أدب الرعب والعام

لعبة الكبار

بقلم : وفاء سليمان – الجزائر

لعبة الكبار
 أشهر مسدسه في وجهها وهمّ بإطلاق النار

عادت ليلى لمنزلها من العمل عند منتصف الليل تجر قدميها جراً من فرط التعب.. فقد أمضت ساعات واقفة داخل غرفة عمليات المستشفى الذي تعمل فيه كممرضة.. و ما زاد معاناتها أنها لم تجد أي سيارة أجرة تستقلها فعادت راجلة للمنزل.. وبمجرد دخولها اليه ارتمت على أقرب أريكة لها وغطت في نوم عميق لم تستيقظ منه إلا على صوت رنين الهاتف الذي لم ينقطع… فنهضت متهالكة ونظرت للساعة لتجد أنها لم تتجاوز السادسة صباحاً ، فتمتمت بكلمات تنم عن سخطها من هذا المزعج الذي لا يعرف الأدب..

-آلو..من المتحدث ؟؟؟

-أوووه وأخيراً ..ما بالك يا ليلى لماذا لا تردين على هاتفك الجوال؟

-سمر !!!! ما الأمر..لماذا تتصلين بهذا الوقت المبكر ماذا حدث؟ ثم أن جوالي مغلق نفدت بطاريته ولشدة تعبي نمت دون أن أشحنه…أجيبيني ماذا هناك ؟

– عليك الحضور للمشفى حالاً… الإدارة تريدك في الحال..الأمر ضروري..

– ولكن اليوم إجازتي..ولا عمل لدي..

– لا تريدك لوحدك بل كل طاقم التمريض الذي شارك بعملية الأمس… هناك اجتماع هام على الثامنة تعالي بالوقت المحدد..إلى اللقاء..

وضعت ليلى الهاتف باستغراب واتجهت للحمام حيث استحمت ثم بدلت ثيابها وحملت حقيبتها وخرجت مسرعة من المنزل علها تجد حافلة أو سيارة أجرة تستقلها لتصل بالوقت المناسب.. وفي السلالم كادت أن تتعثر وتسقط وهي تركض…

– احذري ستسقطين….ومسك يديها ليساعدها..

اعتدلت ليلى وسحبت يديها بخفة من يديه وتنحنحت ثم قالت :
– آه.. صباح الخير أستاذ سالم..شكراً لك في الحقيقة هناك أمر عاجل لذا عليّ الاسراع..أراك لاحقاً ، ثم أكملت طريقها دون أن تلتفت وراءها..
-العفو… قال الاستاذ سالم بصوت هامس وتتبعها بنظرات تملؤها خيبة الأمل..

استقلت ليلى الحافلة وجلست بمقعدها تفكر.. فلم تكن راضية عن الطريقة الجافية التي عاملت بها الأستاذ ولكن كان عليها ذلك.. كي تمحو أي بصيص أمل قد يكون مازال معلقاً بداخله تجاهها ..
فمنذ قدومها الى العمارة واستئجارها للشقة كان خير جار وساعدها كثيراً في العديد من الأمور المتعلقة بالشقة..أحست تجاهه بشعور أمان ودفئ العائلة التي حرمها من وجودها الزمن..

فليلى شابة ذات 24ربيعاً ،يتيمة تربت بإحدى دور الأيتام حيث عاشت حياةً صعبة وقاسية لم تمنعها قسوتها من الاجتهاد بالدراسة والتفوق فهي كانت طموحة و واعية وتعلم أن طريق خروجها واستقلالها بحياتها هو التفوق..
وعند اتمامها لسن الثامنة عشر من عمرها تركت الدار واستأجرت غرفة صغيرة بجانب معهد التمريض الذي تدرس فيه… كان مجموعها بشهادة البكالوريا يؤهّلها لدراسة الطب ولكن قلة ذات اليد وغلاء مصاريف دراسة هذا التخصص بخر أحلام ليلى بأن تصبح طبيبة فاختارت أن تدرس التمريض لتبقى في دائرة هذا التخصص …

عملت بدوام جزئي كنادلة بمطعم وكافحت لنيل شهادة التمريض التي أخذتها وكان ترتيبها الأولى فتم اختيارها للعمل بأكبر مستشفيات المدينة وبراتب جيد فبدأت تبني حياتها بالتدريج..ورسمت أمالاً وأهداف كثيرة ، ولم يكن الأستاذ سالم الذي تقدم لطلب يدها أحدها فهو ليس ضمنها… شاب مكافح آت من القرية ويدرِّس باحدى المدارس المجاورة لا طموح له سوى أن يكمل فترة تربصه ويعود للقرية حيث سيعمل ويقيم فيها..
ليلى لم تعترض عليه كشخص فهو غاية بالنبل والأخلاق ولكنها كانت تريد أكثر من ذلك ، لطالما رددت أنها عاشت حياة قاسية ولن تسمح أن تعيشها ثانية…

انتبهت أنها وصلت للمشفى فنزلت من الحافلة وانطلقت مسرعة اليه..

****

-اجتمع مدير المشفى بطاقم الممرضات اللواتي شاركن بالعملية التي أجريت بالأمس …

-المدير : كلكنّ تعلمن أن الشخص الذي أجريت له عملية بالأمس هو الطفل سامر الحسن ابن رجل الأعمال والملياردير الشهير كمال الحسن..
وكما يعلم الجميع أن له منافسين وأعداء كثر .. ولهذا قرر لإجراءات أمن وسلامة ابنه أن يعيده للمنزل فور خروجه من العناية المشدّدة وسيظل بغرفة مجهزة تحت المراقبة الطبية والتي لأجلها استدعيتكن إلى هنا ..
فقد طلب منا أن نرشح له ممرضة كفؤاً للسهر على العناية بابنه..

فكرت ليلى أنها سمعت بالملياردير “كمال الحسن” و قرأت الكثير من أخباره التي تتصدر كل مدة صفحات الجرائد، فالرجل تحت الأضواء ليس لغناه وقوة نفوذه فحسب فالشائعات تدور حول أنّ مصدر أمواله غير مشروع قانونياً وأن رجالاً من السلطة يدعمونه ويسهلون له أعماله التي لها علاقة بغسيل الأموال والصفقات المشبوهة ،أما حياته الشخصية فأصله غير معروف ويقال أنه تزوج و توفيت زوجته أثناء ولادتها بابنه سامر ولم يتزوج ثانيةً .. ولم تكن العملية التي أجريت لولده سوى جراحة لإخراج رصاصة استقرت بكتفه بعد أن تم اطلاق النار عليه من قبل مجهول.. أغلب الظن أنه من طرف منافسه في السوق وعدوّه رجل الأعمال أحمد أمين ولكن لا شيء يثبت ذلك..

استفاقت ليلى من شرودها على صوت المدير يخاطبها: ليلى إذاً جهزي نفسك،،
-ليلى: عفواً سيدي ولكن لماذا ؟
المدير: أتمزحين معي ؟… عن ماذا كنا نتحدث ؟ستذهبين إلى قصر كمال الحسن رفقة ابنه للعناية به حتى يشفى…
– قالت ليلى معترضة: آسفة يا سيدي لا أستطيع.. لا أريد إقحام نفسي بدوامة مشاكل هذا الرجل.. أعذرني رجاءً و اختر غيري
-المدير: أنا لا أطلب منك يا آنسة ليلى..قال بحدة ..
ثم أضاف: هذا عملك وتأخذين راتباً عليه لا مجال للاعتراض إذا لم يعجبك تستطيعين الاستقالة..

رغم تردد ليلى وعدم رضاها عن ذهابها إلا أنها وافقت على مضض كي لا تخسر عملها..فالوظائف الشاغرة شحيحة والتزاماتها المادية كثيرة..

****

بعد مسافة ليست بالقصيرة اجتازتها سيارة الإسعاف التي أقلّت سامر رفقة ليلى والطبيب إلى بيت كمال الحسن مصحوبة بالعديد من سيارات الجيب السوداء التي تحمل أشخاصاً مدججين بالسلاح لحراستها …
وصلت السيارات إلى أطراف المدينة حيث أراض كبيرة لا حدود لها كتب على لافتات بجوارها أنها أملاك خاصة لآل الحسن يتمركز وسطها قصره الأحمر الذي قيل بأنه مبني على الطراز الإنجليزي…
ولكن الشيء الذي أفسد منظره هو كثرة الحراس المسلحين المحيطين به..
– حتى حراس البيت الأبيض ليسوا بهذا العدد…يا إلهي..!!علّقت ليلى..

دخلت ليلى الى قصر الحسن مشدوهة من جماله واتساعه وفخامة أثاثه…فهي لم تر في حياتها مكانا كهذا إلا بالأفلام …التحف الأثرية بكل مكان ولا تكاد تخلو مساحة من الجدران التي طليت بالأحمر من اللّوحات الفاخرة….
– ما قصة هذا الرجل مع اللّون الأحمر ؟ قالت ليلى..

رافقت الخدم وسامر الى الغرفة التي تجهزت له..وتلقت التعليمات حول ما يجب أن تفعل من الطبيب المرافق وجلست تنتظر في غرفة الجلوس تتأمل القصر…كانت متعبة وجائعة وخائفة لم تعلم ماذا ستفعل و أين ستنام؟ وكيف ستتصرف؟…

عفواً يا آنسة السيد يريدك.. قال أحد الخدم..
رافقت ليلى الخادم وسارت معه في رواق طويل جانباه جداران تعلوهما العديد من اللوحات لأشخاص عرفت منهم سيد القصر فكثيراً ما رأت صوره بالجرائد والمجلات ، فكرت في نفسها : يا إلهي هل سأقابل هذا الشخص؟ يبدو وكأنه لم يبتسم في حياته قط..
ولجت إلى غرفة كبيرة يبدو أنها مكتب السيد..
– سيدي وصلت الآنسة هل تأمر بشيء آخر؟
و من الكرسي خلف المكتب الذي توسط الغرفة صدر صوت جهوري خشن: لا شيء …يمكنك الانصراف

التفتت ليلى صوب الصوت فوجدت الكرسي مواجهاً للنافذة خلف المكتب و لا يظهر الشخص الجالس عليه ..
آنسة ليلى يمكنك الجلوس.. قال السيد كمال وأدار كرسيه ليواجهها…
ارتبكت ليلى وتلعثمت قليلاً ثم شكرته وجلست على الأريكة التي بجانبها وأخفضت عينيها ، فالرهبة تملكتها وسيطرت على كل كيانها..إنها مباشرةً أمام أكبر شخصية بالبلد حديث الناس وشغل الصحافة الشاغل..

أشعل الرجل غليونه و دخن قليلاً ثم قال :
– اسمعي يا آنسة أنت الآن ستقيمين بالقصر وتصبحين جزءاً منه إلى حين شفاء سامر و لهذا عليك التقيد بالقوانين والتعليمات التي يسير عليها الجميع هنا.. غرفتك بجوار غرفة العناية بسامر يمكنك المكوث فيها أوقات فراغك..الأكل له مواعيد محددة …الخروج من القصر لا يكون إلا بإذن.. لا هواتف محمولة ولا أية وسيلة تواصل بالخارج..وأهم شيء حفظ الأسرار ، كل ما يقع في القصر يبقى في القصر أظنك فهمت المقصد.. ولا داعي لأن أخبرك نتيجة خرق القاعدة الأخيرة بالذات..
أشكري الله أن لا أحد تخافين عليه يا آنسة….سكت قليلاً ثم أردف: إلا نفسك…و سحب نفساً من غليونه……
وهنا رفعت ليلى عينيها لتواجه عينيه مباشرةً وقالت بارتباك : ولكن كيف….؟

قاطعها : انتهت المقابلة …يمكنك الانصراف.

خرجت ليلى من المكتب وهي تلعن الساعة التي شاركت بها في عملية سامر..

-الخادم: عفوا آنسة حان موعد وجبة العشاء هلا تفضلت
-ليلى: وأين العشاء؟
-داخل قاعة الطعام الرئيسية…مع السيد أسرعي فهو لا يحب المتأخرين..

– تأخرتِ 50 ثانية يبدو أنك لا تعرفين دقة المواعيد..قالها السيد بنبرة استياء..

– يا الهي هل هو جاد ؟خمسون ثانية !! هل نحن في ثكنة عسكرية ؟ قالت ليلى في نفسها ثم تحدثت قائلة: آسفة يا سيدي لم أعتد على الوضع بعد..

– تفضلي بالجلوس..في العادة أنا لا أتناول طعامي مع الموظفين …وسأكسر هذه العادة لليوم فقط..لي رغبة أن يشاركني أحد الطعام.

– نظرت إليه ليلى متعجبة من تناقض هذا الرجل فمنذ قليل كان الشرر يتطاير من عينيه والآن يتصنع اللّطف..ثم جلست..

و بعد انتهاء طعام العشاء توجهت لغرفة سامر للاطمئنان أن كل شيء يسير بخير..ثم خلدت للنوم تفكر بماذا سيحمل لها الغد ……

****

مع تباشير صباح اليوم التالي استيقظت ليلى وتأهبت للعمل وما إن دخلت غرفة سامر حتى لمحت السيد يقف مع الطبيب فألقت التحية والتفتت للطبيب متساءلة: دكتور …هل كل شيء على ما يرام؟
-نعم..لقد استقرت حالته والجرح يتماثل للشفاء..عليك اتباع التعليمات و احترام مواعيد الدواء وتعقيم الجرح في أوقاته المحددة..
– حاضر دكتور…
– استأذن الطبيب للمغادرة، وباشرت ليلى عملها تحت أنظار السيد الذي شعرت بالتوتر من وجوده فكأنه يراقبها كي يمسك عليها خطأ ما أو زلة .

-آلو…حسناً أنا آت في الحال..قالها السيد كمال ثم رمق ليلى بنظرات تحذيرية وانصرف..

– وأخيراً ….أووف…آمل أن تنقضي الأيام القادمة على خير..تمتمت في سرها..

توالت أيام تتبعها أيام وليلى تسير على نفس الروتين …. تقوم بعملها ثم لا تجد ما تفعل …لقد عُزلت عن الخارج وكأنها في سجن وهي ليست معتادة على هذه الحياة.. ولكن ما خفف عنها هو ظرافة الولد سامر الذي أصبح صديقاً مقرباً لها فقد شعرت أنه يرسم صورة ماضية لها ولكن بظروف مغايرة…
فأصبحت تمضي جل وقتها معه…و قد لاحظت أن السيد لا يزور ابنه ولا يظهر في القصر إلا ما ندر.. فسألت سامر:
– هل يغيب والدك هكذا دائماً ؟؟
أجابها الولد بحسرة: إنه لا يأتي إلا في اللّيل ويغادر في الصباح الباكر..أحياناً يمضي أسبوعان وأكثر ولا أراه…فدائماً يكون مشغولاً بعمله…

– لا بأس يا عزيزي فجميع الآباء هكذا يعملون ليوفروا حياة كريمة لأبناءهم..ستكبر وتعرف أن غيابه لصالحك…

واسته ليلى بهذه الكلمات التي لم تكن مقتنعة بها من الأساس..

-إذاً هل كان والدك دائم الانشغال كأبي؟

صمتت قليلاً ثم أجابته لتغير الموضوع: الآن دعنا من هذا الحديث حان موعد طعامك سأذهب لجلبه..و مسحت دمعة نزلت من عينيها دون أن تلفت انتباهه…

****

شفي سامر وعاد لممارسة حياته الطبيعية وحان موعد مغادرة ليلى..
-أرجوك يا ليلى لا تذهبي ابقي معي..قالها سامر وهو يذرف الدموع لفراقها..

-ليلى: آسفة يا صغيري لا أستطيع عليّ المغادرة فلدي عمل ومسؤوليات والتزامات ولا أظن أن….

قاطعها السيّد: يمكنك البقاء كمربية لقد لاحظت أن سامر متعلق بك وتستطيعين أن تمكثي في القصر وسأعطيك أضعاف الراتب الذي تكسبينه بالمشفى…

– يريد مني أن أقبل بالسجن مقابل المال .. لا بد أنه يمزح… تمتمت ليلى.. ثم أجابته: المعذرة يا سيّدي ولكنني لا أستطيع ، الوضع لا يناسبني..شكراً على عرضك

-كما تريدين.. الأمر عائد إليك ولكن تذكري الوظيفة متاحة لك بكل وقت ، سيوصلك السائق لمنزلك …

– إلى اللقاء يا سامر.. أتمنى أن نلتقي يوماً ما في ظروف مغايرة.. وابتسمت له وانصرفت والحزن يعتصرها من منظر دموعه المنسابة على وجنتيه…

في الطريق تسلمت ليلى ظرفاً من السائق يحوي على حزمة من المال وورقة مكتوب عليها رقم هاتف وتحته عبارة “في حال غيّرتِ رأيك”….

– يا الهي ما أشد غرور هذا الرجل…قالت باستياء بعد أن وضعت الظرف في حقيبتها….

****

في المستشفى..
– ظننت أن حياتك انتهت داخل القصر الأحمر..قالت سمر لليلى ممازحة…
– بالفعل الحياة تنتهي عند عتبة باب ذلك القصر..هذا عدا عن صاحبه إنه قاسٍ ومغرور ومتعجرف..

– اصمتي وإلا سمعك أحد ألا تعلمين من يكون؟ ثم هل سمعت بم حدث منذ أيام؟

-لا.. لم أسمع شيئاً ..تعلمين أنني كنت بالمنفى الأحمر..قالت بتهكم…
– لقد احترق أكبر مصانع رجل الأعمال أحمد أمين والجميع يجزم أن للسيد كمال علاقة بالأمر …إنه رجل خطر،،،،،

-لا لم أكن على علم بذلك عموماً لا علاقة لي به بعد الآن…

– أتمنى ذلك حقا يا ليلى…قالتها سمر وهي تحدق إلى صديقتها بقلق..

****

فتحت ليلى باب شقتها وفور دخولها أحسّت ببرودة جسم معدني يوضع على جانب رأسها..ثم تكلم أحدهم قائلاً :
– اذا بدر منك أية صوت أو حركة فسأفرغ هذا المسدس في رأسك…
أومأت ليلى موافقة والرعب يسري في جسمها و لم تمر دقائق إلا وكانت مقيدة على كرسي غرفتها..تحت رقابة رجلين ضخمين ..يبدوان وكأنهما من رجال العصابات ….

– ماذا تريدون مني دعوني وشأني….صرخت ليلى

-من الأفضل أن تصمتي يا هذه… فلولا أوامر الزعيم لأطلقت عليك النّار وارتحت من إزعاجك..قال أحدهما

-أي زعيم وعن ماذا تتحدث؟…

-“أحمد أمين”…لا شك أنك سمعت بي يا آنسة ليلى

التفتت ليلى صوب الصوت وإذا بشخص قصير يبدو بمنتصف الستينات يرتدي طقماً وتبدو عليه مظاهر الغنى والترف يلج الغرفة… ولما عرفته صاحت: أحمد أمين !!! ياإلهي أيكون للأمر علاقة بـ……

– يبدو أنك ذكية يا آنسة.. والآن عليك أن تنصتي إلي..أنا شخص مباشر بدون مقدمات ولا لف ولا دوران…أنا أريد شيئاً وأنت الوحيدة القادرة على أن تجعليني أصل إليه…سمعت أن صاحب القصر الأحمر عرض عليك وظيفة.. أريدك أن تقبلي بها، أحتاجك أن تكوني داخل القصر…
– أجابته ليلى بتحدٍ اصطنعته كي لا تبدو لقمة سائغة قائلةً : يبدو أن لديك مصادر داخل القصر.. لماذا لا تعتمد عليها إذاً ؟..فلا أظن أن شكلي يوحي أنني جاسوسة…

– قهقه أحمد أمين ثم نظر إليها وابتسامة خبيثة تعلو محياه وقال: مصادري لا تستطيع مجالسة نجل كمال واللّعب معه…

نظرت ليلى إليه بخوف شديد من أن تكون ما فكرت فيه صحيحاً ثم قالت:أتقصد أن…

قاطعها: بالضبط…أريد الطفل حياً..وكما تعلمين الحراسة على القصر مشدّدة لذا لا بد من أن أعتمد على شخص موثوق لديهم ..ولا يوجد أنسب منك لهذه المهمة.

-واإذا رفضت ستقتلني بالطبع… حسناً افعل ما تريد أفضل الموت على أن أسلم لك طفلاً بريئاً

– معلوماتك خاطئة آنسة ليلى…نحن لا نقتل الشخص بل نجعله يتمنى الموت…مممم ما رأيك أن تموت صديقتك سمر بحادث سيارة ، أومن الممكن أن يختنق الأستاذ سالم جارك وعاشقك بالغاز المتسرب من مطبخه ، فمع الأسف نسيه مفتوحاً….أو لربما تحترق دار الأيتام التي آوتك بمن فيها بسبب تماس بأسلاك الكهرباء… أنت ممرضة وتعلمين أن هذه الحوادث تقع….قال أحمد بمكر

– يكفي !!! …صرخت ليلى والدموع تنهمر من عينيها..أيها المجرم اللعين يكفي !!…أنا موافقة أخبرني ماذا عليّ أن أفعل ؟

ضحك أحمد أمين ضحكة طويلة ثم أجابها : ستصلك التعليمات قريباً .
ثم توجه لرجاله قائلاً : والآن فكّوا وثاقها ولنرحل من هنا..

****

– آلو مرحباً ….مديرة مكتب السيد كمال الحسن من المتحدث؟

-أنا الممرضة ليلى التي كنت أشرف على علاج السيد سامر ابن السيد كمال سابقاً ..أريد محادثته فهو من أعطاني هذا الرقم..لو سمحتِ

-انتظري لحظة لو سمحتِ…

وبعد دقائق تكلمت مديرة المكتب قائلة :السيد كمال باجتماع مهم لكنه يخبرك أن تجهزي نفسك عند السادسة مساء وسيأتي السائق ليوصلك للقصر لمباشرة عملك الجديد .. وأغلقت الخط..
– متعجرف يظن نفسه يعلم كل شيء …قالت ليلى بسخط..

مساءً جهّزت ليلى حقيبتها وهمّت بالخروج من الشقة ولكن عيناها وقعتا على ظرف المال الذي نسيته فوق الطاولة أثناء إخراجها للورقة التي بها رقم هاتف السيد حسن فأخذته ووضعته في حقيبة يدها ثم ألقت نظرة أخيرة على البيت فلعلّها تكون آخر مرة تراه فيها…ثم خرجت…

أمام العمارة التقت بالأستاذ سالم…
-مساؤك سعيد يا ليلى…أراك تحملين حقيبة هل ستنتقلين من هنا؟
-أهلاً سالم….لا ولكني وجدت عملاً براتب مغرٍ ، سأعمل لمدة حتى أجمع بعض المال ثم أعود… “وتذكرت أنه المبرر الذي أخبرت به صديقتها سمر عند اعتراضها على عملها لدى كمال الحسن…”

– وماذا عن عملك بالمشفى؟
– أخذت إجازة دون راتب…ماذا عنك؟هل ستعود للقرية..؟

– لم يبقَ لي سوى شهران هنا ثم سيجرى تعييني بمدرسة القرية…
– إذاً وداعاً الآن…قد لا نلتقي ثانيةً لذا أريد أن أقول لك إنني آسفة…
-لا لا داعي للأسف…فليس كل ما نتمناه نحصل عليه هكذا الحياة….قالها بأسى ثم تركها وهو يلوح لها مودعاً .

نظرت إليه ليلى نظرة ملؤها الدموع… فلأول مرة تراودها أحاسيس بالندم لرفضه…
-فقط لو… فكرت للحظة ثم مسحت دموعها وقطعت أفكارها الخائبة التي فات الأوان عليها وركبت السيارة ماضية الى مصيرها المجهول…

****

طار سامر فرحاً وهو يرى ليلى تدخل غرفته وركض نحوها يعانقها ويقول :كنت أعرف أنك ستعودين يا ليلى..أنا في غاية السعادة بوجودك .. وأخيراً سأجد أحداً أتحدث إليه وألعب معه…
ابتسمت ليلى بحزن وهي ترى براءة الصبي الذي لا يعلم أن عذابا قادماً ينتظره بسببها…

– أووه….آنسة ليلى أرى أنك هنا..أتى صوت من الخلف..

-التفتت ليلى لتجد السيد كمال واقفاً عند الباب فاتجهت نحوه وتحدثت قائلة:
-مساء الخير يا سيدي…هل من الممكن أن أحادثك قليلاً ؟

-أراك في المكتب بعد نصف ساعة…قالها ثم ألقى نظرة على ولده و غادر

دخلت ليلى إلى غرفتها تفكر ماذا ستفعل… فهي الآن وسط النار ولا تعرف كيف ستنقذ نفسها أو ذلك الصبي من هذه اللّعبة القذرة التي طرفاها رجلا أعمال لا هم لهما سوى الثأر…

وفجأة انطلق صوت من داخل أذنها يقول…
-عمل جيد يا آنسة ليلى…حتى أنك لم تُفتشي عند دخولك القصر..أرأيت كم كنت صائباً باختيارك…

-قيل لي أن السيّد كمال أصدر الأوامر بعدم تفتيشي….أجابت بغضب…

-كما أخبرتك ستتبعين تعليماتي حرفياً ولا تنسي أن هذا الجهاز مزروع داخل أذنك لا تستطيعين نزعه وإن فكرت بخيانتي فتذكري أن حياة الكثير من الأشخاص مرهونة بك…

– فهمت…وقد تزايدت شدة غضبها…والآن لو سمحت أخرج من رأسي أريد دخول الحمّام…أحتاج بعض الخصوصية…

– بالطبع فأنا أحترم خصوصيتك…موعدنا بعد نصف ساعة… وضحك ساخراً منها

****

بعد نصف ساعة كانت ليلى تجلس أمام السيد بالمكتب..
-إذاً آنسة ليلى فقد غيرت رأيك كما توقعت

– بصراحة فكرت بعرضك ووجدت أنه مغرٍ …فمشاريعي المستقبلية تحتاج مالاً كثيراً

– أتقصدين عيادة التمريض التي تنوين فتحها ؟…. مشروع جيد….

لم تفاجأ ليلى بمعرفته لكل تلك الأشياء عنها فهي تعلم بقوة سطوته و نفوذه …فأجابته: شكراً لك ، كنت أود لو أتكلم معك بموضوع مهم…
-تفضلي
-عندما عملت هنا المرة الماضية كنت وكأنني سجينة في هذا القصر…وبصراحة أردت أن….
-قاطعها: فهمت يا آنسة..لك أن تعيشي هنا بطريقة طبيعية ، ففي السابق كانت هناك ظروف خاصة ، أما الآن حل الأمر.. أهناك شيء آخر؟
-الحقيقة أرغب بأن توليني كامل الثقة للعناية بسامر.. فمن الواضح أنك تعلم عني كل شيء وتدرك أنني لن أؤذيه..
– بالطبع أنا أثق بقدرتك على تربية سامر ولكن عمق الثقة يأتي مع الوقت آنسة ليلى والآن لدي أعمال تنتظرني ، تستطيعين الذهاب

خرجت ليلى من المكتب..وصدى صوت أحمد أمين يتردد بأذنها…”أحسنت لقد نجحت بأول مرحلة…”

****

بعد أسابيع….

-أظنه حان الوقت لتنفيذ الخطة..أنت مستعدة كما آمل؟

– وهل تركت لي خياراً آخر.. دعني الآن أرى ما يمكنني فعله…أجابت ليلى أحمد أمين

لقد تعودت خلال مكوثها بالقصر أن تتناول طعامها مع سامر بغرفة الطعام وأحياناً في حضرة السيد كمال عندما يكون حاضراً بالقصر..
-ولحسن حظها كان موجوداً يومها…

وعلى طاولة الطعام….

– سيد كمال أريد الخروج من القصر اليوم والذهاب إلى المدينة للتسوق .. صمتت قليلاً ثم أضافت :و أرغب أن يخرج سامر معي اليوم ، فالطفل محجوز دائماً بالقصر وهذا يؤثر على نفسيته ، لا يذهب إلا للمدرسة ولا أصدقاء لديه..وأودّ إخراجه من عزلته والترفيه عنه لو سمحت طبعاً…

أكمل كمال طعامه بصمت دون أن يلتفت إليها ، وعندما انتهى قام من مكانه وقبل أن يمضي نظر اليها قائلاً.:يمكنك الخروج معه لكن بوجود طاقم الحراسة…

– ليته لم يوافق…قالت ليلى في نفسها…ثم التفتت إلى سامر الذي كاد يطير فرحاً بم سمعه وقالت :هيا جهز نفسك …

****

في المدينة..

جالت ليلى بالمدينة تحت رقابة الحراس ، وتنقلت بين المحلات حيث ابتاعت لسامر ما أراد ثم أخذته إلى حديقة الألعاب ومنه الى المطعم كمحطة أخيرة….حسب خطة أحمد أمين …

– سامر : ليلى.. أريد الذهاب لدورة المياه

– حسناً يا عزيزي تعال معي.. عندها تتبعهم الحراس
فأوقفتهم ليلى عند الباب قائلة بغضب :
– هل ستلاحقونه إلى هنا… لو سمحتم ارجعوا إلى القاعة وعندما ينتهي سأحضره بنفسي.. لا أظن أن بعدكم عنه لبضع خطوات سيسبب أزمة.
– إنها أوامر السيّد كمال…أجاب الحراس

-السيد كمال يثق بي ويعرف ما أفعل..لو سمحتم

غادر الحراس تاركين ليلى التي أدخلت الطفل إلى دورة المياه وانتظرت أمام الباب تستمع لآخر التوجيهات من أحمد…
– ستتسللين من الباب الخلفي ومعك الطفل وستجدين سيارة سوداء أمامك اركبيها مباشرةً …
– ردّت ليلى والرعشة تسري بكامل جسدها: لقد وعدتني أن لا تؤذيه .
– بالتأكيد.. لن أؤذيه سيكون مجرد طعم فقط.. والآن أسرعي..

ولدى خروج سامر من الحمام قالت له :
– عزيزي سامر ما رأيك أن نلعب الغميضة ونختبئ من الحراس ليبحثوا عنا ، ستكون لعبة مسلية.. تعال معي
– ضحك سامر وتبع ليلى ثم خرجا من الباب الخلفي لتجد السيارة التي وصفها أحمد ….
فوقفت كالجماد أمامها لا تدري أتخاطر وتركب أم تتراجع وتخبر السيد كمال بكل شيء .. وبينما هي متردّدة بين هذا وذاك سمعت صوتاً عالياً يصرخ بأذنها قائلاً: اركبي وإلا صدقيني لن يبقى أحد تعرفينه على قيد الحياة …
فركبت مع سامر السيارة التي انطلقت بهما بسرعة البرق… بعد أن رش أحدههم عليهما مخدرا أفقدهما الوعي..

****

– أين نحن ؟ .. سألت ليلى بعد أن عادت الى الوعي لتجد نفسها وسامر بمكان غريب لم تألفه من قبل..

– وبماذا سيفيدك معرفة ذلك ؟ المهم أنكم بقبضتي…الآن فقط أصبحت الورقة الرابحة بيدي..

– وعدتني أن لا تؤذي الطفل…ولن تؤذيني..أليس كذلك؟

– ألا تتعبين من تكرار نفس الجملة ؟…. ثم من قال لك أن تصدقي وعدي ؟ ألا تعلمين أن الوعود وجدت لتنكث ؟.. وأطلق ضحكة طويلة ثم خرج تاركاً إياها مفجوعة مما سمعت تراقب سامر الذي ظل مكانه صامتاً يراقب بجزع ما يحدث…

– في المساء عاد أحمد إلى الغرفة مع حراسه الذين أحضروا لهما الطعام والماء…
نظرت اليه ليلى بشرز قائلةً : الطفل يريد دخول الحمام..

أشار الى أحد الحراس الذي أخذه الطفل خارج الغرفة..
– أمن أجل المال أم الثأر ؟ قالت ليلى
ضحك أحمد بأسلوبه المستفز وأجابها: لا هذا ولا ذاك..الأمور ليست كما تبدو عليه دائماً يا آنسة ، من يدري قد أتكرم عليك وأرضي فضولك قبل أن تلتحقي بـ…. وأشار بإبهامه إلى فوق…”الرّفيق الأعلى..”

وقبل أن يخرج من الغرفة قال: لكي تكسب شيئاً عليك أن تخسر أشياء كثيرة… ثم رمقها بنظرة جدّية لم ترها في عينيه منذ عرفته

****
مرّت أيام والوضع على حاله ، لم ترَ ليلى السيد أحمد من آخر مرة ، وبدأت الشكوك والهواجس تسيطر عليها ، ولكنها حاولت تمالك نفسها لأجل الطفل الذي كانت تبث الأمل داخله وتخبره أن والده آت لأجلهم عمّا قريب..

وذات ليلة دخل السيد أحمد الغرفة وبدأ يصرخ في وجه ليلى قائلا: أيتها اللعينة ستدفعين الثمن غالياً .. وأشهر مسدسه في وجهها وهمّ بإطلاق النار لولا أن وُضعت فوهة مسدس على رأسه…
-تراجع وإلا أطلقت النار عليك..أنا جادٌ في ذلك

ركض سامر الذي كان يجهش بالبكاء ناحية مصدر الصوت الذي لم يكن سوى والده السيّد كمال واحتضنه…..فيم تسمرت ليلى مكانها من الفزع فهي تعلم أنها إن لم تقتل على يد هذا فستقتل على يد ذاك…

بعد أن قيّد كمال أحمد إلى كرسي ، أمر رجاله بالانتشار حول المنزل الذي كانوا فيه والتحقق من الجوار ، ثم التفت إلى ليلى وابتسم ساخراً وقال: أرى أن ثقتي بك كانت بمحلها آنسة ليلى..

– لم يكن لدي خيار ، لقد رضخت لتهديداته…ثم إنه وعدني …….
قاطعها :الوعود وجدت لتنكث آنسة ليلى..ضحك ثم أضاف: أتعلمين أنك من ساعدني لأصل إلى هنا…؟
– كيف؟
-ببساطة يا آنسة أنت كنت طعماً لي لأصل لأحمد وليس العكس.. أتذكرين ظرف المال الذي أرسلته ؟ لو فتحته ودققت داخل حزمة الأوراق لوجدت جهازي تتبع وتنصت ، فهذا المتعجرف المغرور كان يعلم بكل خطواتك… ابتسم وأشار لنفسه..
ثم أردف :
كنت على علم أنه سيستغلك للوصول لي… وصدقت توقعاتي ، وها نحن ذا… ستتساءلين قائلة ماذا لو فتحت حزمة النقود ؟ سأجيبك.. لم يكن لديكِ الوقت الكافي ، كما أنك كنت تملكين من المال ما يغنيك عنه مؤقتاً….وأنا راهنت على الوقت… هل تعلمين أنني لم أخسر رهاناً قط؟ ثم أشار لأحمد قائلاً : و يبدو أن هذا الغبي اكتشف أمر الأجهزة ولكن بعد فوات الأوان ..

– أيها المغرور….صرخت ليلى بقوة

كنت قادراً على أن تجنبنا كل هذا العذاب من البداية ، هل تخاطر بابنك من أجل مصالحك الشخصية ؟ يا لك من أناني….

– تقصدين أخاطر بابنه وليس ابني… ثم التفت إلى السيد أحمد وقال : أليس كذلك يا……….”أخي الكبير”…

– وهنا انفجر أحمد قائلاً : قلت لك ألف مرة لست بأخيك…أنا الإبن الشرعي لوالدي فيم لم تكن سوى ابن عشيقته….ثم من أين أتيت بمزحة أن هذا الطفل ابني ؟

– وهنا رفع كمال يده وصفع أحمد بقوة والغضب يسيطر عليه وقال: ابن العشيقة التي قتلتماها أنت ووالدتك أمام عيني ولدها الذي رميتماه بدار أيتام.. وكل ذلك من أجل ماذا؟المال؟…..

لم يكن المال الدافع الأول .. ردّ أحمد والدم يتقاطر من فمه … بل السّمعة ، تخيّل لو وصل الخبر إلى الصحافة كانت ستتشوه سمعتنا ونخسر كل معارفنا ونفوذنا وأعمالنا وتدمر العائلة بأكملها من أجل خطأ ارتكبه والدي ، ثم إن والدتك رفضت أن تأخذ مالاً وتختفي.. أرادت أن يتم تسجيلك على اسم والدي وإلا ستفضح الأمر ، كان لابدّ من التخلص منها،،،، والتخلص منك أيضاً لكن والدتي منعت ذلك…

– أمضيت سنوات عمري وأنا أقسم أن أنتقم شر انتقام ، تعبت وكافحت وحفرت بالصخر كي أجمع ثروة أستطيع مواجهتك بها ، حاربتك بأعمالك ، كنت الشوكة في حلقك.. وكنت أتحين اللّحظة المناسبة للانتقام منك…وجاءت اللحظة عند عتبة بابي… واسمها”لمياء”…هل تذكرها ؟

– من لمياء ؟ قال أحمد…
– بالطبع لن تتذكرها فعدد عشيقاتك يتخطى شعر رأسك الأبيض.. منذ 9 سنوات كانت تعمل سكرتيرة لديك…أغويتها ووعدتها بالزواج ، وعندما علمت بحملها منك خافت على حياتها فأتت إليّ تطلب المساعدة….

– أتقصد أنّك تزوجتها لتحتفظ بالطفل ؟..

– أجل.. ومن حسن حظي أن الموت أخذها ليبقى سره فقط معي.. كنت ستقتل ابنك يا أخي وليس ابني ، كنت سأستغله لتشويه سمعتك ولكني عدلت عن رأيي… وأطلق ضحكة شريرة

ثم التفت إلى ليلى وعيناه تقدحان شراراً وقال  : هل عرفت سرّ اللّون الأحمر ؟ إنه لون الدم الذي سيسيل أنهاراً من عائلة أحمد الأمين.. البداية بهما والبقية في الطريق

ضمت ليلى المصدومة الطفل إلى صدرها وقالت: وما ذنب هذا الطفل..إنه بريء دعه وشأنه.. ولا تنسى أنك أحد أفراد هذه العائلة…

– صرخ بها: كلا لست منهم …وأنت أيضاً ستلقين حتفك.. ستموتين معهم شرّ ميتة…

ثم نادى رجاله وأمرهم أن يزرعوا متفجرات حول المنزل ….

– أراكم في الجحيم قريباً …قالها كمال وخرج من الغرفة يضحك مهستراً بعد أن أغلقها بإحكام

****

– جلست تحت الشجرة تتأمل الأفق البعيد عندما وضع يده وربت على كتفها.. فانتفضت ودب الرعب في قلبها.. ولكنها هدأت فور أن رأته وقالت :

– آه ….سالم …أهلاً عزيزي هل عاد سامر من المدرسة ؟

-نعم..إنه في البيت الآن ..هل هناك ما يدعو للقلق ؟

– لا أبداً ، سأذهب لتجهيز طعام الغداء الآن.. لا تتأخر… ننتظرك.. وابتسمت له وقفلت راجعة للمنزل

****

قبل أشهر..

– بسرعة… أزيلي اللوحة عن الجدار… قال أحمد أمين

ليلى: لماذا؟
– لا وقت للشرح إذا كنت تريدين إنقاذ نفسك وإنقاذ الطفل فأسرعي…

أسرعت ليلى وأزالت اللوحة وإذا بها ترى فتحة بجدار..
– أدخلي يدك واسحبي…

– أدخلت ليلى يدها في الفتحة وسحبت وإذا بباب من الخشب الرقيق يُسحب …أطلّت من وراءه فوجدته يطل على غابة كثيفة من الأشجار…

– كان باباً مخصصا للطوارئ و الآن خذي الطفل وارحلي.. صرخ أحمد بليلى

– وأنت ؟

– لا وقت لذلك ، أسرعي ..وألقى نظرة أخيرة على الولد وقال له دامعاً: سامح والدك العجوز..

وضعت يدها بيد سامر وانطلقت تركض وسط الغابة …وبعد مسافة ليست بالطويلة سمعت دوي انفجار هائل ، فأكملت طريقها دون أن تنظر خلفها .

★النهاية★

تاريخ النشر : 2018-01-31

وفاء

الجزائر
guest
76 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى