أدب الرعب والعام

السر

بقلم : جيجي عادل – مصر

السر
ما السر الذي أخفته سميرة ؟ ..

هذه القصة هي من أعجب ما سمعت عزيزي القارئ و لقد حكتها لي جدتي وكما تعلمون جميعا فحكايات الجدات مثل ألف ليله و ليله لا نستطيع تصديقها إذا أخضعناها للعقل و المنطق و لا نستطيع تكذيبها أيضا لما رأينا من واقع والغاز و قصص غرائبية واقعيه وغير منطقية .. والخلاصة أني سأروى لكم القصة كما سمعتها و ساترك لكم الحكم ..

في بدايات القرن الماضي كان جميع أهل القرية يتميزون بالبساطة و رقه الحال فلم نكون هناك اي فروق طبقيه او ماديه بين الجميع فالكل يتساوى في الفقر و الجهل وكثرة عدد الابناء مما كان يحذوهم الى تزويج بناتهم بسن صغيره جدا وذلك حتى يغلقوا فما و تتخلص الاسرة من بعض العبء الملقى على عاتقها . وكانت الفتاه سميرة تتميز بجمال بارع حسدتها عليه كافة بنات القريه , فكانت عندما تمر تأخذ بالعقول و الالباب من جمال وجهها الذي ابدع فيه الخالق عز و جل , لكن كما يكون الجمال نعمه , فاحيانا يتحول الى نقمه على صاحبته اذا صاحبه سوء الحظ , وهو ما رافق الفتاة منذ فتحت عيناها على الدنيا ووجدت نفسها تعيش في كنف اسرة كبيره و معدمه , و زوجتها اسرتها الى شاب يمتلك رقعه صغيره من الارض الزراعية ولكن بالنسبة للاسرة الفقيرة يعتبر متيسر ماديا , و انتقلت الفتاة الجميلة الى بيت زوجها الذي كان قاسيا بخيلا شحيحا و غيورا , وكان يضربها و يهينها لاتفه الاسباب , و تحملت الفتاه قدرها بصبر و صمت خاصة و انها قد انجبت ثلاثة من الابناء .

وفى اثناء خروجها الى الحقل مبكرا لمحتها عيون غير بشرية لجني عاشق هام بالفتاة حبا وعشقا وملكت عليه فؤاده بجمالها و صمتها و قله حيلتها و صبرها على زوج لا يقدر تضحياتها و عملها المتواصل بالحقل بلا كلل أو شكوى ورعاية أبنائها وخدمة أهل زوجها و رضاها بأقل القليل .

و ذات صباح وجد الزوج ميتا و على وجهه اقصى علامات الفزع و الخوف و توجد عبارة مكتوبة على الأرض بجانبه .. " ويل لمن يفرط في نعمة ربه " ..

وعادت الفتاه مره ثانيه الى بيت أسرتها محمله بالشقاء والأعباء فكيف ستطعم أبنائها و أسرتها لا تجد ما يسد جوعها بالأساس , لكن فجأة أحس الجيران بتغير داخل الأسرة , فلقد أصبحت حاله الاسرة متيسرة إلى حد كبير , واصبحت اسرة سميرة هي محور نميمة اهل القرية لما ظهر عليهم من نعمة مفاجئة ولم يسافر اي من أبناؤهم أو يرثوا غنيا , و الأعجب الغموض الذي أصبح يكتنفهم فلقد تم تجديد دارهم واشتروا قطعه ارض زراعية و تحسنت احوالهم الى حد كبير , وكان جيرانهم هم اكثر اهل القرية تعجبا وفضولا , وكانت توجد احدى الجارات هى اكثرهم فراغا و فضولا . فكانت تجلس يوميا امام منزلها لمتابعة اخبار اسرة سميرة و كم حاولت ان تستدرج احد الابناء لمعرفة سر تغير حالتهم , لكنها فشلت مما كان يشعل فضولها اكثر و يزيدها اصرارا على معرفه الحقيقة .. هل وجدوا كنزا ؟ .. ام سرقوا ام ماذا ؟ ..

وظلت هذه الجارة الفضولية تراقب المنزل يوميا من الصباح الباكر حتى اخر اليوم وقد تعجبت عندما كانت ترى الأطفال الصغار معهم فاكهة في غير اوانها , ووجدت احد اطفال سميرة يلعب مع شقيقه بقطعة نقود ذهبية غريبة الشكل , لكن الاعجب هو خروج شاب مليح الوجه من حين لاخر من المنزل ورجوعه بعد عده ساعات , لكنها تعلم كل شباب القرية , و لم ترى هذا الشاب بالسابق مما جعل الفضول يستبد بها و يعصف بكيانها فقررت كشف سر هذه الاسرة بأي ثمن , وانتظرت الجارة الفضولية حتى اتى يوم خرج فيه الشاب المليح الوجه من المنزل , فذهبت و دقت باب منزل سميرة , فاستقبلها اهل المنزل بالطبع , لكنها احست بعدم ترحابهم بها و كأنهم يريدون التخلص من زيارتها سريعا , لكنها بالطبع تجاهلت الامر و اصبحت تحدثهم عن كل ما يدور بالقرية , و هي تتصنع المحبة و اللطف , و افراد الاسرة يتحملون ثرثرتها بصمت و قلق و ابتسامة باهتة على الوجه , و بعض مضى وقت ليس بالقليل دق باب المنزل فإذا بالأنظار كلها معلقة على باب المنزل و اولهم الجارة الفضولية التي تنتظر هذه اللحظة , وعندما فتح احد أبناء سميرة الباب رأت الجارة هذا الشاب المليح الوجه , و لكن ما ان خطا بقدمه داخل المنزل حتى تبدلت هيئته و تغيرت ملامحه , وتحول الشاب إلى سميرة .. نعم سميرة ! .. وعقدت الدهشة و الرعب لسان الجارة الفضولية , و فوجئت سميرة بوجودها , لكنها اضطرت الى كشف سرها وهى تقول لها إنها مخاويه جني , ونظرا لغيرته البالغة عليها فانه يحولها لهذا الشاب , لكن ما ان تخطو بقدمها داخل منزلها حتى تعود إلى هيئتها الانثوية من جديد , وطلبت سميرة من الجارة حفظ السر , فعاهدتها الجارة على ذلك , واعطتها سميرة بعضا من الهدايا , فبرقت عين الجارة بطمع و اصبحت ضيف مستديم داخل منزل سميرة , و دائما ما تدس انفها بشؤونهم و هم يتحملونها بصمت و غيظ , و اصبحت طلباتها صريحة وواضحة فهي تريد شراء قطعه ارض لابنائها مثلهم وتريد نقودا و ذهبا , و اصبحت كل يوم تزداد طمعا و جشعا , وكان بالطبع كلامها يحمل طابع التهديد الخفي , لكنها هددتهم صراحة بالمرة الاخيرة أنها إذا لم تحصل على الأموال الكافية لشراء قطعه من الارض فأنها ستفشى سرهم لكل اهل البلدة , ورفضت سميرة هذا الابتزاز الحقير و طردتها من المنزل , فقامت الجارة على الفور وهى تشتعل غضبا بالذهاب لكل بيوت الجيران المحيطين بمنزل سميرة و افشت لهم سرها .

بالطبع زلزل هذا الخبر كيان القرية الصغيرة و في غضون دقائق صغيرة كانت القرية كلها تعلم بالامر , و عادت الجارة لمنزلها و هي تبتسم بشماتة و تقول هذا جزاء من يعبث معي ولنرى كيف سيعيشون بين اهل القرية .

وفى الصباح الباكر دخل احد ابناء الجارة ليوقظها من نومها فوجدها ميتة في فراشها و تحمل ايضا على وجهها الكثير من ملامح الرعب و الفزع وبجوارها ورقة مكتوب عليها هذا جزاء افشاء السر وخيانة العهد , ولم يجد الجيران اثرا لاسرة سميرة بالصباح , و قد تركوا منزلهم و ارضهم و كل ممتلكاتهم , و لم يعرف اي فرد مصير هذه الاسرة على الاطلاق .

عزيزي القارئ .. اعلم ان القصة صعبه التصديق فانا نفسي اجد غضاضة في تصديقها , لكنها تمثل التراث الذي تربينا عليه ,  والقصص الشعبية التي تحفل بها كل بلد ولا يخلو منها مجتمع , فهي تمثل ثقافة المجتمع , وكانوا يتعاملون معها كحقائق مسلم بها و لا غبار عليها .

تاريخ النشر 08 / 06 /2014

guest
43 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى