اساطير وخرافات

أرض الحَكايا و الأسرار

بقلم كل من : قصي النعيمي – سلطنة عمان

أرض الحَكايا و الأسرار
قد لا يعلم الكثير من العرب ان في بعض اجزاء السلطنة طبيعة تفوق الوصف في جمالها ..

بعيدا هناك في أرض الحكايا و الأسرار حيث توارت الحقائق خلف تلك الجبال الصماء و القلاع الشماء ، في أرض عُمان القصية بين أفلاجها وعلى هضابها تناقل أهلها مئات بل آلاف القصص المحيرة حول الجان ، علاقتهم بالإنس ، مساكنهم و حتى معاركهم، حتى غدت هذه القصص أو الألغاز جزء من تراث أهل عُمان و إرثهم ، ليست تلك القصص خرافات سطرتها كتب السَّيَر و دفاتر الحكواتية بل واقع يلمسه العمانيون في كل مكان و رووه عن آبائهم في كل زمان .

أرض الحَكايا و الأسرار
صلالة .. جنة من جنان الارض ..

من تلك القصص و أغربها ما قد روي عن داية كانت قد اتخذت مهنة التوليد مصدرا لرزقها و في إحدى الليالي المقمرة دقّ بابها رجل كبير السن قد بان على ملامحه معالم الحاجة الشديدة فطلب منها أن تلحق به لتولّدَ زوجَه، فسار لمسافة كبيرة و هي على ذلك تتبعه حتى دخلت معه لضيعة كثيرة النخل فسألته عن موضع داره فأشار إلى عريش صغير فدخلته، ولما انتهت من عملها طلبت أجرها فأعطاها هِميانا (كيس) وأمرها أن لا تفتحه حتى تبلغ دارها، فانصرفت المرأة و قد غمرها الفضول و حب المعرفة ففتحت الهميان و لما تبلغ دارها حتى وجدت كومة أوراقٍ لا غير فرمتها و احتسبت أجر عملها عند الله، إلاّ أنها حملت الهميان معها و لم تنسه، و هناك في دارها فتحت الهميان مجددا لتجد أن بقايا الورق الذي رمته قد انقلب ذهبا.

أرض الحَكايا و الأسرار
كهف مجلس الجن .. لا يمكن الدخول إليه إلا عبر فتحة في سقفه ..

ومن عجيب ما قد حكوا أن جنيةً كانت تظهر لأهل بيت في حجرة الطَّبخ دون سابق إنذار، و في ذات يوم قَدِم ليزورهم أحد أقاربهم وأحتاج لدخول المطبخ فما أن دخل حتى تمثلت أمامه امرأة طويلة القامة ضخمة الجثة فهلع لذلك و خاف أشد الخوف، فعاد يريد الخروج من المطبخ و كان بابه ثقيلا جداّ فكان من شدة جذبه لمصراعي الباب أن انخلعت ذراعاه من فوره ، و هذه القصص أقل غرابة و فرادة من تلك القصة التي تحكي عن بضع نساء قد اجتمعن عند إحداهن في بستانها ليجدن نفس المرأة في بيتها وهي تنفي أنهن اجتمعن بها من قبل .

و لا تتوقف حكايا الجن على علاقة بين إنسي و جني بل امتدت لتشمل الجدران و الطرق ، ففي عُمان تنتشر ظاهرة القرى و الأحياء المسكونة ، فغالبا ما تلمح عيناك في كل قرية نائية مجموعة من الأكواخ تلفها النخيل من جميع جوانبها و تعتنقها الظلمة من كل ثناياها لتتفجر الأساطير من آبارها الجافة و تروي قلوبنا حذرا و خوفا ، و ربما كان كل ذلك مقدمة لأمر اعتاد سماعه كبار السن هناك واستغربه كل غريب عنهم ، نعم ، فكثير منا يرى تلبس الإنسان بواسطة الجان أمر يستدعي جلب الرقاة و المواظبة على الأذكار ، لكن الكثيرين من الشيوخ و العجائز في عُمان عاشوا مع هؤلاء المُتلبِّسينَ لهم حياة عادية بل أصبحت لديهم علاقة غريبة بينهم وهؤلاء الغرباء . ومما بلغنا أن عجوزا مر عليها أحد أحفادها الذي أغضبها ببضع كلمات فتحرك "جنيّها" مستجيبا لها نحو حفيدها الذي بات يعاني عوارض المس الشيطاني .

أرض الحَكايا و الأسرار
قلعة بهلاء العملاقة .. تم ادراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو .. يقال بأنها تعود إلى ما قبل الاسلام .. ومسكونة بالجن ..

و لعل من المدن التي اشتهرت بقصص الجان و خوارق العادات مدينة بهلاء ، المدينة التي لم تخل يوما من حكاية تزيد فينا الشعور بارتباطها بالجان و حضاراتهم خصوصا قلعتها السامقة التي انتشر بين الناس ويقال أن الجن تسكنها فكلما رمم منها الأثريون و المختصون جزءا وجدوه في اليوم التالي خرابا كما كان ، و سوقها التراثي الذي عم صيت جنه عمان ، بل و أهلها الذين لم يسلموا من كل هذا أيضا ، و مما حُكِيَ عنهم أن امرأة قد تركت ابنها الصغير مع ابنتها الكبيرة لتجدها قد أكلته ! . و ذلك الرجل الذي قاد سيارته ليرى شيخا كبير السن يمشي فتجاوزه ليراه مرة أخرى قد سبقه في موضع آخر . و قصص تَنَقّلُ أهلها من خلال بضع كلمات من موضع لآخر بلمح البصر .

ربما يكون كل ما سردت وحيا من نسج خيال العامة و ربما تكون واقعا لا مفر منه و لكن تظل لغزا في عقول المتفكرين و سؤالا في أذهان المتدبرين يُخلّفُ في قلوبنا فجوة مظلمة ترينا العالم بمنظار مختلف .

تاريخ النشر 01 / 01 /2015

قصي النعيمي

سلطنة عُمان
guest
44 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى