أدب الرعب والعام

7 دقائق

بقلم : عبد الرحمن خليل – مصر

7 دقائق

لا إراديا يقوم بالهروب بسرعة لم يحلم بها قبلا ..

 ((الخوف شعور لا تستطيع السيطرة عليه و لكن ما تستطيع السيطرة عليه هو رده فعلك تجاه هذا الخوف ))

***

يسمع تلك الأصوات العالية تقول له تقدم حان دورك الآن , تقدم , لا يستطيع أن يري شيئا فعينيه معصوبة , لا يستطيع المقاومة فيديه مكبله , كل ما يستطيع فعله هو مجاراة تلك الأيدي التي تدفع به إلى الأمام و هو يعلم جيدا ماذا ينتظره , ينتظره هلاكه , فلقد حان دوره في تسديد دينه …

فتلك الجماعة التي هي عبارة عن مجموعه من المختلين عقليا ونفسيا و في نفس الوقت من أصحاب النفوذ العريض , تلك الجماعة التي تستهوي نوع جديد من الصيد .. ( صيد الإنسان ) .. نعم فأنهم يهونها, يستلذون بها , يستدرجون الضحية عن طريق فقرها الشديد أو الحاجة , يقرضوها المال بسخاء , ثم يطالبونها بالسداد , لكن كيف لها و من أين لها أن تسدد تلك الأموال ؟ .

ليس أمامهم إلا أن يلعبوا لعبتهم , أن يكونوا هم الفريسة , و من يستطيع منهم تمضيه 7 دقائق في حقل الصيد دون أن يقتل , يتم العفو عنه نهائيا .

لكن طول هذه المدة لم ينجو احد, لم يصمد احد 7 دقائق كاملة , وكيف يصمد شخص اعزل أمام ما يقرب من 3 أو 4 صيادين مسلحين ببنادق عاليه التصويب و الدقة في حقل صيد تفضحه أشعه الشمس والساتر الوحيد هي الأشجار الرفيعة .. باختصار انك هالك لا محالة ..

و الآن قد وقع هو ضحية تلك الجماعة و حان وقت تسديد دينه ..

فجأة هدأت الدنيا من حوله , هدوء غريب , هدوء مخيف ..

و شعر بأنفاس تقترب من وجهه , و صوت يهمس في أذنيه : هل تشعر بالخوف ؟

يرد بصوت متقطع : نعم ..

جيد سوف تحتاجه

تزاد ضربات قلبه قوة و سرعة و يسمع صوت تعبئة البنادق الآلية بالرصاص , ثم يتم الدفع به ليسقط فورا و كأنه كان على مرتفع ما . و فجأة تلك الأكبال التي تكبل يديه يتم فكها آليا , فيقوم بسرعة بنزع عصابة عينيه و ينظر أمامه فيجد تلك الأشجار الرفيعة و الحقل الفارغ و آثار دماء من سبقوه .

يفزع قلبه لهذا المنظر ثم يسمع فجأة صوت البوق العالي , نعم انه إشارة بدء موسم الصيد , ينظر خلفه ليجد 3 صيادين يصوبون نحوه من مرتفع صخري .

لا إراديا يقوم بالهروب بسرعة لم يحلم بها قبلا , أصبح يجري و يتخبط في العراء تخبيطا ..

و قد بدأت أصوات الطلقات تلاحق خطواته وكأنها لدب الرعب في نفسه حتى يزيد الأمر إثارة لهم .

يختبئ هو خلف شجره من ذلك الشجر الرفيع , يلهث لا يستطيع التقاط أنفاسه , يحاول الهدوء كي يسمع ما حوله , فلقد هدأت الدنيا تماما . يسأل نفسه هل مرت السبع دقائق , لكن سرعان ما ترد الرصاصات معلنة انه تبقي وقت .

يتابع الهرب بين الأشجار محاولا تغيير مساره , لكن قلبه لا يستطيع تحمل المزيد من الجري , فتلك الـ 7 دقائق تبدو في طول الزمان لا تنتهي أبدا .

يلجأ لشجره أخري يحتمي ورائها حتى يلتقط أنفاسه , و يحاول الهدوء مرة أخري فهو يشعر بأن الـ 7 دقائق أوشكت على الانتهاء , هدأت الدنيا حوله مرة أخري , لكن هذه المرة طال الهدوء , معقول ! .. هل انتهت المدة ؟ .. يسأل نفسه ..

ها أنا اجتزت ذلك الكابوس .. يمد رأسه ليمين الشجرة لينظر ما الذي حدث .. يخرج رأسه ببطء و قلبه أصبح يدق بسرعة و كأنه سيخرج من مكانه , أصبح يسمع صوت ضرباته في أذنه , ينظر بخوف ورعب , فيجد فوهة بندقية أمامه , بين عينيه تحديدا , فيرفع نظره ليري وجه حاملها .. و لكن كانت المفاجأة  ….

يرفع رأسه مسلما بنهايته و ينظر إلي ذلك الوجه المظلم , ذلك الوجه هو وجهه , نعم انه هو , ينظر إليه لا يصدق , ينظر إلي يديه على الزناد ليجد انه اقترب إلى نهاية مساره , يغمض عينيه , يسمع صوت الطلقة …

***

يستيقظ مفزوعا , كالعادة , أنه ذلك الكابوس الذي يتكرر كل ليلة , ذلك الكابوس الذي لا يتركه ,, يلتقط أنفاسه و يتناول حبه الدواء بجانبه , و ينظر إلى الساعة , يمسك بالهاتف ؟ ..

يتصل , ثم يقول : آلو .. كيف الحال يا دكتور ..

: أهلا معاليك .. كيف حالك و حال أحلامك ؟ .

: لقد تكرر الحلم مره أخري يا دكتور .

: هذا متوقع و لكن انتظم علي الأدوية معاليك و ستتلاشي تلك الكوابيس تدريجيا .

صمت

ثم يغلق الهاتف بدون سلام .

يستعد للذهاب للعمل ككل يوم و ينظر إلى تاريخ اليوم في مفكرته , ترتسم على وجهه البارد ابتسامة خفيفة , فاليوم, هو يوم الثلاثاء, اليوم الموعود الذي ينتظره بفارغ الصبر طول الأسبوع .

يذهب إلى غرفة الملابس في قصره , فهو يملك غرفة كاملة من الملابس , منها للمناسبات الفخمة و المؤتمرات و الرياضة ومنها ما هو خاص , خاص لدرجه انه محفوظ في خزانه سريه مغلقه برقم سري . يفتح تلك الخزانة المغلقة , و ينظر إلى بندقيته الآلية للقنص التي يستخدمها في الصيد ثم يلتقطها و يفتح خزنة الطلقات و يقوم بالعد للطلقات الموجود فيها كما يفعل كل مرة و كل ثلاثاء عندما يذهب للصيد , يتأكد من التجهيزات جميعها فهو يطمح اليوم لكسر رقمه القياسي , فالثلاثاء الماضي اصطاد ضحيته الذي كان خادم في قصره و احتاج المال و بالطبع اخذ ما احتاجه و دفع عمره مقابل له, ذلك الخادم لم يصمد أمامه سوى دقيقتين فقط في الحقل .

يتوجه من قصره إلى سيارته الفارهة , وينطلق إلى عمله و يسرح بعقله في ذلك الحلم الذي يتكرر , و لم يجد منه مهرب .

لماذا يكون في الحلم الفريسة مع انه في الواقع الصياد , طبيبه النفسي يقول إنها فقط أحلام سخيفة من آثار الإرهاق , لكنه لا يصدقه فهو يشعر دائما في كلامه بخوف و قلق منه, و من لا يهاب شخص مسئول صاحب نفوذ مثله, و خصوصا إن ائتمنه علي سر ثمن إفشائه حياته و حياه عائلته .

يكمل يوم عمله كالمعتاد ثم يعود إلى البيت و يجهز ليوم الصيد , يذهب إلى غرفته و يبدأ في التجهيز .

***

يقف في المنتصف بجانب الصيادين الآخرين و هم أيضا من أصحاب النفوذ و المال و يتم تحضير الضحية التالية , و في ذلك الوقت يقومون بالرهان فيما بينهم على قوة هذه الضحية , فمنهم من يقول : 4 دقائق .. ومنهم من يقول 3 دقائق ..  لكن هو لا يراهن و لا يتكلم معهم , فهو يراقب بتمعن الضحية معصوبة العينين , يراقبها جيدا و هي يتم دفعها , و يشعر بشعور غريب تجاه الضحية تلك المرة , شعور بأنه مختلف عن الباقين , فهو يشعر ببرود في دمه مثل ما فيه , شعور بهدوء أعصابه .

يتم تحضير الضحية معصوبة العينين على حافة المرتفع و يتم دفعها و يصطف الصيادين ويتم إطلاق البوق و فك أيدي الضحية.

يقوم الضحية و يفك عصابة عينيه , و لأول مره لا تنظر الضحية ورائها للصيادين , كل ما فعله هو الجري السريع تجاه الشجر , لدرجة أن الصيادين أصابتهم المفاجأة فأطلقوا النار في نوع من الارتباك , إلا هو فانه لم يطلق طلقه واحده , إنه فقط ينظر و يقول لنفسه : أخيرا وجدت فريسة تستحق المطاردة …

و قبل أن يدروا كانت الفريسة قد اختفت عن أنظارهم و عن أنظار حساسات بنادقهم و مر من الوقت 3 دقائق كاملة . و لقد مر وقت طويل منذ آخر مرة اضطر الصيادين فيها للنزول إلى الحقل بأنفسهم بحثا عن ضحيتهم , فعادة ما يتم قتل الضحية بالتصويب من المرتفع .

لكن أصبح الآن النزول وراء الضحية إجباري , فتقدم الصياد الثالث , فهم لا ينادون بعض بأساميهم بل بأرقامهم , فالصياد الثالث و هو من أوقع بالفريسة في المقام الأول فقد كان جندي يعمل في خدمته و احتاج المال و جرت الأمور كعادتها , و لذلك هو أول من تقدم بالنزول , و الآن لم يتبقي إلا 3 دقائق على انتهاء المدة وينال الضحية حريته .

تقدم الصياد و نزل إلى الحقل ممسكا ببندقيته و يسير بسرعة و بخفه عالية باحثا عن الفريسة , و من المرتفع يراقبه الصيادين الآخرين , هو تحديدا يراقبه بشده و يسال نفسه هل الصياد الثالث سيفوز بالفريسة أم ستنجو الضحية .

و لم تكتمل دقيقة واحدة حتى سمعوا طلق ناري , يتم نداء الصياد الثالث في الجهاز اللاسلكي , لكن بلا جدوى , و في هذه الحالة أصبح من الواضح انه مات .. نعم الفريسة قد قتلت صيادها .

و على الفور تم ضرب البوق مرة أخري معلنا انتهاء الصيد و فوز الضحية مع أن هناك وقت متبقي يقارب الدقيقتين , و تم توجيه الصيادين للابتعاد عن الحقل , و لكن كيف يبتعد هو , فهو الآن يشعر برغبة في الصيد أكثر مما قبل بمليون مرة . فالآن فقط وجد نده .

يقترب من الحافة و يهم بالنزول متجاهلا تعليمات المنظمين بالمنع , لقد حذره المنظم من أنه إذا أقدم على النزول فلن يساعده احد و لن يسمح له بالصيد مرة أخري لأنه خالف البروتكولات .

لكن كل هذا كان بمثابة التوابل التي تزيد من الأمر لذة و متعة , فقانون الصياد هو غريزته .

يتقدم بخفة و بسرعة غير معهودة فأنه الآن أصبح مفترس , الأدرينالين أصبح في أعلى معدلاته . لدرجه انه يشعر بأنه قادر على شم رائحة الفريسة , نعم انه يشعر بها , يشعر بقربه منها …

يتابع تقدمه السريع , و بتركيز فائق , و لكن يوقفه صوت , صوت يخترق هدوء الحقل ..

يشعر بأن هناك صوت قادم من اليمين و كأنه نفس احد , نعم كأنه شخص ما يتنفس بكل ما أوتي من قوة , نعم انه الخوف فالخوف هو الشعور الوحيد الذي يجعلك تتنفس بتلك الطريقة التي يمكن أن يسمعها احد من ذلك البعد .. ((فالخوف
شعور لا تستطيع السيطرة عليه و لكن ما تستطيع السيطرة عليه هو رده فعلك تجاه هذا الخوف )) .

يقترب من صوت النفس بهدوء تام فهو يقترب من تلك الشجرة , و معه بندقيته مصوبة و جاهزة للانطلاق , يقترب و صوت النفس يعلو , حانت لحظه المواجهة .

يقوم بالالتفاف بسرعة البرق حول الشجرة لينظر في أعين الضحية , لكنها لم تكن ضحيته . نعم انه ليست فريسته, نعم انه الصياد الثالث ملقى على الشجرة , مصاب إصابة بالغة و يتنفس بصعوبة تامة , ينظر إليه في نداء للنجدة و عينيه فيها أمل بأن الإنقاذ قد أتى إليه.

ينظر إليه وهو يمد يده ببرود و يأخذ بندقيته و يلاحظ أن جهاز اللاسلكي الخاص بكل صياد ليس معه , ينظر إليه نظره أخيرة باردة ثم يدير ظهره إليه و يكمل طريقه , يحاول الصياد الثالث أن يناديه لكنه لا يستطيع فأصابته البالغة لا تمكنه من النداء , يتحرك هو أسرع فأسرع و قد دب الخوف في قلبه , فمنظر الصياد الثالث قد أرعبه , فتلك الإصابة كأنها من قاتل محترف يعرف أين يضرب ضحيته حتى لا تخرج صوتا , نعم إنه محترف و ند قوي وتحدي لغريزته , و ما يزيد الخوف في قلبه بأنه لا يري أي اثر أو أي صوت يدله علي مكان الفريسة , هل اختفي ؟ , أيمكن أن يكون تسلق تلك الأشجار العالية ؟ , ينظر فوقه في الحال , يلف رأسه بسرعة , فلقد عرف الرعب لقلبه طريق , و فجأة يسمع صوت طلق ناري , تخدرت قدمه اليمني , ينظر إلى قدمه و يركع في الحال فالطلقة اخترقت رجله اليمني .

يصرخ من الألم , و يحاول التماسك , يحاول الوقوف بلا جدوى , يزحف لأقرب شجرة , حتى يحتمي فيها, يصل و هو لا يقدر علي الوقوف , يتنفس بصعوبة و قد وصل لحالة من الارتباك و الخوف , لماذا لم يقتلني ؟ , لماذا أصابني فقط ؟ ,, الألم يزداد عليه فتلك الطلقة لم تكن مصممة للإصابات , بل إنها مصممة للقتل , فهي من نوع ((الطلقة التي تكفي)) , و لذلك يشعر بأن قدمه تحترق , ثم يسمع صوت , ذلك الصوت من جيبه الأيمن , انه اللاسلكي , نعم وعلى تردد الصياد الثالث , انه صوت تشويش .. اششششششششششش .. اشششششششششش .. اششششش ..

ثم صوت إنسان يتكلم و لكن بصوت خافت , يقرب اللاسلكي من أذنه حتى يسمع .

:: هل تشعر بالخوف ؟

:: هل تشعر بالخوف بداخلك ؟

لا يرد عليه

:: هل بدا الرعب يتسلل اليك؟

لا يرد

:: قل لي هل الخوف ازداد بداخلك ؟

تحت ضغط آلام قدمه و خوفه من انه لا يعلم أين مخبئه تحت كل تلك الضغوط يرد : نعم .

:: جيد سوف تحتاجه

وينتهي الاتصال , يحاول الوقوف في عجالة متحملا آلام لا تحتمل , يخرج رأسه ببطء و قلبه أصبح يدق بسرعة و كأنه سيخرج من مكانه و أصبح يسمع صوت ضرباته في أذنه, ينظر بتخوف ورعب , وكانت فوهة البندقية في انتظاره أمامه بين عينيه تحديدا , يثبت مكانه و يرفع نظره ليري وجهه …

يرفع رأسه مسلما بنهايته و ينظر إلى ذلك الوجه المظلم ,, ينظر إلى يديه علي الزناد ليجد انه اقترب من نهاية مساره ..

يغمض عينيه ..
يسمع صوت الطلقة ..

ولكن تلك المرة ليست بحلم ليستيقظ منه .

تاريخ النشر 14 / 08 /2014

guest
44 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى