أدب الرعب والعام

قطار الدمى المسكونة ج1

بقلم : Shadwoo Shadwoo – مصر

قطار الدمى المسكونة ج1
رأى الكثير والكثير من الدمى التي دبت بها الحياة وعيونها تتحول للأسود

أطفال الكشافة وهم يستمتعون برواية القصص حول نار المخيم ، هذه هي اللحظة.

أجتمع الأطفال كعادتهم حول نار المخيم وهم ينتظرون قصة جديدة من تلك القصص المخيفة ، استعد الجميع بابتسامة تنتظر التشويق ثم بدأ قائدهم برواية القصة : يحكى انه فيما مضى وبليلة من ليالي الشتاء الباردة وسكون الليل المظلم الذي اخترقه صوت عجلات لقطار ما ، وبين هدوء ركابه النائمين ، تسلل بعض الأطفال لإلقاء نظرة على عربة الألعاب بالخلف.

– هل سيرانا احد ؟

– لا الجميع نيام هيا أسرعوا.

بهدوء تباعدت خطواتهم لعربة الألعاب وصوت إغلاق الباب خلفهم كان أقل هدوءاً منهم ، أشعل طفل منهم ضوء مصباحه ثم أخذوا يلقون نظرة على تلك الألعاب الجميلة وعيونها الكبيرة ، قطع لعبهم ذلك الصوت ، صوت توقف القطار ويبدو انه كان هناك عطل ما أو شيء يعيق تقدمه وهذا ما دل عليه نزول شخص ما من المقدمة ليكتشف الأمر ، نظرت طفلة منهم لنافذة القطار وهي تطل على تلك المدينة المظلمة وكأن رائحة الموت تتسلل بين أركانها ، قاطع صبي منهم شرودها بحديثه قائلاً:

– تلك هي مدينة الأشباح .

– ماذا ؟

ما أن سمع الأطفال تلك الكلمة حتى اقتربوا من النوافذ لإلقاء نظرة بينما انتظروا صديقهم ليكمل حديثه فلم يكونوا أطفالاً خائفين بل كانوا مشاغبين كفاية ليتسللوا ليلاً بين عربات القطار بحثاً عن المرح.

تابع صديقهم حديثه بينما ينظر لتلك المدينة :

– كان أبي من الجنود الذين أسرهم العدو وكانت تلك المدينة مخبأهم ، كانوا يسجنون الأسرى بداخل قبو كبير يمتد تحت الأرض ثم يتناوب الجميع عليهم بالتعذيب ما بين الحين والأخر ، تمنوا الموت لكنهم لم ينالوه ، كانوا يستمتعون بصراخهم بين الحين والأخر وكأنها معزوفة لبيتهوفن ثم يدفنون من يشعرون أن اجله قد اقترب ، كان يتم دفنهم أحياء لزيادة المتعة ، نظر الصبي إليهم متابعاً :

– كان يحدثني أبي قائلاً :

– كنت من هؤلاء اللذين سكنوا ذلك القبو المظلم ، رأيت كتيبتي وأصدقائي يتعذبون ولم استطع فعل شيء لهم حتى استيقظت بليلة سمعت فيها صديقي يتمتم بكلمات غريبة ظننت أنه ربما يهلوس من التعب.

ثم وجدت شخص ما يقترب منه ، ظننته من جنود العدو لكن برغم ظلام المكان إلا أني استطعت رؤية ملامحه ، لم يكن بشراً ، بل كان شيئا يشبه الظل ، رأيته يقترب منه أكثر وصديقي وكأنه كان ينتظر قدومه ، بدأا يتكلمان بلغة غريبة لا أعلم ما هي ثم رأيت صديقي يبتعد عن الجدار ويخطو تجاهي وكأنه لم يكن مقيداً ، ذهلت مما رأيت كيف فعل هذا ومن ذلك الشخص الأخر ؟  هذه كانت كلماتي له ،

لم يبادلني الرد بل فك وثاقي وما أن سحبني من ذراعي حتى وجدت نفسي خارج المعسكر ، ولم أدري كيف حدث ذلك وقبل أن يبتعد أمسكته من يده متابعاً :

– أخبرني ما الذي يحدث وكيف تفعل هذا ومن ذلك

الشخص ؟

قاطع حديثي قائلاً :

– ذلك الذي رأيته كان من أتباع والدي ، ثم بدأ يقص متابعاً والدي كان ساحراً يتعامل مع الجن وما إلى ذلك ، عارضت بالبداية ذلك العمل لكن بالنهاية استسلمت له بل وبدأت بتعلم السحر والتعاويذ منه حتى صار لي أتباع من الجن ، لقد أردت القوة مثل ما أرادها غيري والآن اذهب بعيداً عن هنا.

– و آنت ؟ ومن بالداخل ماذا عنهم ؟

ضمني إليه متابعاً :

– سأجعلهم خالدين للأبد يا صديقي وسأعطيهم ما أرادوه ، إنه الانتقام.

أبتسم لي ثم ابتعدت خطواته تجاه المعسكر وكان ذلك الشخص ينتظره بالداخل ، ما أن ركضت نحوه لإيقافه من العودة حتى اختفى من أمامي وبدأت أرى ظلالاً سوداء تجتاح المعسكر لقد كانت تأتي من كل مكان ثم بدأت تلك الصرخات بالارتفاع وكأن أصحابها يحترقون ، اجتاح السواد المدينة ولم ادري بنفسي إلا وأنا اركض بعيداً ولم يكن لدي الجرأة للنظر خلفي فقد كانت الأصوات وحدها مرعبة فكيف بالمشهد نفسه ؟ لم أستطع التفكير بمصير صديقي أو بكتيبتي فكل ما كان يشغل عقلي هو الابتعاد عن هذا المكان ،

أصبح هذا المكان خراباً بعد ذلك وكل من حاول البحث عنهم كان يختفي بحلول الظلام ومن عثر عليه كانت جثته وكأن الدماء امتصت منها ورسم الظلام ملامحه عليها وكأنها لوحة ما.

عاد القطار مجدداً للسير واكتفوا بهذا القدر من القصة ثم عادوا للعب وما أن التفتت الطفلة حتى سمعت صوت موسيقى وكأن أحداً ما يعزف على الفلوت ، نظرت مجدداً للنافذة فوجدت شخصاً يجلس بعيداً وهو من كان يصدر ذلك الصوت ، برغم تحرك القطار ألا أن الشاب كان لا يبتعد وكأن القطار لم يتحرك أبداً.

نادت الطفلة على أصدقائها فلم يبادلها احد الرد فالتفتت إليهم لكن لم تجد أحد ، كانت وحدها بعربة الألعاب وسط الظلام ، ارتعبت وظلت تتخبط تجاه المخرج وقبل أن تمسك مقبض الباب  انقلب القطار وأصبح حطاماً وسط تلك المدينة ،

بعد البحث المستمر وجد حطام القطار وتكفل مجموعة من الرجال ما بين نقل جثث الضحايا  والبحث عن ناجي بينهم ، لكن لم ينجو احد منه ، لم يهتم أحد بتلك العربة بأخر الطريق فكل ما كان بها هو مجرد العاب محطمة لا قيمة لها.

وقبل أن يحل الليل على المكان غادر هؤلاء الرجال فقد انتهى عملهم هنا ما عدا شخص منهم

– ياسين ، سوف يحل الليل هيا نغادر.

– لا عليك منزلي بالبلدة المجاورة سأتأخر قليلا.

– حسنا ، وداعاً.

لم تكن نية ياسين سيئة كلصوص الليل فلم يتأخر ليسرق شيئاً من أغراض الضحايا بل كان مخلصاً جداً لعمله فأراد البحث قليلاً بالقرب من الحطام ربما يجد طفلاً تائها أو شخصاً جريحاً و يا ليته لم يفعل.

أخذ ياسين يدور هنا وهناك قليلاً و يبحث حتى جن الليل وخيم الظلام على المكان ، فبدأ بإشعال مصباحه ويئس من وجود أحد فقرر الرحيل لكن ذلك الصوت هو الذي أوقفه ، صوت طفل يبكي التفت ليبحث عن مصدر الصوت لكنه توقف ، ظن انه يهيأ له لكنه شعر بحركة لشخص أو شيء ما يركض بالظلام فقد كان صغيراً على أن يكون طفل ، ربما حيوان ما ( هكذا حدث ياسين نفسه ) شعر بنفس الحركة مرة أخرى فوجه المصباح بسرعة تجاهه فلم لم يجد أحد ، كان سيغادر لكن تلك الجلبة بالعربة هي ما جعلته يركض نحوها لقد كانت العربة وكأنها حلبة لمصارعة ما ، أخذ يتفقد بمصباحه لكن لم يجد سوي دمى والعاب حتى أن السكون كان يخيم على المكان  إنه ذلك الهدوء قبل العاصفة ، ظل ياسين يتساءل : لكن كيف ذلك وقد كانت العربة تهتز منذ قليل ؟ تجاهل ياسين الأمر وقرر المغادرة لكن لمعت بعينيه تلك الدمية الجميلة بعينيها الزرقاء فتذكر بها ابنته الصغيرة وكيف ستسعد بها فالتقطها وتابع طريقه للمنزل ، دخل ياسين منزله وما أن رأته طفلته حتى ركضت نحوه بضحكاتها الطفولية و لمحت تلك الدمية بيده فقالت:

– أبي أنها جميلة جداً ، هل هي لي ؟

– بالطبع يا صغيرتي ، هل أعجبتك ؟

– أنها جميلة جداً .

أخذت شهد تلعب بالدمية وتدللها حتى موعد النوم ، استغرقت بالنوم وشعرت أن أحد ما يسحب منها دميتها فظنت أنها والدتها فسحبت بدورها الدمية لها وضمتها ثم عادت للنوم.

مرت الأيام واهتمام شهد بالدمية يزيد حتى زاد عن حده كانت تصرخ إذا أخذها احد منها وتحدثها دائماً حتى أنها أعطتها اسم  ليلى  ، استيقظت والدتها ليلاً لشرب المياه ومرت على غرفة شهد فسمعت همسات تصدر من غرفتها وكأن أحدا ما يتكلم ، فتحت باب غرفتها فوجدتها مستغرقة بالنوم كانت ستغلق الباب لكن لفت انتباهها تلك النظرات الغريبة من دميتها كانت تجلس بجوار شهد وكأنها تنظر تجاه مدخل الغرفة وعلى وجهها ابتسامة يقشعر لها البدن ،

تجاهلت الأمر ثم أغلقت الباب خلفها ، كان لدى شهد أخ أكبر منها بسنوات قليلة كان مشاغباً جداً ويحب مضايقة أخته الصغيرة ومن تلك المشاغبات خبأ دميتها بصندوق بغرفته وأغلق عليها.

ظلت شهد تبحث عنها وأخذت تبكي حتى هدأتها والدتها بأنها ستبحث عنها ، كان أخوها سيف يراقبها وهو يضحك وكانت نيته أن يعيدها فيما بعد لكنه أراد المزاح قليلاً و يا ليته لم يفعل.

خلد الجميع للنوم ومن بينهم سيف الذي استمر بالضحك حتى استغرق بالنوم لكنه سمع صوت ما يصدر من الصندوق ظن انه يهيأ له وعاد للنوم لكنه استيقظ فجراً على اهتزاز الصندوق وصوت يأتي منه وكأنه صراخ لأحد يحاول الخروج ، ارتعب سيف وأخذ ينظر لذلك الصندوق الذي يرتطم هنا وهناك  ولم يستطع حتى الصراخ وكأن القط أكل لسانه ، استجمع شجاعته وظل يصرخ حتى استيقظ الجميع وما أن دخلوا غرفته حتى توقف الصندوق عن الحركة ، ركضوا إليه يهرعون وهو ظل يشير إلى الصندوق برعب شديد ، تقدم والده للصندوق وحاول فتحه لكنه كان مغلقاً وقبل أن يسأل سيف حتى بادر بإخراج المفتاح ويده ترتعش ، أخذ والده المفتاح وفتح الصندوق والجميع يترقب ومن بينهم سيف الذي وكأنه رأى شبحاً ، ضحك والده منه فلم يجد بالصندوق سوي دمية شهد ، وما أن رأتها شهد حتى ركضت تجاهها وأخذت تضمها إليها ثم نظرت لسيف متابعة : كنت أعلم انك من أخفيتها.

نظر والداه إليه وأخبراه أنهم سيتحدثان معه في الصباح عن مشاغباته تلك لكنه لم يبادلهما الرد بل ظل ينظر للدمية بخوف شديد وشعر هو أيضاً بنظراتها له وابتسامتها .

مرت الأيام وسيف يرتعب من الدمية عند رؤيتها حتى شعر بليلة بحركة ما تصدر من أمام غرفته ، اعتدل بجلسته وأخذ ينظر على ذلك الخيال الذي يتحرك أمام الباب ثم ابتعد وتابعه سيف بهدوء ليجد دمية شهد تقفز من نافذة المنزل ،

تبعها بخطوات هادئة حتى وصل أمام حطام قطار ، شعرت بان أحدا ما يتبعها فنظرت بسرعة لكن سيف كان أسرع باختبائه عن نظرها وما أن تأكدت بخلو المكان حتى قفزت داخل عربة منهم كان يصدر منها أصوات كثيرة وجلبة.

تبعها وأخذ يسترق النظر وقد أرعبه ما رأى ، فقد رأى الكثير والكثير من الدمى التي دبت بها الحياة وعيونها تتحول للأسود وأسنانها وكأنها حادة كفاية لتمزق جسد شخص ما وتخيل سيف أنه ذلك الشخص فأنسحب بهدوء من ذلك المكان وتابع طريقه للمنزل ركضاً ، مر بعض الوقت ليرى سيف من نافذته تلك الدمية وهي تتسلق جدران المنزل حتى دخلت وتابعت خطواتها لغرفة شهد وكأن شيئا لم يكن ، كتم سيف ما رآه لأنه يعلم ان لا أحد سيصدقه لكنه يعلم من سيفعل ذلك ، إنهم أصدقائه وبالفعل صدقوه بل وذهبوا لتلك العربة.

كانت الشمس تسطع بأركان المكان ثم تقدم سيف وأصدقائه داخل العربة فلم يجد شيء لكنه ظل يقسم لهم انه رآها ، تجاهل أصدقائه الأمر لكنهم لم يتجاهلوا كونهم بمدينة الأشباح تلك الأسطورة التي أرعبت البلدان المجاورة ، تابعوا سيرهم بالمدينة تحديداً داخل المعسكر ، أخذوا يتفقدون الغرف والعربات التي صدئت من اثر الزمن ثم وصلوا لمدخل ما مؤدي لطابق أرضي و تابعوا سيرهم بذلك الممر الهادئ حتى وجدوا سلم يؤدي للقبو ، رفض سيف النزول لكن أغلبهم استمرت خطواتهم لأسفل القبو وأخذوا يتفقدون تلك السلاسل المعلقة بالحائط وتلك السياط والدماء الجافة هنا وهناك حتى وقع نظرهم على شيء ما ، أنها قدم لشخص ما أو بالأحرى عظامه ، تابعوا نظرهم حتى وجدوا جثة تشبه المومياء جسدها وكأنه سحبت منه الدماء حتى أصبح كاللحم المقدد وملامحه كأنها كانت تنظر لشيء أرعبها وما أكد على ذلك يديها وهي تحاول إخفاء وجهها ، لقد كان هناك الكثير والكثير منهم متكدسين بالقبو ، وهذا ما جعلهم يعودون لرشدهم وأسرعوا بالركض خارج السياج حتى ابتعدوا لكن سيف توقف فجأة عندما وجد شيء يلمع داخل عربة الركاب ، أخذ صديقه يسحبه من يده ليبتعد لكنه لم ينصت له واستمرت خطواته بالاقتراب من ذلك الشيء ، اقترب اكثر حتى وجد مصدر الضوء ، لقد كان خاتماً ذهبياً تنعكس عليه أشعة الشمس وبجانبه محفظة لشخص ما ، ألتقطها وأخذ يتفقدها ليس لشيء أنما لتلك الصورة التي لفتت انتباهه لقد كانت صورة عائلية ، تلك الطفلة لقد رأيتها بمكان ما ، لكن أين ؟

– مهلا إنها تشبه دمية شهد.

ارتعب سيف والقي الصورة من يده واستمر بالركض بعيداً عن المكان حتى اقترب من منزله ، ولم يدري أيضاً أن تلك الطفلة هي نفسها من كانت بالعربة وقت تحطم القطار وهي من سمعت ذلك العزف من الشخص المجهول ، لكن كيف تحولت لدمية ؟

يتبع …

 

 

تاريخ النشر : 2016-10-24

guest
28 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى