انتقام العالم السفلي – الجزء الثاني
كانت ذات بشرة بيضاء ، وجه صغير ، عينان واسعتان |
كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل ، خرجت سارا لترمي أكياس القمامة ، عندما لمحت سيارة حديثة الطراز تقف أمام بيتهم ، توقفت لبرهة تتأملها باستغراب قبل أن يلفت انتباهها صوت صاحبها :
– آسف ، هل أزعجتك ؟
– ها ، لا ، لا أبداً ، ولكنها المرة الأولى التي أراك فيها هنا.
– لست من سكان هذا الحي ولكنني أفكر بالانتقال ، فقد راق لي كثيراً.
– هذا الحي هادئ وجميل ، شخصياً أنصحك بالانتقال.
– أشكرك ، أنا ذاهب الآن ، وأعتذر على الإزعاج مجدداً ، قالها ثم أدار المحرك وانطلق بسرعة مهولة.
– واو! أهذا بشر! إنه وسيم غني ومهذب أيضاً ! أظنني وقعت بغرامه ، لقد سرق قلبي ! بدأت اهلوس ، من الأفضل أن أخلد للنوم .
بعد عدة أيام ، كان صاحب تلك السيارة قد انتقل بالفعل للمنزل المجاور ، خرجت سارا تجري عندما رأته يركن سيارته وبادرت تسأله بسعادة مفضوحة :
– هل انتقلت بالفعل ؟ !
– * ابتسامة لطيفة * كما ترين آنستي.
– أهلاً بك.
مرت الأيام سريعة وسارا تقابل هذا الجار بشكل شبه يومي ، كان غامضاً وحياته غير واضحة ، ولكنها أحبته بالرغم من ذلك ، إلى أن اعترفت لصديقتها التي أنكرت بدورها هذه المشاعر متسائلة : وما الذي تعرفينه عنه ؟
– اسمه ألبرت و يبلغ من العمر 32 عاماً.
– غيره ؟
– أيضاً غني للغاية ، طوله ١٨٥ و جسده رياضي ، و وسيم بشكل مبهر ، يملك أسلوباً يذيب الصخر.
– غيره ؟
– فقط.
– أهذا كل ما تعرفينه عنه ؟
أومأت سارا موافقة.
نهضت صديقتها تهم بالمغادرة رتبت ثيابها ومرت على والدة سارا في المطبخ قبل أن تخرج.
– خالتي ، أرجوك انتبهي لسارا ، أظن أن عفاريت منزلكم أثرت على عقلها تماماً !
– نعم ؟ ما الذي قالته للتو ؟
تبعتها سارا وقالت لوالدتها قبل أن تخرج : لا عليك يا أمي إنها تهذي فقط .
في الخارج كانت سارا تنادي صديقتها التي غادرت بالفعل :
– ما بكِ يا فتاة ؟ لقد أتيتِ للتو !
– *دون أن تلتفت* إن تخليت عن هذه الهلاوس كلّميني.
– ما بالها !
تمتمت سارا قبل أن تضرب كفاً بكف وتتوجه إلى بيت ألبرت لتنثر أوراقها على الطاولة وتعترف له بكل ما تشعر به تجاهه ، سكوت استمر لدقائق قطعه ألبرت: يسعدني أن تحبني فتاة جميلة مثلك ، رفعت رأسها لتنظر إليه ، يملك نظرته حنونة وابتسامة ساحرة ، ملامحه الحادة بدت لطيفة للغاية ، تمتمت ” إنه يعترف بجمالي “.
كانت الأيام روتينية ، كل يوم تذهب للمدرسة وتخرج في المساء لتتبادل الأحاديث معه ، وقلبها يتعلق به شيئاً فشيئاً ، بينما ربطت ألبرت الكثير من العلاقات الطيبة خصوصاً مع السكان الحي وعائلة سارا ، فأخلاقه الراقية ، وأسلوبه المتميز يسلبان لب الرجل بمنتهى السهولة ، يوم الثلاثاء الخامس من أُغسطس كان يوما مميزاً ، لأنه اليوم الذي احتضن مكالمة كانت تزن العالم ذهباً بالنسبة لسارا ، دار أساس حوارها حول :
– كيف حالك اليوم ؟
– بخير اشتقت لك ، وأنت ؟
– على أتم حال .
– أتعلم يا ألبرت ، اليوم أكملنا الثمانية أشهر ونحن نعرف بعضنا البعض.
– أوه مر زمن !
– وبهذه المناسبة أريد أن نلتقي في مكان آخر غير منزلك.
– يعجبني ! بما أنك أردت ذلك ، ما رأيك أن آخذك إلى مكان لم تريه من قبل ، وهناك سأعترف لك بسري الذي لم يعرفه أحد.
– أأنت جاد ؟ يا إلهي ! سأطير من السعادة.
– لم تري شيئاً بعد ، ستعيشين السعادة الحقيقة في الأيام القادمة ، أنا رسول سعادتك يا سارا.
– أحبك يا ألبرت لا بل أعشقك حد الجنون.
– سأتركك الآن لتجهزي نفسك ، سأكون أمام منزلك في تمام التاسعة.
– سأكون في انتظارك.
أغلقت الخط وهمست : يا لبحة صوته المذهلة ! ثم قفزت إلى خزانة ثيابها لتجهز نفسها وهي تدندن بأغنية معروفة ، الساعة التاسعة كان ألبرت أمام المنزل ، خرج أخوها الصغير آرثر ورحب به بنبرته الطفولية الهادئة :
– أهلا بك سيد ألبرت ، هل هناك ما تحتاجه ؟
– كيف حالك يا صغير؟ لقد اشتقت إليك ، في الحقيقة لا شيء ، ولكنني أتيت لآخذ سارا في نزهة قصيرة .
– نزهة ؟ أتسمح لي بمرافقتكم ؟
– ما هذا الأسلوب ! *همس* أأنت متأكد أنك أخوها يا صغير؟
تبادلا ضحكات خافتة في لحظة خروج سارا التي صرخت بأخيها ليعود للداخل ، ولكن ذاك رفض بدوره وتدخل ألبرت واقفاً بصف الصغير ، إلى أن اتفقا أخيراً ، كانت الطريق طويلة وغريبة ، طرق تراها سارا للمرة الأولى ، بعد سير استمر قرابة النصف ساعة ، وقف ألبرت أمام سور طويل ، ترجل من السيارة ، ثم فتح الباب لسارا وسار خلفها ، دخلا إلى حديقة واسعة ، الشجر فيها كثير بجذوع طويلة ، بينهم كان هذا الممر القديم الذي يسيران عليه ، أشجار متسلقة ، أخفت أسوار الحديقة ، الظلام حالك ، والجو بارد للغاية ليس وكأنهم في شهر أغسطس ، هبت رياح لطيفة حركت أوراق الشجر ، صوت احتكاكها يبعضها و زاد المكان رهبة ، تراجعت سارا ونظرت إلى ألبرت بغضب : ما هذا المكان يا ألبرت؟ إنه موحش للغاية ، هل تمزح معي ؟
استمر ألبرت بالسير بهدوء وكأنه لم يسمع ، بينما ظلت سارا تتذمر وتطلب منه الخروج من المكان ، كانت حديقة كبيرة ، لا ترى أولها ولا آخرها ، وكأنها غابة واسعة ، سارا طويلا إلى أن وصلا إلى قصر ضخم ، وكأنه عالم آخر لا تربطه بالحديقة أية صلة ، فتح الباب لترى سارا شيئاً لا يمكن وصفه ، القصر واسع وكبير ، غلب عليه أثاثه اللون الذهبي الفاخر ، ابتسامة واسعة رسمت على وجهها ، التفتت إلى ألبرت : هل هذا قصرك يا ألبرت ؟ إنه جميل للغاية ! من أين لك كل هذا يا عزيزي ؟
ارتسمت ابتسامه صغيرة على وجه ألبرت وتابع طريقه إلى الأعلى لتتبعه سارا بدورها ، دخلا إلى غرفة صغيرة ، إضاءتها خافته ، ولكنها أنيقة ومرتبة ، ظلت سارا تتجول بها وتتأملها بينما ألقى ألبرت بجسده على الأريكة ، لتجلس هي بجانبه
– أهذا القصر ملك لك يا ألبرت ؟
– هل يهمكِ معرفة هذا ؟
– كثيراً.
– أرغب بشرب القهوة.
– سأعدها لك.
أشار على طاولة في الخلف وضع عليها الماء والسكر وأكواب القهوة : إنها هناك.
ذهبت سارا لتحضر القهوة بينما كان هو يضع قرص (DVD) في المشغل.
– ما رأيك أن نتابع فيلما يا عزيزتي ؟
– ولم لا !
قالتها وهي منهمكة في إعداد القهوة رفعت رأسها لترى ما هو الفيلم الذي سيتابعانه ، كان يعرض على الشاشة كائنات غريبة سوداء طويلة ، ولا ملامح واضحة لهم ، تركت ما في يدها ونظرت إليه بضجر : ما هذا يا ألبرت ! أتسمي هذا فيلما ؟ إنه سخيف ابحث عن غيره .
” سيعجبك ، انتظري فقط ” كان رد ألبرت.
انتهت من إعداد القهوة ثم حملت الكوبين ووضعتهما على الطاولة أمامه وجلست بجواره ، كان الفيلم يبث على الشاشة ، لم تفهم منه أي شيء و لكنها بالرغم من ذلك شعرت بخوف يتسلل إلى داخلها ، و لكن كبرياءها ومحاولتها للحفاظ على البرستيج منعاها من الاعتراف.
( قبور تخرج منها دماء ، وأصوات غربان اختلطت بصراخ غريب ، كانت هناك فتاة تركض بمحاولة يائسة للخروج وارتسمت على وجهها كل ملامح الذعر ، ما إن تسقط حتى تنهض مجدداً وتكمل ركضها دون أن تلتفت للخلف ، سحبها من شعرها مخلوق بشع لتسقط بقوة وتقتلع عينيها من محجرهما ، كانت تبكي بشكل مثير للشفقة ، بينما ظل ذاك يجرها وجسدها يتمزق ويتساقط لحمها قطعة قطعة ) زادت جرعة الرعب في الفيلم الذي لم تفهم سارا منه شيئاً حتى الآن ، مخلوقات وقبور وأشياء غريبة أخرى ، التفتت إلى ألبرت تتذمر :
– عزيزي إلى متى سنظل نشا…
تشنج لسانها وتسمرت في مكانها عندما رأت ألبرت ، كانت ترتسم على وجهه الوسيم ابتسامة غريبة ، بينما بدأ جسده يتبدل إلى شيء غريب أسود اللون ، عيناه البنيتان بدأ لونهما يميل للون الأحمر ، وحرارة حارقة تصدر منه ، ظلت تلك تنظر إليه بذعر وقد جف حلقها ، دقائق مرت كأنها أعوام ، التفت إليها ألبرت واتسعت ابتسامته ، ما زال وسيماً ، ولكن شيء ما مخيف في ملامحه ” ما بك يا عزيزتي ؟ لم تنته الليلة بعد ، ما رأيك أن نلهو؟ ” كان قوله بصوته اللطيف.
– أ .. ألبرت ، ما هذا !
مد ألبرت يده ليمسك يدها التي تحللت منذ أن لامست يده ، ابتعدت عنه وجسدها يرتعش بأكمله ، نظرت إلى يدها التي فقدتها للتو ثم رفعت نظرها إليه ، ما زال نظره مثبت عليها بابتسامة ، خرجت من الغرفة تركض دون أن تعرف وجهتها ، تذكرت أخاها الذي اختفى عن ناظرها منذ أن وصلوا إلى هذا القصر ، حاولت أن تناديه ، ولكن صوتها يأبى الخروج ، كانت ضربات قلبها تتسارع وهي تبحث عن المخرج ، كانت تدور حول نفسها وكأنها في متاهة ، بينما لم يعد لألبرت أي أثر، عثرت على الباب المؤدي إلى تلك الحديقة البائسة أخيراً ، صوت غربان وصراخ ، كأنها داخل ذاك الفيلم الغريب ، ضاعت داخل الحديقة ، ولكنها لم تتوقف عن الركض ، سمعت صوت ألبرت ” أتهربين من مصيرك يا حلوة ؟ ! “
كان صوته يزيد الأمر سوءا ، الرياح باردة ، وصوت احتكاك أغصان الأشجار يبعضها يخيفها ، توقفت فجأة عندما رأت أخيها أمامها ، كان معلقاً على جذع شجرة والدم يقطر منه ، شعره أبيض بالكامل ، محجر عينيه فارغ ، وفمه شق إلى أذنه ، بينما كان ما يربط ذراعه بكتفه جلد فقط ، ولكنها سقطت على الأرض أمام عينيها ، وفي لحظة سقوط ذراعه سمعت ضحكة أنثوية مريعة جعلتها تقشعر ، كانت تصدر من الأعلى ، وبلحظة تهور رفعت رأسها لتنظر وتراها فوقها مباشرة ، بشرة بيضاء ، وجه صغير ، عينان واسعتان ، فم واسع يبتسم ببشاعة ، ولا وجود للأنف ، شعرها أسود كسواد الليل ، كثيف وطويل للغاية ينسدل خلفها كشلال ، جلست على غصن عالي تحرك قدميها ونظرها مركز على سارا التي أخذ منها الخوف مأخذه فلم تعد تقو على الحركة ، صرخت تلك التي على الشجرة بصوت مرتفع ، أجش ومخيف ” أكرهك ! أكرهك بحجم السماء!”
جثت سارا على ركبتيها ، وتسمرت عينيها على الأرض ، عندما شعرت بشخص ما يمشي خلفها ” تبدين جميلة وأنت ترتعشين” وكالعادة صوت ألبرت الهادئ لا يزيد الأمر إلا سوء ” اهربي! لم تجلسين هنا كالحمقاء! أحببت منظرك وأنت تركضين على غير هدى كطفلة ضائعة ” لم تفق سارا من شرودها إلا عندما رأت وجهاً مخيفاً بلا أنف ملتصقا بوجهها ، أطلقت صرخة عالية وهربت من المكان وهي تحاول منع نفسها من النظر خلفها ، ظلت تركض وهي تتساءل “ما هذا الذي يحدث معي ؟ ! ” صوت الضحكات والصراخ يزداد ، بينما عاد ألبرت يتحدث “مشيئة الإله عادلة ، لن تعاقبي على ذنب لم تقترفيه ، كل أحمق يستحق تحمل نتيجة حمقه * ضحكة هادئة * ” ألبرت الذي كانت دائما ما تحدثه لتطمئن قلبها ، صار صوته مصدر الرعب الأساسي الآن ، لم تعط نفسها وقتاً للتفكير في ماهية ما يكون ألبرت ، ركضها طال ، وكأن تلك الحديقة لا نهاية لها ، كلما تعمقت بالداخل كلما زاد المكان وحشة ، قابلت طفلة صغيرة أوقفتها ” إلى أين أنت ذاهبة يا آنسة ؟ “
– من أنت ، ولم أنت هنا ؟ ! هل تعرفين طريقة للخروج من هنا يا صغيرة ؟
– هل أنت تائهة؟ انظري هناك ، ذاك هو أخي الكبير اذهبي إليه ، لحظة ! تبدين مألوفة لي جداً ، حاولت سارا تبين ذاك الشيء البعيد الذي أشارت إليه الفتاة ولكنها لم تستطع ، نظرت إليها مجدداً لترى وجهها الطفولي قد تحول إلى كتلة سوداء بشعة بابتسامة ” أنت سارا ! تلك الغبية ! ، أخي هو ألبرت ، الشخص الذي جننت به”
تجاهلتها سارا وركضت مبتعدة عنها وهي تشعر بقلبها يكاد أن يقتلع من مكانه من شدة الخوف ، كانت تسقط وتعاود النهوض ، بينما صوت الضحك والهمس يقترب منها ، إلى أن وصلت إلى البوابة أخيرا ، سيارة ألبرت مركونة هناك كما كانت ، تابعت طريقها إلى حيث لا تعلم.
بعد عدة أيام كانت سارا تجلس في غرفتها في منتصف الليل ونظرها مثبت على النافذة وهي تتمتم ” القصر ، ألبرت ، آرثر ، أسود ، مات ، ألبرت ، الحديقة ” أغلق الطبيب الباب ثم التفت إلى والدتها وصديقتها وهز رأسه قائلاً :
– تعرض عقلها إلى شيء أكبر من أن يتحمله ، يؤسفني القول أنها لن تتعافى.
” كيف! ما الذي حصل بالضبط ؟ ” قالت والدتها ، بينما أكملت صديقتها : ومن هو ألبرت هذا ؟ !
– لا أعرف ، حالتها غريبة ، اعتذر فلم يعد الأمر بيدي.
– ما بها ؟ صف لي حالتها أرجوك !
– ابنتك مصابة بالجنون يا سيدتي.
سرداب مظلم وطويل أنارته بعض الشموع الصغيرة ، ينتهي بغرفة مظلمة جلس فيها عدة كائنات سوداء بعيون مخيفة ، اعتلت وجوههم ابتسامة غريبة ، نظرت مريم إلى من كان بجوارها بابتسامة واسعة ” كذبك فظيع ! “
– * ابتسامة نصر* لن أسمح لأحد أن يجرؤ على إيذاء قطتنا الصغيرة.
– انتهى ، لنعد .
تاريخ النشر : 2017-08-08