أدب الرعب والعام

التــوْءَم

بقلم : الل(جوف)ليل – بين ثنايا الليل

التــوْءَم
كانا توءمين لكنهما مختلفين .. تجمعهما رابطة روحانية عميقة
في تلك القرية الواقعة على أطراف المدينة و التي تميزت بأراضيها الخضراء الواسعة و أنهارها الطويلة الجارية بين تلك الصخور المنحدرة و الذي أعطاها منظراً خلاباً تطيب له النفوس و تنسحر به العيون يقع ذلك الكوخ المنعزل عن باقي بيوت القرية تحيط به الشجيرات و يمر النهر من جانبه .

في ذلك الكوخ كانت تعيش الحسناء ميريا ، ذات الشعر الأسود الطويل و الضحكة الطفولية البريئة و الشفتان الناعمتان .. كانت تخرج كل يوم إلى الحقل لتجمع منه شتى أنواع الفواكة و تعود لمنزلها لتجد والدتها حاملةً الحطب على ظهرها ، تستقبلها بابتسامة حانية و يدخلان ليعدا طعام العشاء .. كانت تلك الحسناء قانعة بحياتها البسيطة مع والدتها التي هي كل ما تبقى لها في هذه الحياة بعد وفاة والدها ..

دخلت ذات مساء إلى غرفتها و جلست أمام مرآتها لتمشط شعرها بدلال بعد أن ارتدت تلك القلادة الفضية الناعمة التي لم تفارقها منذ طفولتها ، فهي الكنز الذي أهداه لها والدها ، و بينما هي تسرح شعرها دخلت أمها و جلست بجوارها و قالت مبتسمة :
– آه يا ابنتي ، كبرتِ و أصبحتِ شابة يافعة شديدة الجمال ، و وصلت لعمر مناسب للزواج ..
– الزواج !
– أجل يا ابنتي .
– ولكن لماذا ذكرتي هذا الأمر الآن ؟
– لأنك كبرتِ يا ابنتي و هناك من تقدم لخطبتك ..
– حقاً ! و من يكون ؟
– إنه التاجر (جيرالد ) جاء من المدينة و سأل عن أجمل فتاة بالقرية ليتزوج بها ، و قد دله السكان عليك ، إنه نصيبك يا ابنتي …
– كم عمره ؟
– آه .. إنه كبير قليلاً .. عمره ستة و ثلاثون
– أمي إنه كبير جداً ، كيف لفتاة بعمر السابعة عشر مثلي أن تتزوج بشخص عمره ستة و ثلاثون ؟!
– إنه القدر يا ابنتي ، تقدم الشاب لك و أنا موافقة و لست صغيرة بالسن ..
– كل هذا لأنك بحاجة للمال ؟ يمكنك إرسالي للمدينة لكي أعمل و آتي بأموال تكفينا ..
– لقد اتخذت قراري و سيأتي الشاب غداً ليراكِ .

رحلت الأم تاركة حسناءها ميريا تبكي في حزن أمام مرآتها ، نزلت دموعها الفضية و ملأت عينها الفيروزية الساحرة بينما أخذت عينها الرمادية الأخرى تتلألأ كالقمر المختفي بين النجوم ..

حل الصباح و جاء التاجر لكوخ الأم البسيط ليلتقي بعروسه المنشودة ، رحبت به الأم ليجلس بشموخ ، نادت الأم ابنتها فنزلت ميريا خائفهً ، وجهها سطع كالبدر بين خصلات شعرها السوداء ، نهض ناظراً إليها بانبهار ، أخذ يحدق بشعرها المنسدل ، و عينيها المتناقضتين باللون ، جلب معه رجل و امرأتين و أكملوا إجراءات الزواج و أخذ ميريا الحسناء و رحل ..

وصلا للمدينة فانقض عليها في العربة و خدرها ، فاستيقظت لتجد نفسها مربوطة و محبوسة بزنزانة ، و رأت أمامها جيرالد يعطي نقوداً لشخص مغطى بالسواد من رأسه حتى أخمص قدميه ، فغابت عن الوعي و قد سقطت دمعة من عينها ، و كان هذا المشهد هو آخر ما تتذكره …

جلست الأم في غرفة ابنتها فلذة كبدها و التي خسرتها بيوم واحد ، فلم تتوقع أن جيرالد مستعجل بالزواج لهذه الدرجة ، فقد استطاع أن يسرق منها ثمرة تعبت سنين لتراها تكبر أمامها و تتفتح كالزهور ، جلست متأملة أمام المرآة و تساقطت الدموع من عينيها اشتياقاً لابنتها التي لم تعرف مصيرها أبداً لقد أحست بفراغ كبير بعد رحيلها ، و لم تشعر بدموع ذلك المخلوق القابع خلف المرآة و الذي اكتفى بالصمت و الدموع تملأ وجهه كالأنهار الجارية و هو يفتقد من كانت تجلس أمامه يوماً ، يراقبها و هي تلاعب شعرها الطويل كالطفلة و يتذكر ضحكتها البريئة …

***

أما ميريا الحسناء فلقد استيقظت بعد غفوة عميقة ليبدأ قلبها بالخفقان ، و بدأت الرؤية تتضح أمامها لتجد نفسها مربوطة و فمها مغلق ، لا تعرف كم مضى عليها و هي على هذا الحال ، ظلت تصرخ بصوت مكتوم آملةً أن ينقذها أحد ما ، و لكن هيهات .. فمن ذا الذي يستمع إلى أنينها الخافت ، فأخذت دموعها تجري كالنهر بلا توقف ، فبعد أن كانت تعيش بأمان مع والدتها الحنونة التي تهورت بإعطائها لرجل غريب لم تكلف نفسها عناء السؤال عنه أصبحت سجينة ، لقد أدركت ميريا الحسناء أن جيرالد غايته شيء أكبر من الزواج بحسناء معدمة مثلها ..

تقدم ناحيتها ذلك الشخص الغامض المتشح بالسواد ، و ما كاد يبعد الوشاح عن وجهه حتى ظهرت ملامحه القبيحة بالرغم من الظلام ، كان رجلاً عجوزاً ارتسمت على وجهه ملامح شيطانية بشعة ، جلب معه رجلان فكا قيودها و اقتادوها معهما ، ساروا في طريق وعر حتى وصلوا إلى أطراف المدينة ، رماها هناك و أمسك بها الرجلين حتى لا تهرب ، اكتفت بالتحديق إلى ذلك العجوز الذي بدأ يرسم على الأرض بقلم فحم و أشعل شموعاً حول تلك النجمة الغريبة على الأرض القابعة هناك ، ورش عليها مادة كريهة الرائحة ، عندها عرفت ميريا أنها هالكة لا محالة ..

في هذه الأثناء و في ذلك الكوخ المنعزل أعدت أمها الطعام و وضعته في إناء و ذهبت به متجهةً نحو غرفة ابنتها ميريا التي فقدتها و انقطعت أخبارها عنها منذ أن رحلت ، فتحت الباب و اتجهت إلى تلك المرآة التي تجمعت عليها بضع ذرات غبار بعد أن هجرتها صاحبتها ، أخذت الأم نفساً عميقاً و فتحتها فلم تكن تلك المرآة سوى باباً سرياً يؤدي لممر مظلم ، مشت الأم فيه حاملةً صحيفة الطعام بيد و باليد الأخرى مشعلاً ينير لها الطريق ..

وصلت لنهاية الممر و وجهت المشعل لإحدى زواياه فظهر فراش قديم ممزق ، أُلقيت بجانبه بقايا طعام ، اتجهت للزاوية الأخرى فوجدته هناك ، ذلك المخلوق البائس .. كان متكوراً على نفسه ، و ظهرت حدبته بوضوح ، و كان مسنداً رأسه إلى الحائط و قد غطى شعره الطويل ملامح وجهه ، قالت له الأم :
– ألن تأكل ؟ أحضرت لك بعض الطعام ..
– هل وصل منها خبر ؟
– لا ليس بعد .
عندها حرك وجهه ناحية الأم و برقت خلف ذلك الشعر عينه الفيروزية ، نهض فظهر طوله الفارع و ضخامة كتفيه ليقترب من الأم و يرد بصوت أجش ملأه الحزن ..
– إذاً اسمحي لي بالخروج و البحث عنها .
– أين تبحث عنها يا بني لن تستطيع إيجادها
– أمي أرجوك أريد معرفة مصير شقيقتي ..

اقتربت الأم منه و وضعت يديها على خديه المحترقين و أخذت تنظر إلى عينيه المتعبتين اللتين تشبهان عيني شقيقته ، فلقد برقت عينه الفيروزية خلف خصلات شعره الحالك السواد لتغرق الأخرى بلونها الرمادي الذي تميز بانعكاس يشابه انعكاس القمر المختفي بين السحب السوداء … حدقت به والدموع وجدت مهرباً من عينيها فقبلته من رأْسه و ضمته إلى صدرها بحنان و قالت :
– افعل ما تشاء يا بني .. لن أمنعك من البحث عن توءمك

***

بعد أن وضع ذلك العجوز المجهول الهوية ميريا في وسط الدائرة التي صنعها أخذ يلتف حولها و هو يرتل كلاماً غير مفهوم ، و استمر بإلقاء ذلك السائل الغريب الكريه الرائحة عليها ، ثم وقف أمامها و أخذ يحدق بالسماء و هو يبتسم ، حيث بزغ البدر من بين الغيوم ليسطع بضوئه على ميريا التي سرعان ما شعرت بإحساس غريب ، و أخذت عينها الفيروزية تسطع بلونها كالحجر الكريم ، بينما أصبحت عينها الأخرى بيضاء بالكامل و التفت حولها الرياح مشكلةً حاجزاً ليطير شعرها الأسود حولها ..

و في تلك اللحظة برقت عيني شقيقها حيث انتصب رأسه للأعلى و أصبحت عينه بيضاء بالكامل و الأخرى سطعت في الظلام ، بقي على هذه الحالة وسط بكاء و نحيب والدته ليسقط فجأة على الأرض ، حاولت والدته إيقاظه و بعد فترة نهض و خرج من ذلك الممر المظلم و بعدها خرج من منزله و اختفى في اعماق البستان القابع بجانب الكوخ ، كان يسير و كأنه يعلم إلى أين سيذهب ..

***

استيقظت ميريا و عينها مازالت تشع ، فرأت أمامها طريقاً رمادياً ، و كانت دقات قلبها تزداد و تزداد حتى ظهر مخلوقاً من ذلك الطريق الرمادي ، كان أحدباً و سريع الحركة ، و بعدها فقدت الوعي من جديد .

عندما استيقظت وجدت نفسها في زنزانة و أمامها مخلوق في غاية البشاعة ، ظلت تحدق بوجهه المحترق و حدبته الضخمة و فمه الذي كان مشقوقاً حيث ظهرت أسنانه المدببة ، عندها صرخت من هول المنظر الذي أمامها حتى استيقظ ، ظلت تصرخ بينما اكتفى هو بالتحديق فيها ، ركزت ميريا بعينيه اللتين كانتا تشبهان عينيها بشكل كبير ، و ظل هو محدقاً بها ، و ظهرت في عينيه نظرة تنم عن السعادة و الفرح ، عندها هدأت ميريا و قد شعرت لسبب غير معروف أن قلبها متصل مع هذا المخلوق القابع أمامها ، و شعرت أنه يكلمها من غير أن ينطق ..

مرت عليهما تلك الثواني كأنها سنين ، كأنهما يريان بعينيهما آلافاً من الكلام الغير مباح ، و آلافاً من الذكريات و الحكايات ، حتى قطع هذه اللحظات دخول رجلين إلى الزنزانة قاما بتغطية وجه ميريا و شقيقها ، و اقتادوهما إلى مكان لا يعرفانه ، أُبعد الغطاء عن ميريا لتجد نفسها في باطن الأرض مع ذلك المخلوق الذي وجدته مربوطاً و قد زاد حجمه و تغيرت هيأته فأصبحت أكثر إرعاباً ، عندها سار بها ذلك العجوز متوغلاً في هذا المكان الغريب ، فشعرت برياح غريبة من حولها و رأت أسهماً ذهبية تشير إلى مكانٍ ما …
اقترب منها ذلك العجوز و همس في أذنها :

– هل ترين شيئاً ؟
– أجل ..إنها سهام ذهبية اللون
– إلى أين تشير ؟
– إلى هناك … و أخذت تشير بيدها
– قودينا إذاً إلى حيث تشير هذه السهام

فكوا وثاقها لتمشي بحرية و هي تتبع تلك الأسهم بلا وعي ، حتى وصلت إلى أعماق الأرض و وقفت أمام جبل يحيط به مخلوق أسود ضخم ليس له هيئة محددة ، التفت فجأة لترى ميريا أمامها رأساً عملاقاً له قرنان ضخمان من ذهب ، أخذ ينظر إليها بعينيه الحمراوين القانيتين كالدم ، و أخذت تنظر إليه مشدوهة ثم صرخت بأعلى صوتها بعد أن بدأ ذلك المخلوق ينهض ببطء ليظهر طوله الفارع و ضخامته ، مد يده ليضربها فهربت منه وسقطت أرضاً ، و كان آخر ما رأته هو يد ذلك المخلوق التي اتجهت بسرعة جداً نحوها ، أغمضت عينيها و فتحتهما لتجد أمامها ذلك المخلوق المرعب الذي كان معها بالزنزانة حيث تمكنت من التعرف عليه من خلال عينه الفيروزية اللامعة ، أخذ يدافع عنها و يقاتل هذا الوحش المرعب ، بينما أخذ ذلك العجوز يأخذ الذهب و المجوهرات هو و رجاله و فر هارباً .

كانا يتقاتلان بشراسة حتى مُلئ المكان بالدماء ، لم تستطع ميريا تحمل هذا المنظر و أخذت تهرب حتى وجدت مخرجاً من الكهف ، فتبعتها مخلوقات سوداء أخذت تخرج من العدم أمسكوها وحاولوا التهامها و هي حية ، فهجم عليهم ذلك المخلوق الذي تغلب على الوحش و قد اتخذ هيئة الذئب و التف حولها ، أخذت تهرب لتجد نفسها في مكان أعمق و هي ترى ظلال سوداء تخرج من الأرض و تحاول إمساكها ، أخذت عينها تبرق أكثر و أكثر و ذلك المخلوق يتبعها و هو بهيئات مختلفة ليحميها ، بعدها اقترب منها و حملها بين يديه الضخمتين الملطختين بالدماء و أخذها للسطح و وضعها أرضاً و هو يحدق بها مسروراً ، لكنه انهار فجأةً و قد عاد لهيئته الإنسانية ، كان مثخناً بالجراح و بالكاد يتنفس ..

اقتربت الحسناء ميريا منه و وضعت راْسه بحضنها ، حدق بعينيها و الدموع تتلألأ بعينيه ، أخذت تنظر إليه و هي تبكي ، كانت تريد إنقاذه لكنه فارق الحياة ، و مع بزوغ الشمس كان جسده قد تحول تدريجياً إلى رماد حتى اختفى من حضنها تماماً و لم يبقَ له أثر …

بقيت ميريا تبكي حتى غابت عن الوعي لتستيقظ و تجد نفسها في مكان غريب ، و كانت بجانبها امرأة في عقدها الأربعين و رجل شاب ، سألتهما أين أنا ، فأجابتها المرأة أنها وجدتها هي و ابنها ، كانت ممدة على الأرض وسط الطريق و ثيابها مملوءة بالدماء ، فحملاها معهما إلى المنزل و اعتنيا بها حتى استيقظت .. و عندما سألاها عما حصل معها صمتت و لم تخبرهما بشيء فقط قالت أنها تريد العودة لقريتها و لأمها ، و أمام إلحاحها أوصلاها لقريتها و رحلا ..

اتجهت نحو منزلها و في الطريق تفاجأ السكان من منظرها ، فقد كان شعرها الطويل قصيراً ، و عينيها كلتاهما رماديتين ، و عندما وصلت المنزل ارتمت على صدر والدتها فلقد مضى وقت طويل على غيابها ، نظرت والدتها إلى عينيها و ما إن رأتهما حتى عرفت أنها خسرت ابنها …

في المساء أصرت ميريا الحسناء على والدتها أن تخبرها بكل شيء ..
– أمي من كان هذا ؟
– آه يا عزيزتي … ليتني أخذتكما بعيداً عن هنا
– هل كان فعلاً لي توءم ؟
– ابنتي سأخبرك بكل شيء ، أنا في بداية حملي كنت أرى أحلاماً غريبةً جداً لم أجد لها تفسيراً ، لطالما راودني إحساس أنني سأفقد أحد أطفالي ، و بعد ولادتكما أول ما وقعت عينا القابلة عليكما أخبرتني أنني محظوظة بكما جداً ، جلبتني لك لأرى عينيك الجميلتين ، كنتِ كالملاك ، ضممتك لصدري و انا فرحة ، ثم جلبوا لي شقيقك ميرديميو ، كانت بشع الشكل جداً ، لم أشأ أن آخذه أبداً لكنني استسلمت ، ففي النهاية هذا ابني من لحمي و دمي .

أخذت الأم تتنهد بحزن لتسكب دموعها الساخنة و تكمل كلامها بصوتها الحزين :
فرقتكما عن بعض رغماً عني ، أخبرتني القابلة أنكما تملكان طاقة روحية كبيرة جداً ، فإذا وجدكما ساحر أو أحدٌ مختص بالطاقة الروحانية عندها سيأخذكما كليكما مني ، حبست شقيقك في باطن الارض ، و أنت ربيتك بيني و بين والدك لكن عندما قتلوه …. اتسعت عينا ميريا لتلفت لأمها
– هل .. هل أبي مات غدراً ؟

أكملت أمها بحزن عميق :
– أجل يا ابنتي .. لقد قتلوه لأنهم عرفوا أن لديه أطفال يدرون عليه ذهباً ، اخذتكما و هربت و جلبتكما إلى هنا ، لم أعرف أنه سيأتي يوم و أخسر فيه ولدي .. ندمت كثيراً على حبسه بتلك الطريقة ، فرقته عنك و حرمته من طفولته ، حبسته في الظلام بين تلك الجدران في البرد القاتل ، و حرمته من حضني الدافئ ، و مع ذلك كان يحبك جداً .. آه يا ولدي …

اخفضت ميريا نظرها و اكتفت بالصمت و ذهبت إلى غرفتها ..

***

مضت سنوات تزوجت خلالها ميريا و أنجبت توءماً لهما عيون مختلفة الألوان ، كانا ولداً و بنتاً ، أسمت ابنها ميريديمو و ابنتها ماريا ، بالرغم من بشاعة ابنتها ماريا إلا أنها لم تحرمها من أخيها ، كانت قادرة على رؤية اتصالهما الروحي فتعود إلى ذكرى تلك الليلة المشؤومة حيث فقدت توءمها الذي لم تعرفه إلا في لحظاته الأخيرة

****

ـ يقال أن التوءمين اللذين يخلقان مختلفين كلياً عن بعضهما البعض ، و يكون أحدهما ذو جمال خلاب بينما الآخر شديد القبح ، و يتشاركان بعين مميزة تملك النظرة و اللون و الرونق ذاته ، تجمعهما رابطة روحية عميقة للغاية ، حيث إذا مات التوءم الجميل يموت القبيح أيضاً و يصبح رماداً في ثواني معدودة ، أما إذا مات التوءم القبيح سيخسر توءمه الجميل طاقته الروحانية و تصبح عينيه بلون واحد ، و يعود بشر طبيعي .

كثير من السحرة و الدجالين يستغلون هذه الحالات النادرة من الولادات للعثور على الكنوز المدفونة في باطن الأرض ، حيث التوءم القبيح هو الوحيد الذي يستطيع قتل الجني الحارس للكنز ، لذلك يتعرض أغلب التوائم من هذه الحالة إلى الاختطاف و القتل ، و بعضهم كان مصيرهم مجهولاً ، إن ولادة هكذا توائم هي حالة نادرة ، حيث لا يجتمعان أبداً ، و إن اجتمعا قد يحظيان بحياة متفرقة ، فيجب أن يضحي أحدهما لكي يتحرر الآخر و يعيش كإنسان طبيعي ، و بالتأكيد التوءم القبيح هو الذي يهب حياته دائماً لانه يكون كالقرين لتوءمه الجميل ، يصل لمرحلة يمنح حياته ليحرر توءمه بينما يتحول لرماد يضيع مع الرياح ….

– ياه أمي كيف عرفتِ كل ذلك ..؟
– لأن جدتكما ميريا هي من حكت لي كل هذا .
– حقاً أمي ، هل فعلاً كان لديك توءم و مات من أجلك ؟
– أجل يا ابنتي ؟ كان يجب أن يحرر أحدنا الآخر فأعطى حياته لي .
– أمي لكن لماذا التوءم الآخر هو دائماً الذي يضحي ؟
– عزيزتي التوءم القبيح هو يكون حارساً لنا حتى مرحلة معينه ليموت بعدها .
– أتمنى لو يكون لي توءم أنا أيضاً يا أمي ..
– هه .. عزيزتي قريباً سيأتي أخوك ديوان و ستكونان أخوين طبيعين و لن تضطرا إلى الافتراق عن بعضكما …

نهضت ماريا و اتجهت حيث صورها مع أمها و شقيقها التوءم ، فبالرغم من أنها كانت التوءم القبيح إلا أن شقيقها منحها حياته و جماله لتصبح فتاة بارعة الجمال كوالدتها ، تساقطت دموعها و هي تحدق بهم ، ثم اتجهت ناحية النافذة و هي تنظر إلى السماء و تعرف جيداً أن والدتها ميريا الحسناء مع توءمها و شقيقها هناك في السماء ، ظلت تحدق بثلاث نجوم اجتمعت مع بعضها فأخذت تبتسم و هي تعرف أنها ستلحق بهم يوما ما …

تاريخ النشر : 2016-12-11
guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى