أدب الرعب والعام

الجزيرة الموعودة

بقلم : عمران بوجلال – الجزائر
للتواصل : [email protected]

الجزيرة الموعودة
تشبثنا بسارية سفينتنا الكئيبة علنا نصل إلى تلك الجزيرة الموعودة

الرحمة يا رب .. سترك يا رب
…………

استيقظنا في ذلك الصباح المشؤوم على ضرب الرعد وأضواء البرق في وسط بحر هائج بدون بوصلة أو إحداثيات بعد صراع ونزاع , بين أخذ ورد مع تلك الأهوال في تلك الظلمة الحالكة من الليلة السابقة نحاول فيها استرجاع سارية سفينتنا الكئيبة التي ما بقي منها إلا ما حاولنا الحفاظ عليه لسيرها ، وهو ما تبقى منها لنتشبث به على أمل أن يأخذنا المد والجزر لتلك الجزيرة الموعودة ….!

– استيقظ … استيقظ يا رفيقي !

بالكاد استطعت فتح عيناي ورفع رأسي الذي كان يطمره الرمل بعدما خارت قواي ، استجمعت رباطة جأشي وقمت لأنظر إلى جزيرة غاية في الجمال والغرابة ، كثيفة الأشجار والاخضرار تعج بالأنهار ، كانت تلك أسعد لحظة في حياتي ولمَ لا ! فلم أكن أتوقع أن أرى النور أبداً بعد تلك الحادثة والمأزق الذي وقعنا فيه …

كنت أنا وثلاثة من رفاقي فقط مما نجا من الطاقم على ساحل تلك الجزيرة ، و لم يبقَ من حطام تلك السفينة إلا ساريتها التي كانت ملاذنا ومنقذنا الوحيد طبعاً ، لا مؤونة ولا ذخيرة ، لم يبق شيء نسد به رمقنا أو إسعافات نعالج بها أنفسنا .

في تلك اللحظة التفتنا إلى بعضنا البعض ليس بالكثير من السرور ، وإنما كانت نظرات ارتياب وارتباك ، كنا نعلم أن القادم أصعب ، تقدم نحوي “جوليان” وكان أكثرنا شجاعةً واندفاعاً قائلاً : 
– ما بالكم ! هل أكل القط ألسنتكم ..؟ هيا بنا نصعد ذلك التل علنا نرى مأوى أو ملجأ نحتمي به هذه اللية .

هذا ما كان من أمر جوليان ، أما “آندرو و أنتوني” فاقترحا أن يتعمقا في الأدغال علهما يجدان شيئاً نسد به رمقنا ، وهذا ما حصل بالفعل .

اتفقنا على أن نلتقي في نفس المكان قبل غروب الشمس ، ومن تلك النقطة افترقنا ، انطلق آندرو وأنتوني إلى ناحية أحد الوديان ، وسرت أنا وجوليان صعوداً قاصدين أعلى قمة بالجزيرة ، كنا محتارين أو بالأحرى مرتعبين من المجهول ، لم نكن نملك شيئاً لندافع به عن حياتنا ويعزز ثقتنا بأنفسنا ما عدا سكين صغير كانت أهدتني إياها خطيبتي للذكرى ، وما أروعه من تذكار ، فذلك هو كل مافي حوزتنا من عتاد !

جوليان : هيا تحرك أسرع … لانملك اليوم بأكمله

– حسناً …حسناً أنا قادم “

وصلنا أخيراً لذلك الجرف المهيب ، التفتنا يميناً وشمالاً أملاً في أن نرى سفينة مارة أو ملجأ ما ، و سرعان ما خاب ظننا وأصابنا الإحباط ، استرحنا قليلاً وبعدها نزلنا لنلتقي برفاقنا في نقطة اللقاء ، ومن حسن حظنا الهزيل أنهما وجدا بعضاً من ثمار جوز الهند وملأنا بعضها بالمياه العذبة ، في تلك الأثناء كانت الشمس تبزع ، جمعنا الحطب وأشعلنا ناراً اجتمعنا حولها ، كان الجو بارداً وكان الجوع أَلَدَّ عدو في تلك الأثناء ، اقترح جوليان أن نطهو قبعاتنا المصنوعة من جلد الراكون على النار لنخمد بها جوعنا ، ففعلنا ذلك حقاً ومضغنا تلك الجلود في حالة يأس منا ، أكلنا كذلك جوز الهند ، وكأننا كنا نجتمع على عشاء فخم …! 

***

استيقظنا في اليوم التالي في وضع مثير للشفقة ، كنا مرميين على ذلك الشاطئ الساحر كأننا قمامة .

قام جوليان مسرعاً يصيح بطريقة هستيرية :
– أين ..أين هما …أين اختفى “آندرو و أنتوني” ؟!

كانت صدمتنا كبيرة ، والأكثر من ذلك أننا وجدنا معطفيهما في مكان نومهما ، وكانت هناك بقع دم متناثرة هنا وهناك , صاح جوليان في وجهي صارخاً :
– أهذه هي جزيرتك اللعينة الموعودة التي قدتنا إليها وقادك طمعك من أجل صندوق كنز لا وجود له إلا في مخيلتك المريضة .. لقد أهلكتنا جميعاً .

اندفع نحوي مهاجماً ، فالتقطت السكين بسرعة وأشرت به ليهدئ من روعه :
– جوليان صديقي هدئ من روعك ، سنبحث عنهم ، سنجدهم أعدك بذلك .

جوليان : حسناً لا بأس عليك ، سأهدأ وسنبحث عنهم ، لكني أعدك إن لم نجدهم سالمين سأقطعك بتلك السكين التي في يدك .

فجأة سمعنا صراخاً مخيفاً يقشعر له البدن ..أصوات رجاء واستنجاد ! انطلقنا بسرعة ناحية النداء وسط أحراش كثيفة نجري نحو المجهول ، و إذ بمغارة كبيرة تلوح لنا من بعيد ، تقدمنا بحذر وتكاد أنفاسنا تنقطع من شدة الهلع ، لم أصدق أن جوليان مرتعب لتلك الدرجة ، لكنه كان خائفاً جداً ربما أكثر مني ..

حدقنا في بعضنا بصمت وأشرنا لبعضنا بالدخول في حالة مبتذلة منا ، أخرجت سكيني وسرنا في ذلك الظلام المعتم, كانت رائحة الدماء وجثث الحيوانات تعم المكان ، كنت أنا وجوليان نمسك بأيدي بعض لكي لا نضيع ونفترق .
فجأة سمعنا صوتاً
–  أنقذوني ..النجدة إنه ! كم هذا مؤلم إنه يلتهم بطني ..يا إلهي .

تقدمنا مسرعين فلاح لنا انعكاس ضوء بأحد جوانب المغارة , اختلسنا النظر فرأينا المسكين “آندرو”ممزقاً و مرمياً ، و “أنتوني” المسكين ينازع وفوقه مخلوقان يمزقان بطنه ، كاد أن يغمى علي من هول المنظر .

كانت مخلوقات قمة في القرف والبشاعة ، عارية الأجساد تشبه البشر ، ذات أذان طويلة وأنياب وعيون بين السواد والبياض ، كانت هناك إناث وذكور تتقاتل على أصدقاءنا المساكين ، عندئذٍ حاول جوليان كعادته وعفويته الدفاع عن أنتوني فمنعته من الحركة …كان قد فات الأوان بالنسبة له ، فتلك المخلوقات القبيحة تناولت بما فيه الكفاية فعلاً من رفيقنا ، فيما البقية الضعيفة منهم كانت تقتات على الأعضاء المتبقية من أمعائه ومفاصله .

أما بالنسبة لي ومن جانبي ، فأكثر شيء بطولي فعلته هو أني رميت بحجر على جموع تلك المخلوقات المتوحشة لتبتعد عن رفاقي أو مابقي منهما …لم يحدث شيء ولم تلتفت إلينا أبداً ، كأنها عمياء !
عم الهدوء المكان ، وتوقفوا عن الحركة ، لم نرَ منهم إلا رؤوسهم تتحرك يميناً وشمالاً ، وأذانها المشوهة ترتجف ، رميت بحجر آخر علها تبتعد وتفسح لنا مجالاً للخروج فلم يتحركوا .

أدركت فعلاً أنها مخلوقات ليلية عمياء ، لا ترى ، تستعمل فقط أذانها للتحسس

جوليان : ما الحل .. ما العمل ؟

أخبرته بأننا يجب أن نقرر إما نقاتلها أو نهرب بسلاسة !.قال لي بنبرة حادة :
– كيف ذلك أيها الوغد الحقير ؟ ألم ترى كيف فعلت بأصحابنا ومزقتهم بفمها وأيديها !

كنت أحبو على أصابعي ويدي بحذر ، أحاول الخروج من تلك المتاهة الدموية ، فيما تعالت أصوات جوليان بعدما فقد أعصابه خوفاً وغضباً مني ، يلومني فيما حدث ، فزمجرت تلك المخلوقات وأحاطت بنا من كل جنب ، تتحسس المكان الذي كنا فيه ، وهنا انتهى كل شيء بالنسبة لي ..

قطعنا أنفاسنا وتجمدنا في أماكننا كأننا موتى ، كانت تمشي فوقنا وتشمنا وتدفعنا هنا وهناك .
بلمحة بصر التقط مني جوليان الخنجر وضرب به أحد الوحوش وكانت الضربة في عنقه أسقطه صريعاً ، و سرعان ما أحاطت به بقية المخلوقات لتنقض عليه .. كان يصرخ بأعلى صوته وهي تنهش بطنه ووجهه ، كانت من أرعب الميتات تهويلاً .

لم يكن بيدي حيلة ، بعدما كان جوليان من أعز أصدقائي أصبح بالنسبة لي مصدر إلهاء لإبعاد الوحوش عني ، وبطاقة خروجي من هناك …اغتنمت الفرصة وقمت على قدماي لأنطلق بأقصى سرعة أتتبع فيها بصيصاً من الضوء ، إلى أن خرجت دون أن ألتفت ورائي ، أكملت الجري بين الأحراش والأدغال إلى أن وصلت لسارية السفينة ، ويالتها كانت علقت مع السفينة وغرقت وغرقنا معها بدل الجحيم التي أوصلتنا إليه .

دفعتها إلى البحر وأنا في حالة هستيرية من الصدمة والهلع ، تشبثت بها جيداً وجدفت بيدي لأبتعد عن تلك الجزيرة الملعونة قدر ما استطعت ، لعلني أقضي مصيراً أقل وحشية مما حدث لرفاقي المساكين .
 

تاريخ النشر : 2017-08-03

guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى