عجائب و غرائب

عـالم الأقــزام

بقلم : بنت بحري – جمهورية مصر العربية

عـالم الأقــزام
قد يحسب البعض ان الاقزام لا حول ولا قوة .. لكنهم ليسوا كذلك

لعل أول معرفتي بعالم الأقزام كانت من خلال الفيلم الكرتوني (سنو وايت و الاقزام السبعة) ، و كنت أظنها حياةً هانئة ، و لكن و كما يقول نجيب محفوظ : (مهما كان الخيال جميل يغتاله قبح الواقع) ، فحياة القزم السعيدة ما هي إلا أكذوبة أصلاً و فصلاً و فرعاً و جذراً .

أن تولد قزماً في هذا العالم لهو أمر يدعو إلى الإحباط و اليأس ، قد يدفع أصحابه إلى عدم مبارحة مساكنهم تجنباً لتلك النظرات النارية عديمة الذوق التي يطلقها البعض كسهام حارقة على صغار القامة كما أحب أن أدعوهم ، بل قد تدفعهم دفعاً للانتحار ، فالإنسان بطبعه عنصري ، و ما إن يرى أمامه من هو مختلف عنه في المظهر أو العقيدة أو غيرهما حتى يبدأ بشحذ أسلحته و وضعه في خانة المنبوذين ، و يقع الذنب الأكبر في هذا الشأن على كيفية تجسيد السينما لتلك الفئة كما لو كانوا قد خلقوا لا لشيء إلا لإضحاك الناس كمهرجين بعروض السيرك ! مع أنهم في الحقيقة بشر مثلي و مثلك .. بل قد يكونوا أفضل .

و القزمية هي حالة مرضية تنتج عن خلل هرموني في الغدد النخامية الموجودة أسفل الدماغ تمنع نمو القامة لأكثر من 130 سم .

نماذج من عالم الأقزام

القزم الجاسوس :

عـالم الأقــزام
ريتشبورج .. اقصر جاسوس في العالم بحسب موسوعة غينيس

قامت الثورة الفرنسية نتيجة معاناة العامة من الضرائب الباهظة ، بينما كان رجال الدين و الطبقة الارستقراطية ينعمون بالامتيازات ، و يحلون ضيوفاً على موائد الملك و الملكة العامرة ، في الوقت الذي لا يجد رجل الشارع المحتقر ما يسد جوعه !

أثناء أحداث تلك الثورة ظهر (ريتشبورج) .. و هو قزم لا يتعدى طوله 58 سم ، كان يقوم بدور الجاسوس لصالح رجال الثورة ، كان يسير بجوار سيدة و كأنه طفلها ، و قد ساعده صغر حجمه على إتقان دور الطفل .. و تميز (ريتشبورج) بذاكرة فولاذية مكّنته من حفظ كم هائل من المعلومات التي كانت سبباً مباشراً لنجاح الثورة ، و يقال أنه ساهم في الإمساك بالملك لويس السادس أثناء محاولة فراره خارج باريس ، حيث تم التعرف عليه هو و زوجته و اقتيدا إلى شوارع باريس داخل عربة مكشوفة ليلقي عليهما العامة كل ما طالته أياديهم من فضلات ، و قد توفى (ريتشبورج) عن عمر يناهز 90 عاماً في سنة 1858 ، بعد أن قدم خدمات لبلاده يعجز طوال القامة على تقديمها ..

القزمة اللصة :

عـالم الأقــزام
مثلت دور الطفلة مع انها امرأة جاوزت الاربعين من العمر

المرأة ذات الأربع أرجل (لويزا) ، و الرجل ذو الثلاث أرجل (فرانشيسكو لينتيني) ، و المرأة الذئب .. كل هؤلاء عملوا جنباً إلى جنب مع كثير من الأقزام لتقديم عروض داخل السيرك ، و منهم تلك القزمة التي تدعي (استيلا رايدلي) ..

في عام 1870 تعرف عليها أحد اللصوص ، و على الرغم من أن عمرها في هذا الوقت كان يتعدى 40 عاماً إلا أن هذا اللص نجح في تغير مظهرها لتبدو كما لو كانت طفلة لا تتعدى العاشرة ، و لتقوم بنقل المجوهرات المسروقة داخل دمية زجاجية كانت تحملها أثناء عبورها نقاط التفتيش ، تطورت العلاقة بينهما إلى علاقة عاطفية حتى نشبت الخلافات بين العاشقين ، قام على إثرها اللص بإبلاغ السلطات عنها ، و عند تفتيش الدمية عثر رجال الأمن على ثروة من المجوهرات ، قدمت للمحاكمة و حكم عليها بالسجن لمدة عشرين عاماً ، و قد ماتت وحيدة داخل زنزانتها .

القزم الموسيقار :

عـالم الأقــزام
ماثيو باشينجر كان بلا كفين وبلا قدمين

يعد الموسيقار (ماثيو باشينجر) من أشهر الأقزام ، نظراً لعبقريته الموسيقية ، فعلى الرغم من أن لا كفّين له بذراعه ، إلا أنه كان و بحق أبرع العازفين على آلة (الترومبيت) .. إذا أراد أن يعزف وضعه الحضور على مائدة حتى يتمكن من ذلك ، فجسده خالي من الساقين ، و قد تزوج الموسيقار القزم عدة مرات و أنجب عشرات الأبناء .

القزم رئيس الوزراء :

عـالم الأقــزام
بدأ حياته كمهرج وانتهى كرئيس وزراء

في القرن التاسع عشر كان هناك رجلاً يعد أعجوبة هذا العصر يدعي (برث هولد) ، كان قزماً مخيف الشكل ، نشأ في أسرة معدمة ، بدأ حياته كمهرج في البلاط الملكى لمملكة (لومباردي) و هي إحدى ممالك شمال إيطاليا ، و تدرّج في المناصب حتى استطاع أن يصل لمنصب رئيس الوزراء ، الغريب في الأمر أن برث هذا ولد إنساناً طبيعياً ، و نتيجةً لسببٍ مجهول تغيرت ملامحه و تشوهت ، و يقال أنه كان ضحية أحد المنظمات السرية التي تعمل على صناعة الأقزام و تشوية الأشكال ! و قد كان هذا العمل تجارة رائجة في ذلك الوقت ، و تدر ربحاً وفيراً على أصحابها !

نعم عزيزي القارئ .. فقد شاعت تلك الصناعة في هذا الزمان بهدف خلق مخلوقات مشوهة و مسوخ لبيعها للراغبين .. و ما أكثرهم ، و كانت لهم أسواق بجوار الجواري الحسان و العبيد يتهافت رجال البلاط على اقتنائها للترويح عنهم كمهرجين ، و كانت تلك الصناعة تتم عن طريق وضع الأطفال حديثي الولادة ما عدا الرأس داخل صندوق خشبي صغير يضغط على عظامهم أو داخل وعاء زجاجي يسمى (تشينج) ، و لا يقدم لهم إلا القليل من الطعام لمنع نموهم الطبيعي ، و يظلوا على هذا النحو حتى سن العشرين ، و عند إتمام المهمة و إحداث التشويه المطلوب يفتح بعدها الصندوق و يعرض للبيع بعد أن يدّعي هؤلاء الوحوش أنهم وجدوا هذا المسخ داخل الغابات ، فيتهافت عليه المشترين ..

عـالم الأقــزام
هناك طرق معروفة لتشكيل جسد الانسان عن طريق وضعه في قالب منذ الصغر

و كان السوق الذي تعرض فيه تلك المخلوقات تسمى (فيو رم مورينيوم) ، و كلما زاد التشوه و القبح كلما زاد الثمن و الربح ، و بجانب تلك الصناعة كان هناك صناعة مزج الإنسان بالحيوان ! و كان ذلك يتم باختطاف الأطفال و إخضاعهم لتجارب و عمليات يقومون خلالها باقتطاع جلودهم جزء بعد جزء ثم استبدالها بجلود الحيوانات ، و غالبا كانت جلود الكلاب !

و هناك أيضاً (الديك الإنسان) .. و كان ذلك يتم بأبشع الأساليب ، حيث تجري عملية للقصبة الهوائية للطفل ، لا يستطيع بعدها الحديث كالبشر ، و كل ما يصدر منه أصوات تشبه صياح الديكة !

و أرجوا عزيزي القارئ ألا تلقي باللوم على تلك العصور ، لأن عصرنا الرشيد الرغيد يشهد حالات مماثلة … فهناك مافيا و منظمات سرية تقوم بخطف الأطفال و إحداث تشوهات بهم كقطع الأطراف و فقئ العين من أجل جلب شفقة المارة تحت مرأى و سمع أجهزة الدولة و المواطنين !

الخاتمة :

عـالم الأقــزام
تمثال سنيت وزوجته

أتعجب كثيراً عندما أجد قيماً و خُلُقاً كانت سائدة في حضارات قديمة دفنت و اندثرت الآن ، فقصار القامة في الحضارة الفرعونية كانوا محل تقدير و احترام من الجميع ، لم يكونوا يعاملوا معاملة خاصة فهم كأي إنسان طبيعي ، عملهم هو ما يحدد وضعهم داخل الهرم الطبقي لهذا المجتمع ، بل أن بعضهم وصل إلى مراتب مرموقة مثل (سنيت) الذي كان يعد أهم رجال البلاط بالأسرة الخامسة و تزوج هذا الوزير من امرأة ذات بنية عادية ، و بنيت مقبرته الفخمة بجوار هرم خوفو ، و يعد هذا قمة التبجيل و الاحترام الذي لا يحظى به إلا القليلون .

نعم لدينا دساتير و قوانين تنص على أننا سواسية ، و أنه لا فرق بين قصير القامة و طويلها و لكنها لا تساوي حتى ثمن الحبر الذي كتبت به ، حاول أحد الأقزام في مصر أن يحصل على أبسط الحقوق و هو استخراج رخصة قيادة بعد أن أستدان والده من الجميع ليحصل ابنه على سيارة معدلة لتناسب ظروفه الجسدية ليجنبه نظرات الناس في وسائل المواصلات فما كان من الجهات المسئولة إلا الرفض ! متعللة بحجج واهية لا تنطلي على طفل صغير !

دخلت إحدى المعلمات – و كانت في شهور حملها الأولى – الفصل ، فوجدت أحد قصار القامة يجلس في الصفوف الأمامية ، هل تعلم عزيزي القارئ ماذا قالت لهذا الصغير : (أرجع ورى عشان مجبش عيل زيك) ، و من يومها و هذا المسكين لم يطأ أرض المدرسة ! إذا كان هذا هو حال مربية النشئ المتعلمة ، فتصوروا معي كيف سيكون حال رجل الشارع !

سلام

مصادر :

– ويكيبيديا

– كتاب غرائب و أسرار من كل الديار

– كتاب أغرب من الخيال

تاريخ النشر : 2017-01-22

guest
50 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى