أدب الرعب والعام

قصة بعنوان ( المأتم )

بقلم : علي فنير – ليبيا
للتواصل : [email protected]

قصة بعنوان ( المأتم )
المقبرة تغص بالقبور .. قبور لأناس رحلوا قبلنا

المأتم
======================

كان الجميع يسير خلف ذلك النعش في ذلك اليوم الصيفي القائض متجهين إلى المقبرة التي تقع في وسط المدينة ، و هم يرددون بعضاً من الابتهالات الدينية .
و كالعادة – في أي جنازة – هناك من يتقطع قلبه حزناً على الفقيد ، و هناك من لا يبالي بهذا الشخص إن عاش ألف عام أو مات ، و هناك من دسَّ نفسه في هذا الحشد بدافع الفضول ..

الجنازة لرجل غني … لذلك كان الازدحام شديداً بحيث سد الطريق المؤدية إلى تلك المقبرة التي تغص بالقبور ، قبور لأناس رحلوا قبلنا ، و كفوا إلى الأبد عن الشكوى من الحياة و الأنين .

لعلكم تتساءلون عن السبب الذي دعاني إلى حضور هذه الجنازة ، لقد كانت لعم صديق لي ، المهم في الأمر أنني آثرت أن أسير في المؤخرة حيث كان ذلك الجمع غير مشاركاً في ترديد تلك الابتهالات الدينية ، بل كانوا كالعادة يتحدثون في مختلف المواضيع ، فمنهم من يتحدث عن آخر صفقاته التجارية و ما حقق من أرباح غير مبالٍ بحرمة الموت ، بل لا يقيم له وزناً بسبب ما لديه من أموال ، و الذي يظن جازماً بأنها ستخلده ، و هناك من يعدد مناقب الفقيد ، و هناك من يذمه لأنه قصده ذات يوم في حاجة ورده خائباً ، فيصفه بالبخيل و يتمنى له إقامة غير مريحة في أعماق الجحيم .. و ما حضوره للجنازة إلا للتشفي …

وهناك الورثة الذين ينتظرون بفارغ الصبر دفنه لينقضُّوا على الإرث الذي سيكون سبباً في تصدع العلاقات بينهم ، و معرفتهم لطريق المحكمة للذي لا يعرفه ، و لكي يتأكدوا أيضاً من موته و عدم عودته للحياة مجدداً ، خليط غريب من البشر تجده في كل مأتم …تقريباً

كان الذين يحملون النعش من أقربائه قد احتقنت وجوههم من شدة الحر و من الوزن الزائد للمرحوم ، كانوا يلعنونه في سرهم بينما تبين على ملامحهم آثار الحزن المزيف ، لو استطاع المرحوم أن يتكلم لأمرهم أن يسرعوا الخطى … فهو لم يعد يطيق هذا الحر فسيارته الفخمة كانت مكيفة و كذلك قصره الفخم كان مكيفاً تكييفاً مركزياً ، و هذه الأكفان الخشنة التي كفنوه بها لم يعد يحتملها و هو الذي لم يعتد إلا على لبس الغالي من الثياب .

وصل الركب إلى المقبرة ، تم دفن المرحوم و تقبل أهله فيه العزاء ، كان الجميع يتدافعون لتقديم هذا الواجب الثقيل بأسرع ما يمكن بسبب حرارة الطقس في فوضي لا تخطئها العين …

قدمت واجب العزاء لصديقي و عائلته و أنا أعرف بأنني لن ألتقيه ثانيةً ، فهو سيرث أيضاً .. فالمرحوم ليس لديه أولاد ، و لن يعود يذكرني مرة أخرى لأنني سأذكّره بأيام الجدب التي عاشها قبل أن يموت عمه و يرث …..

كانت الشمس تودع المدينة كما ودعها عم صديقي مع فارق أنها ستعود مرة أخرى صباح اليوم التالي بينما لن يعود عم صديقي إلى الحياة الدنيا ثانيةً أبداً ….

مضيت في طريقي عائداً إلى بيتي … ابتلعني زحام المدينة الصاخب الذي يضج بالحياة و لكنني أراها الآن خاوية كئيبة لاحياة فيها .

بقلم /علي فنير

 
تاريخ النشر : 2017-03-05

علي فنير

ليبيا
guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى