اكلي لحوم البشر

الرجال الفهود .. عشاق اللحم البشري

بقلم : اياد العطار

في مصر القديمة , كانت حيوان الفهد يبجل على اعتبار انه احد تجليات الاله “اوزيرس” قاضي الموتى , و ربما تحت تأثير هذه العقيدة القديمة , فأن الكثير من القبائل الافريقية اعتبرت الفهد حيوانا مقدسا يقود أرواح الموتى الى الراحة و السكينة في العالم الآخر , و في القرن التاسع عشر ظهرت طائفة سرية في بعض مناطق افريقيا يتقمص أفرادها شخصية الفهد فيجوبون الغابات بحثا عن طرائد بشرية ليقتلوها بأبشع صورة و يلتهمون لحومها في طقوس سحرية مرعبة , في هذا المقال عزيزي القارئ ستتعرف على هذه الطائفة الرهيبة التي أشاعت الخوف و الهلع في أجزاء شاسعة من القارة السوداء لعقود طويلة.

كانوا يعتقدون بأن اللحم البشري سيمنحم قوى سحرية خارقة

الرجال الفهود .. عشاق اللحم البشري
صورة مرسومة تصور مهاجمة الرجال الفهود لأحد ضحاياهم و في داخلها صورة صغيرة و قديمة جدا تصور جثة احد ضحايا الطائفة

المجتمع الأفريقي هو مجتمع قبلي تحتل فيه المعتقدات السحرية حيزا كبيرا من الأهمية , ففي اغلب القرى و البلدات الافريقية يلعب الساحر دورا رئيسيا في حياة هذه المجتمعات الصغيرة , فهو الطبيب الذي يطرد الأرواح الشريرة من أجساد المرضى و هو حامي القرية من المخلوقات الشريرة الكثيرة التي يزدحم بها رأس الإنسان الافريقي البسيط , و هو الشخص الذي بأمكانه ان يتحكم في مصير الآخرين فيصب اللعنات و الطلاسم القاتلة عليهم او يفكها عنهم ,  و في هكذا مجتمعات تؤمن بالخرافات و تعتبرها من البديهيات , فأن السحر و القوى الخارقة تعتبر امرا مسلما يسعى الجميع للحصول عليها , و إحدى أقدم الخرافات التي عرفتها بعض أصقاع كرتنا الأرضية هي تلك القائلة بأن لحم البشر له خواص سحرية خارقة و ان التهامه يعني الحصول على القوة والجاه و العمر المديد , و طائفة الرجال الفهود هي تجسيد لهذا المعتقد الخرافي الذي بدء ينتشر بقوة في أجزاء من افريقيا مثل سيراليون و نيجيريا و ليبيريا منذ القرن التاسع عشر , طبعا هذا لا يعني بأن أكل لحوم البشر لم يكن معروفا في افريقيا قبل هذا التاريخ , فمنذ الرحلات الاستكشافية الأولى لمجاهل افريقيا في القرن السادس عشر وردت إشارات في كتب الرحالة الأوربيين عن مناطق و قبائل معينة تمارس عادة اكل لحوم البشر , الا ان هذه الظاهرة لم تعرف انتشارا كثيفا و بشكل علني و منظم كذلك الذي تجسد في مجتمع الفهود البشرية او الرجال الفهود (Leopard men )  بين عامي 1900 – 1950 للميلاد , و الذي أشاع جوا من الرعب الهستيري في عدة دول افريقية لردح من الزمن و راح ضحيته المئات من الأبرياء , و فيما يرجع البعض ظهور هذه الطائفة الى المعتقدات السحرية و الخرافية الشائعة في المجتمع الافريقي فأن آخرين اعتقدوا بأن هذه الظاهرة هي رد فعل باطني على الاستعمار و سلطة الرجل الأبيض التي أثقلت كاهل الافارقة لقرون طويلة , منذ ظهور سفن العبيد التي كانت تجوب السواحل الافريقية لتخطف الرجال و النساء و الأطفال و تعبر بهم البحار لتبيعهم في أسواق النخاسة في أوربا و أمريكا , و هذا التاريخ من الخوف و عدم التكافؤ ولد شعورا لدى الإنسان الافريقي بالدونية امام الرجل الأبيض الذي كان يبدو خارقا في كل شيء , بأسلحته الفتاكة و سفنه العملاقة التي تقذف النار و اللهب فتحرق أكواخ القش الافريقية البسيطة و تحيلها ركاما , لذلك كانت الطقوس السحرية هي المتنفس الوحيد للرجل الافريقي الذي اعتقد بأنها ستمده بالقوة الخارقة و تجعله ندا مساويا للرجل الأبيض , و هذه الطقوس و العقائد كانت الدافع الرئيسي وراء سلوكيات مجتمع الرجال الفهود الباحثين عن القوى الخارقة , فالرجل الفهد لا يكتفي بأرتداء جلد الفهد و تقليد حركاته و لكنه يؤمن بأنه تقمص شخصية الفهد و انه أصبح مخلوقا خارقا لا تؤثر به الاسلحة و لا يخترق جسده الرصاص و كان هذا الاعتقاد سببا في خشية الناس منهم و ازدياد عدد الراغبين في الانضمام اليهم.

احد الباحثين الأوربيين الذين درس الظاهرة في عشرينيات القرن المنصرم , وصف مجتمع الرجال الفهود و طريقة مهاجمتهم لضحاياهم كالأتي :

“عند القيام بهجوم فأن رجال الطائفة يرتدون جلد الفهد … و في بعض الأحيان يحملون معهم شبكة لإلقائها على الضحية لتقييده … يتسلحون بسكاكين حديدية حادة يربطوها الى أيديهم على شكل مخالب الفهد , و يحمل بعضهم رماحا قصيرة … عادة ما يهاجمون ليلا و بشكل مفاجئ … بما انهم يتوزعون على مجموعات عند الهجوم لذلك فأن إفلات الضحية من أيديهم يكاد يكون امرا مستحيلا … سرعان ما يقومون بتقطيع جسم الضحية و نزع اللحم و جمعه لنقله الى بقية أعضاء الطائفة من الرجال و النساء “.

كانت المخالب الحديدية التي يرتديها الرجال الفهود تمزق جسد الضحية بصورة بشعة حتى ان من يراها يظن بأن المهاجم هو حيوان حقيقي , و بعد جمع اللحم و الدم كانوا ينسحبون بخفة و هدوء الى أوكار سرية في أعماق الغابة حيث يقومون بطقوسهم و شعائرهم السحرية و يتقاسمون تناول وجبتهم البشرية التي يرافقها شرب الدماء , و كان على الأعضاء الجدد الراغبين بالانضمام الى الطائفة شرب قنينة من الدم البشري الطازج أمام الآخرين ليثبتوا جدارتهم بأن يصبحوا من الرجال الفهود , و لأن العملية مرتبطة أساسا بالطقوس السحرية لذلك فأن كل شخص من أعضاء الطائفة كان يمتلك حقيبة جلدية تسمى بورفيما (Borfima ) تحتوي على أشياء مختلفة كانوا يعتقدون بأنها ذات خواص سحرية منها القليل من بياض البيض , دم و شحم بشري إضافة الى أجزاء من جسم الإنسان , دم ديك و بضعة حبات من الرز ,  كانوا يؤمنون بأن هذه الحقيبة تجلب لحاملها الثراء و القوة الجسدية الخارقة و العمر الطويل , كما تكسبه احتراما كبيرا لدى الآخرين و تساعده في القضايا التي يتعامل فيها مع مؤسسات الرجل الأبيض و محاكمه , و لكي لا تفقد الحقيبة خاصيتها السحرية كان لزاما على الرجل الفهد دهنها بالشحم البشري و تلطيخها بدم الإنسان من حين الى آخر.

اغلب الشهادات العينية و الصور الملتقطة لضحايا الطائفة أتت من أشخاص غريبين عاشوا ردحا من الزمن في أفريقيا الغربية , احد هؤلاء كان الألماني د. وارنر جيونك , الذي عمل كطبيب في المناطق النائية من ليبيريا خلال ثلاثينيات القرن المنصرم و ألف كتابا عن تجربته تلك , و قد شاهد بنفسه ست حالات قتل نفذها الرجال الفهود و قد كتب حول مشاهدته لجسد إحدى ضحايا الطائفة :

“هناك , على الحصيرة داخل المنزل , عثرت على جسد فتاة في الخامسة عشر من العمر , كان عنقها ممزقا بواسطة المخالب و الأسنان , الأمعاء كانت مقطعة و منطقة الحوض مشوهة , احد الافخاذ كان مفقودا و الفخذ الاخر لم يتبق منه سوى جزء صغير , و الى جانب جسد الضحية كانت هناك أجزاء من عظمة قصبة الساق , كانت الجثة تبدو كما لو انها تعرضت الى هجوم حيوان مفترس لكن الفحص الدقيق لم يكن يتوافق مع هذه النظرية , فقد لاحظت على سبيل المثال ان هناك جرح صغير في صدر الفتاة حدث بواسطة الة حديدية حادة , كما ان الرئة كانت قد قطعت و انتزعت من داخل الجسد بشكل نظيف يستحيل على أي حيوان القيام به”.

و مع ازدياد الجرائم التي نفذتها الطائفة و ازدياد جرأتها و استخفافها بالقانون و الذي وصل ذروته في أربعينات القرن المنصرم , فقد صممت الحكومات على القضاء عليها بشكل كامل لكنها أصدمت بعقبة كبيرة و هي خوف الناس الشديد من الرجال الفهود , حيث و رغم الإغراءات , لم يتقدم أي شخص ليشهد او يبلغ عن أعضاء الطائفة رغم انهم أصبحوا معروفين و أصبحوا يقومون بجرائمهم علانية في وضح النهار , لقد كان السكان يعتقدون بأن الرجال الفهود خارقين حقا و بأنهم سيعودون للانتقام منهم و من عوائلهم في حال تعاونوا مع الشرطة , و قد وقعت عدة حوادث عززت هذا الاعتقاد لدى الناس , ففي عام 1946 اكتشفت الشرطة بقايا ثلاثة عشر جثة بشرية قرب منزل احد رؤساء القرى فقاموا بالقبض عليه , و خوفا من ان يعترف على بقية أعضاء الطائفة , قام الرجال الفهود بمهاجمة منزله و التهام زوجته و ابنته و عندما علم الرئيس المسجون بذلك أصيب بحملة قلبية مات على أثرها.
الا ان التحول الكبير في سلوك السكان و انتفاضهم ضد الطائفة حدث عام 1947 , ففي إحدى الليالي تمكن احد ضباط الشرطة من قتل عضو من الطائفة بالرصاص أثناء مهاجمته لضحيته و حين رأى الناس جثة الرجل الفهد و هو بكامل زيه تيقنوا بأن أفراد الطائفة هم أناس عاديون و لا يملكون أي قوى خارقة لذلك سرعان ما بدء الشهود يتقاطرون على مراكز الشرطة و بدء أعضاء الطائفة يتساقطون واحدا بعد الآخر و مع حلول عام 1950 كان اسم الرجال الفهود قد تحول الى ذكرى لصفحة مرعبة من التاريخ , طويت الى  الأبد.

هذه القصة نشرت لأول مرة بالعربية في موقع مملكة الخوف بتاريخ 05 /06 /2009

guest
32 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى