أدب الرعب والعام

Welcome Origin

بقلم : مازن الشّابي – تونس

Welcome Origin
لم يكن يؤثر به الموت ..!!
– إنه يموت .. أنقذوه إنه يموت !!
– العمود اخترق قلبه يا إلهي لقد انتهى انتهى !
– لا فائدة سيفقد كل دمه ..
و عاجله بضربة قوية بصخرة ضخمة فهشّم رأسه.
– هذا هو الحل ، أنهيت عذابه .

***

– لا … لا تفعل !!

صرخ بكل صوته حتى كادت حنجرته أن تتمزق ، رفع يده محاولاً تفادي الضربة الموجّهة إليه.. لكن أي ضربة ؟ هل يتحدث مع الأشباح ؟ إنه في الخلاء ، في الظلام و الفراغ ، وضع يده على صدره لا يوجد أي جرح و لا عمود و لا قطرة دم .. نظر حوله لم يجد السيارة المنقلبة و لا أصدقاءه الذين يصرخون هلعاً .. ماذا حدث ؟ قبل أقل من ثانية كان يرى لمعان الحديد متوجهاً نحو رأسه ليستقر به و .. يرديه قتيلاً !!

نهض و أزال التراب و الأعشاب التي كانت تغطيه ، كان سليماً معافى ، بل في أحسن حالاته ، حتى أنه يشعر بقوة شديدة تسري في جسده ، كان ممدداً في حفرة ، تسلقها و هو مندهش من براعة تسلقه و ثبات يديه ، إنه الظلام الحالك لا يرى شيئاً سوى النجوم في السماء ، فتش عن ساعته لم يجدها ، المصباح كذلك ، لم يجد شيئاً حتى محفظة أمواله اختفت ! لكنه تمكن من الاهتداء للخروج من الغابة التي لم تكن بعيدة عن الطريق حيث تمر السيارات ، تمكن من الوصول بفضل ضوء القمر الخافت المحجوب بالسحب ، يفترض أن يكون البرد شديداً فالفصل شتاء حسبما يتذكر لكنه كان في حالة عادية رغم أنه يشعر بالرياح اللاسعة تمر على جسده و تلطمه !!

لا توجد أي سيارة و المسافة بعيدة لأن الحادث حصل عن بعد خمسة كيلو مترات عن المدينة حسب معلوماته ، قرّر أن يتمشّى ريثما تصل سيارة لتقلّه ، سار لدقائق معدودة حتى سمع صوت سيارة خفيفة وراءه فالتفت و رفع يده ، توقفت السيارة و صعد إلى جانب السائق .

كان عجوزاً في السبعين من عمره يرتدي نظارة و ملابس ثقيلة ، ابتسم له قائلاً :
– كيف لا تزال حياً و أنت ترتدي قميصاً خفيفاً في هذه الليلة الباردة ؟ سأعطيك سترتي .
– لا لا داعي لا أشعر بالبرد .
– ماذا تفعل في وقت كهذا هنا ؟
– اا.. عم.. كنت في زيارة في زيارة..
– ماذا تفعل هنا ؟ تتجول الساعة الثانية بقميص خفيف في قلب الشتاء و تقول لي زيارة ؟
– ابن عمي يسكن وراء الغابة لهذا أنا …
– هل ابن عمّك سنجاب أم فراشة يا بني ؟ الغابة تمتد لكيلومترات .. لو قلت لي أن ابن عمك يعيش وسط شجرة لصدقتك !
– أعني …
– هل تعلم أن الأمر خطر ؟ تجوالك هنا خطر شديد خاصة بعد الحادثة الأخيرة ..

– أي حادثة ؟
– يقال أن هنالك مجرمون مريبون في هذا المكان من الغابة يقتلون كل من يمر من هنا حتى بالسيارات ، نحن الآن نجازف يا بني ، فقبل أربعة أيام انقلبت سيارة بسبب هؤلاء المجهولين مما أسفر عن وفاة واحد و اختفاء الآخر و الثلاثة الباقين نجوا.. و كثيرون يقولون أن هؤلاء المجهولين ليسوا بشراً و الأمر مريب جداً لأن الشرطة فتشت المنطقة المجاورة بحثاً عن أدلة حول هؤلاء المجرمين لكن بلا جدوى و لا دليل !

غريب ! حدّث نفسه بارتياب شديد ، هل هذا العجوز يهذي ؟ لا أذكر أنه حدث شيء كهذا منذ أربعة أيام..

وصلا للمدينة أخيراً ، شكر السائق و نزل ، تمشّى لكن إلى أين ؟ إلى منزل حبيبته فلا شك أنها قلقة عليه فجوّاله اختفى كباقي الأشياء ، وصل للمنزل طرق الباب لكنها لم تفتح و لا دليل على وجود أحد بالمنزل .
رأى الشرفة مفتوحة ، تسلق بسهولة كما فعل من قبل ، دهشته أعظم من ذي قبل ، قفز إلى داخل المنزل من الشرفة.. رأى نوراً ضئيلاً منبعثاً من الغرفة ، اتجه نحو الباب و دفعه ببطء ، ما رآه جعله لا يصدق عينيه :
– ماذا تفعلين !!

التفتت إليه بسرعة فاتحة عينيها بدهشة شديدة ، ثم ابتسمت ببرود و قالت :
– اشتقت لك ، لا تتعب نفسك .. فأنا كنت قادمة إليك الآن ، هيا عد يا عزيزي أراك هناك .
ثم ضغطت على الزناد .
لم يصدق ، شعر بانفجار مؤلم جداً بداخله ، نفسه تدمرت و تحطمت.. تحولت إلى أشلاء ! صرخ بكل ما أوتي من قوة ، أهم شخص في حياته ، مستقبله ، حبه الوحيد تقتل نفسها أمامه و هو ينظر ..

سقط على الأرض يبكي بلا توقف ، جنّ جنونه ! عانق جثتها باكياً حتى تحول لونه إلى الأحمر ، و كأنه ميت مثلها ، لماذا .. لماذا قتلتني، لم تقتلي نفسك بل قتلتني أنا .. لماذا ! أمسك المسدس ، وضعه في فمه و ضغط على الزناد..
فتح عينيه ، سمع أصوات سيارات الشرطة ، المسدس في يده و جثة حبيبته الدامية في أحضانه ، لم يصدق ، ألم يطلق النار على نفسه ؟ أليس ميّتاً ؟ ماذا يحدث ؟ شلّت حركته ، حمله رجال الشرطة كالدمية و وضعوه في السجن .
لا يتحرك ، لا يتكلم ، لا يسمع لا يشعر ، وقف في الزنزانة ، استلّ حزامه و علقه بالسقف و شنق نفسه بعد محاولات عديدة..

فتح عينيه من جديد ليجد نفسه في تابوت ، خرج منه بصعوبة ، إنه في المشفى مع الجثث الهامدة ، “إنه كابوس بلا شك” ، كان مفعول الصدمة قوياً لا يسمح له بالتساؤل أكثر.. سرق بعض الملابس و انطلق يجري نحو منزل حبيبته ، فتش في أغراضها و اكتشف ما جعل عروقه تتجمد و جسده يشلّ . رأى جثته، رأى عموداً يخترق جسده و رأسه مهشماً ، استل سلاحاً و انطلق نحو منزل أولئك الملاعين..

***
1980/12/30

خرج مع أصدقائه الأربعة بالسيارة نحو الغابة للتخييم هناك ، كانت الساعة تشير للسابعة مساءً ، الظلام حل و البرد اكتسح المكان .
– اسمعوا لا توسخوا السيارة و لا تفسدوا شيئاً فيها ، لا أحد منكم يملك مثلها ، أنا المميز فيكم الذي أملك الأشياء الباهظة و النادرة !
– ليس لأنك اصطحبتنا في نزهة في سيارتك يعني أنك المميز لمَ الغرور يا صاح ؟
– اصمت أنت و إلّا جعلتك تكمل الطريق سيراً على الأقدام !
– أحمق مغرور ..
– اصمتا !

كان هو يستمع للحديث بصمت ، قاطع صمته الاهتزاز العنيف للسيارة ..

– انظروا إلي كيف أقود يا شباب أنا الأفضل في الاستعراض !
– احذر و إلاّ قتلتنا جميعاً !
– أغلق فمك يا عديم الفائدة أنا أعلمك و ..
– انتبه !!

دهست السيارة الكلب ثم انحرفت عن الطريق و سقطت باتجاه التل و انقلبت بعنف على جانب واحد ، كان هو في الجانب المتضرر ، اخترق عمود حديدي صدره ، و صديقه أصيب في رأسه إصابةً جعلت دماغه ينحرف عنه .

نجى الثلاثة الباقون و نزلوا مفزوعين مصدومين ، تأكدوا من وفاة الأول أما هو فكان ينزف بشدة ، لا أمل في نجاته .
– إنه يموت .. أنقذوه إنه يموت !!
– العمود اخترق قلبه يا إلهي لقد انتهى انتهى !
– لا فائدة سيفقد كل دمه ..
و عاجله بضربة قوية بصخرة ضخمة فهشّم رأسه .
– هذا هو الحل، أنهيت عذابه .
– لـ .. لماذا !!
– أنهيت عذابه ، أتظنّه كان سينجو ؟
– و ماذا ستفعل الآن لقد ارتكبت جريمة !
– سأردمه في حفرة عميقة قريباً من هنا.. سأصوره و أرسل صورة جثته لمعشوقته تلك حتى تتأكد من وفاته .
– …..
– سآخذ كل ما يملكه فهو لا يحتاج شيئاً .. فليرقد في سلام .

***

كانوا جالسين في قاعة الاستقبال ثلاثتهم ، اثنان يحتسيان الخمر و آخر يراسل الفتيات ، ضحك متواصل قاطعه طرق على الباب .
نهض أوّلهم قائلاً :
– من يطرق الآن و في هذه الساعة ؟ لو كان متشرد أقسم أنني سأزيده بؤساً و أسلب منه ملابسه هاهاها
– هاهاهاهاهاها..
ذهب ليفتح الباب و مرت دقائق دون عودته ، و لا صوت .
– من الطارق يا رجل ؟
– هاهاها أظنّ أنه أعجب بملابس المتشرد حقاً !
– حسناً سأذهب لأرى من أتى ..

نهض و خطى خطوات نحو الدرج ، وضع ساقه على الدرجة الأولى فانقطع الضوء عن المنزل فجأة و حلّ الظلام الدامس بينما كان الآخر لا يزال جالساً على الأريكة .
– انتبه يا رجل ستسقط !
استمر الصمت و الظلام الحالك لثواني قبل أن تعود الكهرباء للمنزل و لكن لا صوت ، و كأن المنزل خالٍ تماماً إلاّ من ذاك المتّكئ على الأريكة .
– يا شباب أين أنتم ؟

نهض من مكانه و مشى بكسل شديد نحو الدرج فرأى صديقه لا يزال واقفاً هناك ، لا يتحرك بتاتاً و كأنه متجمد ، اقترب منه رويداً رويداً و خاطبه فلم يجبه ، كان مثل النائم الواقف ، حرّكه باصبعه ، فقد التوازن و سقط من على الدرج جثةً هامدة ..
صرخ من الصدمة بصوت عال يصم الآذان ، أخذ معطفه و نزل مهرولاً نحو الباب و همّ بالخروج فارتطمت قدميه بشيء ما و انزلق فسقط على وجهه ، حاول النهوض فأحسّ بشيء لزج في يديه و كامل جسده ، تحسسه بنوع من التجاهل ثم التفت وراءه ..

جسد ممزق و كأنه جسد كلب مدهوس تحت عجلات سيارة ، رأسه مهشم لا يرى فيه سوى الأحمر ، و على الباب مكتوب بقطرات دم : كما فعلت بنا فعلت بك .
قام يصرخ بهستيرية و أخذ يجري لا يلوي على شيء إلا الهرب و الابتعاد من هناك بأقصى سرعته ، سمع صوتاً يناديه من الخلف ، التفت بعفوية و رأى ما جعله يتجمد في مكانه هو أيضاً ، لكنه تجمد بالفعل هذه المرة .

***

كان هو قد اقترب من المنزل ، حضّر سلاحه رغم أنه كان ينوي الانتقام منهم برويّة ، يتراءى له المنزل من بعيد ، خطى خطوات نحوه باستعجال و توتر حتّى استوقفه مرأى شخص واقف بثبات بعيداً عن الباب ، تمعّن فيه و إذا به يدرك أنه أحد المطلوبين الليلة ، أحد الأصدقاء أو بالأحرى الأعداء الذين تسببوا له في فقدان أغلى إنسانة في حياته ، التي كان حبها أقوى من أيّ شيء ، مجرد تذكرها يجعل الدموع تنهمر من عينيه لا شعوريّاً و تأجّج داخله نار الحقد و الرغبة في الانتقام .

لكن لحظة لماذا هو واقف كالتمثال بعيداً عن المنزل ؟ هذا ليس مستغرباً فلطالما عرف بحمقه و بلاهته ، و هنا خطرت له فكرة مقبولة لا بأس بها ، سيرمي حجراً باتجاهه و يدفعه للاقتراب منه أو المجيء إليه فينقضّ عليه من الخلف و يفقده وعيه ثم يحتجزه و بهذا يوتّر أعصاب البقية و يبدأ سلسلة تعذيبهم .. السيرك المرتقب .

رمى حجراً بجانبه لكن لم يحرّك ساكناً ، هل تجمدت أذنيه أيضاً ؟ تساءل ثم رمى الأحجار مراراً و تكراراً ، الواحدة تلو الأخرى ، حتّى نفد صبره و صوب حجراً نحو الجسد فسقط على الأرض كالوسادة المفروشة .

استغرب شديد الاستغراب و أدرك أن به خطبٌ ما ، فذهب نحوه بحذر شديد و عيناه تشخصان في الجوار و خاصة نحو المنزل خوفاً من كشف أمره الذي لا يصدّق .. اقترب منه ، نظر في عينيه ، لمسه فتأكد أنه ما كان يرمي الحجر إلا على جثة ، شعر بقشعريرة في جسده خطرت على ذهنه حينها آلاف الأفكار و الفرضيات ، و كل ما كان يفعله هو التحديق في المنزل بأعينه الثلاثة ، عينه الثالثة هي خياله المخترق للجدران و الأبواب الذي ذهب إلى بعيد ، لكن ليس أبعد من الحقيقة .. التي لا تخطر على بال !

سحب الجثة نحو الأشجار و غطّاها بالأعشاب ، ثم انطلق نحو المنزل و يده في جيبه متأهبة لسحب السلاح في أي لحظة ، قرّر الدخول من النوافذ رغم ملاحظته أن الباب مفتوح جزئياً ، فالنظر من بعيد لم يكن كافياً لرؤيته للموجود خلف الباب ، وجد أول نافذة سفلية مفتوحة فقفز و إذا به في غرفة الضيوف ، الإضاءة خافتة لكن شديدة في الأعلى . أراد تفقد العليّة أولاً ، استل المسدس و همّ بصعود الدرج لكن ما استقبلته أعصاب عينيه أوقف حركة عضلات قدميه المرتجفتين ..

جثة أخرى على شكل الأولى ؟ وقف برهة يتأمل المشهد ، مشهد هذه الليلة ، ماذا يحصل هنا ؟ تناسى ارتباكه و استجمع قواه و صعد الدرج ، كلما خطى خطوة كلما زاد نبض قلبه حدّة ، و هنا قفز قفزة واحدة و انتصب مشهراً سلاحه ، فاذا به يرى صورته منعكسة في المرآة ! هل توجد مرآة في قاعة الجلوس ، مرآة كبيرة كهذه و .. لحظة هذه ليست مرآة هذه.. إنه يرى يده تتحرك و تضغط على الزناد ثم..
– ااااااه !
رصاصة مستقرة في قلبه ، الدماء في كل مكان ! ماذا يحصل من أطلق عليه النار !! التفت وراءه فرأى الحائط ، أرجع رأسه ببطء فرأى وجهه يحدق فيه..

– أهلاً أوريجين !
– …..
– آه نسيت ، ضمد جراحك أولاً ثم سنواصل الحديث !

ثم انطلقت رصاصة استقرّت في عينه ، رصاصة في عينه الأخرى ، سقط على الأرض ، بدأ يشعر بالقليل من الألم حتى أحس بالمسدس يتصوب نحو رأسه ، بعدها دخل في غيبوبة قصيرة ، استيقظ فرأى ما كاد أن يجبره لفقدان الوعي من جديد..

كان جالساً على الأريكة ، مع .. نفسه ، و .. نفسه .. و نفسه !! نعم .. ثلاثة منه ، نسخ مطابقة للأصل ، يجلسون أمامه و يتبادلون الابتسامات .
– استيقظت أخيراً ، ننتظرك منذ ساعة..
– إذاً أهلا بك مجدداً أوريجين !
– ….
– أوريجين كيف حالك ؟
– مـ .. ماذا يحصل هنا ؟ ما .. ماذا .. أنا أنت بخير.. شكراً ..
الابتسامات الحارة المستفزة من أولئك الثلاثة جعلته يخرج قليلاً من الصدمة و يفكر..
– ماذا يحصل هنا ؟ هل أنا في كابوس ؟ انزعوا هذه الأقنعة حالاً !
– ننزع وجوهنا ؟ أوريجين ما بك ؟
– هاهاها ما عرفته أنه يحب المزاح ، فقبل ساعات من الحادث كان يكلم أصدقاؤه و كان مضحكاً جدا هاهاها حتماً هو يمزح !
– هاهاها كنت متأكداً من ذلك هذا هو الأوريجين خاصتنا !
– حقاً ؟ قبل انتحاره في الزنزانة بدا و كأنه أثقل شخص في العالم ! جعل من يوم ولادتي كئيباً جداً .
– أما أنا فيوم ولادتي مشوق جداً ، يا لها من ليلة هذه اليلة !
– على أيّة حال دعنا نرى ذلك الفأر الصغير المختبئ

و هنا ظهر طفل.. لم يصدق هو ما يراه ، حُبِسَت أنفاسه و شعر بأنه يختنق ، إنّه يرى نفسه طفلاً صغيراً !! رفع رأسه لأعلى مرتعشاً و كأنه غير واعٍ ، ثم قال بصوت مرتجف جاف :
– أرجوكم.. أرجوكم اشرحوا لي ماذا يحدث ، فليفسّر لي أحدكم مالذي أراه .. أرجوكم !
– هل أنتم متأكدون أن هذا هو الأوريجين الصحيح ؟
– طبعاً ! كيف لا يعلم ذلك ؟ كيف لا يعلم أنّه كلما يموت تولد نسخة مطابقة للأصل منه ؟ و أن طاقته تزداد عند كل مرّة يموت فيها حتى يصل إلى الخلود ! كلامي صحيح أليس كذلك.. أوريجين ؟

في تلك اللحظة اختفت جميع نقاط الاستفهام من رأسه و حلّ مكانها الجمود .. فهم كل حصل له.. تذكر حادثة حصلت له في طفولته ، حيث سقط من سطح منزله على رأسه و كان آخر شيء يتذكره صوت عظام رقبته تتحطّم ، يتذكر ذلك بالتفصيل و ها هو الآن يرى ذلك الطفل أمامه ، تذكر الطاقة الغريبة التي شعر بها عند استيقاظه في الغابة ، صعوبة شنقه لنفسه في الزنزانة و عدم تأثره بالرصاص قبل قليل ، هو خالد لا يموت .. سيعيش دائماً ؟ ألن يلتحق بمن يحب ؟ هل سيبقى هكذا ؟

– و أيضاً أوريجين ماذا ستفعل ؟ هل سنزيد من عددنا أم ماذا ؟ فنحن كما تعلم في حالة موتنا لا نعود.. خلافك أنت طبعاً !
– و هو كذلك ، أوريجين مت و مت و مت فذلك ضروري لنا جميعاً !
– لـ .. لماذا ؟
– حتى يكون عددنا أكبر قبل مجيء الخطر ! حتما سيكونون أكثر منا لأن مصدرهم أكثر من واحد ..
– لا نعلم متى يأتي الأوريجين الآخر ، ممكن بعد يوم أو شهر أو عشرة سنوات .. لا نعلم !
– و.. و ماذا لو أتى ؟
– علينا السلام ، حتى أنت الذي لا تموت سيكون قادراً على انهائك ، لهذا فكرنا في الخطة الثانية..
– الخطة الثانية ؟
– نعم ، أوريجين .. كي نعيش و نتكاثر فسيتحتم علينا التضحية بباقي البشر .
– ماذا !! كيف ؟!
– نقتل باقي البشر ، نقضي عليهم حتى نتغذى على طاقتهم ، ببساطة نضحّي بالعروق الأخرى من أجل عرقنا نحن ، أوريجين .

ساد الصمت مدّة ، كان يفكر و ذهنه مشغول ، أعجبته الفكرة ، ها هو يعيش الاكإثارة التي يريدها ، حدث ما حدث .. هو لن يموت ، إذاً فليعش كما يجب .

شعر بطاقة غريبة ، ثم تكلم ذلك الفأر الصغير قائلاً :
– قضي الأمر .. الأوريجين الثاني أنثى !
نهضوا جميعهم و اتجهوا نحو النافذة ، شاهدوا الدماء تتطاير في كل مكان ، الأوريجين الثاني بدأ بالعمل ، طاقة نارية في كل مكان لا ترى لا تسمع لكن تستشعر ، من المفترض أن يتقابلا في عالم آخر ، عالم الحب لا الحرب .. الأوريجين الثاني هو حبيبته .

تقابلت العين بالعين ، اندلعت الطاقة و بدأت الحرب .. لقاء موعود جديد .. لكن في العالم الخطأ .

تاريخ النشر : 2016-12-06
guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى