أدب الرعب والعام

أنت من سيخلص حسناء يا حسن

بقلم : رشيد بوسكورة – هولندا
للتواصل : [email protected]

أنت من سيخلص حسناء يا حسن
كم كانت دهشته حينما رأى فمها مخيطا

بينما كان حسن يغوص في نوم عميق ، حلم بأبيه الذي فارق الحياة منذ أكثر من عشر سنوات ،يخاطبه؛أنت من سيخلص حسناء …نعم أنت يا حسن… أنت من سيخلص حسناء…استيقظ حسن مفزوعا، لم يفهم جيدا ماذا يقصد والده .فحسناء هي أخته التوأم،كانت لها عند أبيها مكانة خاصة عندما كانت صغيرة،كان لا يفارقها أينما حل وارتحل ، كان أبا عطوفا حنونا، بدورهما كانا متعلقين به ، لدرجة أن أمهما كانت تغار من هذه العلاقة .

أصبح حسن أمام لغز محير ، كيف سيخلص حسناء ؟ عدة تساؤلات تدور في مخيلته .صحيح أن حسن أحس بتغيير كبير في طباع أخته حسناء ، لم تعد تلك الفتاة المفعمة بالحيوية ،أصبحت كئيبة ومنعزلة، حتى خطبتها من جلال فسختها ولم تعد راغبة في الزواج ، علما أنها كادت تطير من الفرح عندما تقدم جلال لخطبتها، رجل خلوق ومن أسرة طيبة ، يشتغل شغلا محترما ، كل مواصفات الزواج متوفرة فيه.

أمضى حسن النهار كله يفكر في حل هذا اللغز ، كيف سأخلص أختي من محنتها، فأبي كان محقا في كلامه ، حسناء تعاني، إذن لا بد من حل لمشكلتها، أبي على حق. لكن كيف؟

دخل حسن إلى المطبخ وضع بعض الطعام في حقيبة صغيرة ، بعد ذلك أخذ صنارة والده، واتجه نحو البحيرة التي كان يصطاد فيها والده السمك . في طريقه تذكر عندما كان والده يصطحبه هو وأخته إلى البحيرة لاصطياد السمك، تذكر عندما لم يجد والده طعما للسمك ، فذهبا يحفران معا هناك بحثا عن الديدان التي تلتهمها الأسماك ، كان والده يقول هذه أكلة الأسماك المفضلة.

وصل حسن إلى الصخرة التي كان يجلس عليها والده ، ويرمي الصنارة في الماء ، كان كل شيء في هذا المكان يذكره فيه ، اغرورقت عيناه بالدموع ،تذكر معاناتهم بعد فقدانه والأوقات العويصة التي مروا بها،وتحمل أمه دور الأب والأم في نفس الوقت إلى أن أصبح طالبا في الجامعة. نظر إلى ماء البحيرة وتذكر عندما اصطاد والده سلحفاة ،بعد أن كان يظن أن الصنارة تحمل صيدا ثمينا ، ابتسم حسن ، آه يالها من ذكريات….

وضع طعما للسمك في الصنارة ، ورمى بها في ماء البحيرة ، جلس فوق الصخرة منتظرا تحرك القصبة .

أقترب وقت المغيب وحسن لم يصطاد ولو سمكة، سمع صوتا في الحشائش التي توجد وراء الصخرة ، أدار وجهه ليشاهد قطة سوداء اللون ، نحيفة للغاية ، تكاد عظامها تظهر من تحت جلدها، اقتربت منه ، فخاطبها؛ تعالي أيتها المسكينة ، أعدك ،السمكة الأولى هدية مني لك ، يبدو أنك لم تأكلي لعدة أيام.

جلست القطة وكأنها تنتظر وليمتها، بعد برهة تحركت الصنارة معلنة عن أول سمكة ، سحب السمكة من الماء ، فقدمها لضيفته القطة المسكينة التي اكتفت بحك فمها فوقها ، لكنها لم تأكل شيئا، استغرب حسن من ذلك ، فخاطبها ؛إلا تحبين أكل السمك ، لدي أكلة أخرى لك ، أخذ من طعامه جزءا من اللحم المفروم وقدمه لها ، لكن نفس الشيء ، تحك فمها فوقه بحركة غريبة ولا تريد الأكل.

اقترب حسن من القطة وبدأ يطبطب فوق ظهرها ، كم كانت دهشته حينما رأى فمها مخيطا .

فسخ الخيط بصعوبة ليجد بعد ذلك ورقة صغيرة داخل فمها، زادت دهشته حين اكتشف بأن تلك الورقة ما هي إلا صورة أخته حسناء ، عليها خطوط وكلمات غير مفهومة.

رجع حسن إلى المنزل، وعند وصوله استقبلته أخته بابتسامة ووجه مشرق ؛لقد نجحت يا حسن و بميزة حسن ، لقد اطلعت في الانترنت على نتائج امتحانات آخر السنة.عانقته أمه وقالت له في جو مرح؛ حسن ينجح بحسن ..

اتجه حسن على الفور نحو شيخ قصد إبطال  هذا السحر.اخبره الشيخ بأن هذا العمل كان المقصود منه تكريه أخته في الزواج ،بل الأكثر من ذلك إيذاءها حتى الموت، فلو ماتت القطة لتدهورت حالة أخته إلى أن تلقى حتفها تدريجيا، مصيرها كان متعلقا بمصير القطة الصغيرة.

أبطل الشيخ السحر بشكل كلي ،شكره حسن جزيل الشكر ،وعاد أدراجه متجها إلى المنزل. فضوله جعله يتابع الغوص في حل هذا اللغز، يا ترى من الذي فعل هذا العمل الشيطاني؟  أيوجد أناس بهذا الحقد و الكراهية؟

نعم إنهم معنا،يشاركوننا حياتنا اليومية،قد نشاركهم طعامنا،  مستلزماتنا، واسرارنا، نعم انهم أناس بأقنعة .

أفكار كانت تتضارب في رأس حسن وهو في طريق العودة إلى المنزل.

عند وصوله، لم يخبر أخته وأمه بما جرى ،كان يراقب أخته بشكل دقيق،لاحظ بأن حالتها تحسنت بشكل كبير.

عاد بمخيلته إلى حلم أبيه الذي أخبره بأنه هو من سيخلص أخته حسناء،لولا ذلك لكانت أخته من عداد الموتى.

تساءل من هم أعداء أختي أو بالأحرى أعداء الأسرة الصغيرة؟

من هو هذا المجرم ؟ نعم المجرم الذي كاد أن يرتكب جريمة قتل لولا لطف الله وحلمي لوالدي الذي كان سببا.

أصبح همه الأول والأخير هو معرفة من قام بهذا العمل الشيطاني.

خطرت بباله فكرة طريفة وهو مستلقي فوق سريره. عزم كل العزم بأن يبدأ تنفيذ الخطة صباحا… في تلك الليلة لم ينم جيدا،فكر في خالته التي لم تعد أية علاقة تجمعها بهم ،بسبب رفض أخته لابن خالته ياسين .كان رفضها قاطعا لزواج القرابة ،فهي الطالبة في شعبة البيولوجيا تعرف جيدا نتائج زواج القرابة وما قد يخلق من أمراض مستقبلية للأطفال. هذا الرفض القاطع اصطدم بجهل خالتها التي فسرت الأمر تنقيصا من ابنها وحطا من رجولته. لكن مع كل هذا كان حسن يستبعد أن تعمل خالته مثل هذا العمل الشيطاني .

استيقظ حسن مبكرا وبدأ في تنفيذ خطته . ذهب إلى كل حي به سوق ممتاز ، فألصق في الباب الزجاجي  ورقة كتب عليها : من ضاعت منه قطة سوداء صغيرة فليتصل بالرقم الفلاني. عند رجوعه إلى المنزل سألته أمه عن سبب شروده و غيابه عن المنزل لساعات طويلة.علل الأمر  بأنه خرج بحثا عن عمل في هذه العطلة الصيفية. لم يخبرها بشيء ، المهم أن أخته رجعت لحالتها الطبيعية، وهذا أمل أبيه الأكبر، لكن بقية فك اللغز تتعلق به هو لا غير.

بعد الغذاء صعد حسن إلى غرفته لأخذ قسط من الراحة، فقد كان يمني النفس في الراحة والاستمتاع بساعات نوم طويلة بعد عناء الامتحانات، لكن يبدو أن فترات الراحة لم تحن بعد. تمدد فوق سريره لأخذ قيلولة صغيرة ، لكن قبل أن تغفو عينه رن هاتفه . صاحب المكالمة رجل يبحث عن قطة صغيرة سوداء هي لابنته الصغيرة .طلب حسن عنوان منزل الرجل واتجه على للتو نحوه.

كان المنزل في الحي المجاور لحيه. بمجرد وصوله سلم على الرجل وبدأ في تفقد المكان ، كانت دهشته كبيرة ، فالمنزل المجاور هو منزل صديقة أخته سمية . حدثه الرجل بأن القطة لم تكن تدخل إلا لمنزل واحد هو منزل الجيران الذي يوجد على يمينه ، وأن القطة تغيبت ما يزيد عن عشرين يوما.

بدأت الأمور تتضح بالنسبة لحسن ، بدون شك سمية هي من فعلت ذلك ، لاسيما وان تلك الصورة بالضبط قد طلبتها من أخته في وقت سابق، فترددت حسناء كثيرا قبل إعطائها لها ، خصوصا وأن أمها نصحتها بعدم إعطاء صورها لأحد.

الشيء الآخر الذي يؤكد ذلك هو اهتمام سمية بجلال خطيب صديقتها حسناء ومحاولة استمالته غير ما مرة،  فقد حاولت في إحدى المرات الإيقاع بينه وبين حسناء، لكن ثقته بهذه الأخيرة جعلته لا يهتم بالأمر.

ثلاث دلائل قاطعة تبين بالملموس بأن سمية هي صاحبة هذه الفعلة الشنيعة.

ذهب حسن مع الرجل وابنته الصغيرة إلى جانب البحيرة بحثا عن القطة المسكينة، ليجدوها قرب الصخرة التي كان يجلس فوقها والد حسن. تعرفت البنت الصغيرة على قطتها في أول وهلة رغم هزالتها. شكر الرجل حسن و ودعه بحرارة فرحا بالعثور على قطة ابنته الصغيرة.

عاد حسن إلى المنزل منتشيا بفك اللغز ، بحيث بقى سرا بينه وبين نفسه. عادت المياه إلى مجاريها بين حسناء وخطيبها جلال ، تزوجا ورزقا بمولود جميل اختارا له من الأسماء اسم والدها توفيق.

تاريخ النشر : 2015-04-07

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى