أدب الرعب والعام

الشـجرة ( ج2 )

بقلم : البراء – مصر
للتواصل : [email protected]

الشـجرة ( ج2 )
لا يوجد دخان من غير نار.. وتلك الشجرة هنا لم تولد من العدم

لم يكن تخيلاً أو وهماً ، عرف عمر هذا حينما كان مختبئاً ينظر لمصدر الضوء ، كانا شخصين أحدهما يحفر قبر أمه و الآخر يقف ممسكاً له مصدر الضوء ، بعد التدقيق أدرك عمر شيئا مهماً ، هو يعرف هذين الشخصين جيداً.. إنهما عبد القوي و عبد العال ! في البداية شكك عمر في نظره نظراً لظروف الإضاءة الغير جيدة.. لكنه و مع مرور الوقت أخذ يتأكد أكثر و أكثر من هويتهما .

عمر لم يحرك ساكناً بل ظل يراقب في هدوء ما يفعلانه.. حينما أنهى عبد العال الحفر كان قد وصل للكفن.. تعاون هو و أخوه على حمله للخارج.. ردما الحفرة.. ثم حملا الكفن و أنطلقا يمشيان ، قاوم عمر مشاعره الشديدة بمحاولة إيقافهما أو ضربهما بسبب أنه يريد أن يعرف ما الذي سيفعلانه بجثة أمه.. بالإضافة إلى أنه لن يستطيع أن يمسهما بسوء إذا ما كانا قد أكلا من ثمار الشجرة ، شخص آخر في ظروف مغايرة لكان قد هرول بهيستيرية نحوهما كي يمنعهما من حمل الكفن.. حتى و لو كان يعرف أن هذا يعني موته ، أن تخرج ميتاً من قبره هو شيء ليس بالهين أبداً .. لكن عمر كان دوماً يحكِّم عقله قبل فعل أي شيء .. و لهذا قرر أن يتبعهما فقط كي يتحين اللحظة المناسبة .

كانا يمشيان بثقة وسط القبور و كأنما قد حفظاها فعلاً ، و استطاع عمر أن يرى وجهتهما.. استطاع أن يرى ذاك الشبح الضخم المظلم في الأفق فعرف ، هما يتجهان للمنزل القديم الذي نبتت الشجرة بالقرب منه !.

***

تمكن عمر بطريقة ما من كبح معدته حينما رأي المنظر أمامه ، كان يختبئ في الظلام واضعاً يده على فمه مع عينين متسعتين عن آخرهما ، عمر بعد أن مشى وراءهما بداخل المنزل وصل في النهاية إلى غرفة ذات باب معدني كبير ، في البداية ظن هذا.. ظن أنها غرفة ، لكنهما حينما فتحا الباب و دخلا.. حينما دخل ورائهما مرة أخرى عرف أنها لم تكن غرفة ، إنها ثلاجة كبيرة.. ثلاجة للموتى ، توجد بها عدة طاولات معدنية ملقي عليها جثث لبشر.. جثث يمكن القول بأن هناك من عبث بها.. هناك من ترك ثغرة كبيرة للغاية في منطقة البطن ، جثث أخرى كانت تفتقد لعيونها ، و بجانب كل طاولة كانت يوجد ذلك الصندوق الأزرق المميز.. ذلك الذي يحفظون فيها الأعضاء البشرية من التلف.. تجده قبل كل عملية زرع عضو ..

كان عمر مختبئاً خلف واحدة من تلك الأدراج التي يضعون بداخلها الجثث ، وقف هناك يقاوم رغبته الشديدة بالتقيؤ ، في تلك اللحظة سمع صوت عالي في المكان :
“كفاك اختباءً .. نحن نعرف أنك تتبعنا مذ أن كنا في المقابر.. هيا هيا أخرج”
كان صوت عبد القوي ، عمر و بسماعه لهذه الكلمات وجد أنه لا معنى من وقفته فخرج من مخبئه و هو يقول :
“هلّا شرحتما لي ماهذا ؟!”
نظرا له في دهشة ثم بادر عبد القوي بالكلام :
“هذا أنت يا دكتور.. هذا مؤسف.. ظننا أنك قد رحلت”
“مازلت هنا كما ترى.. ما هو المؤسف؟”
“لماذا عدت يا دكتور؟”
تراجع عمر للوراء قليلا ثم قال :
“إذاً هذا هو سركم الخطير.. ما الذي تفعله هذه الجثث هنا.. ماذا تفعلون بجثة أمي ؟! “
نظر عبد القوي لأخاه الواقف بجانبه ثم قال :
“اذهب و اغلق باب الثلاجة جيداً “
ثم جلب كرسياً من ورائه و ناوله لعمر و هو أردف بابتسامة صفراء :
“سأخبرك يا دكتور.. اجلس أولاً فقد يطول حديثنا “

جلس عمر و جلس عبد القوي هو الآخر ثم أردف بعدها :
“سأدخل في صلب الموضوع مباشرةً ..إن الأمر بكل بساطة هو أننا هنا نتاجر بالأعضاء البشرية”
أرتفع حاجبا عمر في دهشة بينما يكمل عبد القوي :
“كما ترى يا دكتور محصول القرية لم يعد يكفينا مثل الأيام الخوالي ، منذ خمسين سنة تقريباً.. كنا نعيش فقراً مدقعاً.. بارت الأراض و انقطعت عنا إمدادات المياه.. كنا حرفياً نحتضر ، كما تعلم لا مياه لا حياة ، إلى أن إقترح جدي حينها أن نتاجر بالأعضاء البشرية.. كان يملك المكان فقط ينقصه الأجساد ، هذا البيت هنا هو ملك له.. ورثه عن أبيه الذي بدوره عن أبيه و هكذا تستمر الدائرة ، لذا نعم هذا البيت هو بيت عائلتنا”

صمت قليلا ثم أردف :
“المشكلة وقتها تمثلت في السكان نفسهم.. معظمهم شرفاء و لن يوافقوا على هذا الأمر الغير شرعي ، فأتى جدي بإقتراح آخر.. لماذا نبحث عن أجساد حية بينما يمكننا الحصول على ما نريده من أجساد ميتة و بدون علم السكان نفسهم ، و بالاتفاق مع العمدة حينها هدموا المقابر القديمة و بنوا هذه المقابر هنا حول المنزل ، هذا هو إجابة سؤالك السابق.. بنيناها هنا كي يسهل علينا عملية سرقة الجثث ، في ذلك الوقت كانوا يبيعون الأعضاء ثم بالأموال التي لديهم كانوا يستمرون في إدخال المياه للقرية.. بالطبع كانوا يقبضون الثمن فيما بعد من السكان”

“إذن أنتم تسرقون الجثث من المقابر و من ثم تسرقون أعضاء الجثث ثم تبيعونها بمبالغ طائلة”
“بالضبط!”
إنعقد حاجبا عمر في دهشة قبل أن يردف عبد القوي و هو يرفع إصبعه في وجه عمر :
“لكن دعني أذكرك لولا هذه التجارة ما كانت هذه القرية لتكون موجودة.. ماكانت لوالدتك أن تلدك هنا.. لقد أنقذتنا هذه التجارة ، تحسنت الأمور هنا بكل حال لكن لا نستطيع أن نتخلى عن منجم الذهب هذا”

رد عمر بنبرة غاضبة:
“كنتم تخططون لبيع أعضاء أمي؟!”
“إن أنسب وقت لسرقة الأعضاء هو بعد الدفن مباشرة.. ألا تذكر اليوم الذي جلبناك فيه إلى هنا لأول مرة.. لقد كنت تتساءل عن السبب الذي جعلنا نؤخر الأمر يوماً كاملاً.. أخبرتك حينها أن هناك جنازة و هناك قوانين و عادات و ما إلى ذلك.. حسنا كل هذا كان هراء.. لقد أردنا استخراج الأعضاء من الجثة”
“و ماذا عن السكان.. ماذا عن أقارب الجثث.. ألم تعتقدوا أنهم كانوا سيرفضون القذارة التي تقومون بها هنا؟!”
“نحن نفعل هذا بدون علمهم لهذا السبب بالضبط ، لعلمنا بأنهم سيرفضون هذه القذارة”
صمت قليلاً قبل أن يضيف :
“التي أنقذتهم من التشرد بالمناسبة”

صمت عمر و بدت على وجهه علامات التفكير الممزوجة بملامح الغضب ، أكمل عبد القوي :
“منذ فترة ظهرت لنا تلك الشجرة من العدم.. نبتة صغيرة و كبرت ، أنت تعلم أنه لا يوجد دخان من غير نار.. وتلك الشجرة هنا لم تولد من العدم ، لكن ألا تذكر الأمر حقاً ؟!”
“أذكر ماذا بالضبط؟”
“الشجرة.. أنت من جعلها هكذا ! ألا تذكر؟!”

صمت عمر باستغراب محاولاً التذكر قبل أن يردف عبد القوي :
“منذ خمس سنوات كان مشروع تخرجك هو شجرة هجينة.. بطريقة ما تمكنت من صنع البذور و أتيت إلى هنا كي تزرعها بما أن هذه قرية و معظم الأراضي زراعية هنا ، زرعتها في أرض قريبة بدون أن تخبر صاحب الأرض.. صبرت عليها لشهر كامل لكنها لم تنبت فظننت أن الأمر قد فشل و أن الشجرة لن تنبت أبداً.. لم تعرف أنها تحتاج لمدة أقلها شهرين”

هنا تذكر عمر الأمر كاملاً.. لقد حدث كل هذا بالفعل لكنه كان قد نسي كل شيء عنه.. خمس سنوات كافية لجعلك تنسى الكثير من الأشياء.. لن يتذكر تلك التجربة الفاشلة التي قام بها.. و لو تذكر فلن يتذكر ما نوعية الأشجار التي حاول دمجها في شجرة واحدة ، لكن عبد القوي يعرف الكثير من التفاصيل.. أكثر من المفترض.. فسأله :
“و كيف لك أن تعرف كل هذا”
“إنها والدتك.. لم تكف يوماً عن التفاخر و النويح بشأن ذلك.. لقد كانت تفخر بك دوماً و تحكي للجميع عنك ، أنت تعرف حينما تتجمع النساء.. أخبرت أمي بالقصة كاملة في يوم من الأيام و أمي بدورها أخبرتنا”

صمت عمر قليلاً و بدا أنه يفكر لثوانٍ قال بعدها :
“لكني لا أذكر أنني زرعت الشجرة في هذا المكان “
رد عبد القوي ضاحكاً :
“أين عقلك يا دكتور.. ألم تخبرني من قبل أن هذه الشجرة هي هجين لنباتات و أشجار ، أذكر أن اثنتين منهما كانت لديهما القدرة على التحرك من مكانهما”
“هذا ليس ممكناً.. تحتاج الشجرة للغذاء كي تفعل هذا”
“و حصلت عليه.. لحم بشري ، قلت أنه هناك شجرة من بين الثلاثة جذورها طويلة جداً ، تخميني هو أن هذه الجذور قد ظلت تنمو و تتحرك تحت الأرض طوال خمس سنوات قبل أن تصل إلى المقابر ، و هنا تمكنت من الحصول على اللحم الذي تريده و بالطبع أعطاها هذا القدرة على التحرك من مكانها ، و بالطبع مرة أخرى يمكنك أن تتخيل إلى أين يمكن أن تتحرك هذه الشجرة.. بالقرب من طعامها المفضل ، بالقرب من المقابر!”

“لكن هذا ليس منطقياً .. أنتم لا تتركون لها جثثاً لأنكم تأخذون الجثث قبلها.. أليس كذلك؟!”
“حسنا أحياناً يكون لدينا فائض ، القرية كبيرة و معدل الموت فيها هو شخص كل أسبوع.. و نحن نكتفي بهذا ، في الأوقات التي تشذ فيها الأمور و يموت شخصين أو ثلاثة نتركهما ، بالطبع لم نكن نعرف أن الشجرة تتغذى عليهم.. كما أخبرتنا أنت”

“متى تحركت الشجرة؟”

“قبل أن نتوسل لوالدتك كي تستدعيك إلى هنا بإسبوع ، لاحظ صاحب الأرض التي كانت فيها الشجرة أنها اختفت من مكانها ، و بالطبع لم يعرف أحد مكانها الجديد بسبب أنه لا يوجد أحد يجرؤ على الاقتراب من المنزل المهجور ، ما عدانا نحن بالطبع ، بدايةً أنا لم أصدق الأمر.. تحرك شجرة من مكانها ليس شيئاً قابلاً للتصديق ، في ذلك الأسبوع لاحظت أنها قد أنبتت ثماراً .. ظننت أنها ثمار الجوافة فأكلتها بكل بساطة ، بعد ذلك بدأت بعض الأشياء المثيرة بالحدوث لي.. و أنت تعرفها جيداً “

“يمكنني أن أتخيل السناريو هنا ، أنت قد بدأت تلاحظ أنك لا تتألم أبداً فظننت أن هناك خلل ما في جسدك ، ثم تحدثت أمي أمامكم مجدداً عني ، فبدأتم بالتفكير.. أه إنه ابن الحاجة سوسن ، إنه يملك دكتوراة في علم التشريح.. أخصائي علم نباتات ، إن الرجل أكثر ما يكون مناسباً ، سنجلبه هنا كي يعرف ما بجسد عبد القوي و في نفس الوقت كي نعرف عن هذه الشجرة و كيفية تحركها من مكانها ، دعك من أنه هو من زرعها أصلاً “

“نعم هذا هو ماحدث بالضبط”

“مرة أخرى أخبرني.. كيف عرفتم أنني زرعت هذه البذور في هذا المكان بالذات؟ حتى أمي لم تعرف أين زرعتها”
“إجابة سؤالك ببساطة هي أن صاحب الأرض قد رآك و أنت تهتم بها و تسقيها كل يوم فعرف أنك أنت من زرعتها ، أنا فقط قد أوصلت النقاط ببعضها من قصة والدتك و عرفت هذا”

“إذاً بين يوم وليلة لم تجدوا الشجرة؟”

“نعم تحركت في ليلة واحدة فقط ، تركت آثاراً لكنها كانت قد محيت من قبل السكان ، دعك من أنها لم تتحرك بداخل القرية كثيراً لذا لم يرها أحد في الظلام ، و تزامناً مع وصولك بدأ شجار السكان مع العمدة ، فكما ترى الشجرة تركت مكانها حفرة كبيرة ، تلك الحفرة وقع فيها شخص ما ، لم يسمعوا صراخه لأنها كانت عميقة.. في اليوم التالي وجدوه هيكلاً عظمياً ، امتصته الشجرة بالكامل من جذورها ، لم تنس مكانها القديم ، بالطبع لم يعر أحد للأمر اهتماما كبيراً … رجل مغفل و وقع في حفرة كان بإمكانه تجنبها ، لكن الأمر تكرر مرتين بعد ذلك ، و هنا استشاط أهل القرية غضباً و طالبوا بردم الحفرة ، أعتقد أنك قد رأيت بعضاً من هذه الشجارات مع عبد العال في طريقك لمنزلنا “

تذكر عمر الأمر فقال :
“نعم أتذكر”
“لم يتحمل العمدة المزيد من الأحاديث و الشكوك و تم ردمها فورا”
“بعيدا عن الشجرة.. من منكم يقوم بالعمل القذر كما يقولون؟”
“أنا من أقوم باستخراج أعضاء الجثث.. لدي خبرة بسيطة و أعرف أماكن الأعضاء.. يمكنك أن تقول أنني أقوم بعمل بدائي.. لكن طالما أخرجت العضو بأمان لا يهم ماذا يحدث للجثة”
صمت عبد القوي لثانيتين ثم عاد يقول :
“لكن دعك من هذا كله ، تلك الثمار اللعينة.. لا أعرف ما تفعله بالجسد بالضبط لكن أيا كان فمفعولها لا يدوم للأبد ، لمدة يومين فقط ، و إذا انتهت الفترة يعود كل شيء كما كان.. و لو كان الضرر خطيراً للغاية فإن الآثار تبدأ بالظهور”

قالها ثم رفع يده التي سبق و أحرقها عمر من قبل ، كانت يده سوداء و الجلد عليها مهترئا.. كان من الواضح أنها احترقت منذ فترة ، قال عبد القوي :
“كما ترى يا دكتور أنا لن أنسى أبدا أنك أنت من سببت لي هذا.. كنت سأعلم عبد العال كل شيء عن التشريح الليلة.. و أنت تعرف على جثة من كان سوف يتعلم.. كنت سأعتبره انتقاماً بسيطاً لما فعلته بيدي”
أشار عبد القوي بيده لعبد العال الذي كان يقف على باب الثلاجة و هب واقفاً و هو يردف :
“خمسة فقط يعلمون بشأن ما يحدث هنا.. أنا و أخي و العمدة و كبيري الخفر.. و صراحة يا دكتور نحن لسنا على استعداد بأن نجعلهم ستة”

و قبل أن يتحرك عمر هوى شيء معدني على رأسه فألقاه أرضاً 

***

“ماذا سنفعل به”
“سنستدعي العمدة أولاً”
” و بعد أن نفعل هذا؟”
“يخبرنا بالذي نفعله ، لن نخاطر و نجعل أحدنا يحرسه هنا.. لا توجد حبال هنا لكي نقيده بها و ربما يثير المشاكل حينما يستيقظ.. كما لا يوجد وقت لكي نبحث عن حبال.. لربما يستيقظ قبل أن نفعل ، سنغلق عليه باب الثلاجة من الخارج.. لن يستطيع الهرب هكذا.. ثم سنذهب معاً إلى العمدة و سنجلبه إلى هنا فوراً”
“لسوف يستغرق إيقاظه يومين”
“هيا بنا و دعنا لا نضيع الوقت إذن”

بالطبع الوقت الذي استغرقاه في إيقاظ العمدة فاق الوقت الذي احتاجه عمر للاستفاقة .
وقف عمر شاعراً بالصداع الشديد و هو يتمتم بسباب بلغة غير مفهومة ، ثم مرت بضع ثوان حتى تذكر عمر الأمر ، عبد القوي و عبد العال.. لابد من أن عبد العال ضربه من وراءه ، بضعة جولات في المكان و فهم عمر اللعبة.. هما قد تركاه لأنهما ذهبا للعمدة.. بالأحرى حبساه هنا ، و في الغالب سيجدهم جميعاً أمامه في أي لحظة ربما كي يقتلوه .

كانوا خمسة يمشون في الظلام بخطوات ثقيلة.. كانوا الخمسة الذين يعرفون الحقيقة.. الخمسة الذي لا يعرف أحد سواهم الحقيقة ، العمدة و كبيرَي الخفر و عبد العال و عبد القوي.. و وجتهم هي ثلاجة الموتى.. هدفهم هو إخراس عمر بأي طريقة !.

***

“يالكم من حمقى.. تركتموه وحيداً و الآن سنضطر لأن نبحث في أي درج قد اختبأ”
قالها العمدة و هو ينفث دخان سيجارته.. أردف بعدها بصوت حازم:
“إبحثوا عنه الأن هيا.. جميعكم”

فانطلقوا جميعهم و تفرقوا ، في تلك اللحظة لم يلحظ أحد فيهم أن هناك جثة مغطاة جيداً على طاولة بجانب الباب.. لم يلحظوا قارورة البنزين الموضوعة تحت الطاولة، لم يعرفوا أن هذه القارورة تركها عمر حينما إكتشف عبد القوي أمره.. لم يعرفوا أن عمر رجع إليها و أخذها.. لم يعرفوا أن هذه الجثة لم تكن إلا عمر نفسه ، كان مختبئاً هناك بانتظار فرصته.. و قد لاحت له تلك الفرصة حينما دخلوا كلهم الثلاجة معه .

في الثانية التالية سمع العمدة صوت إغلاق الباب من خلفه فنظر خلفه في عدم استيعاب ، حينها رأى قطعة القماش التي كانت تغطي الجثة خلفه ملقاة على الأرض.. فأدرك فوراً ما فعله عمر !

خطوة عمر التالية كانت هي خطته الأساسية.. الشيء الذي أتى من أجله في المقام الأول.. إحراق الشجرة ! و بالفعل بعد لحظات كانت الشجرة تحترق أمام عينه.. لكنه كان قد أخذ بعض التذكارات منها أولاً ، كان يود لو أحرق المنزل بأكمله لكن القارورة لن تكفي إلا للشجرة فقط ، بالطبع الخيار التالي و البديهي هنا هو الشرطة .

كان من الصعب على العمدة و الباقي أن يبرروا سبب وجودهم في ثلاجة موتى مليئة بالجثث في هذا الوقت من الليل ، قليل من ضغط الشرطة المشهور و سقطوا واحداً تلو الآخر.. ما إن يبدأ واحد بالتكلم حتى ينهار الجميع.. في النهاية اعترفوا جميعهم بالجرم الذي فعلوه ، لم يسأل أحد عن سبب وجود شجرة محترقة حديثاً بجانب المنزل ، اهتمامهم كان أكبر من أن يسألوا.. لم يذكر أي منهم الشجرة بأي حال.. لن يصدقوهم ، أما عمر فبعد أن أفلت بالأشياء التي أخذها من الشجرة ذهب لكي يدرسها أكثر و عن قرب.. لعله يجد علماً جديداً .

بعد أن عرف أهل القرية بالأمر غيروا مكان المقابر و عينوا حارس عليها.. لم يكتفوا بهذا فقط.. بل هدموا المنزل بأكمله.. أزالوا كل شيء كان له علاقة بالأمر .

يمكن القول أن هذه الحادثة كانت هي محور الحديث لفترة طويلة في القرية.. لا يمكن لشيء كهذا أن يمر مرور الكرام.. لا يمكن أن يمر بدون أن تكون فترة الحديث عنه شهرين كاملين على الأقل ، الطريف هنا هو أنه طوال الشهرين لم يعرف أحداً منهم من هو الذي كشف العصابة ، تطور الأمر بعد ذلك.. فالبطل مجهول الهوية صار العفريت مجهول الهوية.. و انتشرت الإشاعات من هذا النوع كثيراً .. الأشباح و العفاريت هي من حبستهم و هي من أبلغت الشرطة كنوع من الانتقام لما فعلوه بجثثهم.. مسار طبيعي لأي قصة غير طبيعية تحدث في أي قرية .

تمـت ____

ملحوظة :
جميع الأشجار و النباتات المذكورة في القصة حقيقية ماعدا بالطبع الشجرة الهجينة الرئيسية .
 

تاريخ النشر : 2017-05-06

البراء

مصر - للتواصل: [email protected]
guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى