أدب الرعب والعام

خدمة عرِّفني

بقلم : عبد القادر محمود – مصر
للتواصل : [email protected]

قررت إغلاق السماعة لكن أتى صوت في اللحظة الأخيرة

"تلك الخدمة وفرت على الناس كثيراً " قالتها وأنا اخلع سماعات الأذن الموضعة بالكمبيوتر أمامي

"بالطبع إنها فكرة رائعة من الأساس وأتاحت فرص عمل كثيرة خاصة أن الشركة قررت وأخيراً بعد 5 سنوات من بداية الفكرة أن تفتح فرعاً جديداً في وسط البلد " قالها أحمد أثناء تناوله الطعام من الصندوق الموضع على طاولة الجهاز الموضع أمامه

" يا ليت ذلك يكون سبب كافٍ ليجعلهم يخرجونا مبكراً .. جلسونا من السابعة صباحاً الى الخامسة مع فترة راحة قصيرة جداً تكفي للطعام هو أمر متعب للغاية "

"ولكن إن أتيت إلى الحق فالمرتبات مجزية " قالها غمزاً مبتسماً

"ليس للجميع" قالتها وأنا التفت بالكرسي المتحرك للخلف ناظراً إلى سارة الموظفة الجديدة

"هذا في البداية فقط فانا لا أطيق الانتظار" قالتها ضاحكة

"سأذهب إلى المرحاض وآتي سريعاً " قالها أحمد

ساد الصمت قليلاً وانشغلت سارة وآدم بتناول الطعام ، مرت دقائق ثم عاد أحمد ناظراً من حوله وهو يجلس قائلاً "تخيل كم دفعت الشركة لجلب كل تلك الحاسبات"

"تخيل كم ستغرّمك الشركة إذا حدث شيء للحاسبات بعد كلامك هذا " قلتها ضحاكاً

تررررن ترررررن تررررن
"هيا الآن نكمل العمل" قالتها ملتفةً إلى الحاسوب مرتدية سماعات الأذن

**

الساعة 5:00 رن الجرس

أغلقت الجهاز وخلعت السماعات من أذني وتوجهت إلى المنزل ، وكالعادة أخبِّط على الباب قبل إدخال المفتاح حتى لا تفزع أمي ولا يفزع أبي أيضاً لاندماجهما مع المسلسلات .
أغلقت الباب وخلعت حذائي ووضع حقيبتي والتي تضيف إليّ مظهر رجل الأعمال المهم حتى ولو كان ما بها طعام فقط .

على المكتب الممتد بجانب الباب دخلت وتمددت بجانب أبي على الأريكة أمام التلفاز ..

" انتم تتأخرون في العمل كثيراً " قالتها أمي
"هذا هو المعتاد " قلتها ملتفتاً لأمي
" أهلاً كيف سار العمل اليوم " قالها أبي
" بخير ولكن في الحقيقة تصادفني استفسارات غريبة " قلتها ضاحكاً
" انظر ها قد آتى إعلان شركتك الجديد " قالتها أمي وهي تمسك بجهاز التحكم لترفع صوت التلفاز

— خدمة عرفني … عزيزنا العميل هل تود الاستفسار عن شيء .. هل فقدت الطريق وتريد من يوصلك اتصل بنا وبثواني سنحدد مكانك عن طريق الـgps ونوصلك إلى وجهتك .. هل نسيتي وصفات الطعام وتريدين من يذكرك اتصلي بنا وسنوصلك إلى أمهر الطباخين .. هل تود شراء أي شيء وتريده أن يصلك إلى باب البيت … فقط اتصل بنا على الأرقام الموضحة بالشاشة وسنكون في خدمتك لأي شيء —

" رائع حقاً , وسوف يتطور ذلك أكثر عند إنشاء الفرع الجديد أما الآن فهو وقت العشاء "

**

يوم آخر في الشركة والاستفسارات المتكررة حسناً إنها آخر مكالمة اليوم
– " عزيزنا العميل برجاء العلم أن المكالمة قد تكون مسجلة لضمان جودة الخدمة " النص المسجل قبل بدء أي محادثة
" مرحباً .. بماذا أستطيع مساعدتك ؟ "
لم تأتني إجابة كررت كلامي ثانية ولم تأتِ إجابة حسناً لقد سئمت ، قررت إغلاق السماعة لكن أتى صوت في اللحظة الأخيرة
" أرجوك لا تغلق .. اانقدنى …. أنا لا أعلم من هو .. أرجوووك … عمارة 5 بجوار مقهى الأصدقاء "
" حسناً … حسناً .. سأتصل بالشرطة "
" لا أرجوووك لا يمكنني التحمل …."

انقطعت المكالمة لا أعرف ماذا أفعل ، رفعت سماعة الهاتف بسرعة وطلبت الشرطة وقلت لهم أن يأتوا على ذلك العنوان بسرعة وتوجهت أنا أيضاً إلى هناك

**

توجهت إلى باب المنزل وكان قد حل الظلام ولكن لا أسمع شيء طرقت الباب فاندفع أمامي مفتوحاً والظلام حالك بالداخل ، أخرجت الهاتف مسرعاً وتوجهت ببطء إلى الداخل ولكن لا يوجد شيء .. فجأة شعرت بشيء يهوى على رأسي لأسقط فاقداً الوعي

**

فتحت عيني ببطء ووجدت أحمد وسارة وأبي وأمي حولي ، تحسست السرير الذي أنا جالس عليه نهضت قليلاً فانتبهوا لي .. أقترب منى أحمد قائلاً
" أفزعتنا يا رجل .. هل أنت بخير !! "
" نعم لا تقلقوا أنا بخير الآن "
هدؤوا قليلاً ثم أردف أحمد مسرعاً
" ماذا حدث ؟"
نظرت إليه عاجز عن الرد لم أعرف ماذا أقول أشعر أني لا أتذكر شيء

سألته أنا :
" ما الذي حدث .. ما الذي أتى بي إلى هنا "
" أحدهم اتصل بالمستشفى وأبلغ أنه وجدك على حافة الطريق مصاب "
لا أعلم ماذا يحدث .. كيف حدث كل هذا .. إصابتي لم تكن خطيرة ، قال الطبيب أنه فقدان جزء من الذاكرة وسوف يعود بالتدريج لذا رحلت مع والدي الذين كانوا قلقين للغاية ولكنهما اطمأنا الآن .. ولكن الطبيب نصحني بان أكمل عملي بشكل طبيعي لمعرفة ماذا حدث وأنا أيضا سوف آخذ إذن من الشركة بأن أطلع على المكالمة من أرشيف المكالمات بدعوة أنها ستساهم في استرجاع ذاكرتي …

**

يوم متعب آخر … توجهت إلى مكتب أرشيف المكالمات المسجلة ووافقوا على استماعي على المكالمة .. حسناً هذا شيء غريب ، أنا لا أذكر اى شيء عن هذا .. حسناً لابد من الذهاب إلى ذلك العنوان لمعرفة ماذا يحدث بالضبط .. انتهيت من العمل وتوجهت أنا وأحمد بعدها إلى ذلك المنزل .. طرقت الباب وما هي إلا دقائق وفتح لنا شاب وهناك رجل كبير في السن يجلس بالداخل على كرسي ..
فقلت له :
" هل حدث وتم مهاجمة البيت أو التعدي على أحد هنا !! "
فقال باستغراب :
" لا .. لم يحدث شيء "
شردت قليلاً .. هذا الصوت ليس غريباً علي ، أشعر أني قد سمعته مسبقاً ، نعم ذلك هو الصوت الذي سمعته في أرشيف المكالمة قبل قليل .. علمت أن هناك شيء غير طبيعي يحدث
" حسناً .. يبدو أنني أخطأت العنوان هيا بنا يا أحمد "

**

يوم جديد يمر و لا أفكر إلا في ذلك الشاب .. من هو وماذا يريد … ولماذا يكذب … انتهيت من العمل واخذت أسير قليلاً لا أود أن أرحل إلى البيت وأنا شارد ، سرت قليلاً كنت قريباً من بيت الشاب ولكن ما هذا .. ها هو أحمد يطرق الباب ليفتح له الشاب ويأذن له بالدخول .. اقتربت من البيت وتوقفت عند الشرفة المطلة على صالة المنزل أسمع صوت الرجل كبير السن الذي رأيته مسبقاً يتحدث إلى أحمد ويقول له :
" لا تأتي مرة أخرى إلى هنا فربما تعود له الذاكرة في أي لحظة ."
سرت بسرعة قبل أن يخرج أحمد وأنا غير مصدق لما يحدث ..

**

ذهبت إلى العمل كل شيء كالمعتاد ولكن طلبت سارة مني أن نتحدث قليلاً .. فتوقفت معها في فترز الراحة بعيداً عن الحاسبات قليلاً وقلت لها 
" ماذا تريدين ؟ "
" أردت أن أخبرك شيء بخصوص يوم الحادث "
" ماذا ؟؟ "
" عندما اتصلت بالشرطة وذهبت مسرعاً لاحظت على أحمد أنه قد كان مركز معك جداً ، وعندما نهضت وذهبت قام بإجراء مكالمة يقول فيها لشخص ما تقريباً أن يهرب لأن الشرطة قادمة شيء كهذا "

نظرت لها مبتسما وشكرتها .. الآن بدأت الأمور توضح .. ولكن لماذا يفعل ذلك هذا ما عليّ اكتشافه .. عليّ أن أراقبه ..

**

و كانت مهمتي اليوم ، هي مراقبة أحمد .. كل شيء يسير طبيعي إلى الآن .. انه الآن ذاهب إلى المرحاض أنا أسير خلفه دون أن يراني ولكن ما هذا إنه يتسلل إلى غرفة أرشيف المكالمات المسجلة .. وقفت في الخارج بعيداً عن الباب وكأني أعبث بهاتفي ، نظرت له عندما خرج وكان يضع شيء في جيبه لابد أنه القرص الذي توجد عليه المكالمات الخاصة به فقد لمحت اسمه مكتوب على القرص وأيضا لاحظت وجود قرض آخر معه عند دخوله يبدو أنه أبدلهم ..
أكملت اليوم أفكر في ماذا يمكنني أن أفعل حيال ذلك

**

ذلك هو اليوم الموعود .. ذهبت مبكراً عن العادة ووجدت سارة هناك أيضاً فالموظفين الجدد النشاط يكون مازال لديهم .. طلبت منها أن تفعل شيئاً لي وبدأت العمل مثل كل يوم وأتى وقت الراحة مرة أخرى ، وها هو أحمد يقوم من على الكرسي و إذا بسارة تستفسر منه بعض الأشياء .. في حين أنني سأقوم اليوم بالمهمة بدلاً عن أحمد .. دخلت الغرفة .. وأنا لا أشعر بنبضي ، فلم أكن أعلم أماكن كل شيء بالتفصيل كما يفعل أحمد ..

بعد دقائق وجدت القرص الخاص به استبدله بقرص وجدته أثناء عبثي في علبة بها أرشيف مكالمة قديم من سنتين تقريباً .. أخذته وخرجت مسرعاً ولم تمر دقائق حتى وجدت أحمد يتسلل إلى الغرفة ولكن بعد ماذا فقد انتهى الأمر …

ذهبت إلى سارة شكرتها أنا حقاً ممتن لها جداً ساعدتني بدون أدنى مقابل .. انتهت فترة الراحة وانتهى العمل أيضاً ذهبت إلى البيت وضعت القرص في اللاب توب الخاص بي .. ما هذا يا إلهي !! الآن تذكرت .. منذ شهر تقريباً حدث عطل عندنا في الشركة نتج عن ذلك العطل اختلال في الخطوط مما أدى بالصدفة سماعي للمكالمة التي يجريها أحمد ، إنه كان يروج لشركة أخرى صاحبها هو أكبر منافس لشركتنا وبينهم قضايا وخلافات عدة ، ولا شك أن صاحب الشركة هو ذلك الرجل العجوز .. 

نعم أتذكر حينها أنه نظر لي عنده اكتشافه حدوث التداخل في الخطوط ابتسمت له ابتسامة خبيثة ففهم أنني علمت بما أفعل وقد كان خائفاً من أن أخبر أحد المسؤولين مما سيجعله يطرد من الشركة ، وأيضاً السمعة السيئة لشركة الرجل العجوز عندما يعلم الناس بوضعها دسائسها في شركتنا ..

جاء اليوم التالي في العمل وانتظرته حتى يدخل إلى الغرفة فنبهت المسؤولين عن حماية أرشيف المكالمات من دخوله الغرفة فمسكوه متلبساً بفعلته ولم يصمد كثيراً و اعترف بكل شيء …

**

نظر آدم إلى ابنه الذي مازال لم يكن يستطع النوم قائلاً :
" ما رأيك بما فعله أبوك .. كان ذلك منذ عشر سنوات"
الابن : 
"هل كنت أنت وأمي قد تزوجتما ؟"
آدم :
" لا فأنا وسارة متزوجان منذ تسع سنوات فقط "

 

تاريخ النشر : 2017-11-16

guest
21 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى