أدب الرعب والعام

محمود والعفريت الصعلوك!

بقلم : باسم الصعيدي

محمود والعفريت الصعلوك!
رفع عينيه امامه فاذا به يجد رجل طاعن في السن ..

في دنيا البشر قصص نأخذ منها العبرة ومن إمسها الخبرة ونحمل منها ما تبقي من لحظاتها السعيدة كي نحملها معنا في غربة الأجساد علي وجه الأرض ..

محمود شاب يملك من العنفوان والوسامة حصة وفيرة للغاية ، ويملك من القيم والمبادئ ما لا يضاهيه أحد أمامه .. لا يملك من دنياه غير والدته وأخته ومنزل ورثه منذ قديم الأزل عن جدود الجدود .. يعمل بكل التزام ويعود مساءا إلي منزله .. راضي ومرضي عن حاله .. حتى جاء اليوم الذي كان يخشاه ويعمل له ألف حساب .. لقد وقع محمود في حب فتاة .. استطاعت أن تسلب روحه وعقله واستحوذت علي كل كيانه .. واستمرت العلاقة بينهم فترة وجيزة ..كان الشاب يضع محبوبته في المقام الآول وحسب كل الاشياء أمامها نفايه .. أعطها كل وقته وأهتماماته وأخلص لها كمال الآخلاص .. ونبذ كل شئ كان يثير اي زوبعة بينه وبينها .. تخلي عن كل العالم من حوله واغلق جميع نوافذه وأضحي يتنفس فقط من خلالها .. .. .. حتى جاءت تلك اللحظات التي شعر محمود من خلالها أن محبوبته ليس هي التي تعهدها في بداية العلاقة .. .. وجاء اليوم المشئوم الذي راقبها فيه وراءها تتكلم في الموبايل مع شخص دخيل .. .. خطف محمود الموبايل من يدها فأغلقت المكالمة علي الفور .. .. فتح صندوق الرسائل وكانت تلك هي الطعنة التي نفذت إلي جوانحه .. لقد قراء جميع الرسائل بين محبوبته والدخيل .. . وراي بأم عينيه كيف محبوبته متلهفة علي سماع صوت الدخيل وكيف تلعن وتسب شبكة المحمول التي تقطع عليها متعة الكلام معه .. كان يشعر بانفاسها بين الكلمات وهي تسارع كي تعاود الاتصال بذالك الدخيل .. و رأى ايضا رسائل الدخيل وهو يمزح معها ويطلب منها معاودة الاتصال .. حتى وصلت عيني محمود علي الرسالة التي كانت قد ارسلتها محبوبته الى الدخيل ولكن يبدو انه لم يتمكن من الرد عليها فقام بارسالها اليها مرة اخري مع الاجابة ..وفي حين كان محمود يتفحص الرسائل رن الهاتف في يده .. فقام بفتح المكالمة فوجد صوت الدخيل يتكلم الي محبوبته مناديها باسمها الحقيقي مرارا وتكرارا وهو يكيل لها عبارت العشق والهيام ولكنه لم يكن يعرف إن الذي علي الخط معه هو محمود .. اكتفى محمود بذالك القدر واغلق السماعة .. وباخلاق الفرسان النبلاء أعطاها الموبيل وقال لها ثلاث جمل قصيرة لكنها تملك من المعاني ما لا يعلمه الا الاوفياء " ربنا يهنيكم ببعض . وشكرا علي تلك الطعنة ..وربنا يسامحك " ..

وقفل الشاب عائدا الى منزله صعد سلالم الدرج بكل قواه لانها قد خارت من هول الصدمة .. ولاول مرة بحياته يشعر بنبضات قلبه تكاد إن تفتك به .. دخل منزله ووجد والدته العجوز جالسة علي الاريكة تقوم بحياكة الملابس الممزقة .. وأخته جالسة علي الكرسي وعيناها تكاد ان تخترق شاشة التلفاز ..مر الشاب محمود بهدوء وبكل أسى القي التحية ودخل غرفته وجلس علي سريره وأطرق راسه بالارض واخذ في معاتبة نفسه وتعنيفها قائلا .. .. ماذا حدث كيف تركت نفسي تلعب بي الاقدار . كيف تركت قلبي يجمح بلا ضوابط . كيف تركت مشاعري واهوائي في يد الاخرين حتي صرت اتسول منهم كلمات الحب والاهتمام . حتى صرت في اعينهم لعبة يتركوها ويطلبوها كيفما يشاءون . ماذا كنت انتظر حتى أفيق ، هل كنت انتظر طعنة نافذة في القلب حتي افيق وها قد ظفرت بها .. نعم اليوم قد مزقتني سكينة الغدر . جعلت قلبي يدق بقوة لم اعهدها من قبل حتى شعرت اني اتهاوى . ولكن مهلا يا من مزقتيني ونثرتي دمائي . انا رجل هل تعلمين تلك الكلمة ام لا . الرجل هو من يتحمل الضربة القوية وليس من يسدد الضربة .. لأن تسديد الضربات هي متاحة للجميع . أما التحمل فهو للرجال فقط . سوف احمل كل ذكراكِ في داخلي ولكنها ملتحفة بالالم لن انسي كم كنت مخدوع كم كنت ساذج عندما سلمتك مفاتيح حياتي .. يا الهي اعني وساعدني واشملني برحمتك حتى استطيع ان اعبر تلك المحنة . نفسي حزينة جدا حتى الموت . ليس لي احد استرسل معه لقد عزلت نفسي عن الجميع وبقيت انا وحدي والخنجر ينفذ في قلبي !!! .

لم يتمالك محمود نفسه وأجهش بالبكاء وهو يكتم انين القلب واخذ يضرب قدميه بقوة في الارض كأنه يريد ان يحطم جسده حتى يفيق من هول الصدمة وما لبث وهو في تلك الحالة حتي رفع عينيه امامه فاذا به يجد رجل طاعن في السن مرتدي ملابس اشبه بتلك التي كان يرتديها الصعاليك في عصر المماليك قابضا علي سوط في يديه وهو يسدد بصره بعنف على محمود الذي وقف معصوفا من هول المفاجأة وتمالك محمود أبجديته وصرخ في وجه الرجل .. من أنت !! ؟ .. وكيف دخلت والباب مغلق !!؟ ..

فما كان من ذالك الرجل إلا إن رفع السوط عاليا وهوي به علي الأرض !! ورفعه مرة أخري وهوي به علي ظهر محمود بقوة رمته أرضا !! واخذ يجلده بقسوة .. كانت ضربات مؤلمة تجوز في أخاديد جسده .. واليدين التي تمسك السوط كانت تخرج منها قوة عجيبة .. لم يصمد محمود كثيرا حتى غاب عن الوعي لما يقارب عدة دقائق ولم يلبث حتى عاد الي طبيعته في غضون ربع ساعة ولكن كان كل جسده ينضب بالدماء وأثار السياط قد مزقت لحمه مع ملابسه .. أستند محمود علي الحائط حتى استطاع ان يفتح الباب ولاحظت والدته وهي في المطبخ إن محمود يذرف الدماء كأنه مذبوح .. صرخت الام وهرع جميع الجيران من كل حدب وصوب . . والكل بدأ يلومه قائلين له : لماذا فعلت هكذا في نفسك !!؟ هل هذا يرضي الله !!؟ ..

أحتار الشاب ما بين جروحه التي تنثر الدماء وبين إن يسرد لهم عن ذالك المجهول الذي خرج عليه بالسياط .. والتزم الصمت !! وتطوع أحد الممرضين وقام بتطييب جروحه ببعض المطهرات والشاش .. والشاب كان في ذهول والوجوم يملئ وجه يتساءل من هذا الرجل وكيف دخل وخرج بدون إن ينتبه له أحد .. وبعد مرور بما يقارب ثلاث أسابيع كان محمود قد استرد عافيته الجسدية والعاطفية ورجع الى عمله وحياته .. حتى جاءت تلك الأمسية اللعينة التي جلس فيها في غرفته يحاول ان ينام ولكنه لم يستطع فقام من علي فراشه كي يحضر كتاب يتسلي به وما إن أنتصب من على الفراش حتى وجد ذالك الرجل امامه مرة اخري .. نفس الحله ونفس المنظر لكن كان قريب جدا منه لم يتحمل محمود تلك النظرات المرعبة في عيني ذالك المجهول .. وصرخ بقوة ماذا تريد مني !!؟ وهوي محمود علي الأرض مغشيا عليه قبل إن يتلقي أجابه من ذالك المجهول !! ولما فاق من غيبوبته وجد نفسه غارقا في بركة من الدماء وآثار ضرب السياط مازالت لفحتها مستعرة في جسده !! والغريب إنه اثناء هذا ما يحدث لا أحد من سكان المنزل يستمع إلي صرخات محمود وكأنه قد أغلقت أذانهم !! .. وبالكاد استطاع محمود ان يخرج من غرفته وتقوم امه بالصراخ مرة اخري ولكن هذه المرة ترفع محمود عن جراحه واخبر الجميع عن ذالك الجن الذي يأتي له في غرفته ويقوم بضربه بالسياط ..

وكانت تلك الحادثة كافية بان العائلة تطرق جميع أبواب رجال الدين وكل من له صلة بالعالم الاخر . ولكن باءت كل المحاولات بالفشل واستمرت زيارات الجلاد بصفة شهرية إلي محمود .. حتى أنسلي جسد محمود وكأنه هيكل عظمي يمشي علي الارض والتزم الفراش ولم يغادره .. ولم تجد الاسرة اي معونة من احد فاضطرت ان تقوم بنشر القصة في الصحف لربما يستطيع احد ان يرفع عنهم ذالك الامر اللعين .. بعد نشر القصة في الصحف زادت وتيرة الزيارات وبعد ان كان يضرب بالسياط مرة في الشهر اصبح يضرب اسبوعيا كعقاب له علي نشر القصة وعندما وصل الامر الى مسامع الصحفي الذي قام بنشر القصة فقرر إن يبيت مع محمود في غرفته ليلة زيارة ذالك الجلاد .. تجمعت الاسرة مع الصحفي امام التلفاز ومحمود معهم ولما دقت الساعة الحادية عشر أستاذنت الام وبنتها كي يخلدوا للنوم .. وبقي محمود والصحفي وبعد مرور ساعة واحدة طلب محمود من الصحفي ان يدخل الي غرفته كي يخلد للنوم وهو متعشم ان لا يري شيء في تلك الليلة الملعونة ..

دخل الصحفي وتمدد علي الفراش بجوار محمود وقال له : حاول ان تنام لأني سوف اظل مستيقظا حتى الصباح .. اطمئن قلب محمود ان هناك عين حارسه عليه وخلد للنوم بعمق .. ومرت ساعتين اخرين والساعة دقت عقاربها معلنة الثالثة بعد منتصف الليلة والصحفي يطالع احد الكتب علي ضوء خافت للغاية وفجأة انتبه علي صوت طرق باب الغرفة فنهض من على الفراش بهدوء وقام بفتح الباب وإذا به يجد امامه والدة محمود جاءت تطمئن إن ابنها محمود بخير وان كل شيء علي ما يرام فاخبرها الصحفي انه لم يحدث شيئا وان محمود يغط في النوم قرير العين .. عرضت السيدة علي الصحفي إن تجهز له طعام أو اي مشروب يعينه علي السهر فاعتذر وشكرها .. فاستاذنت منه وطرقت عائدة إلي غرفتها والصحفي مرة أخرى عاد الي الفراش يتصفح الكتاب ..

وبعد مرور عدة ساعات توارت الظلمات في الأفق وطلع الفجر وأشرقت الشمس وكان الصحفي قد انتهي من قراءة الكتاب واقترب من محمود كي يوقظه : محمود هيا استيقظ لقد أشرقت الشمس .. فلم يجيبه ..عاود الصحفي المناداة مرة اخرى ولكن دون جدوى .. اقترب الصحفي من محمود وهزه بعنف .. ولكن محمود لم يحرك ساكنا .. مد الصحفي يده ورفع الغطاء عن محمود فوجده ينزف الدماء من جميع جسده ومغشي عليه .. صرخ الصحفي من هول الصدمة !! .. وجاءت الام والاخت راكضة الى الغرفة ليجدوا محمود غارقا في الدماء .. !! .. والصحفي مأخوذ من المنظر وضاعت منه الأبجدية !! ..

قامت الام والاخت بتضميد الجروح وتطيبها وبعد مرور عدة دقائق فاق محمود من غيبوبته ولكن لا يتذكر شيء غير الم الجروح التي تنتشر في جسده .. جلس الصحفي في صالة المنزل يقسم بكل مقدساته ان عينه لم تغفو ولو طرفة عين وانه كان ساهر الليل باكمله حتى شروق الشمس .. فكيف حدث هذا !! ومتى حدث وهو لم يبرح نظره عن محمود ثانية واحدة حتى ان ام محمود جاءت الي الغرفة بعد منتصف الليل تطمئن علينا ووجدتني مستيقظ ..

وهنا انتبهت ام محمود علي كلام الصحفي واخبرته انها بعد ان استاذنت في الحادية عشر لم تغادر باب غرفتها الا في الصباح علي صوت الصراخ .. عصفت المفاجأة بالصحفي .. !! وتلعثم بالكلام وهو يقول لم تخرجي من غرفتك !!؟ واخذ يتطلع في وجه ام محمود وفي وجوه كل الحاضرين وخيل له ان الجميع هنا اشباح وهو وحده الذي يملك العظم والامعاء ولم يلبث ثواني معدودة حتى جمع أشيائه القليلة وهرول من المنزل !!.. ..

ومرت عدة ايام وتماثل محمود للشفاء ولكن نفسيته كانت محطمة فطلبت منه والدته ان يذهب الي الفرن كي يحضر لهم قليل من الخبز وكي يخرج قليلا من جو البيت الكئيب فاطاع محمود كلام الام وخرج قاصدا الفرن واشتري الخبز واخذ طريق العودة الى المنزل .. كان هذا اليوم هو تاريخ اصدار العدد الجديد من الجريدة التي تناولت قصة محمود .. ولم يكن محمود علي علم ان الصحفي قد قام بنشر تجربته التي حدثت في المنزل .. وصل محمود إلي باب البيت واخذ يصعد السلالم متحامل علي اعمدة الدرج وقبل ان يدق الباب شعر بشي ما بين يديه فنظر الي الخبز الذي كان يحمله فوجده قد تحول إلي كتل من اللحم تنساب منها الدماء ..

محمود وقف ولم يحرك ساكنا حتى تأكد ان الامر ليس وهم ثم قام بركل الباب بقدمه .. وعندما فتحت والدته الباب وجدت أبنها واقف وقطع من اللحم الاحمر ملطخة بالدماء في يديه .. الام استعجبت وقالت له : لقد ارسلتك كي تحضر الخبز وليس ان تشتري لنا اللحمة وثم من اين لك بالمال حتى اشتريت به اللحم الطازج !!؟؟ .. اجبها محمود وعيناها تخترق اعين والدته : اللحم الذي تريه امامك ما هو الا الخمس خبزات التي قمت بشرائها وعند وصولي الى الباب قد تحول الخبز الى لحم طازج ينضب بالدماء !!؟ ..

اعتري الذهول وجه ام محمود وكأن ليس في هذا العالم غير ابنها المسكين الذي فتحت عليه اهوال العالم الاخر .. ثم قامت بأخذ اللحم منه والقته في حاوية القمامة .. ودخل محمود غرفته وما ان قفل الباب والتفت فوجد ذالك الكائن موجود بداخلها ..الغريب ان محمود اغلق الباب هذه المرة وقام بإعطاء ظهره لذالك المجهول فقام بجلده حتى خارت ما تبقي من قواها واخذ ينزف كثيرا .. ولم يرغب محمود بان يستغيث بأحد كان يرغب في انهاء ذالك الجحيم الذي فتح عليه ، وترك نفسه ملقي على ارضية الغرفة ووجهه امتلئ بالزرقة مستسلما الى الموت ولكن وهو في تلك الحالة دخلت اخته عليه الغرفة وجدته ينازع حتي الموت فقامت بالاستغاثة وتجمع الجيران وذهبوا بمحمود الى المستشفي فتم احتجازه بها وعلي الفور تم تركيب اكياس الدم له لانه كان يعاني من هبوط حاد في الدورة الدمويه ..

ولما حل المساء كانت حالة محمود قد تحسنت نسبيا وافاق واصبح يستشعر من حوله وبحلول العاشرة مساء كان قد تم الغاء الزيارة واصبح المرضي فقط داخل المستشفي .. وبحلول الثانية مساءا اراد محمود الذهاب الى الحمام وعند طريقه في العوده الى الحجرة وجد ذالك الجن ينتظره شاهرا سوطه ويهدده بالضرب المبرح اذا لم يقم بالقاء المريض الذي ينام بجواره في الغرفة من النافذة .. دخل محمود في حالة اللا وعي ..ومرت دقائق بعدها افاق ولكن هذه المرة افاق على صراخ المريض المسكين الذي كان يتوسل الى محمود ان لا يقذف به من نافذة الغرفة . ونظر محمود ووجد نفسه حاملا المريض بين يديه وهو يحاول ان يقذفه من نافذة الغرفة كي يسقط ميتا من ذالك العلو .. انزل المريض من بين يديه ونظر من النافذة الى اسفل وقام بالقاء نفسه ليسقط جثة هامده . وبذالك تكون انتهت معاناة ذالك الشاب .

تاريخ النشر 01 / 06 /2014

guest
51 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى