أدب الرعب والعام

آسوم حفيدة الجن

بقلم : بنوتة سفروتة “ظل” – مصر

آسوم حفيدة الجن
برغم جمالها الزائد عن الحد إلا أنها لا تمت للبشر بصلة ..

يوسف ، ما أخبار قصص الرعب معك يا رجل ؟

– ذاهب الآن لمقابلة عن قصة جديدة ، تمنى لي التوفيق .

غادر يوسف مسرعاً و استقل سيارة تاكسي ليقف أمام منزل يبدو أنه أصابه الحريق من قبل و ظهر السواد على جدرانه ، أعطى السائق الأجرة ثم أخذ ينظر لذلك المنزل متابعاً بضحك ..

– هل أحضرني هذا الشخص إلى هنا ليقتلني أم ماذا ؟

طرق يوسف الباب وتوقع أن يفتح له رجل عجوز و ثيابه ممزقة يسكن ببيتٍ خرب كهذا ، لكن فتح له شاب وسيم لحيته قصيرة و العطر يفوح من ملابسه النظيفة .

– مرحبا أنا يوسف عدنان جئت من جريدة ما وراء الطبيعة ، هل أنت من اتصل بي أم أني أخطأت بالعنوان ؟

– لا العنوان صحيح تفضل بالدخول .

جلس يوسف و أحضر له ذلك الشاب كرم الضيافة ما بين فواكه و قهوة و غيرها ، ظل يوسف يتأمل البيت من الداخل إنه مرتب و جميل و أركانه نظيفة و يبدو أن الدهان غطى أثر الحريق حتى لم يعد له أثر ، نظر إلى الشاب متعجباً …

– لكن البيت من الخارج مختلف كثيراً ، ما الذي حدث له ؟

– سأقص لك هذا بقصتي دعني أعرفك بنفسي أولاً ، أنا أدعى جهاد أبلغ من العمر 28 عاماً ، سأقص عليك ما أحضرتك لأجله ..

أبي كان شيخاً معروفاً بمعالجة الناس من السحر و المس .. إلخ ، لم يكن دجالاً كالآخرين بل كان يفعل ذلك بالآيات و ليس بطلاسم و غيرها من تلك الأشياء ، حتى أنه لم يكن يطلب شيئاً بل كان يفعل ذلك لوجه الله .

قبل ولادة أختي الصغرى بأيام تم استدعاء والدي لعلاج فتاة أصابها شيء منهم ، و أنت تعلم من أقصد بـ ( هم ) ، ذهب أبي و أخذني معه و كنت وقتها أبلغ من العمر 10 سنوات ، فقد كان يريد مني أن أتعلم كل شيء حتى أساعد المحتاج من بعده .

بدت تلك الفتاة هادئة في البداية ، فقط تبتسم و تنظر لنا أو بالأحري لي و أنا كنت أتشبت برداء أبي خوفاً من تلك النظرات ، فوجدته ينظر إليها قائلاً :

– يا بني لا تخف فإنهم أضعف بكثير منك .

وجدت تلك الفتاة تضحك بهستيرية من تلك الكلمة و صوت ضحكاتها و كأن له صدى أو كأن شخصاً آخر يضحك معها ثم تابعت قائلة :

– يا ابن حسان خذ ولدك و اخرج من هنا ، فإني لن أترك تلك الفتاة حتى أقتلها .

– و ماذا فعلت لكِ تلك الفتاة ؟

– نظرت إلى عينيها فوجدتها و كأنها تحاول إخفاء دموعها بصراخها متابعة ؛

– قتلت زوجي ، قتلت زوجي .

لم يبادلها أبي الرد بل بدأ بتلاوة الآيات حتى رأيت تلك الفتاة يتغير وجهها و تبدأ بالصراخ ، و هو يردد .. اخرجي منها بالحال و إلا أحرقتك .

رأيت الفتاة تصدر أنيناً و كأنها تتألم ، ثم نظرت إلى رقبتها فوجدتها و كأن أحداً يضغط عليها بقوة فأشرت لأبي سريعاً لينظر .. توقف أبي عن القراءة ربما تترك الفتاة لكنها كانت عند وعدها عندما قالت أنها لن تتركها حتى تقتلها ، فعاد أبي للقراءة مرةً أخرى حتى سمعنا صوت كسر و يبدو أنه رقبة الفتاة ..

لقد فارقت الحياة و نفذَّت تلك الجنية ما جاءت لأجله ..

دوى صوت صراخ الأهل على ابنتهم ، و مرت الأيام و لم يسلم أبي من كلام الناس بنعته بالقاتل مرددين .. لو ما كنتم أحضرتم هذا الشيخ لما حدث هذا ، و تخاريف عن انه استفز الجنية حتى قتلت الفتاة و غيرها من الإشاعات ..
لم يستطع أبي تحمل ما ينسب إليه فقرر المغادرة إلي بلدتنا القديمة ، كان يقبع هناك منزلنا القديم فمكثنا به و كانت والدتي على وشك الولادة ، حاولنا الاتصال بأي طبيب لكن المسافة بعيدة .

و بينما نحن نركض ما بين الهاتف الذي تتقطع حرارته بين الحين و الآخر و بين بيوت القرية حتى وجدنا امرأةً تخرج من بين ظلمة البيوت تقترب منا و صوت خلخالها يقطع صمت المكان ، لقد كانت ترتدي ملابس أقرب ما يكون إلى ملابس الغجريات أو بنات البدو ، بذلك القرط الصغير الذي يزين أنفها .

اقتربت من أبي قائلة :
– اذهب إلى زوجتك .

– لكن.. لم أكمل كلامي حتي وجدت أبي يشير إلي أن اصمت.

ثم أمسكني و أدرنا ظهرنا لها متابعين الوصول للمنزل ، أدرت وجهي لأنظر إليها فوجدتها قد اختفت فسرت القشعريرة بجسدي من الخوف و تشبتت بأبي أكثر حتي وصلنا للمنزل ، اقتربنا من أمي فوجدناها نائمة و ما إن اقترب أبي ليكشف الغطاء عن سرير الطفلة حتى تغيرت ملامحه ، تقدمت منه لأرى ما يحدث لكنه أبعدني و أخرجني من الغرفة .

لم أفهم ما يحدث و لمَ لا يجعلوني أرى أختي الصغيرة حتى أننا لا نسمع لها بكاء !!

في يوم من الأيام تسللت إلي غرفة الطفلة لأراها فقد خصص لها أبي غرفةً لا يدخل إليها أحد ، اقتربت و ما إن سحبت الغطاء من على وجهها حتى تراجعت و اصطدمت بالحائط و أنا مرتعب ، برغم جمالها الزائد عن الحد إلا أنها لا تمت للبشر بصلة ..

بشرتها الشاحبة و برودة يدها و عيناها السوداء تلك التي كانت تتقلب للأزرق ما بين الحين و الآخر و شعرها الأسود الذي أسدل خصلاته على عينيها جعلني أتأكد من هذا ، قبل أن أتحرك من مكاني وجدت أبي قد سحبني لخارج الغرفة و هو يصرخ بي قائلاً :
– ألم أنبه ألا يدخل أحد تلك الغرفة ؟

مرت بعدها الأيام و سمعت أمي تحدث أبي ذات يوم قائلة :

– هل ستظل حبيسة الغرفة هكذا ؟ يجب أن ترى النور كما حال أخويها ..
– لكن ..
– وحّد الله يا أبا جهاد ، ألم تقل لي يومها أنها الآن ابنة لنا حتى لو كانت منهم ؟

ظللت أتساءل ماذا تعني أمي بكلامها أنها منهم ؟ حتلإ قاطع شرودي هذا نداء أخي ” قاسم” الذي يصغرني بثلاث سنوات للعب بالخارج ، خرجنا نلعب لبعض الوقت حتى وجدت أبي و أمي يدعواننا للدخول .

دخلت و أنا أراقب أختي الصغيرة نرجس علي يد أمي ، لقد كانت تكبر بسرعة يوماً بعد يوم حتى أصبحت تركض و تلعب معنا بالخارج و هي لم يتعد عمرها السنة ، لكن من يراها يظن أنها بعمر الخمس سنوات .

كتم أبي و أمي ذلك السر عن الجميع أن تلك الطفلة لم تكن سوى طفلة تلك الجنية التي أحرقها أبي بجسد الفتاة في الوقت الذي كسرت فيه عنقها ، و تلك المرأة الغجرية التي بدلت الطفلة وقت ساعدت أمي على الولادة لم تكن سوى خالة الطفلة ( هكذا أخبرني أبي ).

توقف أبي عن رقية الناس منذ تلك الحادثة حتى لا يتكرر الأمر لكنه كان يعلمني كل شيء ..

كانت أمي متعلقة بها كثيراً و كأنها ابنتها تمشط شعرها الطويل و تدللها و تخاف عليها من عيون نساء القرية التي كانت تحسد جمالها ، كبرت نرجس و أصبحت شابة ، كانت تسبق سنها بجمالها و رجاحة عقلها حتى أننا لم نكن متأكدين كم تبلغ من العمر بالفعل ، لم تكن تعلم أنها من الجن برغم قدراتها الغريبة على سماع أخف الأصوات و رؤية الجن من الحين للآخر .

كان يأتي الخطاب يوماً بعد يوم و كان أبي يرفضهم ، و كل مرة حجة مختلفة ، لم تمانع أمي الأمر فهم لا يعلمون بعد إن كان زواجها من الإنس حلالاً أم لا ، و بحكم أن أبي شيخاً ، كان يخاف من ذلك الأمر كثيراً .

سارت الأمور على ما يرام حتى جاء اليوم الذي غير كل شيء عندما تقدم لأختي شابٌّ يقال عنه زينة شباب القرية ، هه لكنهم بالتأكيد لا يقصدون أخلاقه بذلك الوصف ، فقد كان آخر شخص أأتمنه على أختي إن كان يصح زواجها من إنسي و بالتالي رفضناه بحجة أخلاقه .

لكن والدته لم تقتنع بتلك الحجة ، ظلت تحدث أمي عن الأمر كلما تراها و أمي كانت تتجاهلها و تتجنب الحديث معها ، كانت خالة نرجس تأتي لزيارتها دوماً بالليل ، و أمي تخبرها أنها أختها هي ، فهي لم ترد أن تعرف بالأمر .

بعد خروجها من المنزل التفتت للتوجه إلي المقابر كعادتها كل يوم فتبعتها تلك العجوز والدة عريس الغفلة فلقد شكت بأمرها لأنها ترتدي كالغجرية و قليل من يأتي من الغجر بالقرية إن كان مستحيلاً ، رأيتها من نافذة المنزل و هي تتجه إلي المقابر بنفس الطريق الذي توجهت له خالة نرجس فتبعتها حتي لا ينكشف شيء و يبدو أني وصلت متأخراً .

وجدتها تقف حائرة بين المقابر و هي تردد …أين ذهبت ؟
– قاطعتها قائلاً … من تقصدين ؟

– أنت ؟ لا لا شيء ، إلي أين تذهب بهذا الوقت ؟
– كنت سأقول نفس الكلام ، هل هناك خطب ما ؟

– لا لاشيء ( قالتها بتوتر ثم غادرت ).

ابتسمت بسخرية ثم عدت للمنزل و أنا ظننت أنها تجاهلت الأمر ، حتى باليوم التالي ذهبت أختي للسوق و عادت تبكي ، سألتها ماذا حدث ؟ لكنها لم تبادلني الرد بل دخلت إلي أمي ،
و عندما سألت أمي عن سبب بكاء نرجس قالت لي أن تلك العجوز نعتتها بـ حفيدة الجن حتى أصبح الناس يصدقون هذا و ينظرون إليها باشمئزاز ، كانت أمي تطيِّب خاطرها بالبداية أنها ربما تغار من جمالها لكن عندما ازداد الأمر عن حده و ظلت تلك العجوز تشيع بين الناس أن هناك أحد ما بمنزلنا أحضره الجن ليكون نذير شؤم على القرية ، و بالطبع أصابع الاتهام وجهت لنرجس ، فأخبرت أبي بما رأيت فقرر المغادرة لكن كيف لقرية أهلها ما بين من يعيشون على الدجل و البعض الآخر اعتبر أختي نذير شؤم أن يمضي الأمر بسلام !!

استيقظنا على ألسنة النيران و هي تأكل المنزل و أمي تركض بين الغرف لتوقظنا ، حاول أخي كسر باب المنزل لكنهم أغلقوه من الخارج و ركضت نحو النوافذ ربما أجد مخرجاً لكن النيران ملأتها ، و بينما نحن نحاول إيجاد مخرج حتى انتبهت أمي أن نرجس ليست معنا و لم أشعر بها و هي تبتعد للبحث عنها إلا عندما سمعت صراخها و هي تقول لأبي … لقد أخذتها .

بالرغم من أن النيران لم تصل لتلك الغرفة التي مكثنا بها ريثما يأتي أحد لمساعدتنا إلا أن الدخان تسلل للداخل حتى فقدنا الوعي ، استيقظت لأجد نفسي نائماً بمكان ما خارج القرية و علي بعد خطوات مني أخي و أمي و أبي لكن لم نجد أختي نرجس ، علمنا أن خالتها أحضرتنا لهنا بعيداً عن القرية و أخذت نرجس معها ، تخيلت أنها لو تكلمت لقالت .. شكراً لكم علي ما فعلتموه لكني لن أتركها تحرق كوالدتها .

ذهب أخي إلي الطريق ليحضر لنا سيارة تقلنا بينما ظللت أنظر لأمي التي تقطع قلبها من البكاء و هي تنادي على ابنتها و بجانبها والدي يردد … قدر الله و ما شاء فعل .

مكثنا ببيت للإيجار فكل ما لدينا احترق بالبيت من مال و مصوغات و غيره ، كنا نخرج أنا و أخي للعمل بينما والدي كان قد أصابه الكبر لا يقدر على العمل ، كنت أتمنى أن أعود للمنزل لتخبرني أمي أن أختي عادت لكن لم يحدث ذلك ، مرت الأيام و أمي تنتظر نرجس حتى قتلها شوقها لها .

قبل أن تودعنا أمي أخبرتني أن نرجس أتت إليها لتودعها فخالتها لن تتركها مع البشر مرةً أخرى .

بعدما فارقت الحياة توفي أبي من الصدمة على ما يحدث لهم ، و ظللنا أنا و أخي فقط وحدنا حتي سافر هو للعمل و عدت أنا للمنزل ربما تعود أختي فهي لا تعلم مكاناً غيره ، و صادف بيوم من الأيام أن فاجأني شخص زوجته أصابها مس و يريدني أن أراها فتبعته إلي منزله فوجدتها بالشهر الأخير من حملها فاعتذرت له كسابق الشيوخ لأنها لن تحتمل ألم الحمل و ألم حرق ذلك الجن بالوقت نفسه هذا ربما يقتلها و لم أرد أن يتكرر ما حدث من قبل .

لكنهم كانوا لاعتقادهم أن الطفل ربما يولد مشوهاً أو ينسب إلي الجن ظل يتوسل لي ، كانت ليلة طويلة من الصراخ و تلاوة الآيات حتى استسلم ذلك الجني و تركها بسلام و انتشر الخبر بين الناس عن شيخ القرية و هازم الجن و تلك التخاريف ، و صرت أحب الناس إليهم ، و ها قد مر الآن أربع سنواتٍ منذ جئت إلي هنا ، قضيتها بالعمل بحقول القرية حتى أصبح لدي متجري الخاص لبيع الحبوب ، فقد علمني أبي ألا أتاجر بالدين و ألا آخذ مقابل رقيتي للناس كما يفعل الآخرون .

– قرأت اسمك بالجريدة و أنك تهتم بالخوراق فوجدت أنها ربما تكون وسيلة لأبلغها بها .. ربما تعود

– تأكد أني سأفعل ما بوسعي لمساعدتك و أتمنى أن تعود عن قريب ، هل تريد قول شيءٍ آخر بشأن القصة ؟

– نعم ، المذنب الحقيقي بالقصة ليس طبيعة أختي ، بل كلام الناس هو من تسبب بخسارتنا بالمرة الأولي و الثانية ، الناس تصدق كل ما يقال لها من دون تفكير … هناك من احترقت منازله من دون أن تمسها النار ، و هناك من يحرقها بنفسه لأنه فقط صدق كلام الناس .

تنهد متابعاً :

– فقط هذا ما أريد قوله لا شيء آخر .

– حسنا ، و الآن سأستأذن للمغادرة ، اطمئن رسالتك ستصل لها..

قبل أن يغادر التفت قائلاً :

– هل تريد لها عنوانا معيناً ؟

– نعم ، فليكن ( آسوم حفيدة الجن ) ، ابتسم قائلاً … هذا أفضل

– لكن ألم تخبرني أن اسمها نرجس ؟

– نعم ، هذا هو الاسم الذي أطلقه عليها والدي ، لكن اسمها
الحقيقي ” آسوم “

– جميل ( آسوم حفيدة الجن ) فليكن إذن ، سأذهب الآن إلى اللقاء .

رافقه جهاد إلى الخارج و قبل أن يسير بخطواته التفت قائلاً و هو ينظر للمنزل :

– لم تخبرني ، لمَ جددت المنزل من الداخل فقط ؟

نظر جهاد إلى الجدار و هو يتلمسه متابعاً :

– ربما صرت أحب الناس إليهم لكني لم أنسَ يوماً ما فعلوه بي و بعائلتي ، تركت المنزل من الخارج هكذا حتى يذكرني و يذكرهم بذلك لعلهم يستحون من أفعالهم :

و ليعلموا أنه ليس كل ما هو مختلف عنهم هو نذير شؤم لهم .

 

تاريخ النشر : 2017-03-15

guest
22 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى