أدب الرعب والعام

موسيقى

بقلم : شخص ما 222 – المغرب

موسيقى
إنها الموسيقى ، إنها السبب وراء كل هذا الجحيم

خاصة تلك التي ألفها بتهوفن…. و هذا بالضبط هو ما يحبه زميلي بالغرفة…. ليلا و نهارا دائما يصدع رأسي بتلك المقطوعة المسماة فور اليس ، و لأن الحياة تأبى إلا أن تكون قاسية معي ، فطلب تغيير الغرفة دوما ما يكلل بالرفض… كل غرف السكن الجامعي ممتلئة عن آخرها …. شخصان بالغرفة هي طاقة الاستيعاب القصوى، لا أحد يرغب بتغيير الغرفة، لا مشاكل، راحة تامة، و كأن الحياة مثالية، لا ينقصها شيء….. قد يتساءل البعض لما لا أواجه زميلي…. صدقا لقد حاولت، لكني لم أستطع…. فأنا أدين له بالكثير… لولاه لما استطعت تجاوز الاختبارات… لا أريد أن أكون جاحدا … و هذا ما يمنعني من أن أطلب منه التخلي عن الموسيقى عشقه الأول و الأوحد… حتى لو كان في ذلك حرمان لي من الراحة.

لا أنام الليل

كلما حاولت ينفجر ذلك الصوت بأذني، هي حالة أشبه بالأرق، لست نائما، لكني لست مستيقظا، أعجز عن التمييز بين الأشياء، أحيانا أرى خيالات تظهر ثم ما تلبث أن تختفي، أحيانا أسمع محادثات… و في أغلب الأوقات التفت إليه، وأراقبه وهو يستمتع بالموسيقى بينما يدرس، يتنقل هنا وهناك، حاملا أحد تلك المراجع الضخمة و يحرك يديه بتناغم مع الموسيقى… نحن زملاء منذ سبعة أشهر، و مع ذلك لم يتجرأ أحدنا على التعريف بنفسه، و لم تتجاوز محادثاتنا غير الخاصة بالدراسة التحية، يساعدني دائما ، رغم أن مجالاتنا متباعدة، و ينجز عني البحوث…. و كأنه يحضر لأخذ شهادتين بتخصصين مختلفين.

وفي الصباح

توزع نتائج امتحانات لا أتذكر خوضها، كل علاماتي ممتازة….. لكن هذا لا يرضيني…. الأرق يجعلني أنسى، يدفعني للجنون، للشك، حتى أني لا أذكر أني درست هذه الأشياء، أستفيق أحيانا لأجد نفسي في أماكن لا أعرفها، أو في غرف أخرى… لست اجتماعيا، و أفضل الوحدة، لكن يلقي علي أشخاص كثر التحية، و يسألونني عن أحوالي الشخصية، مع أنني أحاول جاهدا تذكرهم، إلا أنني لا أستطيع…. لذا اهرب من تلك المحادثات إلى غرفتي، فأجده هناك يستمع للموسيقى، ويحرك أصابعه و ابتسامته الماكرة تلك تستفزني…… إنها الموسيقى ، إنها السبب وراء كل هذا الجحيم، إنها سبب معاناتي… كيف لك أن تستمتع بينما أنا أحترق في جحيمي كل يوم لمدة سبعة أشهر؟ لنر إذن كيف ستستمع للموسيقى دون أذان، جريت نحو المتجر القريب من الكلية، و دفعت كل ما عندي من مال، لشراء ذلك الخنجر الصغير المخصص للزينة، أنت أيها الخنجر هو سبيلي إلى الخلاص، لا وقت الآن، سأسرع قبل أن يعود إلي إدراكي، قبل أن أجبن و تضيع الفرصة، أزلت الغمد عن الخنجر و جريت….. جريت كما لم أفعل بحياتي…. جريت حتى حسبني كل من راءاني مجنونا ، تلك الأوجه المكفهرة تحدق بي برعب، خطتي برزت للعيان ، أسمع خطوات ورائي ، تحاول منعي من الوصول إلى غريمي، لكن لا أحد سيقدر على ذلك، أصعد الدرج نحو الطابق الثالث، حيث الحجرة الموعودة، أفتح الباب و أغلقه بسرعة، فلا يقدر من خلفي على الدخول، أراه هناك لا يزال على الوضع الذي تركته فيه ،يضع ساقا فوق أخرى، و يمسك بيده إحدى تلك المراجع، ويحرك أصابعه كما العادة متماشيا مع اللحن اللعين، ثم يرفع عينيه نحوي ببطء … ويقول :

ـ أتعرف بأن بتهوفن كان أصما

ـ سأريك معنى المعاناة…

ـ أتدري بأنه لم يستمع لأي من موسيقاه..

ـ لن تستمع إلى تلك المقطوعة بعد اليوم ، فور اليس، صارت من الماضي…

ـ لكنني أؤمن أنه استطاع دوما الإحساس بها….

ـ سوف أمزق أذنيك….سأحرمك أغلى ما في حياتك…..

ـ بقلبه…….

ـ كما حرمتني أغلى ما في حياتي…

ـ كيف…

ـ راحتي…..

ـ برأيك تعرف…

ـ لسبعة أشهر….

ـ اسم المقطوعة؟

ـ سأذيقك من نفس الكأس..

ـ لا أذكر، أنني أخبرتك عنها..

ـ ستتجرع مرارة ما عانيته

ـ مع أنه لا خلفية عن الموسيقى لديك

ـ ستندم…

ـ الجواب هو: أنا أعرف، و هذا كاف لتعرف أنت…..

لم أتحمل كلمة أخرى و انقضضت عليه، مزقت أذنيه بشراسة، أفرغت غضبي به، انتهى كل شيء، مضرجا بدمائه بقي على الأرض….. و توقفت الموسيقى رثاء لأذني عاشقها، انخلع الباب و برزت نفس الوجوه المرعوبة….. ليكن ما يكن الآن، ما دامت الموسيقى قد توقفت، رجال يركضون هنا وهناك، و مسعفون يحملونني نحو العربة، و على وجههم أعتى علامات التقزز بينما يوشك أحد أفراد الحشد على إفراغ ما في معدته ، لكن لا شيء مهم الآن مادامت الموسيقى قد توقفت، لا شيء مهم، حتى هذا الألم …. و لا حتى هذه الفراغات التي احتلها الهواء، و التي كانت تخص أذني تهمني الآن، يمكنني الارتياح أخيرا، سعيد أنا، لأن الموسيقى قد توقفت أخيرا …

تاريخ النشر : 2015-02-25

شخص ما 222

المغرب
guest
37 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى