تجارب ومواقف غريبة

كابوس حقيقي

بقلم : الفتاة البائسة – السودان

كابوس حقيقي
هو الآن ينظر لي مباشرةً وكأنما يقول لي انتظريني أنا قادم إليك !

لا أعتقد بأن هنالك شخص يخفى عليه هذا الأسم”كابوس” فهو ذلك الحلم المرعب الذي يداهمك ليلاً فتصحو من نومك متعرقاً ولا تستطيع النوم مجدداً .
هذا بالضبط ما حدث معي ، ولكن حينها لم أكن نائمه بل كنت مستيقظة وبكامل قواي العقلية .. و قبل أن أبدأ بسرد قصتي عليكم أو كما أسميتها”كابوس حقيقي” ، سأعطيكم نبذة صغيره عن نفسي .

اسمي هنده وأختي الكبري اسمها هالة ، ونقيم في نفس المنطقة ولكن منزل أختي يبعد عن منزلي ما يقارب الخمسة كيلو متر ، نسكن بالإيجار نسبة لأوضاع أزواجنا التي لا بأس بها ، ونسبةً لأننا تركنا منازلنا في القرية ثم جئنا لنسكن في قلب العاصمة .

لي ابنتان إحداهما بعمر الثالثة والأخرى بعمر السادسة ، زوجي يعمل في إحدى القطاعات الحكومية لذلك أحياناً قد يتغيب عن المنزل لبضعة أيام ، ولكن في تلك الأيام التي يكون غائباً فيها أقوم بالاتصال على أحد إخوتي الذين يعملون في نفس المنطقة للقدوم والمبيت معي نظراً لخوفي الشديد من المبيت لوحدي .

ذات يوم جاءتني أختي بخبر سعيد وهو أن أحد المنازل بالقرب من منزلها أصبح خالٍ من المستأجرين ويمكن لي أن أنتقل إليه إذا كان زوجي لا يمانع ، فقلت لها أن زوجي لا يرفض لي طلباً و أنا متأكدة من أنه سيوافق ، وفعلاً لم يخيب زوجي ظني و وافق فوراً على الانتقال إلى ذلك المنزل الجديد .

لا أخفيكم سراً بأنني فرحت جداً عندما وجدت ذلك المنزل بالقرب من أختي ، فعلى الأقل ستكون قريبة مني ، تأتيني وأذهب إليها متى شئت .

في اليوم التالي ذهبنا مباشرةً إلى المنزل و اتفقنا مع صاحبته ودفعنا لهم مقدماً شهرين ، و في اليوم الذي يليه قمنا بحزم أمتعتنا وأغراضنا وتوجهنا نحو منزلنا الجديد و من هنا تبدأ القصة ..

ذلك المنزل الذي استأجرته تم تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء ، الجزء الذي استأجرناه والجزء الآخر تقطن فيه ابنة صاحبة المنزل ، اسمها سوسن متزوجة ولديها ثلاثة أبناء وبنتان صغيرتان ، والجزء الثالث الصغير الذي في المنتصف يسكنه “محمد” ابن سوسن (ابنة صاحبة المنزل) .. في الحقيقة لم نجد منهم سوى المعاملة الجميلة والراقية ، أشخاص طيبون يشهد لهم كل أهل المنطقة بذلك ، لم يسبق أن قاموا بأذية أحد ، و أفضل من فيهم ذلك الشاب”محمد” طيب القلب الذي يحب مساعدة الآخرين بكل ما يملك من مال وجهد ، كان زينة شباب ذلك الحي ، التقيت به وتعرفت عليه ، ولا أنكر بأنه وقف إلى جانبنا كثيراً حتى أصبح معروفاً لزوجي و إخوتي وكأنه فرد من أفراد العائلة .

ما يميزه عن بقيه أهل المنطقة هو بنيته الجسمانية الضخمة بحيث يمكنك أن تميزه من بين ألف شاب ، و أكثر ما أعجبني به هو أنه شاب رجولي شهم ، شجاعته تبعث الاطمئنان في النفس ، وطالما كان يقول لي : “لا تقلقي يا فتاة فمنطقتنا آمنه جداً ، ولم يحدث أن حصل فيها مكروه لأحد” عباراته تلك كانت كفيلة بأن تجعلني أفكر في أن أقوم بإعفاء أخي من القدوم من مكان عمله البعيد للمبيت معي .. و لكن هل كانت هذه الفكرة سديدة ؟؟
هذا ما سيخبركم به هذا الكابوس ..

في إحدي ليالي شهر سبتمبر الخريفية الساخنة تلبدت السماء بسحاب داكن ، وعم الظلام أنحاء تلك المنطقة ، ساد صمت غريب ، ذلك الصمت الذي يسبق العاصفة ، صمت يخبرك بأن شيئاً سيئاً سيحدث ، ولكن ما هو ذلك الشيء ؟؟

لكن مهلاً هنالك صوت طرق بالقرب من منزلي ، نعم هو جارنا صاحب العربة المرسيدس التي أصبحت قديمة جداً ، يعمل على تصليحها ليل نهار لتوصله إلى مكان عمله ليجلب قوت أبنائه ، صوت مزعج بعض الشيء ولكنه بالنسبة لي كان صوتاً مطمئناً لكي أغفو قليلاً .

و بينما أنا مستقلية في سريري وبالقرب مني ابنتاي تغطان في نوم عميق حسدتهما عليه ، حيث كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل ، وبينما أنا أراسل إحدى صديقاتي على انترنت هاتفي الجوال إذا بصوتٍ قادمٍ من جهة حائط جيراني ، بالضبط عند ذلك الجزء في المنتصف والذي يقطن فيه” محمد” ..

لم أعر ذلك الصوت انتباهاً ولكن ما جعلني أنظر إلي ذلك الحائط وأنا افتح عيناي علي آخرهما هو وجود شخص ضخم الجثة يحاول النزول على أرضيه منزلي بعد أن تسلق الحائط ، وهو الآن ينظر لي مباشرةً وكأنما يقول لي انتظريني أنا قادم إليك !
ذلك الشخص لم يكن سوى “محمد” نعم ، ذلك الشاب الطيب الذي لطالما وثقت به ورأيت فيه من الصفات الجميلة ما لم أرها في أحد ، حتي إخوتي لم يكونوا مثله ، ولكن ما الذي أتي به في هذه الساعة المتأخرة ؟! وماذا يريد مني؟! ولماذا يأتي متسلقاً الحائط بدلاً من أن يطرق الباب ؟؟ 

كل هذه الأفكار دارت ببالي في جزءٍ من الثانية ، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أصرخ مستغيثة بجيراني ، طالبةً النجدة بأعلى صوتي ..”الحقوني يا ناس الحقوني” 
و في هذه الأثناء استطاع “محمد” القفز من الحائط وهو الآن يجري نحوي ، أحسست بأرجلي ثقيلة جداً ، ولم أقوَ على الحراك ، ولكن خوفي الشديد وتدفق الأدرينالين داخل جسدي دفعني نحو الباب الذي اقترب من أن ينخلع من مكانه بسبب الطرق الشديد عليه من قبل الجيران القادمين لنجدتي بعد سماعهم لصوتي المفزع .

وبينما أنا أسير نحو الباب لأفتحه لهم ، لم يختفي “محمد” عن نظري ، فقد ظللت أراقبه حتى أرى إلى أين سيذهب ، فجثته الضخمة لن تسمح له بتسلق ذلك الجدار العالي أياباً نحو منزله ، ولكنه اختفي داخل دورة المياه – أكرمكم الله -حينها علمت تماماً بأنه سوف يتم القبض عليه لا محالة ،
ولكن فجأة تجمد الدم في عروقي وشعرت بأن قلبي سينخلع من مكانه من هول ما رأيت ..

فعندما فتحت الباب إذا بي أرى أن “محمد” هو أول القادمين لنجدتي ، ولكن كيف ذلك وأنا قد رأيته قبل ثانيتين وهو يختفي داخل دورة المياه ؟؟ كيف اختفى هناك وظهر هنا وبهذه السرعة !! أنا علي يقين بأنه “محمد” لدرجة أنه كان يرتدي نفس الملابس التي رأيته فيها عندما قمت بفتح الباب ، والمفاجأة الكبرى هي أنه قام بالجري مباشرة نحو دورة المياه من دون حتى أن أقول له بأن أحدهم اختفى هناك ، وكأنه يعلم بالمكان الذي اختفي فيه”محمد الآخر” كما أسميته أنا !!

لم أستطع أن أخبر أحداً بما حدث لي ، كيف سأخبرهم و أقوم بتشويه سمعة “محمد” ذلك الابن المعروف بأخلاقه العالية وحب الناس له ، لا يمكنني أن أظلمه أبداً فهو لا يستحق ذلك
، ولكن ليخبرني أحدكم .. ما الذي يحدث بحق الله ؟؟ كيف حدث هذا ؟؟
أرجوكم أخبروني فأنا لم أنم منذ تلك الليلة ، والآن أبحث عن منزل آخر لأسكن فيه .

من المؤكد بأن هذا الكابوس المرعب سيظل في ذاكرتي إلى الأبد ، وسأظل أبحث عن تفسيرٍ له طيلة حياتي

 

تاريخ النشر : 2017-08-12

guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى