق قلبه بعنف و كأنه طبول تقرع بصوتٍ عالٍ ..

ترددت أنفاسه و بسرعة خرج من شقته و هو يهرول و أنفاسه تتلاحق و في نفسه سؤال واحد :
– ماذا تفعل هنا في هذا الوقت المتأخر ؟!
لم يجد جواباً أبداً لهذا السؤال ، وصل للرصيف و وجدها هناك تقف و تبعث له بنظرات نارية تكاد تخترق جسده ، كانت ملامحها جامدة و كأنها تمثال من الشمع ، مرت ثواني قليلة تمالك فيها نفسه و قرر أن يعبر الطريق ليسألها عن سبب وجودها ، و قبل أن يخطو خطوة واحدة أتت سيارة مسرعة و كأنها ظهرت من العدم و حالت بينهما لمجرد ثواني و بعدها ينظر صاحبنا ليجدها قد اختفت من مكانها ! ينظر بفزع حوله قائلاً :
– أين ذهبت ؟!
الشارع كان مستقيماً ، لو تحركت للأمام أو الخلف لرآها ، و فجأة لمح فتاةً صغيرة تقف بعيدةً عنه و قد أعطت ظهرها له ، يجرى إليها و يحاول أن يسألها بهدوء :
– هل رأيت سيدة عجوز مرت من هنا ؟
تمر لحظات من الصمت يكرر سؤاله و هنا تقول الصغيرة دون أن تلتفت بصوت عجوز قبيح :
– سـتموت ..

ينتفض صاحبنا و كأنه أصيب بماس كهربائي و يتراجع للخلف و ترتعد فرائصه و هنا تستدير الفتاة و يرى وجهها .. إنه وجه السيدة العجوز بكل تجاعيده و لكن الجسد جسد فتاة صغيرة ، و هنا تصرخ فيه أكثر قبل أن يتسع فمها على نحو مخيف :
– ستموت و بأسرع وقت ســـــــتموت ..

ثم تضحك ضحكة جنونية مخيفة و صاحبنا من قمة الفزع وقع على الأرض و من ثم سمع نفير سيارة ما و التفت بسرعة ، و هنا لمح نور أبيض قوي يعمي عيناه و …. أظلمت الدنيا ..

يستيقظ فجأة ليجد نفسه وسط الطريق ، لسعة برد تلطم خديه و أرنبة أنفه ، تصيبه حالة من البلبة و عدم التركيز ، و أثناء هذا الصراع المحتدم من التفكير يسمع صوت أحدهم يقول :
– هل أنت بخير يا أستاذ ؟
يرفع عينيه لصاحب الصوت ليجده رجل ضخم الجثة خمن شخصيته بسرعة إنه بالتأكيد صاحب السيارة لم يرد عليه بل حاول النهوض و قال له :
– هل رأيت هذه الطفلة ؟
رفع الرجل حاجبيه و قال و هو يهز رأسه
– لم يكن هناك أحد في الشارع غيرك !!
تراجع للخلف كالمصعوق و اتسعت عيناه و هتف
– و لكنها كانت هناك و قد ألقت الرعب في قلبي مما دفعني للسقوط أمام سيارتك .
نظر إليه الرجل نظرة طويلة ثم قال له و هو يبتسم :
– يبدو أنك أفرطت في الشرب الليلة ..

طالت النظرات بينهما ، بعدها خطف صاحبنا نفسه و إتجه إلى شقته و قرر أن يستحم فهو يحتاج للتركيز ، و بالفعل دخل إلى الحمام و أثثاء ذلك إنقطعت الكهرباء فأخذ يلعن و يسب ، و كان هناك بصيص ضوءٍ من الخارج يتسلل من نافذة ما هناك ، ربما يكون ضوء القمر ، و عليه شاهد شيئاً ما متكوراً أمام باب الحمام ، ارتعش قلبه و انتفض حتى كاد يقف ، و فجأة عادت الكهرباء و إنتفض أكثر في مكانه ، لا شيء هناك !!

و تنقطع الكهرباء و تتذبذب بين حضور و إنقطاع و حين تنقطع يظهر هذا الشيء المتكور و هو يقف ليأخذ هيئة شخص ما و عندما تعود الكهرباء يختفي ، و بقى الحال هكذا لمدة دقائق و صاحبنا يكاد يموت من الخوف ، و أخذ ذلك الشخص يقترب منه و صاحبنا متسمر في مكانه و فجأة هجم عليه ، و انحنى صاحبنا من الفزع منتظراً هجوم هذا المجهول و قد أغمض عينيه ، مرت ثواني ثقيلة لم يحدث فيها شيء ، فتح عينيه في خوف و لكنه لم يجد أحداً فالكهرباء عادت و لم تنقطع ، و هنا قرر أن يخرج من الحمام بسرعة و ارتدى ملابسه و جلس يفكر ماذا يحدث له ؟ و ماذا يفعل ؟ و طال تفكيره و في أحد اركان غرفته لمح هيئة رجل يقف هناك في صمت ، دقق النظر إليه فلم يستشف ملامحه ، حاول أن يجمع شجاعته ثم اقترب منه و أخذ يسأله :

– ماذا تريد مني ؟
لم يجبه فاقترب منه أكثر و صرخ بقوة :
– ماذا تريد مني ؟
هنا دخلت عليه شقيقته و هتفت
– أخي ما الأمر ؟
إستدار إليها ليقص لها ما حدث و لكنه كمن أصابه قطار منطلق بسرعة الصاروخ ، فما إن رأى منظرها حتى أخذ يصرخ و يصرخ بدون توقف ..

يـــــتبع …

تاريخ النشر : 2016-10-22

guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى