أدب الرعب والعام

المصعد

بقلم : عبد القادر محمود – مصر
للتواصل : [email protected]

المصعد
دخلت المصعد وأنا مستغرب من تصميمه الغريب

استيقظ .. استيقظ ، مرة أخرى استيقظ من نومي المريح الهادئ بسبب أمي التي لا يمكنها أن تراني نائم بهدوء قليلاً.

قلت لها بغضب : ماذا هناك ؟

– الم تقل لي أمس انك سوف تستيقظ مبكراً حتى تبحث عن عمل ؟ أنت متخرج منذ 5 سنوات و إلى الآن لا تعمل.

– حسناً ، هل انتهيت من كلامك ؟

هي بغصب : لا لم انتهى ، إلى متى ستبقى بدون عمل ؟ كل هذا بسبب أصدقائك الفاسدين ، نصحتك دائماً بعدم التجول معهم وتلك الفتاه التي تنفذ لها رغباتها قبل أن تنطق بها ، و عندما أتكلم تصيح في وجهي وكل ذلك لماذا لأني أريد أن أراك أفضل شخص ، نهضت من الفراش وارتديت ملابس وأنا أقول : يجب على الغياب مره أخرى عن البيت حتى لا يصيبني الصداع مجدداً .

قالت وهى تبكى وتتعلق بي : أرجوك ابقي ، حسناً يمكنك النوم و سوف نتحدث لاحقاً  ، دفعتها وخرجت من البيت كالعادة حتى لا اجني مزيد من الصداع.

وبما أني خرجت من البيت فلا يوجد ملاذ إلا الاتصال بحازم صديقي منذ كنت في الكلية.

–  مرحباً .

حازم في سخرية : مرحباً ، تُطرد أنت وأنا أتحمل نتيجة ذلك.

– نعم أنه كذلك ، هيا لا تكن كسولاً اتصل بالباقي لكي نجتمع في مقهانا.

– حسناً.

اجتمعنا في المقهى كالعادة ، أخدنا نسخر قليلاً من المارة بالشارع و نلعب لعبتنا المفضلة الكوتشينة مقابل المال إذا خسر احدنا ، ولا مانع إذا قمنا بسرقة احدهم خلسة ، انسحبت مبكراً وذلك لاتصال مريم والتي لا استطيع أن أتأخر عنها ، تعرفت عليها في الكلية عن طريق حازم ثم تطورت صداقتنا وأصبحنا نخرج سوياً حتى بعد أن تخرجنا تركت الجميع وظلت معي .

تحدثنا قليلاً ، لم اشعر فيها بذلك الوقت ولم يخرجني من أجمل وقت سوى رنين حازم المزعج قبل أن أغلق هاتفي لأجلس معها في هدوء ، لا أتصور وجود شخص طيب لهذا الحد ، عزمت تلك المرة على عدم الرجوع إلى البيت لأني لم اعد أطيق العيش مع أمي مره أخرى ، فذهبت إلى حازم ليلاً بعد أن قضيت معها اليوم بطوله ..

في ذلك اليوم عندما ذهبت إلى حازم علمت بخبر وفاة أمي و كان بمثابة صدمة ، فقد تحولت لسعادة كتمتها في العزاء ، وبعد دفنها أخيراً أصبح البيت لي لم اضطر مرة أخرى للذهاب للمبيت عند أصدقائي فقد أصبح بيتي فارغاً و خالي من الضوضاء ، ولكن لم تكتمل فرحتي عندما وجدت صاحب البيت في أخر الشهر يطلب منى دفع الإيجار ، بعد أن كانت تدفعه أمي عن طريق المعاش التي تستلمه كل شهر أصبح الآن الأمر يتطلب مني العمل وإلا سأطرد من البيت

طلبت من صاحب البيت أن يمهلني أسبوع حتى اجلب له المبلغ المطلوب ، أول يوم لي استيقظ بدون صداع على راحتي دون أن يفزعني احدهم ، وفى ذلك اليوم بدأت رحلت بحثي عن العمل وذلك الشيء الذي أزعج أصدقائي لأنهم يريدون الجلوس معي ولم يرضى مريم أيضا والتي لم أكن أقوى على فعل شيء يزعجها ، ولكن ذلك أمر ليس لي فيه اختيار .

……في اليوم الأخير من الأسبوع ……

ماذا افعل ؟ لكني تعبت للحصول على أمل للعمل في أي شركه تقبل عملي كمحاسب كخريج كليه تجارة ، ولكن كلهم رفضوا لعدم امتلاكي لغة أخرى أو أي دورات ولم أجد أملي الوحيد إلا في تلك الشركة أمامي ، ولكل لا اعلم شركه بهذا المستوى العظيمة والمبنى الذي لا تحصى أدواره لماذا ينشرون في جريده بحثاً عن محاسبين ؟ شركة كهذه قبل أن تنشر الإعلان ستكون قد ملئت بالموظفين هذا إذا لم تكن قد ملئت فعلاً ، تقدمت داخل المبنى الذي بدا من الداخل قديم بعض الشيء ولا يوجد صوت حركه أو أي شيء سوى مصعد أمامي

دخلت المصعد وأنا مستغرب من تصميمه الغريب فلا يوجد عليه عدد الطوابق أو أي شيء ، ولكني اعلم أن الشركة مكونة من 12 طابق ، فكتبت 12 ولكن لم يتحرك المصعد ، ظننت أن هناك عطل ما فضغطت على زر فتح المصعد ولكنه لم يفتح ، يا إلهي يبدو أني قد علقت هنا .

ظللت أتفحص المصعد ولكن لا يوجد أي منفذ ، و لكن لوحه كتابة رقم الطابق داخل المصعد مكونة من أربعه خانات ، أي يجب على كتابة أربع أرقام ، لم اعرف ماذا افعل فقد وجدت نفسي اكتب أول عام لي بالجامعة 1994م ، فجاه تحرك المصعد بعنف شديد لأسفل ، لم أدرِ بنفسي إلا وأنا استيقظ داخل المصعد وأشعة الشمس داخله ، لم اصدق نفسي أخيراً سوف اخرج من ذلك المصعد

 خرجت و وجدت نفسي داخل جامعتي ، أخذت أتلفت حولي غير مصدق لما يحدث ، ولكن من هذا الذي هناك ، يا إلهي أنه أنا ! لا أدرى ماذا أقول وأنا أري نفسي أمامي وكنت وقتها بدون أصدقاء بدون أي شيء كما يقولونا من البيت للجامعة ومن الجامعة إلى البيت ، أتذكر حينها دعوات أمي وفرحتها لانتهائي من الثانوية بدرجة مرتفعة وكنت متحمس جداً للجامعة ، أنا الآن أرى نفسي وأنا اجلس بجانب حازم لأول مرة وأتعرف عليه و كأني لا اعرفه ، ماذا يحدث يا ترى إذا منعت نفسي من التعرف ؟ لم أكمل كلامي حتى وجدت نفسي اسمع دقات كدقات المنبه ترن في أذني ببطء وتتسارع تدريجياً ولست مدركاً لما يحدث وصوت الدقات بدأ يسرع بقوة يا إلهي انه لا يحتمل الآن ..

أفقت لأجد نفسي داخل ذلك المصعد كما كنت ، أخذت دقائق لاستوعب ما كان يحدث للتو ما هذا ما الذي يحدث لي ؟ اعتدت عندما اشعر بضيق أن اذهب إلى مريم ، قابلتها و لأول مرة 1996 م ولم أكد أن اكتب الرقم 6 حتى شعرت بما حدث مسبقا يا إلهي انه يتسبب لي بغثيان إلى أن افقد وعيي ، والآن أنا أجد نفسي أقف هناك بعيداً أتحدث مع مريم ، أتذكر ذلك اليوم كنت فرحان جداً و كان شعور لم أشعره مسبقاً لم تكن مجرد فرحة بل كانت شيء لا استطيع وصفه

 في ذات اليوم أخبرت أمي عن مقابلتي لمريم وكان ذلك قبل أن تسوء علاقتي بأمي قبل عام 1998 كانت علاقتي بأمي قويه جداً ، كنت أحكى لها كل شيء تقريباً ولكن أصدقائي ومريم غيروا كل شيء في حياتي ، فبدلاً من أن كنت أرى أمي فرحة كنت أراها حزينة علي ،  أنا من أقول ذلك الكلام لا ادري لماذا شعرت فجاه أني اشتقت لأمي ، اشتقت لنفسي التي لم اعد اعرفها الآن ، مرة أخرى تلك الدقات واستيقظت على نفس الحالة التي كنت بها مسبقاً لا أدرى لماذا وجدت نفسي اكتب 1981 ، أول يوم لي بالمدرسة !

ها هو أنا أقف في الصباح الباكر مع أمي وهي تحضر لي الطعام وتدعو لي وهى فرحة وخائفة علي ، وأتذكر أنها كنت مصره على أن توصلني إلى المدرسة فقد كانت قلقة علي جداً في ذلك اليوم ، ها أنا احتضنها وهى تبكي ، أحسست برعشة قويه تسري في جسدي ، متى أصبحت على ما أنا عليه الآن ؟ كيف تحولت من ذلك الطفل البريء إلى ما أنا عليه الآن ؟  الدقات تعلو صوتها لترجعني إلى المصعد في حيرة وندم واشتياق ، حيرة في أمري وما حل بي في كل ما مضى من حياتي وندم لكل ما عانته أمي بسببي ، قلبي يتحطم كلما تذكرت أني ربما أكون سبب موتها لحسرتها علي ، واشتياق لها بشدة و أريدها أن تعود ، أريدها أن تزعجني من جديد مرة أخرى ولم أشكوى فقط تعود ولا أريد شيء أخر ، أنا حتى لم أرها عند موتها .

2017 في تلك المرة المصعد تحرك لأعلى ولم أدرى بنفسي إلا وأنا أرى نفسي في البيت وهاهي أمي توقظني من النوم ، كم أنا حزين وأنا أرها تبكي أمامي وأنا ادفعها ولا استطيع فعل شيء هي الآن أمامي تبكى وأنا قد خرجت وهى تنادي علي وأنا حتى لم التفت لها ، كم أنا نادم حقاً وكم كنت قاسي ولا أفكر إلا في نفسي وإرضاء أصدقائي التي طالما حذرتني منهم ولم تطمئن لهم من أول يوم صداقه لهم ، كأنها كانت تشعر وها أنا أرها أمامي الآن والدموع تنهمر و أمي أمامي تموت ولا استطيع فعل شيء وكيف افعل وأنا السبب ، كيف من ذلك الطفل البريء الذي رأيته في أول يوم دراسة له إلى هذا ؟

ها أنا الآن أعود للمصعد مره أخرى ، اشعر باختناق وضيق شديد ، 1999 وهنا انتقلت لأحد مقابلتي من مريم وكانت بعد ثلاث سنوات من معرفتها وكنا قد عرفنا بعضنا أكثر وفهمنا أنفسنا ، لطالما كنت تجلس معي ساعتين بالكثير ثم تأتيها مكالمة وترحل وهذا ما هي تفعله الآن على الرغم من أن أبويها يتركونها على راحتها ولا يضغطون عليها في شيء ، ولكن لم اعرف سر تلك المكالمة إلى الآن ، ولكن الآن حان وقت المعرفة ، مشيت خلفها وصوت الدقات يزداد وقبل أن أعود إلى المصعد أجدها تجلس على كافيه بجانب حازم .

ها أنا الآن أعود إلى المصعد ، تفكيري مشلول تماماً ولا أجد تفسير لما رأيته الآن ، فقدت الوعي ولم أدرى بنفسي إلا بعد ساعات وأنا أجد نفسي داخل المصعد ، كانت صدمة ما رأيته اكبر مما أتحمله ، مريم – هذه مريم التي بدأت على يدها تنشأ بذور عصياني لأمي ، مريم التي شكت أمي بها وأنا كالأحمق كذبت أمي ولم أعطها حتى الفرصة لتتكلم عنها بشكل خاطئ كم كنت مغفل أهذا هو اعز أصدقائي ، أهؤلاء من فقدت أمي وحياتي وكل شيء بسببهم ؟ وأمي كانت تحذرني كل يوم وتحاول أن توعيني و ماتت بسببي من أفعالي

 ظللت أبكى لساعات لم استطع تمالك نفسي ، أريد أن أراها ، أريد أن اعتذر لها ، أريدها بجانبي ، هي الوحيدة التي ستنقذني أين أنتي الآن ؟ اشعر أنى سأموت ، الظلام من حولي يزداد وأنا بداخل المصعد يزاد اكتر واكتر ، الآن لا أرى غير الظلام.

استيقظ .. استيقظ.

فتحت عيني لأجدت أمي توقظني من النوم .

تاريخ النشر : 2017-09-27

guest
44 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى