دموع في باريس
وصلت إلى باريس .. مدينة العشاق و الرومانسية |
ودعت أهلي و الأحبة و جميع الذكريات و غادرت نحو مدينة العشاق و الرومانسية .. باريس ، و فور وصولي إلى تلك الوردة انبهرت بجمالها وعبق نسيمها و اتجت مع عمتي إلى منزلها و أنا أتفحص تلك المدينة و كأنها جنة في نظري ، و مر اليوم الأول و كأنه حلم و جاء الحلم الثاني حين وجدت فتاة حسناء آية في الجمال تجلس مع عمتي ، تخشبت في مكاني أحدق فيها و إذا بعمتي تنادي علي لتعرفني بها فنزلت مهرولاً و أخبرتني بأنها ابنة جارتنا ، ثم سمعت صوتها الرنان و كأنه سنفونية من إبداع باخ أو موزارت ، لكنني اندهشت لحديثها بالعربية و بعدها فهمت أنها من أصل لبناني ثم اقترحت علي بأن نخرج معا لتريني جمال باريس و فعلاً خرجنا و توالت بعدها اللقاءات التي كنت أشعر خلالها بالسعادة ..
و جاء يوم كان لدي موعد فيه مع أحد معارفي في محطة القطار ، و بينما أنا انتظر جاءني رجال الشرطة و سألوني ماذا أفعل هنا فأجبت بأنني أنتظر أحد أصدقائي فطلبوا مني التوجه إلى أمن القطار و أدخلوني غرفة خاصة و طلبوا وثائقي فقدمتها لهم ، ثم اتهموني بأني أراقب الناس و أساعد على سرقتهم ، فدهشت و قلت لهم بأنني أنتظر أحد أصدقائي ، ثم أخذوا يفتشوني فلم يجدوا شيئاً و بعدها عاملوني بخشونة فأغضبني ذلك و بدأت أصرخ في وجوههم و عندئذٍ لم أعرف من أين أتتني الضربات و معها الاهاناة ثم رموا بي خارج المكتب ..
اتجهت إلى المنزل و أنا في حالة صدمة و وجدت عمتي و معها ابنة الجيران و اندهشتا من حالتي فسردت لهما القصة و رأيت الدموع تتغلغل في عيني تلك الفتاة فنسيت برؤيتها كل آلامي و نهضت تريد العودة إلى منزلها فاتفقت معها على اللقاء .. و عرفت عندها بأني أحبها ، و في إحدى المرات اعترفت لها بحبي فأجابتني بأنها تبادلني نفس المشاعر فسعدت بذلك .. لم تكن الفتاة الأولى بحياتي لكني أحسست معها بأن قلبي يرمي بهمومه و يمتلئ بحبها و كأنها أول عشق لي ..
لكن لم تدم سعادتي .. فبالرغم من مشاطرتها لي القهر و وحشة غربتي لكن الاضطهاد كان يقتلني في يومياتي في العمل ، في الطريق ، في أي مكان .. و مع الأيام تزداد معاناتي حتى وصلت إلى حد لم أستطع فيه المكوث أكثر و فتحت معها الموضوع و طلبت منها أن ترافقني و تعود معي إلى الوطن لكن للأسف ازدادت الأمور تعقيداً فقد رفضت الأمر ، و بذلك وضع قلبي بين خيارين الوطن أم الحب ، فاخترت الحب في بادىء الأمر لكن الأمور كان تزداد سوءاً و لم أعرف ما العمل .. هل أعود و أترك من هواها القلب أم أبقى و أدفن حياً ؟!
و تدهورت حالتي الصحية و جاءت ملاك حياتي لتخبرني بأن مكاني ليس هنا بل في مكان آخر ، عقلي فهم قصد كلامها لكن قلبي تألم لذلك .. و بعدها بأيام عدت إلى وطني و أنا أشعر أن قلبي يتقطع لكن عندما أخذتني أمي في حضنها أحسست بأن جراحي ستشفى ، فحنانها و دموعٌ تزين خديها من الفرحة جعلنني أدرك أن الغربة جحيم في الأرض ، فالبعيد عن الوطن بعيد عن الحنان و الأمان ..
تدافعت كلماتي اليوم ليعلم إخوتي أننا رغم المعاناة في الأوطان لكن حنان الأم و سهرة مع الأصدقاء و الأحباب لا يعلم حلاوتها إلا من اغترب عن الوطن مثلي ..