أدب الرعب والعام

الساعة – الجزء 3

بقلم : البراء – مصر
للتواصل : [email protected]

الساعة - الجزء 3
هذه الساعة هي بطريقةٍ ما آلة زمن أتت من المستقبل

صب السيد ماريو لنفسه كأساً من النبيذ ثم أخذ ينظر للكأس ملياً قبل أن يحمله بيده ويتحرك نحو غرفته التي ورغم أنها في منزله إلا أنها كانت تشبه الغرفة المخصصة للعمل في متجره.. مليئة بالأدوات والمعدات اللازمة لتلصيح وتفكيك وفعل أي شيء له علاقة بالساعات، ربما الفرق الوحيد أن الغرفة في منزله كانت توجد بها أدوات أكثر من تلك في متجره..
كان يعتبر هذه الغرفة هي مقره للتخطيط وللتجارب، حيث يحتفظ هناك بمخططات عديدة لساعات أراد أن يصنعها بيده.. لكنه كان يعرف أنه لن يستطيع فعل هذا لأنه ليست لديه الموارد والإمكانيات اللازمة مثل مصانع الساعات، لكن هذا لم يمنعه أبداً من أن يحلم.. أو من أن يستمر بالحلم..

دخل السيد ماريو وجلس علی منضدة مخصصة للرسم وهو عازم علی البدء فيما كان يفكر فيه، السيد ماريو حسم قراره بالفعل.. الليلة سيصنع مخططاً جديداً لساعة.. مخطط يعرف أنه سيهتم به أكثر من غيره، هذا المخطط لم يكن سوی مخطط للساعة التي مع نيمو.. الساعة التي لم يعرف لها أجزاء..
أخرج السيد ماريو صورة فوتوغرافية من جيبه ثم وضعها أمامه على المنضدة وأخرج اللوحة الكبيرة ثم بدأ بمحاولة رسم الشكل الخارجي للساعة ، لكَم تمنی أن يرسم الساعة بينما هي أمامه.. لكنه لم يرد العودة إلی هذه المناظر التي كان يراها.. لذا طلب من نيمو قبل أن يأخذ الساعة أن يجعله يلتقط لها عدة صور..
وبالطبع حينما ينتهي من الشكل الخارجي سينتقل للشكل الداخلي ، كانت فكرة السيد ماريو ببساطة هي تجسيد هذه الساعة علی ورق، نقل كل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة علی ورق.. بعد الانتهاء بشكل قطعي سيكون لديه مخططين.. أحدهما للشكل الخارجي والآخر للشكل الداخلي.. وسيرفق معهما الصور التی التقطها للساعة حتی يكتمل الأمر..
كانت الأمور تمشي تماماً كما هو مقدّر لها.

***

تذكر يا إيرڤن، خرونوس khronos.. هو إله الزمن في الأساطير الإغريقية القديمة.. واحد من أوائل الآلهة.. الجيل القديم.. أو الأجداد كما يقولون.

***

في عام 2624.. وفي مكانٍ ما علی كوكب الأرض كانت توجد جثث هائلة الأعداد ملقاة علی الأرض.. وكان يوجد نيمو في جسد فتاة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقد كانت المرة الأولی التي يمنع الألم فيها نيمو من التفكير، جعله لا يهتم ولا يفكر في حقيقة أنه قد انتقل لأكثر من نصف قرن من الزمن.. ولا حقيقة أن القاعدة كانت دوماً العودة لكارثة في الماضي..
لم يهتم نيمو حتی بتلك الصرخات المفزعة التي يتردد صداها في الأرجاء كل فترة ، كل ما كان يعرفه نيمو أن هناك ألم شديد في بطنه، تحسست يد الفتاة بطنها فشعر نيمو بما شعرت به.. وما شعرت به هو فراغ، هناك ثقب كبير في بطنها.. وكأنها وُلدت به، كان يمكن أن يُصدق نيمو هذا.. عدا أن الدماء جعلت من هذا الأمر شيءٌ عسير ..

فجأة بدأ الألم يقل بشكل كبير.. وبدأ نيمو يحس أن الفتاة ستفقد وعيها، تفطَّن إلی أن هذه اللحظات ليست إلا تلك التي تسبق الموت النهائي..
وحينها بدأ يدرك الأشياء حوله، أول شيء أدركه نيمو كان السماء.. كون الفتاة كانت ملقاةً علی ظهرها جعل هذا أول شيء ينظر نحوه نيمو، السماء كانت ملبدة بغيوم سوداء إن صح قول هذا، ما جعل الأمور قابلة للرؤية حينها أن ضوء ساطع يأتي من خلف السحب ويحيل هذا السواد إلی لون رمادي..
لم يستطع نيمو أن يحلل الأمر أكثر لأنه سمع صوت شخص قادم.. خطواته ثقيلة للغاية مما يعني بأنه ضخم، وبالفعل حينما دخل هذا الشيء في مجال رؤية نيمو عرف أنه ضخم للغاية.. لكنه عرف أيضاً أن هذا الشكل وهذه الهيئة لا يمتان للبشر بصلة، مثلاً لا يمكن للبشر أن يحظوا بثلاثة أعين.. أو أن تكون أسنانهم حمراء اللون بهذه الكيفية..

كان الشيء العملاق ينظر للفتاة أو لنيمو.. تكلم بصوت غريب لم يظن نيمو أنه موجود من الأساس.. كان يبدو أنه يقول شيئاً ما لزملائه الذين يبدون و كأنهم منتشرون في المكان ولكن نيمو لا يلاحظهم ، كان هذا قبل أن يخرج ما يبدو وكأنه نوع من السكاكين ويغرسها بسرعة في عين الفتاة، ليستيقظ نيمو بعدها فزعاً وهو يقاوم لالتقاط أنفاسه بينما يتحسس عينه بيده..

بعد أن هدأ نيمو نظر حوله بحثاً عن الساعة.. وجدها بجانبه فأمسكها وفتح غطاءها باحثاً عن التواريخ.. التاريخ السابق الذي كان نيمو به هو بالفعل عام 2624.. أما التاريخ القادم فهو عام 2044..

وضع نيمو الساعة جانباً ووضع كلتا يديه علی وجهه متنهداً، كان نيمو يتساءل، لماذا الآن كارثة في المستقبل؟!
وهل هذا ممكن من الأساس ؟!
ثم بدأ يشعر بأن هناك بضعة أشياء لم يدركها وسط كل هذا، مثلاً إذا كان جده قد قرأ مذكرات إيرڤن فعلی الأرجح هو يعرف بأن الساعة كانت يمكن أن تسيطر علی نيمو أو تختاره إذا أراه إياها وهو ما حدث بالفعل.. والسؤال هنا لماذا أراه إياها إذا كان يعرف أنها بهذه الخطورة ؟!
الجد يقول أيضا أن إيرڤن اختفی وترك مذكراته.. ولم يذكر أي شيء حول الساعة.. إذن من أين أتت الساعة للجد مرة أخری ؟!

لم يدرك نيمو وسط تساؤلاته هذه أن هناك شخص جالس معه في الغرفة بالفعل منذ أن استيقظ.. لم يعرف بأن هذا الشخص وراءه ينتظره منذ فترة.. ولم يحس نيمو بوجوده إلا حينما تكلم هذا الشخص.. لينظر نيمو خلفه بسرعة ويقابل هذا الوجه الذي لن يتذكره بقية حياته.. وهذا إن بقي له حياة ليعيشها.

***

وضع السيد ماريو الصور الفوتوغرافية جانباً ثم أمسك بالمخطط الأول الذي رسمه وهو يشعر بالفخر.. إن تمكنت من توزيع التفاصيل بهذه الدقة علی ورق فيجب أن تشعر بالفخر حقاً..
كان السيد ماريو يمتلك موهبة فذة في استخلاص مثل هذه الأشياء ورسمها علی ورق.. وربما هو يتقدم بخطوة عن مصممي الساعات التقليديين.. الأمر الذي جعله يفعل هذا كله في المقام الأول، حبه للساعات وكل ما يتعلق بها.

علی السيد ماريو الآن أن يقوم برسم مكونات الساعة الداخلية فقط من الصور.. وهو أمر عسير للغاية خصوصاً إن كان هو نفسه لا يعرف ماهية تلك المكونات إلا شكلاً فقط ، لكن العمل يجب أن يتم بالطبع ولهذا لم يتوقف السيد ماريو عن إكمال ما بدأه .

بدأ يرسم القطع التي يراها كما هي موضوعة في الساعة بدقة شديدة.. وضع كل مجهوده في الأمر لدرجة أنه حينما انتهى من الرسم لم يعرف قط كيف تمكن من فعل هذا، الحقيقة أن لا أحد سيعرف كيف تمكن السيد ماريو من رسم الساعة بهذه الدقة .

في هذه اللحظة كان السيد ماريو لا يدرك عواقب ما يفعله.. لم يعرف أحد عواقب ما يفعله السيد ماريو آنذاك .

***

– “يافتی أُراهن أنك تبحث عن بعض الأجوبة”
قال نيمو وهو يعقد حاجبيه :
– “حسناً.. لنبدأ بمن أنت وكيف دخلت إلی هنا”
رد الرجل الغريب متعجباً:
– “ماذا ؟! ظننتك ستسأل أسئلة أهم من هذا.. مثلا من أين أتت الساعة ؟ أو لماذا يحدث كل هذا؟”
– “تملك الأجوبة ؟!”
– “أملك بعضها.. البعض الآخر يمكنك استنتاجه”
– “هل تعرف أصل الساعة ؟ من صنعها ؟”
– “نعم ولكن لكي أجيبك علی هذا يجب أن تعرف لماذا صنعنا الساعة”

قالها الرجل الغريب ثم ثبت نظره علی نيمو وأردف:
– “لماذا صنعنا الساعة في رأيك؟”
– ” من أنتم ؟!.. وهل حينما صنعتموها كنتم تعرفون أنها تودي بمن يملكها إلی أماكن لا يود أن يكون بها؟!”
– “بالطبع نعم.. كنا نعرف ما تفعله ولكن لم يكن هذا هو هدفنا منذ البداية ، في المستقبل البعيد يا سيد نيمو سنتمكن نحن البشر من إيجاد الحلول لكل شيء .. وحينما أقول كل شيء فأنا أعني هذا حرفياً، جميع أنواع الأمراض تمكنّا من علاجها ومعرفة أسرارها”

قاطعه نيمو متسائلاً:
– “أنت من المستقبل؟”
– “نظرياً نعم.. فعلياً لا.. لكن الآن يمكنك اعتباري من المستقبل حتی تفهم الأمر “
– “هل تتوقع مني أن أصدق هذا؟!”
أشاح الرجل الغريب بنظره وقال:
– “كما كنت أقول كنا وصلنا لدرجة مخيفة من التقدم والتكنولوچيا جعلتنا قادرين علی مجابهة أي شيء لا يعجبنا مهما كان.. عرفنا جميع الإجابات الممكنة علی كل الأشياء واستفدنا من كل شيء .. زرعنا أعماق المحيطات التي جفت.. عرفنا سر المادة المظلمة وبنينا مستوطنات علی كواكب بعيدة.. فعلنا كل شيء يمكنك أن تتخيله.. وكل شيء لا يمكنك أن تتخيله.. أشياء جعلت بعضنا يعتقد أننا آلهة، لكن كان هناك شيئين لم نتمكن من الوصول لهما قط آنذاك، أحدهما كان سر الخلود.. لم نعرف بالضبط كيف يمكننا أن نعيش لمدة طويلة بدون أن نموت”

وقف الرجل الغريب وأخذ يتأمل المكان مردفاً:
– “أعتقد أن هذه كانت مشكلة كبرياء أكثر من كونها مجرد شيء نريد أن نصل له ونستفيد منه.. فكرة أن هناك شيء وقف بطريقنا وقتها كانت مؤذية للغاية بالنسبة للعلماء.. أو للبشر عموماً، لم يصلوا لشيء فعلي في النهاية.. أعني نحن هكذا كنا نتحدی قوانين الحياة.. نتجاهل الزمن وما يفعله، حاولنا أخذ الأمر لبعد آخر.. وحينها فكرنا.. إذا كان لا يمكننا التلاعب بما يفعله الزمن فلنتلاعب بالزمن نفسه، نعم كانت طريقة ملتفة للغاية للحصول علی ما نريده ولكن إذا كانت ستؤدي الغرض فلا بأس، ولكن تجارب السفر عبر الزمن تقول بشكل قاطع أن الإنسان لن يستطيع السفر عبر الزمن بجسده المجرد.. في حقيقة الأمر إن جسده أضعف بكثير من أن يتحمل الأمر.. إذن الحل؟.. نسافر بالوعي”

أنهى الرجل الغريب آخر جملة ثم جذب كرسياً من مكانٍ ما ووضعه قبالة نيمو الجالس علی السرير.. جلس ثم أكمل :
– “ثم اكتشفنا أن أحدهم قد فكر بالأمر مسبقاً.. بل أنه قد وضع بعض الخطط الغريبة لفعل هذا، لم يكن هذا بالكثير بالنسبة لتقدمنا وقتها ولكننا احترمنا فكرة الرجل وقررنا البدء من حيث انتهی هو، وحسناً استغرق منا الأمر قرناً كاملاً لكننا فعلناها.. اخترعنا الساعة التي في يدك الآن، إذن نعم.. الجواب الذي تبحث عنه هو.. هذه الساعة هي بطريقةٍ ما آلة زمن أتت من المستقبل، مدهش أليس كذلك؟!”

كان عقل نيمو مايزال في طور الاندهاش.. وجد نفسه يقول:
– “لا أفهم.. لا أفهم حقاً”
– “دعني أسألك سؤالاً يا سيد نيمو.. إذا ما خُيّرت بين أن تعيش للأبد في حياة ليست هي حياتك أو أن تموت في حياتك الحقيقية.. ما الذي ستختاره؟”
– “أعيش للأبد في حياة ليست حياتي بالطبع”
– “مثلك بالضبط ياسيد نيمو معظم الناس اختاروا هذه الإجابة ولهم تم توجيه هذا الاختراع، الآن فكرة هذه الساعة بسيطة.. أنت تختار منطقة زمنية معينة.. ومكان معين ثم تضغط زر الساعة.. حينها سينتقل وعيك عشوائياً إلی شخص ما ممن يتواجدون في تلك المنطقة.. أنت قد جربت الأمر أعتقد.. ستشعر وتحس مثل الشخص الذي أنت به تماماً لكنك لن تستطيع التحكم بجسده وما يفعله”
– “مازال كل شىء لم يتضح بعد”
قال الغريب وهو يحك رأسه بيده :
– “الفكرة كانت أن من معه الساعة سيتمكن من عيش حيوات غير محدودة.. يمكنه أن يعيش خمسين عاماً مع شخص معين لكن في الواقع لم يمر سوی ثانيتين من عمره الحقيقي.. ستعيش مائة حياة بينما لم يمر أكثر من ساعة من عمرك الحقيقي ، صحيح أنك لن تتحكم بالجسد كاملاً لكنك ستشعر وتحس مثل صاحب الجسد تماماً.. ستعيش معه مثل قرينه أو شيء كهذا.. وقد كان ذلك كافياً، هذا هو ما أسميناه الخلود وقتها واعتبره البعض شيئاً أفضل بكثير من الخلود نفسه، وهكذا يا سيد نيمو صنعنا عدة ساعات وبعناها للأثرياء.. كل ساعة كانت تكلف ثروة بحد ذاتها.. وحينما أقول ثروة فأنا أعني شيئاً أكبر بكثير من مجرد ثروة، الساعة لم تكن موجهة للعامة ولهذا لم يقتنيها سوی الرجال في المناصب المهمة للغاية.. بالإضافة لأغنی الأغنياء، للأسف توقف الرقم حتی ألف ساعة تقريباً.. لم نصنع المزيد منها أبداً، إذا فعلنا ذلك ستقوم حروب بسبب هذه الساعة.. سيود الجميع الحصول عليها”

– “ألم تقل أن جسد الإنسان من المستحيل عليه أن يسافر عبر الزمن؟! لماذا أنت هنا الآن إذا كنت قد جئت من المستقبل؟!”
– “نعم مستحيل علمياً أن يحدث.. لكن يا سيد نيمو نحن طورنا الساعة بطريقة تجعل الشخص الذي يحمل الساعة أو الشخص المسافر يسيطر بوعيه الخاص علي الشخص صاحب الجسد الأصلي.. نوعاً من التلبس، وها أنا ذا أتحكم بصاحب الجسد الأصلي بوعيي الخاص وبتفكيري المنفرد، لكن اسمع نحن لم نكن حمقی.. شيء كهذا لم نطلقه قط للآخرين.. أتعرف ماذا سيحدث إن جعلنا الأشخاص المسافرين يتحكمون في أجساد البشر الذين هم بهم؟! هل سمعت من قبل بتأثير الفراشة ؟! رفرفة جناحي فراشة في المكان الذين تسمونه الصين الآن يمكن أن يؤدي إلی أعاصير في امبراطورية أمريكا.. أو ما تسمونه الولايات المتحدة الآن، أعني سيتصرفون علی سجيتهم الحقيقية وبأفعالهم الجديدة سيغيرون التاريخ كما نعرفه، القاعدة كانت دوماً الأفعال الصغيرة في البداية ينتج عنها أحداث كبيرة للغاية في النهاية.. فما بالك بالأفعال الكبيرة “

– “هذا يعني أن هذا ليس جسدك.. ولكنك تسيطر عليه”
– “لقد بدأت تفهمني”
– “ولكن إذا كان الأمر هكذا لماذا أنت هنا.. ألست خائفاً من تأثير الفراشة.. ألست خائفاً من أن تغير المستقبل”
– “لنقل أننا نحتاج تأثير الفراشة هذا في المستقبل”
– “مازلت لا أفهم”
– “سأخبرك بكل شيء في وقته حتی لا يختلط عليك الأمر.. أما الآن فعلي أن أخبرك لماذا كنتم دوما تسافرون لأماكن كوارث فقط”
– “نعم هذا سؤال من وسط ألف”

– “حسناً الأمر كما تری يا سيد نيمو أنه في المستقبل المكان الذي أتيتُ منه.. الساعة كان يمكن لأي أحد يفهم طريقة عملها أن يستخدمها.. لذا إذا تمت سرقتها من أحد الأثرياء أو الذين يستحوذون عليها فسوف تكون مشكلة، وضعنا جهاز تعقب علی كل ساعة بحيث نتمكن من الوصول إلی كل ساعة مهما كان بعدها.. ولكن حينئذ فكرنا.. بمرور الوقت الذي سنستغرقه في الوصول إلی السارق فسوف يتمكن السارق من عيش حيوات عديدة قبل أن نقبض عليه ونسترجع الساعة، وهنا وضعنا النظام الأمني للساعة.. الفكرة ببساطة هي أن الساعة تعرف صاحبها جيداً لذا لن تتفاعل إلا معه.. ولكن ماذا سيحدث إن حاول أحدٌ آخر استخدامها..

سيسافر إلی الأماكن التي رأيتموها أنتم، كما قلت لك حامل الساعة يحدد المكان والوقت الذي يريد الانتقال إليه.. ثم يضغط الزر وينتقل، الآن نحن فعلنا مثله تماماً.. حددنا أماكن معينة في تواريخ معينة لجعل السارق ينتقل إليها عنوة.. هذه الأماكن والتواريخ لم تكن إلا أحداث كوارث ليس إلا.. بالتالي السارق سيموت في كل مرة يحاول فيها أن يستخدم الساعة.. سيموت فور أن يصل إلی مكان الكارثة ولن يعرف كيف يوقفها عن العمل.. الخدعة الحقيقية هنا هي أنه حتی ولو لم يستخدم الساعة فإن الساعة ستنقله تلقائياً إلی مكان كارثة بعد مرور فترة معينة من الوقت إلی أن يوقفها أحد العالمين بهذه الأمور”

رد نيمو مستنكراً:
– “إذن ذهابي إلي كل تلك الأماكن.. ومعاناتي كل هذه المعاناة.. لم تكن سوی إجراء أمني؟! حتی يتسنی لكم منع اللصوص من استخدام الساعة كما يريدون؟!”
– “ليس الأمر وكأننا قصدناك أنت بهذا.. أنت فقط جزء مما أريد.. خطتي أعتقد”
– “خطتك؟!”
– “نعم لا تظن للحظة أن كل هذا يحدث عبثاً.. هناك مسببات”
– “إذن ما مسببات سفري لكارثة في المستقبل بعد أن كنت دوماً أسافر لكارثة في الماضي”
– “تقنياً لقد سافرت للماضي.. لأن تاريخ صنع الساعة يتخطی التاريخ الذي وصلت له في المستقبل مما يعني أن الساعة سافرت بك للماضي… “
قاطعه نيمو قائلاً:
“صنعتم الساعة بعد القرن السابع والعشرون؟!”
– “أوه نعم.. يا فتی كما تظننا عشنا ؟! لقد صنعنا الساعة في عام 3478”
قال نيمو مندهشاً مرة أخری:
“عاش البشر لكل هذه الفترة ؟!”
– “حسناً كانت هناك بعض الكوارث التي محت أرقاماً هائلة منا ولكن نعم تمكنَّا من الصمود دوماً”
– “واجهتم كوارث في ذلك الوقت أيضاً؟!”
– “نعم بالطبع.. أعتقد أنك رأيت إحداها بما أنك قد انتقلت للمستقبل كما تزعم”

قالها الغريب ثم مد يده لنيمو في إشارة واضحة فأعطاه نيمو الساعة، فتح الغريب غطاءها ونظر لها ثم قال متهكماً:
– “عام 2624.. ماذا كنت تتوقع؟! لقد عبثت بها أنت والسيد ماريو.. كدتما تحطماها”
– “أنا والسيد ماريو قد سببنا هذا؟!”
أومأ الغريب برأسه إيجاباً وقد بدا أنه يحاول أن يتذكر شيئاً ما بعد أن اضيقت عيناه قليلاً، قال بعد هنيهة:
– “نعم لابد من أن هذا هو العام.. في عام 2624 واجهنا غزواً من قبل كائنات أخری، ماذا رأيت هناك ؟! مخلوقات ضخمة بأسنان حمراء وما شابه”
قال نيمو بصوت خافت:
– “نعم تقريباً ذلك هو ما رأيته”

صمت نيمو لوهلة ثم أردف:
– “ولكن مهلا أقلت غزواً ؟! “
– “لم يكن غزواً أو احتلالاً بالمعنی الحرفي.. كان رداً عما فعلناه بهم آنذاك ، كما تعرف الموارد علی كوكب الأرض لم تكفِنا ووجدنا ذلك الكوكب الضخم الذي يحتوي علی العديد من الموارد الهائلة ، كان صالحاً للعيش وسهل هذا علينا مهمة استخراج الموارد منه.. لكن المشكلة أنه كان مأهولاً بالسكان مثلنا، لذا تقريباً نحن من غزوناهم كي نحصل علی مواردهم، أظن أننا كنا الجانب الشرير ، لكن هذا لا يهم علی كل حال.. لقد تسلل جيشهم من إحدي بوابات النقل الفوري الذي صنعناها لنقل الموارد وقتلوا منّا الكثير ، ولكننا ردعناهم في النهاية و…. حسناً هذه ليست قصتنا الآن.. بيت القصيد هو أنه كانت توجد كوارث بالفعل وقد كانت هذه إحداها آنذاك، ولهذا انتقلت أنت إلی هناك وقتها”

صمت نيمو مرة أخرى وهو يحاول تخيل الوضع، أردف بعد بضع ثوانٍ :
– “ولكن ماذا لو كنتُ محظوظاً ؟! ماذا لو لم أمت وقتها؟! أعني وقت حدوث الكارثة”
– “حينها ستقضی فترة حياة الرجل الطبيعية معه وحينما تعود لن يتكرر حظك، عموماً نسبة حدوث هذا ضئيلة للغاية.. لقد حسبناها جيداً في المقر.. لن يحدث هذا سوی لكل شخص من وسط مليون.. وهي نسبة صغيرة للغاية كما تعلم.. حتی بالنظر إلی عدد الساعات التي صنعناها”

صمت نيمو قليلاً يفكر.. قبل أن يقول فجأة:
– “ماذا عن وعي الشخص الآخر؟! .. صاحب الجسد الحقيقي”
– “كما قلت لك هو نوعٌ من التلبس.. أنا أتحكم به بينما هو يشاهدني فقط.. سيكون في موقف عكسي.. تماماً كما كنتَ أنت حينما انتقلت بالساعة ، أتذكر؟!”
– “نعم ، ولكن هذا غريب.. أعني كيف يمكن لوعيين أن يتواجدا في جسد واحد بدون أن يتواصلا علی الإطلاق؟! أو بدون أن يعرف أحدهما بوجود الآخر؟!”

– “فكر بالأمر علی أنها صحراء واسعة للغاية.. أنت تقف في أولها ويقف صاحب الجسد في منتصفها.. لن تستطيعا التواصل بالكلام العادي و لا حتی بالصراخ.. لن تستشعرا وجود أحدكما الآخر من الأساس، وهذا لأنكما لستما من نفس الزمن.. عقليكما ليسا علی نفس التردد، أنت موجود معه في نفس المكان لكنه لا يعرف أبداً أنك معه، وهكذا كلما تقل الفترة الزمنية بينكما كلما اقتربتما أكثر.. وكلما تمكنتما من التواصل بطريقة أسهل، ولهذا وضعنا قانوناً لاستخدام الساعة.. الفجوة الزمنية يجب أن تكون عشرة سنوات أو أكثر ، لا يجب علی أحد أن يتواصل مع صاحب الجسد الأصلي قط، كنا نحاول أن نغطي علی عيوب الساعة حتی نصنع شيئاً متكاملاً.. بالرغم من هذا ظهرت لنا بعض المشاكل.. مثلاً أن الساعة لا تعمل مع جميع الأشخاص كما كنا نعتقد.. اكتشفنا فيما بعد أن هذا يعود إلی قابلية عقولهم علی التكيف مع الساعة.. بعض العقول لا تتوافق مع الساعة وبالتالي لا يسافر أصحاب هذه العقول، تماماً مثل عمليات زراعة الأعضاء حالياً.. علی الجسد أن يتقبل العضو الجديد قبل أن يبدأ بالعمل”

صمت نيمو وهو يحاول أن يستوعب الأمر.. قال إيرڤن أن الساعة تختار الأشخاص.. إن كان الغريب محقاً فهذا يعني أن إيرڤن كان مخطئاً وأن الأمر فقط يتعلق بكونهم لم يتكيفوا جيداً مع الساعة.. قال الرجل الغريب حينما لاحظ صمت نيمو وشروده:
– “أعرف أن الأمر قد يبدو معقداً لكننا لم نبدأ في الأكثر تعقيداً بعد.. وهو سبب وجودي هنا والآن ومحاولتي لتغيير المستقبل عن طريق التحكم في جسد هذا الرجل”
انعقد حاجبا نيمو وقال تلقائياً:
– “تغيير المستقبل؟!”
– “نعم.. محاولة صنع تأثير الفراشة كما قلت لك سابقاً، ما حدث باختصار هو أن تطويرنا لهذه الساعة بالشكل الذي تراه الآن استغرق منا قرناً كاملاً ، وبمرور الوقت الذي وصلنا فيه للنتائج أخيراً وبدأنا فيه ياستخدام الساعة فعلياً واجهنا شيئاً أكبر من إدراكنا آنذاك، أعني كان الأمر حقيقياً نحن سننقرض إن لم نفعل شيئاً.. يمكنك أن تعدها الكارثة الأخيرة في تاريخ البشرية”

– “ألم تقل أننا كنا قد وصلنا لذروة التقدم ولم تعد هناك أشياء تقف في طريقنا مهما كانت”

– “بالطبع لكن مهما تقدمنا هناك أشياء مسلّمة لا نستطيع المساس بها لأننا في نهاية المطاف لسنا آلهة ولا نستطيع أن نغير القواعد الثابتة في الفضاء والقواعد الأساسية في الفيزياء ، مثلاً لا نستطيع أن نوقف أنفسنا عن التنفس أو تناول الطعام.. لأننا نحتاج الأوكسجين كي نبقی أحياء ونحتاج الطعام لنحصل علی الطاقة التي تجعلنا نفكر ونتحرك”

– “ماذا حدث إذن؟!.. هل كان الأمر من تلك الثوابت التي تتحدث عنها؟”

– “سيد نيمو أنا لن أخبرك بتفاصيل ماحدث لأنك لن تفهم مهما حاولت و إن فهمت لن تصدق.. ستسأل الكثير من الأسئلة وسيستغرق الأمر مني يوماً كاملاً في محاولة شرحه، يكفي أن تعرف أنها كانت الكارثة الأخيرة… تلك التي ربما ستجعل البشرية تنقرض”
– “البشرية تنقرض؟! أي نوع من الأشياء قد يفعل هذا؟! “
نظر الرجل الغريب للأعلی ثم قال متنهداً:
– “لعمري هو شيءٌ أكبر منّا جميعاً.. أكبر من أن يتم تخيله”
ثم أنزل الغريب رأسه فجأة ونظر نحو نيمو قائلاً:
– “كما تری أظن أنه كان لدينا الإمكانيات لمنع حدوثه، الأمر فقط أننا لم نملك الوقت الكافي”

– “ماذا تعني؟!”

– “داهمتنا تلك الكارثة من اللامكان.. لم نتوقع هذا قط، المثير للغيظ أننا لم نتمكن من الوقوف في وجهها ببساطة لأننا لم نتوقعها ولأننا لم نملك الوقت الكافي للتصدي لها أو فهمها، وكي تعرف ما أتحدث عنه هنا.. بعد مرور أول خمس دقائق من البداية نصف من تواجدوا علی الكوكب لم يوجدوا قط.. بغمضة عين صرنا نختفي بمئات الملايين، بالطبع عمَّت الفوضی ولم يفهم أي أحد ما يحدث لنا، بهذه الوتيرة قدَّرنا أن لدينا نصف ساعة أخری كي ينتهي الأمر، وصارت مجرد مسألة دقائق قبل أن يموت جميع من هم علی كوكب الأرض، ولأن الأرض هي مركز كل شيء فلو مات من عليها سوف تصبح المسألة مجرد مسألة وقت قبل أن يموت الآخرون في المستعمرات الأخری.. و حينها سنكون قد….. انقرضنا”

قال نيمو بدهشة تملكته:
– “خمس دقائق فقط ؟! يبدو لي أنك تبالغ”

– “لمثل رد الفعل هذا لم أرد أن أخبرك بالتفاصيل.. لن تصدقني بأي حال، كما تری أملنا الوحيد كان إيجاد الحل في الماضي لأننا لم نتمكن من إيجاد حل في المستقبل.. أو لأكثر دقة لأننا لم نجد الوقت في المستقبل، المشكلة الحقيقية لم تكن في وقوع الكارثة نفسها.. المشكلة الحقيقية كانت أننا في تلك الفترة التي كنا نطور فيها الساعة حاولنا بكل قوانا واستهلكنا تفكيرنا كله في سبيل التجربة وسبيل الوصول إلی نتائج.. ولأن طاقم العلماء انشغل تماماً بالساعة فلم ينتبهوا لما حولنا أبداً، فكرتي أنه ربما لو كنا قد أولينا اهتماماً أقل بالساعة لما كنا قد اضطررنا أبداً لمواجهة كل ما حدث.. لربما كنا وقتها قد توقعنا الكارثة قبل حدوثها ولكنّا قد تمكنّا من إيقافها”

– “وما سبيلك لفعل هذا ؟ .. لجعلهم يولون اهتماماً أقل بالساعة”

قال الغريب مبتسماً:
– “سبيلي هو العودة لمنشأ الساعة”
رد نيمو وعلامات الاستغراب بادية علی وجهه:
– “مهلاً ألم تقل أنكم صنعتم الساعة في عام 3478 بالتاريخ الميلادي؟!”
– “نعم لكنني قلت أيضاً أننا وجدنا أحدهم قد سبقنا في وضع الفكرة.. لذا بدأنا من حيث انتهی هو، إن الشخص الذي بدأ كل شيء حول الساعة هو السيد ماريو نفسه ، هو مؤسس و مالك أكبر اسم في تاريخ الصناعة في العالم.. شركات ماريو، هم من صنعوا هذه الساعة.. وسموها بـ خرونوس.. ساعة الزمن”

ثم ابتسم الغريب ونظر نحو نيمو:
– “أيبدو الإسم مألوفاً؟!”

إلی هنا وكان عقل نيمو قد توقف عن العمل، كان تركيزه ينصب علی لحظة واحدة فقط.. إنها تلك اللحظة حينما طلب منه السيد ماريو تصوير الساعة لأنه يريد أن يصنع مخططات للساعة.. إنها تلك المخططات التي اعتمدوا عليها في صناعة الساعة، لم يعرف نيمو قط إن كانت الأمور تتعقد أم تنحل.. لكنه عرف شيئاً واحداً فقط آنذاك.. إن الأمر أكبر مما يتخيله.

***

ارتدی السيد ماريو قفازته المخصصة للعمل ثم بدأ بتفكيك ساعة تالفة مرمية أمامه بغير تركيز.. ظل يفعل هذا النوع من الأشياء بدون وعي لأنه قد تعود علی ذلك ، كان يفكر في الساعة إياها منذ أن تركه نيمو.. يحاول البحث عن منطق وأسباب تساعده في فهم ماهيتها ، هل هي مثلاً جزء من كيان شرير ؟! والسؤال الحقيقي هل توجد كيانات شريرة في عرف البشر من الأساس ؟!

قاطع شروده صوت جرس المنزل.. بدأ يزيل القفازات من يده وهو يفكر في الطارق.. لا يزوره أحد أبداً في ذلك المنزل.. لماذا الآن يأتي، لو لم يكن هذا الشخص هو نيمو فإن الصدف بدأت بالتكاثر بالفعل..

فتح السيد ماريو الباب ليجد أمامه شخص عجوز بعض الشيء يتكئ علی عصا عتيقة.. للحظة ظن السيد ماريو أن من يقف أمامه هو أحد جيرانه، نطق القادم بصوت متهدج:
– “سيد ماريو؟”
– “نعم.. هذا هو منزلي”
مد الرجل العجوز كفه ببطء نحو السيد ماريو قائلاً:
– “بحثت عنك لفترة.. كيف حالك؟”
مده السيد ماريو يده وصافح العجوز قائلاً :
– “أنا بخير.. هل تعرفني؟!”
– “بالطبع بالطبع يا سيد ماريو.. أنت من بدأت كل شيء .. أنت المؤسس”
– “مؤسس ماذا؟! هل أعرفك؟!”
– “لا أعتقد أنك تعرفني.. لكن دعني أعرفك بنفسي.. إسمي إيرڤن.. توني إيرڤن.. هل لنا أن نتحدث قليلاً ؟”

***

تنهد الجد ثم نظر لأعلی قائلاً:
– “إيرڤن يا صديقي.. أتمنی أن تكون سعيداً أينما كنت الآن”

***

– “علی أن أعترف.. في لحظة معينة كنت قد فقدت الأمل تماماً، أعني جميع من بقوا أحياء آنذاك ظنوا هذا أيضا، أعتقد أنه يفصلني عن الموت بجسدي الحقيقي بضعة ثوانٍ فقط لا غير.. أربعة أو خمسة، كنت محظوظاً ولا نقاش في هذا”
– “لايزال الأمر محيراً بالنسبة لي”
– “يمكنك أن تسأل”
تنهد نيمو ثم قال:
– “حسناً لنبدأ من جديد، السيد ماريو هو من وضع المخطط للساعة وأنتم صنعتموها بعد ذلك بأكثر من ألف عام”
أومأ الغريب برأسه موافقاً فأردف نيمو بعدها:
– “لكن علی حد علمي أنتم من جعلتموه يصنع الساعة لأنكم أريتموه الساعة أليس كذلك؟”
ضحك الغريب ضحكة قصيرة ثم قال بإبتسامة:
– “لا هذا ليس ماحدث.. هنا ياسيد نيمو هو الاختلاف الذي أحدثتُه، كي أوضح لك أكثر دعني أخبرك عن الخط الزمني الطبيعي لحياة السيد ماريو، السيد ماريو سيعيش علی متجره للساعات حتی سن الثلاثين.. بعد ذلك سيبيع متجره ومنزله ليفتتح مصنع صغير للغاية يصنع فيه ساعاته.. ويبدأ مع اثنين من أصدقاءه شركته الخاصة لتصنيع الساعات.. سماها شركة ماريو، في تلك النقطة شهرة ساعاته ستتعدی حدود التخيلات.. الساعات التي كانوا يصنعونها كانت شيء مميز حقاً.. قالوا أنها كانت تحتوي علی تكنولوچيا متقدمة بالنسبة لعصرهم”

قال نيمو متسائلاً بدهشة:
– “السيد ماريو سيفتتح شركة للساعات؟!”
– “لكي تتخيل الأمر سأخبرك أنه في غضون عشر سنوات فقط ستصبح شركات ماريو لتصنيع الساعات هي أكبر شركة لديها قيمة تسويقية في العالم كله، وبالطبع لم يعد الأمر يقتصر علی مجرد شركة تصنع الساعات فقط.. بدأت الشركة في الاستحواذ علی الشركات الأخری ودخول مجالات جديدة.. شتی المجالات، السيد ماريو كان حلمه هو أن تصبح لديه شركة لتصنيع الساعات حتی يتسنی له رؤية تصميماته تتحول لساعات حقيقية.. وهذا هو ماحدث بالفعل، لكن بالرغم من هذا لم يتوقف الرجل عن تصميم الساعات وتصنيعها في مصانعه”

نظر الرجل الغريب للساعة التي بين يده وأردف:
– “واحدة من بين الساعات التي صممها السيد ماريو هي ساعتنا التي نتحدث عنها الآن.. كانت فكرته في البداية هي تصميم ساعة تساعدك علی استرجاع ذكرياتك الجميلة.. حيث تدخل في ما يشبه الغيبوبة وتظل فيها تتذكر الأحداث التي تريد تذكرها… ولكن لأن الفكرة كانت خيالية بمعايير التكنولوچيا آنذاك فقد تخلی السيد ماريو عن هذا التصميم ووضعه في صندوق مخصص للتصميمات الغير ناجحة، يموت بعدها السيد ماريو مخلفاً وراءه أكبر شركة في تاريخ العالم فقط لكي تستمر هذه الشركة في النمو بشكل مخيف للغاية، سنة بعد سنة كانت الشركة تكبر وتدخل في مجال جديد تبدع فيه فتقرر الدخول في مجال آخر، حتی وصلنا للقرن الخامس والعشرون حيث حدثت الطفرة التي غيرت تاريخ العالم آنذاك”

ثم صمت الغريب لثانية قال بعدها بعد وهو يقلب الساعة في يده بملل:
– “استحوذت شركات ماريو علی آخر شركة كبيرة وُجدت في ذلك الزمن، وبهذا أصبحت مجموعة شركات ماريو هي الشركة الوحيدة لتصنيع أي شيء في العالم، بالطبع لم تختلف منتجات الشركات التي تم الاستحواذ عليها.. ما تغير هو أنها أصبحت بإسم ماريو.. لكن باختصار صارت الشركة تتحكم في عالم الصناعة بالكامل ومن جميع النواحي، بعدها بعدة عقود نسي الناس مفهوم كلمات مثل شركة ودعاية وأسهم، فقط أصبح هناك ماريو في مكان، بالطبع لن أشرح لك التأثيرات الأساسية التی أحدثها هذا الأمر علی العالم لأنها كثيرة للغاية ولا يمكن عدها، القصد أن العالم تغير كليا منذ حينها.. وبدأ عهد جديد آنذاك.. العهد الذي تمكننا فيه من ثني المادة و المكان للسفر في أرجاء الكون.. وحينها لم تعد مشكلة نفاد الموارد تقلقنا واستمرينا بتقدمنا، وبالطبع لأن شركات نيمو استحوذت علی كل شيء كانت هي من اخترعت الساعة بجميع تفاصيلها”

وضع نيمو يده علی فمه وهو يفكر في الأمر.. الأمور تتضح شيئاً فشيئاً، نظر نيمو للرجل الغريب ثم قال متسائلاً:
– “كيف تمكنت من جلب الساعة لهذا الزمن إذن.. ولماذا أعطيتها لجدي؟! ما دخلي ودخله بالموضوع؟!”
– “في الواقع قلت لك أن السفر عبر الزمن مستحيل بالنسبة لجسد الإنسان فقط.. لأنه مهما بلغ من قوة لن يتحمل هو أو قلبه وأعضاءه الداخلية أن يتحرك بسرعة الضوء، لكن بالطبع الجمادات لا ينطبق الأمر عليها، لذلك تمكنت من إرسال الساعة إلی جدك”
– “إذن من أوصل الساعة إليه.. إذا كان أنت فلماذا لست عجوزاً لقد مرت خمسين سنة علی رؤيته لذلك الشخص الذي أعطاه الساعة”
– “ليس شخصاً”
– “هاه؟! ماذا؟!”

– “إسمع يافتی في جسدي الحقيقي وزمني الحقيقي لم أملك سوی دقيقتين ليس غير لفعل أشياء كثيرة.. أفكاري وقتها كانت ارتجالية، فقط كنت أفكر بالعودة بالزمن ومعي الساعة إلی زمن السيد ماريو أولاً وحينها سأفكر فيما يمكنني فعله، ولكن لأن لوقت كان ضيقٌ للغاية لم أتمكن من إرسال الساعة للزمن الصحيح.. أرسلتها مع مساعدي الآلي إلی فترة بين عامنا هذا وبين الخمسينيات”

– “مساعدك الآلي؟! أتعني.. إنسان آلي وماشابه”

– “نعم بالطبع.. لماذا برأيك أعرف الكثير للغاية عن الساعة.. أنا واحد من الذين عملوا علی الساعة، كنت في المختبر حينما حدث الأمر وتمكنت من إرسال مساعدي الآلي مع الساعة الخاصة بصديقي.. لا أستطيع أن أرسل الساعة إلی مدينتكم هذه بدون حارس عليها.. فقط أخبرته أن يخفي نفسه في وضعية النوم العميق حتی يقابل أي شخص له علاقة بالسيد ماريو ويعطيه الساعة، وعلی مايبدو أنه استقر في البحيرة وظل هناك يجري بحثاً كل ساعة في المنطقة ليجد من يبحث عنه حتی وجد جدك هناك بعد أن مكث ست سنوات في قاع البحيرة”

– “إذا أعطی إنسانك الآلي الساعة لجدي فهذا يعني ان لجدي علاقة بالسيد ماريو.. السيد ماريو لم يكن قد وُلد حينها.. أتفهمني؟! أعني ما علاقة جدي بالسيد ماريو؟! ولماذا لم تجعل الآلي ينتظرك حتی تأتي بدلاً من أن يخاطر ويترك الساعة مع شخص غيرك بدلاً من هذا؟!”
– “كما قلتُ ياسيد نيمو الوقت كان ضيقاً ولم أضمن أنني سأتمكن من استخدام ساعتي للعودة إلى هنا في الوقت المناسب لذا قدرت أن هذا سيكون أفضل تدبير احترازي في حال لم أتمكن من استخدام الساعة، السيد ماريو محب للساعات ولن يفوت فرصة رسم ساعة مثل هذه.. كما أن الساعة ليست مفعّلة ولن يعرف أحد كيفية استخدامها.. في أسوأ الأحوال إذا لم يرَ السيد ماريو الساعة ولم يرسمها في تصاميمه ستبقی الساعة بدون أن يعرف أحد أهميتها الحقيقية”

تنهد الرجل الغريب ثم قال مردفاً:
– “أما عن علاقة جدك بالساعة فلست أريد إخبارك بهذا ولكن لابأس انت تستحق فهم القصة بالكامل حتی النهاية، في الواقع ياسيد نيمو انت واحد من الاثنينٌ الذين سيشتركان مع السيد ماريو في افتتاح شركة ماريو لتصنيع الساعات، وكما تری لك علاقة عتيدة بالسيد ماريو مما يعني أن جدك أيضاً له علاقة بالسيد ماريو، الشيء الوحيد الذي يقلقني الآن هو الشخص الثالث الذي سيشترك معه السيد ماريو.. كان غامضاً للغاية ولم يعرفوا له هوية”

علت ملامح الدهشة وجه نيمو قبل أن يكمل الغريب:
– “هدفي الأساسي من كل هذا هو جعل السيد ماريو يرسم تفاصيل الساعة جيداً في مخططاته… وحينما نری هذه المخططات في المستقبل سنوفر علی الأقل خمسين سنة من مجهودنا آنذاك لأنه علی الأقل شكلها سيكون واضحاً أمامنا.. وإذا وفرنا خمسين سنة كما قلتُ مسبقاً قد نتمكن من توقع حدوث الكارثة الأخيرة مما قد يجعلنا قادرين علی التصدي لها، هذا مايجب أن يحدث إذا جعلت السيد ماريو يری الساعة، بالطبع كنت أخطط لإخباره بنفسي عن الساعة وعن ماحدث.. بل و أجعله يجربها بنفسه حتی يصدقني ويساعدني لكن أتی ذلك الـ إيرڤن وأفسد كل شيء حينما ظل يعبث بالساعة وفعّْلها.. بالطبع حينما فعّْلها بحماقته تم تفعيل نظام الحماية وظل ينتقل لأماكن الكوارث بدون أن يعلم بكل هذا.. بدون أن يعلم أنه يعبث بساعة صديقي في المختبر”

قال نيمو وكأنما تذكر الأمر:
– “إيرڤن! أين هو؟ هل تعرفه؟”
– “أوه نعم.. إيرڤن، لقد ظن أن سيجلب كارثةٍ ما علی المكان الذي هو به لذا سافر بعيداً للغاية مع الساعة.. حتی لا يؤذي أصدقاءه، لكنه بعد ذلك فقد ذاكرته من هول الكوارث الكثيرة التي رآها، استعدت منه الساعة مستخدماً خادمي الآلي.. دلني علی طريقه من جهاز التعقب الموجود في الساعة، كان في حالة مزرية حينما وصلت له.. لقد عانی الكثير مع الأسف.. لم أدرك هذا سوی متأخرا لو كنت قد عرفت الأمر لجعلت مساعدي يوقف الساعة عن العمل، علی العموم حكيت له قصتي وبعد ذلك أخذتها منه وأعطيتها لجدك وأخبرته ألا يريها إياك إلا في سن معينة.. وهي سنك الأآ، وبالطبع ظللتُ مختبئاً طيلة هذه الفترة، وحينما أخذتَ الساعة من جدك تم تفعيلها مجدداً بطريقةٍ ما ولهذا ظللت تزور كل هذه الأماكن مجدداً مثل إيرڤن”

– “وهل أطاعك جدي بهذه السهولة؟!”
– “حسناً لا.. ولهذا نيمته مغناطيسياً باستخدام مساعدي.. كان هذا قبل عدة سنوات”
– “نيمت جدي مغناطيسياً؟!”
– “نعم.. في الواقع أنت أيضا مُنومٌ مغناطيسياً الآن.. لم تشعر بهذا لكنه حدث منذ فترة.. جدك أيضاً لم يشعر بهذا.. ولم يعرف أو يفكر من أين أتت الساعة”

كان نيمو علی وشك قول شيءٍ ما لكنه أحس بحركة خلفه لينظر بسرعة وبرد فعل تلقائي حيث سمع الصوت.. وجد شخصاً جامد الملامح يحدق في وجهه، انتفض نيمو ورجع مبتعداً عن ذلك الشخص، أكمل الرجل الغريب:
– “رحب بمساعدي.. كان هنا منذ فترة لكنك لم تنتبه له قط.. لقد ساعدني في تنويمك مغناطيسياً منذ قليل، قبل أن تسأل عن سبب فعلي هذا فدعني أخبرك لماذا، أولاً أنت عليك ألا تقول أي شيء لأي شخص.. فقط دع هذه المخططات هناك ولا تلمسها أبداً.. في الواقع عليك أن تحميها، أيضاً عليك أن تكمل المسار الطبيعي الذي أخبرتك به منذ قليل.. ستفتتح هذه الشركة مع السيد ماريو وستكمل وكأن شيئاً لم يكن، التغيير الوحيد سيكون في مخططات الساعة فقط، بعد ذلك سيحين دور السيد ماريو.. سأحرص علی أن أجعله ينسی كل شئ حول فكرة الساعة التي ستأتيه مستقبلاً.. وسيكون ذلك بالتنويم المغناطيسي أيضاً، وهكذا ستكون خطتي قد نجحت وسأتمكن من إنقاذ العالم مستقبلاً، ما رأيك ياسيد نيمو؟!”

***

قال نيمو و هو يقف:
– “إذا كنت أنا هنا من أجل ألبوم الصور.. إذن لماذا أريتني الساعة من الأساس”
وقف الجد لثانيتين أو ثلاث ينظر لنيمو في بلاهة و هو يفكر في إجابة السؤال قبل أن يقول:
– “لا أعرف”

***

– “علي أن أعترف.. فقدت ذاكرتي بسبب ذلك.. كان الأمر أكبر من أن أتحمله كشخص طبيعي علی الأقل.. لكن إيميلي كانت معي.. لقد هوَّنت عليّ الأمر كثيراً”

– “إذن ياسيد إيرڤن أنت تقول أنك هربت مع الساعة.. ثم فقدت ذاكرتك حينما رأيت كل تلك الكوارث”

– “نعم هذا ما حدث، هربتُ ظناً مني أن الساعة ستقتل من معي.. لكن إيميلي لم تتركني قط.. بحثت ورائي ووجدتني.. عشنا معاً في منطقة بعيدة عن التجمعات والمدن، حينها لم أكن قد فقدت ذاكرتي بعد.. لكن سرعان ما حدث ذلك بعدها بفترة، إيميلي لم تكترث لهذا وظلت بجانبي حتی النهاية، ومرت فترة طويلة بينما أنا فاقد للذاكرة والهوية أتی بعدها رجلين غريبين ليأخذا مني الساعة.. قالا أنهما سيعطلانها عن العمل، بالطبع لم أمانع”

صمت إيرڤن قليلاً ثم أردف:
– “قص عليّ أحدهما القصة العجيبة التي لتوي قصصتها عليك.. عن أصل الساعة ومنشأها.. بالطبع لو كنت لم أرَ الساعة وما تفعله لكنت لم أصدق ما يقوله الرجل، علی أي حال أخذا الساعة وذهبا لينفذا خطتهما”

– “إذن كيف استعدت ذاكرتك؟ ولماذا لم تعودا حينما أخذ ذلك الغريب الساعة منكما؟”

رد إيرڤن بصوتٍ هادئ:
– “لم نرد العودة.. كانت حياتنا مثالية هناك.. أحببناها كثيراً ولم نرد التخلي عنها، أما عودة ذاكرتي فلقد بدأت أرتاح نفسياً حينما ابتعدت عن الساعة ، ساعد هذا علی استعادتي لجزء من ذاكرتي.. وبعدها ماتت إيميلي.. شكل موتها صدمةٌ لي ساعدت بشكلٍ ما أيضاً علی استعادتي لذاكرتي”

– “كيف لي أن أصدقك؟! ربما تكون مجرد كاذب؟!”

– “تصدقني أو لا ياسيد ماريو إن ما نفعله لهو غلطة فادحة، لقد فكرت في الأمر كثيراً للغاية ودائماً ما كنت أصل لنفس النتيجة.. الساعة يجب ألا توجد، أعرف أنني متأخر للغاية وأعرف أن الأمر استغرقني أعواماً لكن صدقني لا يجب علينا أبداً أبداً العبث بالخط الزمني”

بدا السيد ماريو غير مقتنع بما يقوله إيرڤن العجوز فقال وهو يحك ذقنه:
– “إذن بدأ كل شيء بفكرة أتتني في المستقبل عن ساعة تساعدك علی حفظ ذكرياتك الجميلة، لا تبدو لي كفكرة قد تصدر مني”
– “لقد عشتُ سنيناً كثيرة وجربت هذه الساعة مراتٍ لا تُحصی، ما رأيك أن يكون أحدهم يعيش معك الآن.. فكر بالأمر، سيعيش معك في أسوأ وأفضل لحظات حياتك، لا أعتقد أنك تفهم الفكرة جيداً يا سيد ماريو.. نحن ليس من المقدَّر لنا أنا نعيش حياة غيرنا.. نحن خُلقنا لنعيش حياتنا وليس حياة غيرنا.. هل تفهمني؟”

قطب السيد ماريو حاجبيه وهو يفكر في الأمر.. أردف إيرڤن:
– “لقد جربتَ الأمر بنفسك.. أنت تعرف الشعور.. وتعرف أن هذا يمكن أن يحدث.. علينا أن نسأل أنفسنا لماذا سمحنا لهم بفعل هذا”
قال السيد ماريو وقد بدا عليه الاقتناع:
– “علی الغالب أنت محق في تلك النقطة”
ثم صمت قليلاً يفكر قبل أن يردف:
– “حسناً إذن يا سيد إيرڤن.. أنا لن أخسر شيئاً.. سأحرق المخططات التي رسمتها ولن أرسم غيرها.. لكن سأحتفظ بالصور لنفسي”
– “لا يهم لأنك ما أن تحرق المخططات لن تكون هناك ساعة لذا لن تكون هناك صورة”
أومأ السيد ماريو برأسه وتحرك نحو غرفته ليفعل ماهو مُقدّر له أن يُفعل.. حرق المخططات التي رسمها..
بعد دقيقتين كانت الأوراق تحترق أمام عيني السيد ماريو في فنائه.. قال وهو ينظر للنيران:
– “أتدري يا سيد إيرڤن أنا حزينٌ للغاية.. لقد استغرقني رسمها كثيراً من الوقت”
لم يأته الرد فنظر خلفه قائلاً:
– “سيد إيرڤن؟!”

ما وجده هو السيد إيرڤن يقف وبجانبه يوجد ثلاثة أشخاص آخرين.. نيمو أحدهم.. أما الآخرين لم يعرفهما السيد ماريو ولكن إيرڤن ونيمو عرفاهما.. إنه العالم الذي أتی من المستقبل ومعه مساعده الآلي، كان العالِم ينظر للمخططات وهي تحترق.. وعلی وجهه ارتسمت نظرة مَّن يفكر بجدية..
تفاجأ السيد ماريو وكاد أن يتكلم لولا أن أوقفه نيمو بإشارة من يده.. بعدها تقدم نيمو نحو رماد النيران وقال:
– “ألم تفهم بعد ؟!”

نظر له الرجل الغريب أو العالِم وقد انعقد حاجباه بشكل مخيف.. أردف نيمو وهو يشير للرجل الغريب وآليَّه:
– “حقيقة أنكما الاثنان مازلتما هنا تعني أن الخطة فشلت.. فشلت قبل أن تبدأ.. لو تغير الماضي لكنتما الآن تعيشان في آثاره.. لم تكونا لتتعبا أنفسكما وتأتيان لهنا “

قال الرجل الغريب بذهول:
– “هذا يعني أنه لا يمكننا تغيير الماضي لأننا لو كنا قد فعلنا لكنَّا نعيش فيه بالفعل”

قال نيمو وهو يومئ برأسه:
– “يعني أيضاً أن مصطلح تغيير الماضي لهو محض هراء، تأثير الفراشة الذي تخافون منه لا يجري علی الزمن أبداً”

بدأ الرجل الغريب يضحك بشدة.. قال من وسط ضحكاته:
– “والآن ما فائدتي هنا ؟!”

ركع نيمو علی ركبته وأخذ يعبث في رماد الأوراق المحترق ثم قال وهو يشير للسيد ماريو:
– “إكمال دورك ومساعدتي أنا وهذا الرجل، علی الأغلب أنت هو الشخص الثالث الغامض الذي لم يعرفوا تاريخه الحقيقي”

توقف الرجل الغريب عن الضحك وارتفع حاجباه ليرسما ملامح دهشة حقيقية علی وجهه.. أردف نيمو:
– “نعم أنت ستكون السبب في نهضة شركات ماريو علی مر السنين.. أنت مّن ستساعدنا علی تسلق القمة بما تعرفه من تكنولوچيا.. ستساعد علی ازدهار إسم ماريو في كل مكان حرفياً”

– “الآن بعد أن عرفت هذا هل تظن أنه يمكنني ألا أتعاون معكما كي أوقف الأمر”

– “إن الأمر محسوم سلفاً.. ستساعدنا لأنك ساعدتنا بالفعل”

– “أنا بإرادتي أليس كذلك.. لن أتحرك من مكاني.. سأقتل نفسي”

– “افعل ما شئت ولكن لا تنسَ أن هذا الحوار لن ينتهي بهذا.. هذا الحوار انتهى بأنك ستقرر مساعدتنا.. لا يهم متی لكنه سيحدث.. فقط انتهِ من صراعاتك الداخلية هذه”

قال الغريب بنظرة تحدي:
– “أنت محق علی الأرجح.. سأنهي زيارتي هنا والآن.. سأعود للمستقبل.. لمكاني الحقيقي.. لن أكون ثالثكما أبداً”

– “مهما فعلت لن تتمكن من كسر السلسلة أبداً”

ثم فجأة سقط الغريب أرضاً مغشياً عليه، تحرك نيمو ناحيته وأخذ يتفحصه قبل أن يقول:
– “هل رحل؟!”

تكلم الرجل الآلي ورَّد علی نيمو:
– “لقد رحل سيدي.. عاد لزمننا.. وعلی الأغلب هو ميتٌ الآن”

نظر له نيمو ثم قال متسائلاً:
– “وماذا ستفعل الآن بدون سيدك؟”

– “هدفي الأساسي هو مساعدة سيدي وإطاعته هو فقط في كل ما يقوله.. ولكن لأن سيدي قد ذهب فهدفي الأساسي الآن تغير.. الآن هدفي هو مساعدة أي إنسان يحتاج للمساعدة .. هكذا تمت برمجتنا نحن الآليين”

– “هل ستساعدنا ؟!”

– “نعم سأساعد البشر الذين يحتاجون للمساعدة”

فكر نيمو للحظة ثم قال :
– “يبدو أنني كنت مخطئاً.. لم يكن سيدك هو ثالثنا.. أنت هو ثالثنا”

– “أرشيفي يحتوی علی الكثير من الأشياء التي لن يمكنكم فهمها ولا تطبيقها لأن عالمي مايزال متقدماً علی عالمكم بمراحل.. ولكن يمكنم الاستفادة من بضعة معلومات صغيرة قد تمثل ثورة في التكنولوچيا بالنسبة لعالمكم هذا”

قال نيمو بشرود :
– “بالطبع بالطبع.. إنها الثورة التي سيبدأ معها إسم ماريو”

ثم عم الصمت على المكان.. صمت يشبه ذاك الذي حل علی علی الأرض بأكملها بعد خمسة عشر قرناً من الزمان.

النهاية <<

ملاحظات ونقاط مهمة وثرثرة من الكاتب :

* القصة كما قلت في أول جزء معقدة للغاية.. وأعرف أنها ربما لن ترضي بعض القراء ولكني لم أرَ الأمور سوی بهذه الكيفية، كل ما أطلبه فقط هو قراءة السطور بعناية ومحاولة ربط الأمور، أنا نفسي لم أفهم ما حدث في مرحلةٍ ما، أخبروني إذا ما وجدتم ثغرات مؤثرة في القصة و ما شابه.

* إذن الكوارث والحوادث التي تم ذكرها في القصة كلها حقيقية مائة بالمائة.. كلها ما عدا بالطبع تلك التي حدثت في المستقبل.

* قصة الخمير الحمر وكمبوديا كتب عنها أستاذ إياد مقالاً قصيراً ورائعاً منذ فترة طويلة.. تجدونه هنا :
أغرب حكومة .. أبادت ثلث الشعب !!

* بالنسبة للمصادر الأخری فلم أجد هناك داعٍ لذكرها ووضعها في خانة المصادر لأنه بعد كل شيء هذه مجرد قصة.. بالإضافة لأنني لم أتعمق في كتابة ووصف تفاصيل تلك الحوادث لدرجة تستدعي هذا الأمر، علی العموم أهم مصدر هنا هو ويكيبيديا….. ولا ننسی جوجل بالطبع.

* اقتبست فكرة القصة والساعة من فكرة أخری.. هي فكرة قديمة لصديقي مصطفی جمال.. كانت فكرة سلسلة قديمة له تحكي عن ساعة تجلب الدمار والبؤس وما شابه في المكان الذي تكون موجودة فيه.. تبنيت هذه السلسلة بموافقته لكنني عدلت عليها بشكل كبير، صديقي مصطفی ليس له أي دخل بالقصة الحالية وأحداثها ولا حتی بفكرة الساعة الحالية.. مما يعني أن هذه القصة كتبتها كاملاً بنفسي من الألف حتی الياء وأفكارها وأحداثها كلها من تأليفي حتی لا يظن بعض القراء أنني اشتركت معه في كتابة هذه القصة، وجدت أنه من الواجب التنبيه علی هذه الجزئية حتی ولو لم تكن بهذه الأهمية.

في النهاية أعتذر علی الإطالة وشكراً علی تفهمكم.

تاريخ النشر : 2018-03-19

البراء

مصر - للتواصل: [email protected]
guest
69 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى