تجارب ومواقف غريبة

ليتني هربت معهم

بقلم : سعاد يوسف – سوريا

ليتني هربت معهم
لأتمنى كل يوم أن أتمكن ولو لمرة واحدة أن أرى منزلي مجددا ..

منذ حوالي السنتين عندما كنا نسكن في بيتنا الأصلي حدثت معي قصة غريبة وما حدث بعدها يجعلني أشعر بالسخط كلما تذكرتها…

كان الصيف في بدايته حينها وكنت قد أنهيت امتحانات نهاية العام للتو…وكعادتي في كل سنة بعد نهاية العام الدراسي فإنني أبدأ ذات المشروعات المملة في فصل الصيف من سهر حتى الفجر في قراءة الروايات ومشاهدة التلفاز والتسكع على النت وما إلى ذلك..

ذات يوم … كنت أتصفح بعض مواقع الانترنت وكان الوقت قد تجاوز الثالثة بعد منتصف الليل…كنت في كامل الاندماج حين سمعت صوت أقدام على سطح المنزل فوق غرفتي تماماً… وبما أن بيتنا كان بيتاً عربياً عادياً أي ليس عبارة عن بناء بطوابق متعددة فقد كان من المستبعد أن يكون هذا الصوت صادراً عن شخص ما إلا إن كان لصاً !!!…

صعدت إلى السطح ولم يكن هناك أحد حينها… تجولت فيه مراراً خصوصاً فوق غرفتي حيث كان مصدر الصوت…حين تأكدت أنه ما من أحد هناك نزلت إلى غرفتي وقررت أن أنام فقد تأخر الوقت كثيراً…

ما إن وضعت رأسي على وسادتي حتى عادت الأصوات مجدداً…وكانت أشد من المرة الأولى… هذه المرة كان يبدو وكأن هناك مجموعة من الأشخاص وليس شخصاً وحسب …

صعدت مرة أخرى إلى السطح وقد طار النوم من عيني ولم أجرؤ هذه المرة على الاقتراب كثيراً حيث تقع غرفتي بل بقيت عند أعلى الدرج المؤدي إلى هناك أحدق في كامل السطح لعلي أرى شيئاً يفسر تلك الأصوات ولكنني لم أصل إلى نتيجة ..

ازدادت حيرتي وأنا أعاود الهبوط باتجاه غرفتي وكان نور الفجر قد بدأ بالتسلل إلى المنزل شيئاً فشيئاً فهدأت نفسي وبدأت أشعر بالاطمئنان نوعاً ما رغم أنني أفضل الليل عادة باعتبار أنه أكثر هدوء وأقل ضجة من أيام الصباح خصوصاً أن منزلنا يقع بجانب سكة حديدية حيث تمر القطارات طوال النهار مطلقة أصواتها المزعجة هذا عدا عن الأطفال اللذين يملئون حارتنا الضيقة بالصياح والبكاء طوال النهار ..

ما إن عدت إلى غرفتي وحاولت النوم مجدداً حتى عادت الأصوات وبقوة أكبر…كان صبري قد نفذ حينها فقد بدأت عيناي تحرقانني من شدة النعاس وحاولت مراراً أن أتجاهل الأصوات فتارة أضع الوسادة فوق رأسي حتى بدأت أعجز عن التنفس وتارة ألفّ الغطاء فوقي بشدة إلى أن بدأ العرق يتقطر من جسدي ولكن هيهات… فقد كانت تلك الأصوات ترنّ في أذني بطريقة مؤلمة ومخيفة… اعتدلت في جلوسي وأخذت أحدق في السقف…أكثر ما أثار استغرابي أن أحداً من أهلي لم يستيقظ على قرع تلك الأصوات وكأنني وحدي من يسمعها… فكرت أن أوقظ أحداً منهم ولكنني كنت متأكدة أنهم لن يصدقونني … وكالعادة سيعلقون سماعي لهذه الأصوات على شماعة خيالي الواسع… أنصتّ جيداً لتلك الأصوات فبدأ خوفي يتلاشى شيئاً فشيئاً… وحل محله شعور بالبأس وكأن هناك شيئاً ثقيلاً يطبق على صدري… بدأت أشعر بأن تلك الأقدام التي تصدر هذه الأصوات سواء أكانت من صنع بشر أو غيرهم… لا تحاول إخافتي.. بل هي تهرب من شيء ما… كان الارتباك واضحاً في صوت الخطوات عندما دققت السمع جيداً… ومرة أخرى صعدت إلى السطح وهذه المرة لم أكن خائفة.. بل أردت وبشدة أن أجد أحداً ما حتى لو كان جنياً أو شبحاً لأفهم ما وراء تلك الأصوات… لكنني لم أجد أحداً…
نزلت مرة أخرى وذهب والداي إلى عملهما وبقيت وحدي في المنزل… كانت الأصوات لا تزال موجودة… حملت وسادتي وخرجت إلى فسحة المنزل وجلست… أسندت رأسي إلى طاولة موجودة هناك بعد أن وضعت الوسادة عليها ولكنني لم أغفل سوى لبضع دقائق…

حاولت نسيان الأمر واعتبرته مجرد موقف غريب مررت به رغم ثقتي بأنني لم أتوهم أياً مما سمعته… ولكن ما حدث بعد ذلك يرغمني على تذكر هذا الأمر حتى اليوم… فقد غادرنا منزلنا بعد هذه الحادثة ببضعة أيام قسراً بسبب مشاكل عديدة حدثت في ذاك المكان… وليس نحن وحسب… بل كل من كان يسكن في تلك المنطقة.. وكانت تلك آخر مرة أرى فيها منزلي فقد احترق هو وكل منازل حينا بالكامل ولم نستطع العودة إليه أبداً… كشخص لا يملك من ماديات الحياة كثيراً كان أسفي الأكبر على ذكريات ضاعت ولم تتسنى لي فرصة الاحتفاظ بما يحييها في ذاكرتي… والآن رغم سيول الذكريات التي تنساب في عقلي كل يوم عن منزل هجرته مرغمة دون أن أملك صورة له فإنني بدأت أفقد تدريجياً القدرة على تذكر معالمه… ولكنني لن أنسى بالتأكيد تلك الأصوات التي كانت تهرب فوق سطح منزلي… والتي أتمنى إلى اليوم لو أنني هربت معها.. أو أنها جاءت وأخذتني إلى حيث ذهبت… على الأقل… لم أكن لأشعر بالحسرة على فقدان منزلي الآن… لم أكن لأتمنى كل يوم أن أتمكن ولو لمرة واحدة أن أرى منزلي مجدداً ولو كان مجرد حطام تنفض الرياح الغبار عن جنباته… لم أكن لأتمنى أن أسمع صوت القطارات المزعجة تمر كل يوم من جانبه لتوقظني من قيلولتي أو تفسد عليّ هدوء التأمل… لم أكن لأشعر بالغربة وكأنني متطفلة حين أعود إلى منزل عمي الذي نسكن فيه الآن وللصراحة أشعر وكأنني أسكن في الشارع… لم أكن لأشعر بالحيرة حين يسألني أحدهم أين منزلك ؟… هل أجيب بأنني لا أملك منزلاً… أم أكتفي بالابتسام كما أفعل الآن وأردد أنني أعيش عند أحد أقاربي ؟ …

والآن… كلما جلست بمفردي محاولةً تكرار ما أتذكره عن بيتي حتى لا أنساه تماماً تمر أصوات الهروب تلك في ذاكرتي وأتمكن من سماع ضحكات شامتة تتخللها … فأحكم قبضتي وأرغب بالبكاء ولكن مجدداً .. أردد الحمد لله على كل حال… وأحاول تناسي الموضوع ..

حتى أنني لم أخبر بهذا الأمر أحداً سوى واحدة من صديقاتي … مجرد روايته مؤلمة … وها أنا أشارككم إياها لعلي أجد لديكم تفسيراً ما…

تاريخ النشر 27 / 05 /2014

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى