اساطير وخرافات

أساطير أمازيغية

بقلم : السعدية – المغرب
للتواصل : [email protected]

أساطير أمازيغية
تروى في قريتي الكثير من القصص المخيفة إحداها تحكي عن الجنية عيشة قنديشة

تعد الأسطورة و الخرافات الوسيلة التي لجأ لها الإنسان منذ القدم لتفسير الكثير من الأشياء التي عجز عن تفسيرها خاصةً في عجزه أمام قوى الطبيعة ، بل و أضاف لهذه الأساطير الكثير من التفاصيل مع مرور الزمن حتى انتشرت في كل بقاع العالم مع استيطان الإنسان لكل القارات ، لذلك فعادةً ما نجد حكايات تروى في شتى البقاع و رغم اختلاف بعض جوانبها لكنها تتشابه في الكثير منها ..

و ككل الشعوب فالإنسان الأمازيغي بدوره له حكاياته في هكذا موروث ، فمع غياب التدوين و الكتابة بقيت الأساطير و القوانين التي تسيِّر الجماعة تنتقل من الآباء إلى الأبناء بشكل شفهي تتجسد في الفلكلور الموسيقي أو الحكايات التي ترويها الجدات ، بل و تتحول لقصص يتم بها إخافة الأطفال و ردعهم أحياناً ..

و في القرية التي أنحدر منها في جنوب المغرب كانت تتداول مجموعة من القصص المخيفة التي كانت ترويها النساء و حتى الرجال ، كانت هذه و ماتزال تجعل جسدي يقشعر من الخوف كلما سمعتها و أنا هناك ..

1 – بغلة القبور :

و تعني بلغتنا “تاسردونت نيصمضال” و مفاد هذه الحكاية أن هناك نساء يتم الشك فيهن بين الفينة و الأخرى على أنهن يتحولن لبغلة قبور ليلاً ، و الشك عادة ما يتجه نحو النساء الأرامل ، لأن الأسطورة تقول أن كل امرأة خانت زوجها المتوفى في أيام عدتها تنزل عليها اللعنة و تمسخ ليلاً لتتحول لبغلة تجر سلاسل حديدية و تجول في المقابر ، و تطارد كل سيئ حظ حملته الأقدار إلى السير ليلاً ..

و قد كانت إحدى خالاتي تؤكد أنها عندما كانت طفلة ترجت جارتها جدتي أن تسمح لها بالخبرة معها ، لسبب لم أعد أتذكره ، و أنها و كما روت خالتي فما إن قام الجميع للنوم و انتصف الليل حتى تسللت تلك المرأة الأرملة و خرجت ، مما جعل خالتي ترتعد من الخوف خاصة و أن هذه المرأة يشهد على سمعتها السيئة ، كما أنها أرملة و تعيش هي و ابنتها فقط ، و لم تعد إلا بعد الفجر ، و في الصباح استيقظت و كانت تشكو أنها منهكة و تعاني من التعب !!!

و كما شهدت امرأة أخرى من نفس قريتنا أنها رأت تحول قريباتها بأم عينها ، تلك الحادثة حدثت عندما انتصف الليل ، أيقظتها بحجة قضاء حاجتها ، و بما أنه في تلك الفترة لم تكن البيوت مجهزة بمراحيض فقد كان الخلاء المكان الوحيد لقضاء الحاجة بعيداً عن الناس .. و عندما همت باللحاق بها تفاجأت بأن قوائمها بدأت تتحول لحوافر بغل مما جعلها تطلق ساقيها للريح على غفلة منها ، و عادت و لم تستيقظ الا في وقت متأخر بسبب الخوف .

2 – عيشة قنديشة أو بالأمازيغية “تكروث” :

و هي عبارة عن جنية تتجسد في صورة امرأة عجوز تتسلى باختطاف الأطفال الصغار و دغدغتهم ، أو إفساد طعام الرعاة الرحل الذين يستقرون في المراعي ، حيت توجد في هذه المراعي بيوت تم بناؤها منذ القدم من طرف سكان قريتنا ، و كل عائلة تمتلك واحداً من تلك البيوت الطينية ، حيث تقسم إلى جزأين .. واحد مخصص للراعي و أسرتهه أما الفناء الأمامي هو للماعز ، و بما أنها تبقى لمدة أشهر عدة فارغة و بعيدة عن القرية فهي بالتأكيد ستكون مسكناً للأشباح ،
و قد شهد الكثير من الرعاة أنها تزعجهم ، خاصةً عندما لا يصطحبون معهم أطفالهم أو زوجاتهم لهذا المسكن .

و قد شهد أحد الرعاة أنه كانت تتركه حتى ينام ، و تأتي لتزعجه بضربهه بروث الماعز ، أو تفسد إبريق الشاي ، إذ تملؤه بالتراب و الروث ، و عندما يجده في تلك الحال يقوم بغسله ، لكنها في كل مرة تعيد الكرة ، مما دفعه لمغادرة المكان و العودة للقرية قبل أن تصيبه بالجنون ..

كما هناك حادثة أخرى قصّتها عليَّ والدتي وقعت في مثل هذه البيوت .. إذ أن إحدى النساء من القرية في فترة ارتحال الرعاة و استقرارهم في المراعي في فصل الربيع ، اصطحبها زوجها الراعي هي و أطفالها الصغار ، و في غفلة منها تركت طفلها ذو الأربع سنوات و خرجت لجلب الماء ، و لما عادت انشغلت بالقيام بأعمال الطبخ ، و لم تنتبه إلى عدم وجود ابنها الصغير ،لكن ابنتها انتبهت لذلك و صرخت ، مما جعلهم يجولون للبحث عنه في أرجاء الغرف المظلمة ، ليفاجؤوا به في الفناء المخصص للماعز ، و عندما سألوه أخبرهم أن امرأةً عجوز اصطحبته لغرفة أشار إليها ، و أنها كانت تدغدغه و تصوّب مرآة لفرجها و تطلب منه النظر إليه !!

3 – علي و القنطرة “علي و قنضرت” :

هذه الحكاية أيضاً تضاف إلى الأخريات من حيث شهرتها في قريتنا ، و هي كانت تروى لنا دائماً لتحذيرنا من أحد الأمكنة في القرية كونه مسكون ، خاصة في ما بعد فترة الظهيرة أي العصر ، هذا المكان هو عبارة عن أراضي زراعية ممتدة ، و تكسوها أشجار الصفصاف الضخمة ، و أشجار اللوز و الجوز ، و فيها وادي ، و على مقربة منه تتواجد مقبرة و مكان يسمى ضريح “روط”حيث كانت النساء في القدم تلجأ إليه كطقس من طقوس انقرضت و لم تعد تمارس ..

و الحكاية أن هناك شبح لرجل قوي البنية يعيش في تلك الحقول المشجرة ، و كل من يحاول إحداث الضجة هناك و إزعاجه ينزل عليه عقاب .. لكن هذه الرواية تبقى غير مفهومة في ما يخص هذا الشبح “علي” لأننا نسمع فقط تحذيرات من أهالينا عن وجود علي و القنطرة ، و الرواية الوحيدة التي تؤكد وجوده هي لرجل في أيام الاستعمار ، إذ كلفه أهله حراسة أشجار الجوز المتواجدة بكثرة هناك بسبب جودتها في ذلك الموسم ، خشي أصحابها من أن تطالها أيادي السارقين ، و كلفوه بالمبيت ليلاً هناك و حراستها ، و لكن ما إن أسدل الليل ستاره حتى وقف عليه ذلك الشبح قائلاً في هيئة رج أسود : من أتى بك إلى هنا ؟

و لسذاجة الشاب فقد اعتقد أنه شخص عادي ، فأجابه : أنا هنا لأحرس أشجار الجوز خاصتنا ، فنهره بنبرة محذرة :
و متى كنت حارس عليها كل هذه العقود لكي تأتي اليوم و تحرسها ؟ قم و ارحل قبل أن ترى أشياء لن تعجبك .. مما جعل الفتى يغادر المكان دون كلمة ، و قد دب فيه الخوف و وقع طريح الفراش مريضاً حتى انتهى موسم جني الجوز و تعافى و لم يقصص تلك الحادثة لأحد حتى مرت عليه سنين و أصبح أباً و قصها على أبنائه .

و ختاماً .. أنا شخصياً يصعب علي أحياناً تصديق تلك الحكايات ، لكنني رغم ذلك فكلما سافرت لقريتي أتجنب الاختلاء وحدي خوفاً من رؤية ما لن يعجبني من تلك الأشباح أو غيرها ..

تاريخ النشر : 2017-01-13

السعدية

المغرب
guest
47 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى